شغف مبكر
في المدرسة الثانوية، أحببت كل شيء، سواء كانت اللغات أو التاريخ أو الفلسفة أو العلوم – عشقتها جميعًا. لكنني ذهبت إلى مدرسة في فرنسا حيث كان يتعين على الطلاب اختيار تخصصات في الصفوف العاشر والحادي عشر والثاني عشر. أما الآن، أعتقد أن التخصص أصبح مقتصرًا على الصفين الحادي عشر والثاني عشر؛ لأن المدارس أدركت أن التخصص المبكر ليس عدلًا؛ فمعظم الطلاب لا يعرفون ما يريدون القيام به في حياتهم بعد. ولكن في زمني، كان عليك أن تختار؛ لذا اخترت قسم الرياضيات. ربما كنت سأكون في قسم العلوم في مدرسة برونكس. كان هناك قسم آخر مخصص لعلم الأحياء، لكنني كنت أحب استكشاف كل شيء ولم أرغب في التقيد بموضوع واحد. كانت الفلسفة واحدة من المجالات التي أحببتها أكثر، ليس فقط لأنك تدرس الكُتَّاب الكلاسيكيين، بل لأنك تستخدم المنطق أيضًا.
عندما أنهيت المدرسة الثانوية، أردت أن أتعرف أكثر إلى كيفية عمل عقولنا. وبهذه الطريقة الغريبة وغير المتعمدة بدأت أهتم بالطب. اعتقدت أنه سيكون مهنة رائعة لأنه من المفترض أن تساعد الناس وتفعل الخير؛ لذا التحقت بكلية الطب. في البداية، اعتقدت أنني سأتخصص في علم الأعصاب، ولكن بعد ذلك، حدثت أمور أخرى، أصبحت مهتمًّا بشيء لم أكن أعرف أنه موجود في المدرسة الثانوية، وهو علم المناعة. أعتقد أن ما جذبني إليه هو تعقيده. بالطبع، كل مجالات علم الأحياء معقدة، لكن علم المناعة بدا لي مجالًا مليئًا بالمفاهيم المثيرة والجامحة. وهكذا، تحولت خطتي من استكشاف العقل البشري إلى الجسم البشري، وانتهت بي إلى علم المناعة.
ابتكار طب الغد
إنه قرار صعب للغاية وسؤال يؤرق الكثير من الأشخاص الحاصلين على درجات طبية. بالنسبة للبعض، يكون الأمر بسيطًا. هناك اعتقاد شائع خاطئ بأنك إذا حصلت على شهادة طبية، فهذا يعني أنك ستعمل مع المرضى. ولكن في بعض الأحيان، ينحرف الأطباء مثلي عن المسار التقليدي ليقوموا بشيء مختلف. أنا أحب العمل مع المرضى، لكن الطب نفسه هو الذي أصبح شغفي الحقيقي. بالنسبة لي، الطبيب يقدم طب اليوم، أما وظيفتي فهي ابتكار طب الغد.
أماكن لم يصل إليها أحد من قبل
مكافحة الأمراض تهدف إلى تحسين صحة البشرية، وبالنسبة لي، لا يوجد شيء أكثر إلهامًا من ذلك. أما البحث العلمي، فهو وسيلة لاستكشاف أماكن لم يصل إليها أحد من قبل. سواء كان ذلك نيل آرمسترونغ الذي استكشف القمر أو كريستوفر كولومبوس الذي أبحر إلى أميركا الشمالية، فكلها مغامرات اكتشاف. أعتقد أن البحث العلمي واحد من أكثر الأمور إثارة. فكرت أنه يمكن لشخص ما أن يطبق مبادئ وتقنيات جديدة لعلاج مرض لم يكن من الممكن علاجه من قبل، وفكرت أن هذا الشخص يمكن أن أكون أنا.
جلد سميك وعقل قوي
تحتاج إلى جلد سميك وعقل قوي لتكون باحثًا. البحث العلمي يتعلق بالمحاولة والفشل، إن كان الأمر سهلًا، فهذا يعني أن هناك شخصًا آخرَ فعله من قبل. إذا كنت تتعامل مع المجهول، فستجرب أشياء وستفشل. قد يكون عدم تحقيق النتائج المرجوة أمرًا غير متوقع، ولكن إذا تعلمت شيئًا جديدًا، فهل يُعد ذلك حقًّا فشلًا؟ لتجري بحثًا ستحتاج إلى الطريقة الصحيحة، والمنهج الصحيح، والموقف الصحيح. لم يقم أحد من قبل بتعديل وهندسة الخلايا التائية. كان لدي زملاء يقولون لي: «إنها فكرة ذكية، ولكنك تضيع وقتك». كان عليّ أن أفكر مرتين ربما يكونون على حق، ربما كان تعديل الخلايا التائية هو المسار الخطأ للمضي فيه. إنه أمر صعب عندما يقول لك أذكى الناس من حولك: إن فكرتك معقدة للغاية ولن تنجح أبدًا. من الصعب تجنيد الناس لبناء فريق، ومن الصعب العثور على المال. ولكن بطريقة أو بأخرى، يجب عليك إقناع الناس بأن تجربتك تستحق أموالهم – يجب عليك التغلب على العوائق والشكوك. التحديات تأتي بأشكال متعددة.
ولكن ما يميزني كباحث هو إيماني بفكرتي. وبلا شك، أثبت نجاحها.
موضوعان مذهلان للعمل عليهما طوال الحياة
إن علمي الأحياء والطب موضوعان مذهلان للعمل عليهما طوال الحياة. يبدأ كل شيء بالتعليم؛ لأن الأساسيات هي المفتاح. علم الأحياء يشبه تعلم لغة جديدة. إذا درست اليابانية، ستجد الكثير من الحروف التي عليك حفظها في البداية، ومن ثم ستحتاج لتركيب الأجزاء معًا. ومع مرور الوقت، يصبح الأمر أكثر تشويقًا؛ لذا لا ينبغي أن يفقد أحد حماسه. علم الأحياء والبحث العلمي ليسا مجرد مصطلحات وإحصائيات، بل هناك الكثير من التفكير الإبداعي والتحديات في الطريق. الأدوات أيضًا تتحسن باستمرار وتصبح أكثر تطورًا. سواء كانت مجاهر أو ذكاء اصطناعي، هناك الكثير من الأمور المدهشة وغير المتوقعة ستصبح ممكنة في السنوات القادمة. إنه اتجاه مثير، ولكنك في حاجة إلى تلك الأساسيات. بمجرد أن تبني قاعدة معرفية، يمكنك الإجابة عن الأسئلة التي لم يتمكن أحد من الإجابة عنها من قبل. ويجب ألا تخاف من المخاطرة. سواء كنت تعمل في مجال الطب أو صناعة الأدوية أو البحث العلمي أو حتى استكشاف مجالات أخرى، يجب أن تتذكر دائمًا الغاية التي تعمل من أجلها. كجزء من حصولي على جائزة كندا الدولية غايردنر، قدمت محاضرات لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء كندا. سأذهب حتى إلى الصين اليوم لمواصلة هذه المحاضرات. حقًّا، التحدث إلى الشباب عن القضايا المهمة هو أمر مجزٍ للغاية. إنه وقت مشوق جدًّا للعمل في هذا المجال.
شراكات بين شركات وأكاديميين
تسعى شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية إلى إقامة شراكات مع الأكاديميين، وهو ما قد يمهد الطريق أمام فرص للعلماء الشباب في بداية مسيرتهم المهنية. فعلى سبيل المثال، تعاون الباحث جون مع شركة نوفارتيس قبل بضع سنوات بعد نجاحه في اختبار علاج مناعي يعتمد على تعديل الخلايا التائية وراثيًّا باستخدام مستقبلات المستضدات الكيميرية (CARs)، ومنذ ذلك الحين، أسست نوفارتيس وجامعة بنسلفانيا مركزًا مشتركًا على الحرم الجامعي يُعرف بمركز العلاجات الخلوية المتقدمة لتطوير تقنيات CAR بشكل أكبر، كما بدأت نوفارتيس في توظيف باحثين متخصصين في العلاج المناعي للسرطان.
المصدر:
مجلة The Science Survey، يناير 2025.
مجلة NATURE للبحث العلمي، 02 April 2014.
0 تعليق