نظرة إلى تحقيق التراث العربي
واستقبال الغرب للكتب المحققة والمترجمة إلى اللغات الأجنبية

طاهرة قطب الدين – باحثة أميركية
يُعدّ تحقيق التراث العربي وترجمته إلى اللغات الأجنبية جسرًا حيويًّا يربط بين الحضارة العربية الإسلامية والعالم الغربي، وهو ما يُسهم في تقديم صورة أدق وأعمق عن إنجازات الفكر الإسلامي والتاريخ الثقافي العربي. يمثل «نهج البلاغة» الذي فاز بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، بنسخته التي حققتُها وترجمتها إلى الإنجليزية، مثالًا بارزًا على أهمية هذا العمل؛ إذ يُبرز هذا النص، الذي يجمع خطب الإمام علي بن أبي طالب وأقواله، قمة البلاغة العربية وجوانب الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي في حقبة مبكرة من التاريخ الإسلامي. بل إنه يمثل مادة الحياة وجوهرها، حيث يعلّمك كيف تحيا حياة هادفة ذات معنى في الدنيا تقودك إلى نعيم الآخرة.
لقد شهد مجال تحقيق النصوص العربية وترجمتها تطورًا ملحوظًا في العالم العربي والغربي على حد سواء. فالعالم العربي قدّم العديد من الإسهامات المميزة، مثل تحقيق المخطوطات النفيسة على أيدي علماء التراث البارزين وإصدارها ضمن مؤسسات علمية مرموقة. وفي الغرب، لم تقتصر الجهود على ترجمة هذه النصوص إلى لغات أجنبية، بل امتدت أيضًا إلى تحقيقها بعناية فائقة، حيث درس باحثون غربيون المخطوطات العربية مع مقارنتها وتحليلها باستخدام أدوات حديثة وأساليب منهجية دقيقة. ساهمت هذه الجهود المشتركة في فتح آفاق جديدة لفهم هذا التراث وتقديمه بشكل يلائم الجمهور الأكاديمي العالمي. يُشير هذا التعاون إلى مسار إيجابي تتجه إليه هذه الجهود، مؤكدًا أهمية الاستمرار في تعزيز هذا الحقل المعرفي وتوسيع نطاقه.
ثم إن استقبال الغرب للكتب العربية المحققة والمترجمة ينطوي على جوانب عديدة. من جهة، هناك اهتمام متزايد بالتراث العربي والإسلامي في الأوساط الأكاديمية الغربية، مما يعزز دراسة هذا التراث وفهمه بموضوعية. النسخة التي أعددتها من «نهج البلاغة» لقيت اهتمامًا كبيرًا بسبب محاولتها الجمع بين الدقة النصية والتحليل التاريخي، وهو ما يتيح للباحثين الغربيين الاطلاع على هذا النص بمنهجية علمية جديدة. ومع ذلك، يُلحظ محدودية الاهتمام من جانب الجمهور العام للتراث العربي والإسلامي.
من التحديات التي تواجه محققي التراث العربي ومترجميه: صعوبة النصوص وندرة المخطوطات، وتحقيق النصوص التراثية وترجمتها يُعد تحديًا كبيرًا؛ بسبب تعقيد اللغة والمصطلحات المستخدمة، فضلًا عن تباين النسخ المخطوطة واحتوائها على تصحيفات وأخطاء. ثانيًا، هناك تحدٍّ تأويليّ: يحتاج المحقق إلى فهم عميق للسياق التاريخي والثقافي للنصوص، وهو أمر قد يتطلب سنوات من الدراسة والتأمل. ثالثًا، غالبًا ما يواجه الباحثون نقصًا في التمويل والدعم المؤسسي اللازمين لتحقيق نصوص تراثية بشكل متقن، وهو ما يضعف إمكانية إخراج عمل شامل ودقيق. ورابعًا، حاجة المحقق والمترجم إلى تقديم النصوص بأسلوب يجمع بين الأمانة العلمية والقدرة على جذب اهتمام الباحثين.
أرى أن هناك حاجة ملحة لتعزيز التعاون بين الباحثين العرب والغربيين في تحقيق النصوص التراثية. كما أن التطورات التقنية يمكن أن تؤدي دورًا محوريًّا في تسهيل الوصول إلى المخطوطات وتحليلها. في الوقت نفسه، ينبغي توجيه جهودنا ليس فقط لتحقيق النصوص، بل أيضًا لتقديمها بأسلوب يبرز قيمتها الإنسانية العالمية، كما حاولتُ فعله في مشروعي الخاص بـ «نهج البلاغة».
إن تحقيق التراث العربي وترجمته ليس مجرد عمل أكاديمي، بل هو جهد يسهم في بناء جسور بين الثقافات وتعزيز الحوار العالمي. ومن خلال التغلب على التحديات، يمكننا أن نقدم صورة أكثر دقة وشمولية عن تراثنا الغني، مع ضمان استمرارية تأثيره في تشكيل الفكر الإنساني.
التراث العلمي العربي
ومجهودات تحقيقه

عبدالله يوسف الغنيم – أكاديمي وباحث كويتي
لا شك أن قاعدة المهتمين بالمخطوطات الإسلامية والأدبية وغيرها من العلوم النظرية أوسع بكثير من المهتمين بالجانب العلمي من التراث العربي المخطوط، ساعد على ذلك اعتماد معظم الجامعات العربية درجات علمية على تحقيق النصوص العربية ودراستها. وقد يكون هذا سهلًا ومقدورًا عليه في الكليات النظرية، لكن في الكليات العلمية والتطبيقية يحتاج الأمر إلى شخص مؤهل في مجال اللغة والأدب وأصول النظر في المخطوطات وتحقيقها، إلى جانب المعرفة العلمية بمادة المخطوط، وهذا يحتاج من المختصين بالطب أو الهندسة أو الجغرافيا جهدًا مضاعفًا لا يناله إلا مجتهد. ويضاف إلى ذلك اهتمام معظم المكتبات التجارية بنشر الكتاب الذي تضمن توزيعه توزيعًا واسعًا، وهو أمر لا يتحقق في مجال كتب التراث العلمي.
مؤسسات عنيت بالتراث العلمي
لكن ذلك لا يعني أنه لا توجد جهود في مجال نشر التراث العلمي العربي، فمن أبرز المؤسسات التي اهتمت بالتراث العلمي العربي معهد التراث العلمي بحلب، وهو إحدى المؤسسات التي نشأت عام 1976م، والمعهد يتبع جامعة حلب، ويهتم بإسهامات العلماء العرب ودورهم في بناء الحضارة الإنسانية، وقد عقد هذا المعهد ما يزيد على ثلاثين مؤتمرًا متعلقًا بتاريخ العلوم العربية، وتصدر عنه مجلة «تاريخ العلوم العربية» التي صدر عنها نحو 15 مجلدًا؛ ومن أبرز إصداراته «كتاب الحيل» تصنيف أبناء موسى بن شاكر وتحقيق أحمد يوسف الحسن وهو في مجال الهندسة الميكانيكية، وله مجموعة من الإصدارات في مجال الصيدلة والطب والنبات وغيرها من مجالات التراث العلمي العربي.
ومن هذه المؤسسات أيضًا مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، الذي صدرت عنه مجموعة من كتب التراث العربي العلمي؛ منها على سبيل المثال: «كشف الرين في أحوال العين» لابن الأكفاني (ت 749هـ)، و«نور العيون وجامع الفنون» لصلاح الدين الكحال (ت 696هـ). وفي مجال الكحالة أيضًا نشرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالرباط «الكافي في الكحل» لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي (ت 656هـ)، و«المهذب في الكحل المجرب» لابن النفيس (ت 687هـ)، ومن أبرز من اشتغل في تحقيق هذه الكتب ومثيلاتها من كتب الكحالة وطب العيون كان محمد ظافر وفائي ومحمد رواس قلعجي.
وفي عام 1978م، تشرفت بتأسيس قسم التراث العربي في المجلس الوطني، وكان التركيز في بداية عمل ذلك القسم على نشر التراث العلمي العربي، وكانت باكورة ذلك كتاب «المناظر» للحسن ابن الهيثم، وهو من تحقيق العالم الكبير عبدالحميد صبرة رحمه الله، و«تاريخ علم الجبر في العالم العربي»، دراسة وتحقيق أحمد سليم سعيدان، و«رسائل ابن سنان» وهي أيضًا من تحقيق أحمد سليم سعيدان، وأقام القسم ندوة بالتعاون مع معهد التراث العلمي في حلب في موضوع «إسهامات العرب في علوم النبات والري والفلاحة»؛ صدرت بحوثها في أربع مجلدات.
وفي الكويت أيضًا أصدرت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي كتاب «البصائر في علم المناظر» لكمال الدين الفارسي، بتحقيق الدكتور مصطفى موالدي، وصدر عن المؤسسة أيضًا للدكتور جلال شوقي ثلاثة كتب من أهم كتب التراث العربي؛ هي: «العلوم العقلية في المنظومات العربية»، «منظومات ابن الياسمين في أعمال الجبر والمقابلة» و«أصول الحيل الهندسية في الترجمات العربية»، وكتاب التصريف لمن عجز عن التأليف» في الطب لأبي القاسم الزهراوي، وهو من تحقيق الدكتور صبحي محمود حمامي.
ولن ننسى في هذا المجال إصدارات معهد المخطوطات العربية في القاهرة؛ ومنها: كتاب «المنجح في التداوي من جميع الأمراض»، لابن أبي سعيد العلائي، من علماء القرن السادس الهجري، و»مصالح الأبدان والأنفس» للبلخي، و«إنباط المياه الخفية» للكرجي، وعدد آخر من الكتب لا مجال لإحصائها هنا.
هذه الأعمال وغيرها تشهد أن العلوم العقلية والتطبيقية لم تكن بعيدة من اهتمام الأفراد والمؤسسات العلمية، التي ذكرنا بعضها، وهناك عدد آخر من الإصدارات لا يتسنى لنا في هذا المجال تفصيل الكلام عنها؛ صدرت عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي (لندن)، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (الرياض)، ودار الحكمة (تونس)، وغيرها من المؤسسات العلمية ودور النشر الخاصة.
فضل المستشرقين
ولا يمكن القول: إن المستشرقين تفوقوا على العرب في الاهتمام بالتراث العربي ونشره، فهذا القول لا ينطبق على جميع المستشرقين، كما أنه لا ينطبق على جميع العرب؛ فقد ظهر من علماء العربية من فاق المستشرقين بمراحل في تحقيقاتهم للتراث العربي، وتمثل ذلك في دقة التحقيق والمقابلة بين النسخ وفي تعليقاتهم القيمة، ونذكر منهم من الأساتذة الكبار محمود محمد شاكر وعبدالخالق عضيمة والسيد أحمد صقر، أما المتأخرون من المشتغلين بالتحقيق فيغلب على أعمالهم الاستعجال وطلب المال، وكان لغياب النقد أثره في تمادي بعضهم وجرأته على التحقيق.
أما المستشرقون فقد كانت لهم ريادة النشر لكثير من تراثنا المخطوط، ونتوقف عند أحد هؤلاء؛ هو الهولندي «دي خويه»، الذي حقق «معجم البلدان» لياقوت، و«معجم ما استعجم» للبكري، و»تاريخ الرسل والملوك» للطبري، وعددًا آخر من كتب التراث العربي التي كانت في بداية القرن العشرين المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه الباحثون. ولقد يسر لنا «دي خويه»، وهو عالم كبير من علماء الاستشراق، الحصول على هذه المصادر المهمة، لكننا لا بد من مراجعة أعماله مراجعة دقيقة؛ فمن تجربتي في مراجعة تحقيقه لـ «معجم ما استعجم» للبكري وجدت أن هناك بعض الأسطر التي لم ينتبه إليها في نسخة الأمبروزيانا، التي كانت إحدى النسخ التي استخدمها في التحقيق، كما فاته الاطلاع على عدد من النسخ المخطوطة المهمة من الكتاب المذكور، ومن أبرزها نسخة المكتبة الأزهرية التي تحفل حواشيها بتعليقات العلماء وملاحظاتهم.
ومع ذلك فإننا لا نريد أن نغمط حق عدد من المستشرقين الذين قدموا دراسات تحليلية ومستفيضة في مجالات التراث العربي المختلفة وجهودهم؛ وهي دراسات تستحق الرجوع إليها والإفادة منها بالاطلاع عليها وترجمتها؛ ففيها توثيق وتأصيل للفكر الإسلامي العربي. وقد أحسن الأستاذ فؤاد سِزكين، رحمه الله، عندما نشر -من خلال معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية بفرانكفورت- مئات الكتب التي جمع فيها النصوص والمقالات والدراسات المتعلقة بالعلوم العربية في مجالات الطب والجغرافيا، وغيرهما، المنشورة في أوربا بمختلف اللغات، وتضمنت مقالات وبحوثًا، يشكّل جمعها على هذه الصورة إضافة مهمة للمكتبة العربية وللمعنيين بالتراث العربي.

مخطوطات إفريقيا
ندين لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بجهودها الكبيرة في التعريف بالتراث الفكري والثقافي لعدد من الدول الإسلامية جنوب الصحراء الكبرى، ونخص بها السنغال وغانا ومالي ونيجيريا إضافة إلى موريتانيا، وذلك من خلال توثيق وفهرسة مخطوطات المكتبات الخاصة والعامة في تلك المناطق، وإصدار مجموعة من الفهارس التي اشتملت على ما يقرب من 18 ألف مخطوط، وقد قدمت تلك الفهارس صورة للحياة الفكرية في تلك المناطق في القرون الماضية، ووثقت تاريخ الإسلام وارتباط علماء تلك المنطقة بتعاليمه من خلال المخطوطات العلمية والتعليمية، ووثقت أيضًا تاريخ شعوب تلك المناطق ورجالها وعلمائها.
وقد يرى بعض المشتغلين بالتراث العربي أن مخطوطات هذه المناطق في أغلبها حديثة النسخ، أو يغلب عليه النهج التعليمي، وهذا لا يقدح في قيمة ذلك التراث وفي أهميته بالنسبة لظروف المناطق التي يوجد بها، بل يجب أن نقدم الشكر للعلماء الذين حافظوا على هذا التراث العربي، وكذلك لأبنائهم الذين تولوا الاهتمام به من بعدهم. مع هذا، فإن ذلك القدر من المخطوطات لا يخلو من نُسَخ نادرة، ترفع من قدره وتزيد في وزنه، ونذكر هنا، على سبيل المثال، كتاب «تصحيح الوجوه والنظائر» لأبي هلال العسكري، الذي نُسِخَ في قرطبة عام 480 من الهجرة، وكتاب «البيان والتحصيل» لابن رشد، وكتاب في الهندسة لثابت بن قرة وغيرها من المخطوطات. ولا شك أن الدراسة المتأنية لتلك المخطوطات التي تحتاج من المختصين إلى العناية والتدقيق ستؤدي إلى فوائد تضاف لميراث التراث العربي والإسلامي.
دور الجامعات
لا بد من تأكيد أن التراث العربي من المخطوطات هو الجذور الثقافية لهذه الأمة، وعنوان أصالتها وأساسها الفكري الذي ينبغي الاهتمام به والعناية بنشره وتحقيقه، وهذا ما تقوم به الأمم الأخرى، على الرغم من أن بعضها لا يملك معشار ما لدينا من مخزون علمي وثقافي؛ فعلى الجامعات والمؤسسات العلمية في عالمنا العربي تقديم مزيد من الدعم للعاملين في هذا المجال، وإتاحة الفرصة لهم لمراجعة دور المخطوطات في العالم، والاطلاع على ما تحويه خزائنها من الكنوز العربية. ونلفت الانتباه أيضًا إلى أن النظر في الفهارس لا يعد كافيًا لمعرفة تلك المخطوطات؛ فالاطلاع على الأصول -كما ثبت لي- يكشف عن مخطوطات مهمة أخطأ الذين أعدوا تلك الفهارس في نسبتها إلى أصحابها.
والأمر الثاني الذي ينبغي تأكيده هو الدعوة إلى تشجيع النقد في مجال تحقيق المخطوطات، وذلك للتخفيف من الجرأة على التراث العربي دون استكمال الأدوات اللازمة للعمل في مجاله. والعمل على كشف من لا يتورعون عن السطو على أعمال الآخرين ونشرها.
جهود العلماء المغاربة في تحقيق المخطوط الأندلسي
العلامة محمد بن شريفة أنموذجًا

محمد العمارتي – أكاديمي وباحث مغربي
الصلات بين الأندلس والمغرب قديمة جدًّا، متجذرة في تاريخهما المشترك، رسخها وعمق جذورها ديننا الإسلامي الحنيف بعد فتح هذه الربوع المباركة. وما زلنا في المغرب إلى يومنا هذا نلحظ مظاهر هذا التواصل على الرغم من مرور قرون على نهاية الأندلس، فلا يزال تراث الأندلس محفوظًا ومستمرًّا في المغرب.
يعد السلطان أحمد المنصور السعدي صاحب فضل كبير في إنقاذ تراث الأندلس وإحيائه، فقد أنشأ بمراكش خزانة ملوكية كانت تضم كل نفيس وغريب من هذا التراث، وفي خزائن الكتب المغربية اليوم بقية باقية منها، مع وجود عدد كبير من الأندلسيين الذين نقدر أنهم حملوا ما أمكن حمله من تراثهم(1). ولن ننسى الدور الذي كان لجامعة القرويين ومثيلاتها بالمغرب في حفظ تراث الأندلس الفقهي الديني والنحوي والصوفي وغيره، بعد أن جُلِبَت مخطوطاته من أصقاع متفرقة من جهات المغرب.
وبناء عليه، ومواءمة مع هذا التوجه العلمي النبيل في الاهتمام بكل ما هو أندلسي، اعتنى المغاربة باقتناء المخطوطات وتملكها وتحبيسها على الخزائن العامة ودور العلم، وتحقيقها وتخريجها ونشرها، فظهرت على إثر ذلك مدرسة متميزة في تحقيق المخطوط الأندلسي.
ومع ظهور الطباعة بالمغرب في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي سارع المغاربة إلى طباعة المخطوط الأندلسي ونشره، وجعلوه على قائمة المطبوعات. كما كان لتأسيس الجامعات المغربية الأثر البالغ في إحيائه والتعريف به، مع إقبال طلابها بكل نهم على نفض الغبار عنه، ليمتد هذا الاهتمام إلى مختلف مراكز البحث المغربية التي ما زالت إلى يومنا هذا تعنى بتحقيق ذخائر المخطوط الأندلسي.
ولم يقتصر الرواد الأوائل للمدرسة المغربية في التحقيق على التنظير ورسم القواعد فقط، بل تعداه إلى التطبيق العملي، فحققوا مخطوطات أندلسية كثيرة، أعملوا فيها ما قعدوه من قواعد، من معارضة بين النسخ، وإصلاح التصحيفات والتحريفات اللاحقة بها، وغيرها من المباحث التي هي أهم ما يقوم عليه التحقيق العلمي للمخطوطات. وهذا يدل على أن علماء المغرب قد عرفوا قديمًا التحقيق علمًا وعملًا، ويشهد على ذلك مؤلفاتهم التي تشكل دروسًا تطبيقية لطلبة تحقيق المخطوط الأندلسي.
فلا عجب إذن أن يُوَرِّثوا ذلك لصفوة من الباحثين المعاصرين الذين انكبوا على تحقيق تلك الذخائر ونشرها، فبزغ أعلام يؤكدون نبوغ المدرسة المغربية في تحقيق هذا التراث أمثال عبدالهادي التازي، ومحمد الكتاني، وعبدالسلام الهراس، وسعيد أعراب وغيرهم، ونحن نجد في الواقع مظاهر هذه العناية في عموم العالم العربي والإسلامي.
هذه إشارات سريعة إلى بعض مظاهر العناية بالمخطوط الأندلسي من جانب العلماء المغاربة، وهو ما يستدعي الحديث عن أهم أعلام هذه المدرسة. وطلبًا للإيجاز سأقتصر هنا على ذكر واحد منهم ممن رسموا بجهودهم الملامح الكبرى لهذه المدرسة، وهو: العلامة الدكتور محمد بن شريفة، فقد تضمن مشروعه العلمي التوثيقي مباحث مؤسسة لتحقيق المخطوطات الأندلسية وتقديمها للقراء والدارسين العرب في صورها المضبوطة علميًّا؛ إذ لم يكتفِ بالتنظير لعلم التحقيق فحسب، بل مارسه وطبقه، ويشهد على ذلك كتبه وإنجازاته العلمية الرصينة في هذا الباب.
فإذا كانت الخطوة الأولى للمحقق قديمًا وحديثًا هي جمع النسخ المخطوطة للكتاب والمقابلة بينها، فإن عملية التحقيق ومراحله تقوم على أساس اختيار النسخة الأم، والإشارة إلى الاختلاف في الهوامش. والمتصفح لأعمال محمد بن شريفة المحققة يدرك مدى سعة إحاطته بشتى أنواع المصادر التي تعينه على النهوض بهذه المهمة العلمية الجليلة خدمة للتراث الإسلامي الأندلسي.
وبناء عليه فإن مشروعه العلمي يتميز بالشمول والعمق، والاستقصاء والغزارة والتنوع، كما يتسم بالمهارة والاطلاع الواسع على التراث الأندلسي، فقد أبدى عناية كبرى بتحقيق المخطوطات في مجال الثقافة الفصيحة الرسمية، كما أولى اهتمامًا علميًّا آخر بتحقيق الفنون الشعرية المستحدثة في الغرب الإسلامي، ولا سيما أمثال العوام الأندلسية، فحاول رد الاعتبار لهذه النصوص العامية من خلال تحقيق نصوصها والإشادة بما تزخر به من معطيات أدبية ولغوية وتاريخية مهمة قد يعجز المؤرخون وعلماء الاجتماع عن الإلمام بقضاياها ومعطياتها؛ لأنها استطاعت أن ترصد المجتمع الأندلسي بتفاصيله النابضة بالحياة.

نشأة محمد بن شريفة
ولد عام 1931م بإقليم الجديدة بالمغرب، وبها حفظ القرآن الكريم وتلقى العلوم الدينية والدنيوية. قرأ شروح المتون في النحو والتوحيد والفقه على بعض علماء مدينتي الجديدة وآسفي. واستطاع محمد بن شريفة أن يكون رائدًا من رواد الثقافة المغربية الحديثة، ومن أركان الجامعة المغربية التي منحها في مجال التراث الأندلسي، إشعاعًا واسعًا، حتى لا نكاد نعثر إلا نادرًا على أمثاله، في مجال تخصصه المرتبط بالتاريخ الأدبي والحضاري الأندلسي.
وابتداء من سنة 1959م سينتقل إلى مدينة الرباط ليزاول مهام التفتيش بالتعليم، حتى يكون قريبًا من كلية الآداب بالرباط التي سجل الدراسة الجامعية بها عند تأسيسها. فحصل على الإجازة منها، وكان في طليعة أول فوج تخرج من كلية الآداب بالرباط عام 1960م. وقضى السنة الدراسية 1962م بالمركز الإقليمي لتدريب كبار موظفي التعليم في الدول العربية ببيروت.
كان عصاميًّا في ثقافته، وتحصيله العلمي، وأصبح أستاذًا مساعدًا في كلية الآداب بالرباط ابتداء من السنة الجامعية 1962م بعد أن سجل موضوع رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا، فكان بذلك أول من حصل على هذا الاستحقاق العلمي في الأدب من الكلية نفسها سنة 1964م.
سافر إلى مصر لتحضير درجة الدكتوراه في الآداب العربية بجامعة القاهرة، سنة 1965م. وظل هناك إلى أن ناقش رسالته في سنة 1969م، فحصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، وكان أول مغربي يحصل على هذه الدرجة العلمية الرفيعة من جامعة القاهرة.
عاد إلى المغرب بعد ذلك، فعمل بالتدريس الجامعي أستاذًا للأدب الأندلسي منذ عام 1970م في كل من كليتي الآداب بالرباط وفاس، إلى حين تقاعده عام 1995م.
تقلد مهمة محافظ الخزانة الكبرى بالقرويين (1976- 1978م)، كما كان عميد كلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة منذ تأسيسها سنة 1978م، ثم مسؤولا عنها إلى غاية سنة 1981م عندما التمس إعفاءه منها بعد أن قام نظامُها، وتم بناؤها. فرجع إلى الرباط ليتفرغ للأعمال العلمية في الكلية والأكاديمية، ثم تحمل مهام محافظ الخزانة العامة للوثائق والمخطوطات بالرباط في 1989م بظهير شريف، فظل قائمًا عليها إلى سنة 1995م(2).
مؤلفاته في مجال المخطوطات وتحقيقها
أغنى محمد بن شريفة المكتبة المغربية والعربية بالعديد من المؤلفات الأندلسية المحققة النادرة، نذكر منها: – «أمثال العوام في الأندلس»، (جزآن)، لمؤلفه الزجالي القرطبي، مستخرجة من كتابه: «رَيّ الأُوام ومرعى السَّوام في نُكت الخواص والعوام» حققها وشرحها وقارنها بغيرها، طبعة: 1975م، فاس- المغرب.
– «التعريف بالقاضي عياض» لولده أبي عبدالله محمد بن عياض اليحصبي، دراسة وتحقيق، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، الطبعة الثانية 1982م.
– «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك»، للقاضي عياض. يقع هذا الكتاب في خمسة أجزاء، وقد حقق محمد بن شريفة الجزء الخامس من الكتاب، الرباط، الطبعة الثانية: 1983م.
– السفر الثامن من كتاب «الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة»، تأليف أبي عبدالله محمد الأوسي المراكشي، تقديم وتحقيق وتعليق.
– تحقيق رسالة «روضة الأديب في التفضيل بين المتنبي وحبيب» لابن لُبَّال الشريشي، ضمن كتاب «أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة» دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1986م.
– «ملعبة الكفيف الزرهوني»، تقديم وتعليق وتحقيق، المطبعة الملكية، الرباط، 1987م.
– «التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات»، تأليف: ابن عميرة أبي المُطَرِّف، تقديم وتحقيق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 1991م.
– كتاب «الزمان والمكان» لأبي جعفر أحمد بن الزبير الجيَّاني، حققه وضبطه وقدم له وعلق عليه، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1993م.
– «ابن مغاور الشاطبي، حياته وآثاره»، دراسة وتحقيق، الدار البيضاء، طبعة: 1994م.
– «ابن حريق البلنسي، حياته وآثاره»، دراسة وتحقيق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1996م.
– «مذاهب الحكام في نوازل الأحكام»، للقاضي عياض وولده محمد، تقديم وتحقيق وتعليق، منشورات دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1990م.
– «أديب الأندلس أبو بحر التجيبي: عمر قصير وعطاء غزير»، تحقيق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1999م.
– «ابن رشيق المرسي، حياته وآثاره»، دراسة وتحقيق، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، الطبعة الأولى، 2008م.
– «ابن رزين التجيبي حياته وآثاره»، دراسة وتحقيق، الدار البيضاء، 2009م.
– «فهرسة المِنتوري القيسي»، تصنيف أبي عبدالله القيسي المنتوري، دراسة وتحقيق، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، الرباط. الطبعة الأولى: 2011م.
– «زاد المسافر وغرة محيا الأدب السافر»، ويليه ذيل زاد المسافر، لأبي بحر صفوان بن إدريس التجيبي، تحقيق، الدار البيضاء: 2012م.
– «كتاب الذيل والتكملة» لابن عبدالملك المراكشي، ستة مجلدات (ثمانية أسفار) حققه وعلق عليه الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد بن شريفة والدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي تونس: 2012م.
– «تاريخ كائنة ميورقة» لأبي المطرف ابن عميرة، ضمن الأعمال الكاملة لأبي المطرف ابن عميرة، دراسة وتحقيق: 2018م، الجزء السادس(3).
وبهذا يعد محمد بن شريفة أحد بناة الدراسات الأندلسية وأعمدتها، ومنارتها في العالم الإسلامي، فهو عميدها؛ وأحد المدافعين البارزين عن فنونها الأدبية الفصيحة منها والعامية؛ المستحدثة بالأندلس دون منازع، وسمَها بعلامات بارزة في مختلف إنجازاته وتحقيقاته ومؤلفاته الكثيرة المتنوعة. كما يُعَدّ أحد كبار الدارسين في الثقافة العربية الذين حققوا التراث الأندلسي، وأخرجوا نفائسه وأعلاقه، فعملوا على تداول نصوصه الغنية التي كانت منسية ومغمورة ومدرجة في دائرة الإهمال، فَفَكَّ الحجب عنها وأماط اللثام عن ذخائرها، فعادت مشرقة بارزة للعيان، بعد أن كادت تخنقها رتابة السنين والإهمال والنسيان، فهو بحق واضع أسس وقواعد المدرسة المغربية في الدراسات الأندلسية أيضًا.
فقد عُرف منذ أزيد من خمسين سنة مهتمًّا بتراث الأندلس، جمعًا وتحقيقًا وتعليقًا وتأطيرًا. وهو اهتمام يندرج في سياق العناية بتأريخ أدب الغرب الإسلامي؛ عبر النبش في المصادر والأصول، منها المخطوطات والمظان والمصنفات وغيرها. فمنذ عمله الأول عن «أبي المُطرِّف بن عَمِيرَة المخزومي»، وهو يراكم من الدرر الأندلسية الفريدة؛ باحثًا متمرسًا يقتفي أثر المؤرخ الأديب، ويتخذ لنفسه مسارات دقيقة تراعي أهم الشروط التي تستدعيها عملية التأليف والتحقيق. يقول في مقدمة الكتاب: «ومع هذه الجهود الطيبة التي عززت الأعمال القيمة التي قام بها المشتغلون بالدراسات الأندلسية في بلادنا، فإننا نظن أن ميدان الأدب الأندلسي الفسيح ما يزال مفتقرًا إلى العناية؛ ذلك أن كثيرًا من جوانبه لم تدرس بعد، كما أن قسمًا كبيرًا من المكتبة الأندلسية لا يزال مخطوطًا، وما يزال كثير من أعلام الأدب الأندلسي في مختلف العصور ينتظرون من ينفض عنهم غبار الزمن، ويجلو عنهم صدأ القِدم؛ كي يَظهروا في صور ناصعة مشرقة»(4).

جوانب من جهوده
بالحديث عن التحقيق والنسخ المرتبطة بالنص المراد تحقيقه، وبالرغم من بعض الصعوبات التي قد تعترض الباحث في عملية تحقيق المخطوط ذي النسخة الواحدة والوحيدة؛ فإن محمد بن شريفة لا يألو جهدًا في القراءة والفحص والتدقيق من أجل إخراج نسخة سليمة تستجيب للمعايير العلمية والأدبية الصارمة. يقول في تقديمه لتحقيق كتاب «ملعبة الكفيف الزرهوني»: «يعرف المنشغلون بتحقيق النصوص محاذير إخراج النص الذي لا توجد منه إلا نسخة واحدة، ولربما أوصوا بالعدول عن إخراجه، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت النسخة الوحيدة سقيمة النقل والضبط، سيئة الكتابة والخط، كما هي الحال في النسخة التي بين أيدينا من هذه الملعبة»(5).
وبناء على هذا التوصيف لم يقف محمد بن شريفة مكتوف اليدين حينما لا يجد أمامه سوى نسخة فريدة؛ بل اعتمد على مقروءاته وخبرته بالخطوط من أجل استكمال عملية التحقيق عبر استقصاء الأخبار والمعلومات من الكتب المناسبة.
كما لم تعد عنده مكانة التراث الأندلسي وجاذبيته منحصرة في تلك الأسماء الأندلسية المتداولة والمعروفة في الآداب العربية عامة التي فقدت بريقها وتوهجها الأدبيين والجماليين مع مرور السنين، ومع كثرة التداول والدراسة والبحث أمثال: ابن زيدون، ابن الخطيب، المعتمد بن عباد، ابن خفاجة، ابن زمرك، وابن عمار…، وإنما أعاد إحياء الهامشي أو العامي من هذا التراث المخطوط الغني المتنوع. وهذه مكرمة كبرى من مكرماته العلمية، أي الالتفات إلى أدب غني ومهمّ، لكنه هُمِّش لأسباب مختلفة ومتعددة أدبية واجتماعية وسياسية وفنية معروفة.
يقول ابن شريفة في هذا الصدد: «وقد دعاني تقيدي بهذا الشرط أن أمكث فترة غير قصيرة أستقرئ الأعمال التي أنجزت في الدراسات الأندلسية سواء في ذلك المنشورة وغيرها، وأفتش بين المخطوطات عن الموضوعات الجديدة، وهي كثيرة، وقد تنقلت بين موضوعات مختلفة، قبل أن يستقر اختياري على ابن عميرة موضوعًا لهذا العمل المتواضع»(6).
خاتمة
نخلص من كل ما سبقت الإشارة إليه أن محمد بن شريفة يبحث خلال مساره العلمي عن المخطوطات المغمورة؛ وينقب في المصادر التي لم تصلها بعدُ يد الباحث، بهدف نفض الغبار عنها وإخراجها للباحثين المهتمين في حلة شبيهة من الأصل أو قريبة منه. ولأن عملية التحقيق بأنواعها المختلفة، تستدعي ضرورة جهدًا مكثفًا وصبرًا مضاعفًا؛ فإن ابن شريفة لم يحد عن هذا الاختيار المنهجي الصارم؛ بل نجده يمضي فيه قدمًا بما توافر لديه من مؤهلات علمية ومعرفة بأنواع الخطوط وأصناف النصوص. فالتحقيق ليس إخراج نص ونشره كيفما اتفق؛ وإنما هو جهد جهيد، يجمع بين الفنّية والعلمية، بدءًا بجمع النسخ ومقابلتها، مرورًا بتحقيق العنوان واسم المؤلف ونسبة النص/ الكتاب، وانتهاءً بتحقيق المتن وإخراجه وصنع فهارسه المختلفة.
التحقيق والتوثيق الرقمي
للتراث المخطوط

محمود عبدالباسط – باحث مصري
يمثل الإرثُ العلمي الهائل، من المخطوطات التي تركها أسلافُ الأمة العربية والإسلامية مُسجِّلين فيها نتاجهم الفكري والثقافي من فقه وعلوم وآداب وغيرها، مصدرًا أوليًّا للمعلومات التي يعتمد عليها، كليًّا أو جزئيًّا، عددٌ من الباحثين لدراسةِ موضوعات متعددة. تبقى هذه المعلومات شاهدةً على ما حققه هؤلاء في ميادين عدة عبر مختلف العصور، وتظل همزةَ وصلٍ وجسرًا للتواصل العلمي بين الحاضر والماضي، والأصلَ الثابت والجذرَ القوي الذي يُمكن أن يُبنى عليه مستقبل باهر.
تقف أمامَ عمليةِ تحقيق النصوص التراثية المخطوطة مشكلات وصعوبات عدة، يتعلق بعضُها بالمخطوطة نفسها أو بأماكن حفظها أو بمحققها الذي قد يكون محصولُه اللغوي والمعرفي قليلًا، فلا يُمكِّنه من فهمِ النص دلالة وتركيبًا؛ فكثيرٌ من المكتبات والمخازن وأماكن وجود ذاك التراث العلمي قد تعرض للنهب والسلب والحرق نتيجة الفتن الداخلية المتكررة أو الغزوات والاحتلال الخارجي (فاجعة بغداد وسقوط غرناطة على سبيل المثال لا الحصر)(7)، وقد يُغلق بعضُ أرباب خزائن المخطوطات أبوابهم في وجه الباحثين، مع امتلاكهم أحيانًا نسخًا لمخطوطات فريدة من نوعها، التي لها أهمية بالغة في عملية التحقيق. علاوة على ما يصيب العديد من المخطوطات من تلف وتآكل جراء الإهمال وعدم العناية بها بعكس ما كانت عليه في عهود الأسلاف، أو نقص كبير في أجزائها أو سوء تصويرها، وبالتالي قلة وضوح نسخها ووجود تشوهات بها، ولا ننسى كذلك ما قد تتعرض له أثناء حدوث أية كوارث طبيعية.
تبدأ المشاكل التي تواجه المحقق في بعض الأحايين قبل شروعه في التحقيق؛ إذ قد يحصل على مخطوطة فريدة أو نسخة وحيدة منها، أو على النقيض قد تكون النسخ الكثيرة للمخطوط هي المشكلة(8)، ثم قد تنتقل تلك المعوقات والصعوبات إلى العنوان؛ فبعض المخطوطات تكون خالية منه، إما لتعرضه للطمس أو لفقد الورقة التي تحمله أو تغييره بأيدي ناسخي المخطوط أو بداعٍ من دواعي التزييف. ليس هذا فحسب؛ بل اسم المؤلف نفسه ثم التحقق من نسبة تلك المخطوطة لذلك المؤلف(9).
تأتي بعد ذلك مرحلة محاولة تنقية متن المخطوط مما أصابه من التلف أو الفساد على أيدي النُّسَّاخ عبر الأزمان، وتقديمه للأجيال كما أراده صاحبه أو أقرب إلى ما أراده؛ إذ تتعدد الأخطاء والتصحيفات والتحريفات بالنقص والزيادة في النسخ المختلفة للمخطوط الواحد؛ لعدم مراعاة التدقيق والتحقيق أثناء قيام النُّسَّاخ بكتابة تلك النسخ. يُضاف إلى ذلك صعوبة الوقوف أو الوصول إلى بعض المصادر التي يعتمد عليها أو يستقي منها مؤلف المخطوطة معلوماته أو شرحه.
ولمعالجة مثل هذه المشكلات والخروج بأفضل النتائج المرجوة يجب أنْ يؤمن مَنْ يقوم بمهمة تحقيق المخطوطات بأنَّه يخوض ميدانًا صعبًا، وعليه أنْ يتحلَّى بالصدق والدقة والأمانة العلمية، إلى جانب الصبر في مواجهة المشاكل والصعوبات والأناة في فهم النص، وبذل قصارى الجهد في مقابلة ومقارنة نسخ المخطوطة، ومراجعة المصادر التي اعتمد عليها صاحبها(10)، فالتحقيق كما يقول عبدالسلام هارون: «هو نتاج خلقي، لا يقوى عليه إلا من وهب خلَّتين شديدتين: الأمانة والصبر، وهما ما هما؟!»(11)، كما عليه ألا يسعى إلى إحلال كلمة بدل أخرى بدعوى أنها أصح منها، ولا يصحح خطأً نحويًّا، ولا يحاول تحسين صياغة وأسلوب المؤلف(12).
وجدير بالذكر أنَّ توسع بعض الجامعات في قبول رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه) لموضوعات تحقيق المخطوطات مع كونه خطوة موفقة وإسهام جاد في نشر تراث الأمة، إلا إنَّه لا بدَّ من وجود قيود شديدة لقبول مَنْ يتصدى لمثل هذا العمل من الطلاب ذوي القدرة والكفاية في التحقيق.
التراث المخطوط بين إيجابيات الرقمنة وسلبياتها
شهدت ميادين ومناحي الحياة المختلفة في العقود الماضية طفرة كبيرة في التطور التكنولوجي، وهو الأمر الذي انسحب على علم المكتبات والمخطوطات في محاولة لتنظيمها وتصنيفها وضبطها في أُطر وأنظمة آلية، ولا سيما أنَّ هذا التراث ذو طبيعة هشَّة تجعله ضعيفًا غيرَ قادرٍ على مقاومة عوامل الطبيعة والزمن(13). وقد سعى القائمون على تلك المكتبات والأرشيفات سعيًا دؤوبًا لاستثمار التقنيات التكنولوجية الحديثة، وحرصوا على توظيفها في رقمنة تلك المخطوطات(14)؛ لإدراكهم أنَّها أصبحت وسيطًا لا غنى عنه، حتى وإنْ حدث هذا بعدما عاشت أمتنا العربية والإسلامية أزمة معرفية يمكن التعبير عنها بلغة اليوم بالفجوة الرقمية. وعلى أية حال فإنَّ حفظ الوثائق بهذه الطريقة يساعد على زيادة عمرها الافتراضي ويضمن استمرار وجودها وعدم اختفائها.
يُقصد بالرقمنة تحويل الحرف إلى الرقم، ومن ثمَّ تُصبح رقمنة التراث المخطوط هي تحويل ذلك التراث من شكله الورقي أو البردي وغيرهما من أنواع الحوامل، حتى المطبوع الورقي إلى الشكل الرقمي أو الإلكتروني، وتخزينه على وسائط متنوعة، وإتاحتها على أقراص أو عبر الشبكة العنكبوتية(15). وتتطلب هذه العملية شأنها شأن أية عمليات أخرى عوامل أساسية عدة من بينها الموارد البشرية ممثلة في الكوادر العاملة من المؤهلين في ميدان الرقمنة، إلى جانب الموارد المالية التي تختلف باختلاف تكلفة مشاريع الرقمنة، والتي من خلالها يتمّ توفير التجهيزات والآليات المطلوبة مثل أجهزة التصوير الضوئي أو الرقمي (الماسحات أحادية اللون والملونة…إلخ) والحواسيب والطابعات وأقراص التخزين والإنترنت وغيرها.

وقد بدأ استخدام هذا التطور التقني الذي ساعد في تخطي حواجز الزمن والمكان وحدود القدرة البشرية في البحث والاستقصاء مع ظهور الميكروفِلْم، تلك التقنية التي أتاحت تسجيل المخطوطات في صور مصغرة ودقيقة بشكل يسهل تداولها وحفظها واسترجاعها بطريقة مختصرة للوقت والجهد والتكلفة، وتوفير الحيز المكاني، وتمكين عدد كبير من الأفراد والجهات في الاطلاع عليها من أماكن متباعدة في الوقت ذاته، مع تجنب الأخطاء التي يمكن حدوثها عند نسخ الوثيقة يدويًّا، إلى جانب الأهمية الكبرى في الحفاظ على المخطوطات الأصلية والنادرة والقيّمة والفريدة في نوعها أو الهشّة والمهترئة من التمزق والتآكل الذي قد تتعرض لها جراء كثرة تداولها بين أيدي الباحثين والمطلعين عليها.
بمرور الوقت حدثت نقلة تقنية كبيرة في التصوير الرقمي وذلك باستخدام آلات تصوير عالية الدقة والجودة يسَّرت الاستفادة من المخطوطات، وسهَّلت قراءتها بشكل أكبر، فأصبح بالإمكان تصفّحها على الحواسيب الآلية والأجهزة الإلكترونية مع إمكانية تكبير الخط ومعاينة نوعيته(16)، بدلًا من بذل جهود مضنية (جسمانية ومادية) في سبيل تتبع الأماكن المختلفة لوجود النسخ المتعددة من المخطوط الواحد في الدولة ذاتها أو في بلدان عدة، إلى جانب ما وفرته على الباحثين من أثمان مرتفعة تفوق قدرتهم المادية إذا ما رغبوا في الحصول على نسخة المخطوط الورقية أو المصورة ضوئيًّا (الميكروفِلْم) الأكثر تكلفة.
أصبح بمقدور كل مستفيد أو أي شخص مهتم بتراثه المخطوط تجميع آلاف نسخ المخطوطات الإلكترونية في مصدر رقمي واحد من خلال أحد الأجهزة الإلكترونية (الحاسوب وغيره) المتصلة بالإنترنت بصورة مجانية ودون مقابل مادي؛ إذ أصبحت الشبكةُ العنكبوتية غنيةً بالمكتبات الرقمية غير النفعية (التجارية) الخاصة أو الحكومية، العربية منها أو الأجنبية. هذا إلى جانب أنَّ الرقمنة بإتاحتها للنص التراثي في صورة مسموعة (نص سمعي) إلى جانب صورته المنظورة قد لبَّت احتياجات ذوي الهمم، وقد ساهمت كل هذه الأسباب في الانتشار الواسع للتوثيق الرقمي للمخطوط. ويبقى بالتالي حضورُ المخطوطات في العالم الرقمي من أجل الخدمات التي قدَّمتها التكنولوجيا للمحققين أو لِمَنْ يستهويه التراثُ المخطوط بصورة عامة.
وتسمح مثل هذه التقنيات الحديثة بإثراء رصيد الخزائن العامة لتراث الأمة بصور ونسخ إلكترونية مما يملكه أصحابُ الخزائن الخاصة في حالة الفشل في اقتنائها عن طريق الشراء أو الإهداء أو الوقف، دون إجبارهم على التنازل عنها، وبالتالي جمع وإنقاذ المخطوطات عامة والنادرة خاصة من الضياع. علاوة على تسهيل نشر الثقافة بين أفراد المجتمع وتعريف أبناء الأمة العربية الإسلامية وغيرهم بتراث وإنجازات الأسلاف.
عائق التعرف إلى شكل المخطوط الأصلي
ومع كل هذه المميزات التي تتمحور حول وظيفتين رئيستين هما الحفظ (التوثيق) والإتاحة، فإنها تعوق التعرفَ إلى شكلِ المخطوط الأصلي ونوعيةِ أوراقه وأحبارِ تدوينه ونوعِ وطرقِ تجليده؛ وبمعنى آخر فإنَّ الرقمنةَ وإنْ أدّت دورًا عظيمًا في العنصر الأول للمخطوط (المتن/ المحتوى/ النص) وهو الجانب المعرفي، فإنَّها عجزت عن تأدية دورٍ مشابه في العنصر الثاني وهو الجسم أو الكيان المادي أو الحامل وما يرتبط به، وبالتالي فإنَّ العلاقةَ الروحية الخفية التي تربط المحققَ مع المخطوطِ الراغب في تحقيقه والتي تتأسس بدءًا من عملية اللمس وتصفح أوراقه سوف تنقطع في ظل الاعتماد الكلي على الرقمنة.
والرقمنة نوعان: صورية ونصّية، وفي الوقت الذي يحمي النوعُ الأول النص الأصلي من التلاعبِ والعبث به، فإنَّ الثاني مع مساعدته للباحث في توفيرِ الجهد والوقت بتسهيل مهمة المقارنة بين النسخ المتعددة للمخطوط الواحد إلا أنَّه يفتح البابَ للعبث بإدخال التعديلات (إضافة وحذفًا) على النص الأصلي بمساعدة برامج خاصة بالتعرف إلى الحروف، وهو الأمر الذي يُشكِّل خطرًا كبيرًا على سلامةِ نص المخطوط الأصلي(17). يُضاف إلى هذا أنَّ تزويرَ المخطوط نفسه يبدأ عادةً بصورته، التي ستكون متاحة بكل يُسرٍ وسهولة على الانترنت، ثمّ صبّ قالب من النحاس لتفاصيله ثم طباعته، ومن هنا تأتي أهميةُ تطبيق بصمة مشفرة أو توقيع إلكتروني لجعل عملية التزوير صعبة التنفيذ(18).
ومع أنَّ الأقراصَ المضغوطة والوسائطَ الرقمية بأشكالِها المختلفة للتخزين تُقدّم خدمةً كبيرة في حماية المخطوط الأصلي فإنَّها عرضةٌ للفيروسات أو التلف شأنها شأن أية آلة، أو أنَّها تصبح بمرور الزمن عتيقةً وغيرَ متوافقةٍ مع التطور المستمر الذي قد نشهده بظهور أجهزة حديثة (التقادم التكنولوجي). والأمر ذاته فيما قد يواجه خوادمَ التخزين الإلكتروني من تحدياتٍ رقمية (تهديدات الأمن السيبراني) مثل القرصنة والاختراق، أو ما قد يحدث من فقدانٍ جزئي أو كلي للبيانات نتيجة حدوث عطل للأجهزة أو البرمجيات المستخدمة أو نتيجة خطأ بشري أثناء عملية الرقمنة ذاتها أو عند النسخ والتخزين. ويمكن التغلب على مثل هذه التحديات أو الحدّ من خطورتها قدر المستطاع بعملِ نسخٍ احتياطية متعددة وتخزينها في أماكن مختلفة، علاوة على استخدام أنظمة أمنية قوية (برامج مكافحة الفيروسات وجدران الحماية)، وتحديثِ الأجهزة والبرمجيات المستخدمة بانتظام لضمان توافقها مع التقنيات الحديثة.

إلغاء مبدأ حقوق الملكية الفكرية
من أبرز عيوب الرقمنة ما يمكن تسميته بالفجوة الرقمية الناتجة عن عدم قدرة بعض الأفراد أو المجتمعات على مواكبة مثل هذا التطور التقني لعدم امتلاكهم القدرات المطلوبة لاستخدامه. ولعل العيبَ الأبرزَ الذي أختمُ به تلك التحديات والعيوب هو: إلغاء مبدأ حقوق الملكية الفكرية الذي يختفي بمجرد أنَّ تصبح نسخُ المخطوطات متاحةً للنشر والتوزيع دون إذنٍ من صاحبها.
ولأنَّ الأممَ التراثية وفي مقدمتِها أمتُنا العربية الإسلامية لا ينبغي أنْ تتخلَّى عن تراثِها أو تنقطع عنه، أصبح من الواجب الآن إنشاءُ مراكز خاصة لحفظ المخطوطات أو أنْ تتضمن كل مكتبة عامة قسمًا خاصًّا للتصوير الرقمي وقسمًا آخر لصناعة علب التخزين، من أجل إنجاز مشروعات متكاملة لتصوير ما بها من مخطوطات وفهرستها وحفظها، إلى جانب عقد اتفاقيات مع أصحاب خزائن المخطوطات الخاصة لتسليمها للحفظ بخزينة في المركز يحمل هو نفسه مفتاحها.
وكل هذه الأمور قد تحمل معها عودة «نحن» الماضية التي كانت حاضرةً حضورًا طاغيًا بإنجازاتها التي يحتوي بعضها ذلك التراث المخطوط، عوضًا عن «نحن» اليوم مقطوعة الصلة أو تكاد بتحقيق إنجازات، لا في حقل ثورة المعلومات والرقمنة ولا في غيرها(19). ومع أنَّها قد تبدو كلمات قاسية، فإنَّنا محتاجون للتفكير كثيرًا في واقعنا المعاصر وإعادة تقييمه حتى نتمكن من تغييره والخروج من تحت ما اصطُلِح علينا بـ«شعوب العالم الثالث»، ونتوجه نحو آفاق جديدة مُشرقة، كما أنَّ إيمانَنا بقانونِ التداول الإلهي الذي يعني قيام أمة بعد أمة بحمل راية التقدم والحضارة، يجعلنا على يقين أنَّنا قادرون على حمل المشعل من جديد؛ إذا ما اتخذنا من مجد أسلافِنا المحفوظ في تراثنا الخالد نقطةَ الانطلاقِ أو الأرضَ الصلبة واللبنةَ الرئيسة لنكون امتدادًا لهم.
وختامًا تجدر الإشارة إلى أنَّ الرقمنةَ، مع أهميتها الكبيرة في عملية إحياء تراثنا ونشره في بقاع العالم، لا تعني الاستغناءَ كليًّا عن المخطوط ذاته؛ إذ تبقى قيمتُه كما هي، محتفظًا بعبقِ التاريخ بوصفه أثرًا، والنسخُ المُقلدة لأي أثرٍ لا تحلّ محلَّه مهما بلغت درجة النسخ أو التقليد.
وإني أتساءلُ في الأخير بدافعِ أنَّ التوثيقَ الرقمي والإلكتروني للتراثِ عامةً والمخطوطِ خاصةً بات حاجةً مُلحّة تستوجب توحدَ الجهود وتضافرها، وتوحيدَ الأهداف والغايات: هل سيأتي قريبًا، مع صعوبة تحقيقه، ذلك اليوم الذي نرى فيه موقعًا مفهرسًا شاملًا جامعًا لتراثنا العربي الإسلامي المخطوط على الشبكةِ العنكبوتية العالمية بتضافرِ جهودٍ مؤسساتية ومساندةٍ رسمية وبمشاركةٍ جماهيرية؟
المرأة السعودية وتحقيق التراث الإسلامي
توثيق البدايات

هند العيسى – باحثة سعودية
دراسات المرأة وتوثيق تاريخ المرأة السعودية:
إن إسهامات المرأة السعودية في تحقيق المخطوط الإسلامي ونشره ما هي إلا امتداد لعناية المرأة في الجزيرة العربية بالمخطوط العربي والإسلامي حفظًا وتملكًا ووقفًا عبر القرون. وتتجلى إسهامات المرأة السعودية واضحة عند النظر لعدد المخطوطات التي حققتها النساء السعوديات في مسيرة تربو على أربعة عقود. وعلى الرغم من أهمية هذه المرحلة في تاريخ المرأة السعودية، ما زلنا نجهل من هن أوائل النساء المحققات، وما زال يغيب عنا توثيقًا لمناهجهن التحقيقية أو الصعوبات والتحديات التي تجاوزنها.
وربما يعزى هذا الإغفال في توثيق إسهامات المرأة السعودية في تحقيق التراث الإسلامي إلى سببين: أولًا، أن مجال دراسات المرأة في المملكة العربية السعودية وتوثيق تاريخها ما زال في أوله، رغم البحوث والكتابات في هذا المجال. يعتري مجال دراسات المرأة بشكل عام الكثير من التشتت والقصور ويتأرجح ما بين محاولة تأريخ النساء السعوديات لتاريخهن -وهي شحيحة- وما بين بحوث ذات أطر ومناهج تخدم برامج بحثية معينة يعمل عليها باحثون وباحثات من خارج المملكة، وهي كثيرة.
ويمكن أن نعزو سبب هذا الإغفال إلى عامل آخر ألا وهو منهجية غير شمولية في تأريخ حركة تحقيق التراث ونشره؛ إذ إن التركيز على الكتاب المحقق المنشور دون سواه عند توثيق النتاج التحقيقي للنساء والرجال على حد سواء قد يطمس إسهامات المرأة السعودية ودورها الريادي في تحقيق التراث من خلال الرسائل الجامعية. أضف إلى ذلك أن التركيز على الغزارة في الإنتاج والسبق قد يهمش إنجاز المرأة السعودية، لو كانت قد حققت كتابًا واحدًا أو نشرت تحقيقًا في رسالة جامعية ثم توقفت.
وعليه، فإن توثيق تاريخ المرأة السعودية يتطلب منهجية تخرج من الأطر التقليدية في توثيق تاريخ التحقيق لتنظر للرسالة العلمية كنتاج معرفي وتاريخي هام وتركز على النتاج التحقيقي مهما كان ضئيلًا أو شحيحًا. ومن خلال تبني هذه المنهجية، سأتتبع بدايات إسهامات المرأة السعودية في مجال تحقيق التراث ونشره بالتركيز على «جيل الرائدات» وهن مجموعة من طالبات الدراسات العليا السعوديات في أواخر السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات واللاتي عكفن على تحقيق المخطوطات كجزء من رسائلهن لمرحلتي الماجستير والدكتوراه.
تتبع البدايات
تزامن انخراط المرأة السعودية في مجال تحقيق التراث ونشره مع فتح باب التعليم أمام الفتيات بشكل رسمي في المملكة العربية السعودية. كانت بداية التعليم النظامي العام للفتيات في عام 1960، ثم تمكنت الطالبات من الالتحاق ببرامج الدراسات العليا في آواخر السبعينيات. إن تزامن تعليم الفتيات والنساء بقدرتهن على الإنتاج المعرفي ليس حكرًا على المرأة السعودية فحسب، بل نرى أن تعليم الفتاة العام والجامعي كان عاملًا مهمًّا في انخراط المرأة العربية بشكل عام في مجال تحقيق التراث ونشره في مصر وسوريا والعراق ولبنان وغيرها من البلدان؛ فقد تزامن فتح باب التعليم الجامعي مع انخراط النساء في تحقيق التراث ونشره. وهنا نشير إلى أهم النصوص النسوية من حيث الأقدمية في توثيق إسهامات المرأة العربية في تحقيق التراث بشكل خاص وارتباطه الوثيق بالتعليم الجامعي. كتبت الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) في مجلة الفكر في عام 1961م مقالًا بعنوان: «الأدب النسوي المعاصر» جاء فيه:
«أن عاملًا جديدًا طرأ على حياة المرأة العربية، اتجه بها كذلك إلى شعبة ثالثة، وهي «الدراسات الأدبية» التي كان لا بد للأديبة العربية من المشاركة فيها لتثبت وجودها العلمي، بعد أن عبرت الطريق الطويل ما بين متاهة الأمية وأبهاء الجامعة: وهو مجال أعفيت منه أديبات الطليعة، ورائدات النهضة الأدبية، ولم تعف منه أديبات هذا الجيل، وفيهن من وصلت إلى منصب الأستاذية في جامعات القاهرة والإسكندرية وبغداد وبيروت.
ويندرج تحت الدراسات الأدبية بالنسبة للدكتورة عائشة عبدالرحمن تحقيق التراث العربي وهي ضليعة فيه ومن أوائل من سلكن هذا الباب بتحقيقها «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري كرسالة جامعية أولًا في الأربعينيات ثم نشرها في كتاب محقق. وهنا لا نرى المرأة السعودية تختلف عن نظيراتها في سوريا ومصر والعراق ولبنان، بالرغم من تأخرها نسبيًّا بعقود.
إن تتبع أول المخطوطات التي حققتها النساء في المملكة العربية السعودية ليس بالأمر السهل. فعلى الرغم من تمكن الطالبة السعودية من الالتحاق بالدراسة في المراحل التعليمية الأولى أو الجامعية في بلدان مثل الهند ولبنان قبل فتح باب التعليم بشكل رسمي أمام الفتيات في المملكة العربية السعودية- مثل نبيلة البسام التي أنهت تعليمها العام في الهند ثم أنهت درجة الماجستير في لبنان في عام 1967- فإنه من الصعوبة بمكان العثور على نص حققته امرأة سعودية قبل ظهور برامج الدراسات العليا في الكليات والجامعات السعودية.
ومن أهم الصعوبات التي واجهتها في بحثي هي الوقوف على الرسائل المحققة ومعرفة إذا ما كانت الطالبة سعودية أم لا. فسرعان ما نكتشف أن قدرتنا كباحثات في توثيق تاريخ النساء يعتمد بشكل كبير على جودة الفهارس والمعاجم في المكتبات، هذا بغض النظر عن قلة التمويل أو قدرتنا على زيارة المكتبات أو الحصول على نسخ من الرسائل. وعلى الرغم من أني في هذا المقال سأعتبر أن مرحلة الدراسات العليا في الجامعات السعودية هي البداية الفعلية لانخراط المرأة السعودية في تحقيق التراث، فإن المجال ما زال في أوله في استكشاف أسماء جديدة ونصوص محققة.
فمع فتح فرصة التعليم العالي أمام الطالبات السعوديات في أواخر السبعينيات في القرن العشرين، انكبت مجموعة على تحقيق المخطوطات في رسائلهن العلمية لمرحلتي الماجستير والدكتوراه. من أوائل الرسائل المحققة التي استطعت تتبعها كانت رسالة الدكتورة نورة التويجري لمرحلة الماجستير في عام 1981م في قسم التاريخ من جامعة الملك سعود وذلك عن تحقيقها للسفر الأول والثاني من مخطوط «الأعلام بنوازل الأحكام» لأبي الصبغ عيسى بن سهل بن عبدالله الأسدي (ت 486هـ/1093م). وقد أكملت التويجري تحقيقها للسفر الثالث في مرحلة الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في 1991م، ثم نشرته مطبوعًا في 1995م.
ثم نجد الدكتورة فوزية أبو عيش في جامعة أم القرى تنهي رسالتها لمرحلة الماجستير في عام 1983م بتحقيقها لمخطوط «كفاية النحو في علم الإعراب» للموفق بن أحمد المكي الخوارزمي تحت إشراف الدكتور المحقق العلامة محمود الطناحي، ثم تنهي درجة الدكتوراه في عام 2005م من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان: «المسائل النحوية والتصريفية في شرح الطيبي (ت 749هـ) على مشكاة المصابيح: جمعًا ودراسة». وقد توالت بعد ذلك أسماء الرائدات في مجال التحقيق مثل الدكتورة فتحية العطار، والدكتورة وفاء قزمار، والدكتورة فريدة معاجبيني، والدكتورة سعاد بابقي، والدكتورة سلوى محمد عمر عرب من جامعة أم القرى، والدكتورة عزة الراشد، والدكتورة نوال الحلوة من كلية التربية والآداب التابعة لرئاسة تعليم البنات آنذاك، والدكتورة حصة القنيعير من جامعة الملك سعود.
وأبرز ما يلاحظ من هذا التتبع السريع لبدايات المرأة السعودية في مجال التحقيق هو ثلاث أمور: أولًا، انتماء عدد من المحققات الرائدات لأسر علمية عريقة يمكن أن يعزى لها الدور في سبق تلك الطالبات آنذاك في مجال التحقيق والتعليم. ثانيًا، نجد أن المرأة السعودية كانت جزءًا مهمًّا من إسهامات النساء بشكل عام في تحقيق التراث العربي في القرن العشرين. فنراها تعكف على تحقيق المخطوطات في ثمانينيات القرن المنصرم في وقت لم يتجاوز عدد المحققات النساء للمخطوط العربي من لبنان وسوريا ومصر والعراق والهند وباكستان وأوربا أكثر من مئة محققة. وثالثًا، نلاحظ أن الطالبة السعودية في ذلك الوقت قد تتلمذت في ثمانينيات القرن المنصرم على أيدي عدد من جهابذة اللغة وكبار المحققين في البلدان العربية وبالأخص في مصر التي كان لها السبق في تحقيق التراث ونشره. ومن الجدير بالذكر أن الدكتورة نوال الحلوة تشير بالفضل للدكتورة عائشة عبدالرحمن حينما وجهت وأبدت بعض الملاحظات على أطروحتها أثناء عملها آنذاك في كلية التربية.

حضور المرأة في حركة إحياء التراث في السعودية
إن توثيق هذه المرحلة باعتبارها البداية الفعلية لإسهامات النساء السعوديات في تحقيق التراث في المملكة العربية السعودية يتطلب النظر لها في سياق حركة إحياء التراث في القرن العشرين في المملكة العربية السعودية بشكل عام وهنا سنرى قلة عدد المحققات مع شح النتاج المعرفي في مجال التحقيق.
ومن أبرز المؤرخين لحركة تحقيق التراث ونشره في المملكة العربية السعودية هو الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، الأستاذ بكلية الآداب في جامعة الملك سعود (سابقًا)، حيث كانت له الريادة في نشر سلسلة من المقالات في مجلتي العرب ودارة الملك عبدالعزيز في أواخر التسعينيات من القرن المنصرم مؤرخًا لحركة نشر التراث وإحيائه، وقد كللت مجهوداته بنشره معجمًا لمطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية من تسعة أجزاء في عام 2015م. وقد قسم الدكتور الضبيب تاريخ حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية إلى مراحل عدة في سلسلة من المقالات نشرها في مجلة العرب عام 1999م. تشمل المرحلة الأولى مرحلة ما قبل توحيد المملكة، ثم تليها مرحلة ما بعد التوحيد أو ما سماها مرحلة الريادة التي بدأت بأول النصوص التراثية المنشورة واستمرت حتى نهاية القرن العشرين متمثلة في أعمال الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، بشكل خاص. أما المرحلة الثانية فكانت تتركز على مرحلة النشر عن طريق الجامعات والرسائل الجامعية ومراكز النشر المختصة بالتراث وهو ما سماها بالمرحلة المنهجية ابتداءً من عام 1970م.
ومن أبرز ما يلاحظ على تاريخ حركة إحياء التراث ونشره في السعودية هو غياب المرأة في مرحلة الريادة وارتباط ظهورها بالمرحلة المنهجية أو تحقيق التراث من خلال الرسائل الجامعية في أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية والتاريخ الإسلامي في الجامعات والكليات في المملكة العربية السعودية.
وهذا الغياب عن تحقيق التراث ونشره لا يعني بالضرورة غياب المرأة ودورها المهم في حفظ المخطوط العربي وقفًا وتملكًا وإهداءً. بل نجد توثيق لدورها الفعال من خلال الدراسات المنشورة عن وقف المخطوطات في نجد وحائل والأحساء والحجاز. ويمكن الإشارة هنا لتأريخ الدكتورة دلال الحربي لوقف النساء في نجد حيث تشير إلى دور فاطمة الزبيرية في وقف الكتب من طلبة العلم الحنبلي في مكة المكرمة، وإلى أم الشيخ علي بن عشري في وقف كتب ابنها الشيخ علي بن عبدالله بن عشري بعد وفاته في نجد في القرن التاسع عشر. وانخراط المرأة السعودية في تحقيق التراث العربي ما هو إلا استكمال لدورها في حفظ المخطوط العربي والعناية به في الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة وبعده.
لكن عند تقصي الأسماء النسائية في المعاجم والفهارس من النصوص المحققة، يلاحظ قلة نتاج الطالبات من التحقيقات في مرحلة الجيل الأول. حيث حصر الدكتور زيد آل حسين رسائل طالبات الدراسات العليا اللاتي نوقشن في الجامعات السعودية منذ بدء التعليم الجامعي للطالبات لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في عام 1977 حتى عام 1992م. وكان إجمالي الرسائل المحققة واحدًا وخمسين تحقيقًا فقط مقابل 1502 رسالة بحثية أعدتها الطالبات في المدة نفسها. وقد نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية هذا الفهرس بعنوان: «دليل الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية».
بل نجد أن عدد نتاج الطالبات من التحقيقات لا يقارن بنتاج الطلاب في المدة نفسها؛ إذ يظهر لنا التباين الحاد حينما نرى أن إجمالي التحقيقات من الرسائل عامة كان 933 تحقيقًا منها 51 تحقيقًا فقط أنجزته الطالبات في مرحلتي الماجستير والدكتوراه مقابل 882 تحقيقًا أنجزه الطلاب. وربما لا يمكن التعويل على هذا التباين كمقارنة موضوعية إذا أخذنا في الحسبان أن الفهرس يبدأ من أول أطروحة نوقشت في معهد القضاء للطلاب في عام 1969م (1389هـ) في حين أن تعليم النساء الجامعي لمرحلة الماجستير لم يبدأ إلا في عام 1977م، أي بعد ما يقارب من تسع سنوات.
ويعد الفهرس الذي أعده الدكتور الحسين من أهم مراجع الباحثين في الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية في المدة التي يغطيها الفهرس، بل إنه مصدر مهم لي في بحثي عن تاريخ المرأة في تحقيق التراث، لكن يجب الأخذ في الحسبان سقوط بعض الأسماء مثل رسالة الدكتورة فتحية العطار لمرحلة الدكتوراه حيث سُجِّلَت رسالتها في مرحلة الماجستير فقط. ولهذا يمكن الاعتماد على «دليل الرسائل جامعة أم القرى إلى نهاية عام 1415هـ» وهو من إعداد عمادة شؤون المكتبات في جامعة أم القرى (الطبعة الثانية 1996م). وهذا النقص أيضًا يوضح لنا أن منهجية البحث عن تاريخ المرأة السعودية تتطلب مساءلة المصادر واستكمال النقص بالمقارنة والتمحيص.

إنجازات رغم الصعوبات
إن قلة نتاج النساء السعوديات من التحقيقات في هذه المرحلة يدعونا إلى أن نتساءل عن التحديات التي واجهها هذا الجيل بداية من اختيار المخطوط إلى العثور على النسخ المطلوبة إلى وجود الإشراف اللازم والمتابعة والقدرة على دخول المكتبات للبحث والدراسة والاطلاع. ويدعونا أيضًا للتساؤل: ماذا كانت إسهاماتهن؟ وما هي المناهج التحقيقية التي اتبعنها؟
ويمكن استقراء أهم صعوبات جيل الرائدات من خلال قراءة مقدمات رسائلهن المحققة. ويظهر جليًّا أن رحلة البحث عن المخطوط والعثور على نسخته أو نسخه المتفرقة أحد أهم التحديات التي واجهنها. مثلًا الدكتورة فتحية العطار تذكر في مقدمة تحقيقها لمخطوط «شرح نجم الدين القمولي على الكافية»- لمرحلة الدكتوراه في عام 1987م من جامعة أم القرى وتحت إشراف الدكتور علي أبو المكارم- أن أخاها وليدًا جلب لها أجزاء المخطوط من المملكة المتحدة، وأن زوجها كان سندًا وأحضر لها مخطوط المدينة المنورة. وتذكر الدكتورة نوال الحلوة في تحقيقها لمخطوط «القراءات وعلل النحويين فيها، المسمى علل القراءات»، لأبي منصور الأزهري (ت270هـ) عام 1987م أنها رغبت في الحصول على المخطوط من تركيا فجلبه لها الدكتور عبدالرحمن العثيمين على نسخة مايكروفيش.
وتذكر الدكتورة فريدة معاجبيني- في تحقيقها لمخطوط «شرح التسهيل» أحمد بن محمد بن عطا الله التنسي التي أنهتها من جامعة أم القرى في عام 1993م- أنها سافرت إلى سوريا للحصول على نسخ من المخطوط وزارت مكتبات عدة واشترت عددًا من الكتب وكونت مكتبتها الخاصة التي تغنيها عناء التنقل. أما الدكتورة سلوى محمد عمر عرب تذكر في تحقيقها لمخطوط «شرح جمل الزجاجي» لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن خروف الإشبيلي من جامعة أم القرى في عام 1996م أن قيّض لها الله السفر للمغرب للوقوف على النسخة الأصلية من المخطوط رغم صعوبة الأمر.
ورغم الصعوبات، نجد أن قدرة جيل الرائدات على الحصول على نسخ من المخطوط وتحقيقه كرسالة جامعية ثم نشره في كتاب يعد إنجازًا عظيمًا إذا ما أخذنا في الحسبان أن بعض تلك النسخ المحققة ما زال يعول عليها حتى الآن. وحتى وقت قريب، كانت أغلبية المكتبات تخصص قاعات خاصة للنساء وأحيانًا أيامًا معينة في الأسبوع مما يحصر وصول النساء لأوعية المعلومات والقيام بمهامهن في البحث والاطلاع. ونجد توثيقًا لمدى توفر المكتبات لطالبات الدراسات العليا في المملكة العربية السعودية في فترة جيل الرائدات في أطروحة الدكتوراه للدكتورة هند الخثيلة عن واقع التعليم في المملكة التي أنهتها من جامعة ساركوزي 1981م. فهي تذكر أن المكتبات كانت شحيحة آنذاك وأن طالبات كلية التربية هن الوحيدات اللاتي لديهن مكتبة تضم 29 ألف كتاب في حين الطالبات من الجامعات الأخرى كن محددات بأيام محددة للدخول إلى المكتبة في يوم النساء.
وعلى الرغم من تلك العقبات التي نتعرف إليها من خلال مقدمات المخطوطات اللاتي حققنها، نجد أيضًا أنه قد تبلورت ملامح فلسفة تحقيقية خاصة في جيل الرائدات يمكن استقراؤها من خلال دراسة نتاجهن التحقيقي. ومن أبرز تلك الفلسفات التحقيقية هو أهمية تحقيق المُحقّق إن استدعت الحاجة لإعادة التحقيق وأن تعدد النسخ المحققة يثري المعرفة ويتيح للقارئ المقارنة بين النسخ المتوافرة، بل إنه فرصة لردم النقص في النسخ المتوافرة. وتظهر هذه الفلسفة واضحة جلية في رسالة كل من الدكتورة نوال الحلوة والدكتورة سعاد بابقي. حيث نجد إصرار الدكتورة نوال الحلوة على نشر رسالتها محققة على الرغم من وجود نسخة محققة من المخطوط نفسه إيمانًا منها بأن كل نسخة ستثبت جدارتها عند عرضها على القراء والباحثين. وبالفعل، فما زال يعول على تحقيق الدكتورة نوال الحلوة لمخطوط «القراءات وعلل النحويين فيها، المسمى علل القراءات»، لأبي منصور الأزهري (ت270هـ) حتى اليوم.
أما الدكتورة سعاد بابقي فتذكر في مقدمة تحقيقها لمخطوط «باهر القرآن في معاني مشكلات القرآن»- للعلامة محمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي في 1997م من جامعة أم القرى- معرفتها بوجود نسخة أخرى منشورة من المخطوط نفسه حيث رأت أن نسختها ستردم القصور في التحقيق الذي ظهر في النسخة المنشورة.
إنجازات الجيل الأول لا تقتصر على نتاجهن التحقيقي المميز أو فلسفاتهن التحقيقية التي تبلورت من خلال منهجهن في التحقيق، بل نرى أنها تعدت ذلك لتخدم مجال تحقيق التراث ونشره بشكل أوسع. فنجد أن المرأة السعودية قد ضلعت في تدريس مقررات تحقيق التراث ونشره في مرحلة الدراسات العليا في الجامعات السعودية وهي بذلك تلعب دورًا هامًا في نقل المعرفة للطالبات جيلًا تلو جيل. نذكر على سبيل المثال لا الحصر دور الدكتورة حصة القنيعير في جامعة الملك سعود في تدريس مقرر تحقيق التراث لطالبات الدراسات العليا في قسم الطالبات والدكتورة سلوى محمد عمر عرب في تدريس مناهج البحث العلمي وتحقيق التراث بجامعة الملك عبدالعزيز.
بل نجد أن جيل الرائدات كان له إسهام حقيقي في خدمة اللغة العربية. فنرى الدكتورة سلوى محمد عمر عرب في قسم اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز قد تقدمت بمقترح في عام 2004م لتأسيس مركز يخدم اللغة العربية يضم أقسامًا عدة منها قسم تحقيق المخطوطات والتراث العربي والإسلامي. ومع أن مقترحها في تأسيس مركز لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها قد نُفِّذَ إلا أن مقترحها بتأسيس قسم خاص بتحقيق المخطوطات والتراث لم يرَ النور بعد.

تقدير وشكر:
ومع دخول الألفية الجديدة وقد سلكت العديد من النساء السعوديات مضمار التحقيق في الجامعات السعودية وخارجها، ومع السهولة النسبية في الحصول على المخطوط والعثور عليه، وتعدد فرص النشر وطرقه، ومع ظهور تقنية التعرف البصري على الحروف لقراءة المخطوط رقميًّا؛ نجد أن تلك الطالبات الجامعيات كن الجيل الأول من النساء السعوديات اللاتي انخرطن في تحقيق التراث العربي ونشره، ومن الأوائل اللاتي وضعن اللبنات الأولى في هذا المجال رغم العوائق والتحديات. فنرى في تلك الأطاريح بداية لمسيرة المرأة السعودية في مجال تحقيق التراث العربي ونشره.
إن عودتنا إلى التاريخ لتتبع إنجازات هذا الجيل الأول من النساء السعوديات في تحقيق التراث العربي إنما هو خطوة نحو توثيق إسهامات النساء السعوديات، وهو اعتراف منا بدورهن الريادي، فقد مهدن الطريق لنا كسعوديات للاشتغال في التراث الإسلامي والعناية به. إن مشروعنا الثقافي الحالي يعتمد بشكل كبير على العودة إلى تلك البدايات، فإسهامات الرائدات في تحقيق التراث ونشره تعد إرثًا معرفيًّا يجب علينا أن نتدارسه، ونبني عليه، ونستكمل مسيرته.
والآن بعد مرور أكثر من أربعين سنة، نرى أن هذا الجيل الأول من المحققات السعوديات قد تبوأن مناصب مختلفة في مجال التدريس والإشراف التربوي وغيره. وعند الحديث مع مجموعة من جيل الرائدات السعوديات في التحقيق وسبب عزوفهن عن التحقيق حاليًّا أجمعن على أهمية الدعم المؤسساتي والعمل الجماعي ضمن فريق عمل في مراكز متخصصة بتحقيق التراث ونشره، فتحقيق المخطوط الواحد يتطلب الجهد الكبير الذي يمتد لسنوات. ومن هنا نقدم دعوة للمسؤولين إلى الاستفادة من خبرات الرائدات من المحققات النساء في السعودية وتذليل العقبات لهن نحو استكمالهن لمسيرة العطاء والإنجاز.
وفي الأخير أوجه الشكر والتقدير لكل الأستاذات الفاضلات من المحققات من الجيل الأول اللاتي تكرمن عَلَيّ بوقتهن للحديث معي لإثراء هذا البحث، وإليهن أهدي هذا المقال. وكل الشكر لقسم التاريخ في جامعة الملك سعود على تزويدي بفهرس رسائل القسم في مرحلة الدراسات العليا منذ تأسيسه.
في المخطوطات المجاورة
للمخطوط العربي

الهواري غزالي – باحث جزائري، محاضر بجامعة باريس
تمثِّل المخطوطات أهم الأبواب التي تسمح للباحثين بالدُّخول عبرها إلى الماضي الإنساني لتستنطقه وتستقصيه، وتقرأ عنه وتبحث فيه، وهي تمثِّل بذلك المعرفة الأساسيَّة التي ينبغي الحفاظ عليها وعدّها في الأساس قيمةً لما فوقَ الدَّولة كالدِّين واللُّغة والأعراف.
وفي ظل التطور الهائل للتقنية ودخول الذكاء الاصطناعي حلبة الصراع الفكري، فإنه قد صار من الجيد إعادة النظر في مقوِّمات التعامل مع المخطوط تعاملًا لا ينبغي أن يكون إلا علميًّا وأكاديميًّا يقتضي الانضباطَ في التعاطي معه كمادَّة، والصرامةَ في الخروج به من خلال التحقيق، والتفسيرَ والشرحَ خلال طبعه ونشره. وإنَّه من الجيِّد إعادة النظر في التخطيط العملي للسياسات الثقافية العربية، التي يمكنها الدفع بالتراث لتفعيله ليكون رافدًا معرفيًّا للحاضر والمستقبل.
ففي ظل التطور التقني دائمًا الذي يسمح برقمنة المخطوطات وتصويرها بشكل جيد، بدأت تظهر في أوربا حركات علمية جامعية تسعى في محاولة منها لتصوير المخطوط العربي ودراسته علميًّا من خلال الولوج إلى عالم الصحراء الكبرى، فلقد قامت فرقة بحث ألمانية من جامعة فرايبورغ برقمنة بعض المخطوطات الموريتانية مثلًا، انظر: http://omar.ub.uni-freiburg.de/index.php?id=omardatabank، ناهيك عن مخطوطات تمبكتو التي انصبَّت عليها منذ عشرات السنين اهتمامات الأوربيين، (انظر مثلًا: vecmas-tombouctou.ens-lyon.fr).
ويغيب عن العالم العربي مخطوطاتُ الصحراء الكبرى التي تعدُّ بحقٍّ رافدا أساسيًّا من حيث إن لهذه المنطقة تقليدًا قديمًا، فقد عرفت هذه المنطقة تجارب في جمع الوثائق، ولعل أحد أهمِّها بيت الحكمة في القيروان، الذي تأسَّس بتأسيس الدولة الأغلبية زمن الأمير الأغلبي إبراهيم الأول (757 – 812م) الذي كان كلما أوفد إلى العباسيين رسولًا لتجديد البيعة لهم، يستقطب من عاصمتهم نفائس الكتب، حتى عُدَّت القيروان بعد تطوُّرها وكثرة علومها ندًّا لبغداد. (الهواري غزالي، مخطوطات صحراء الأطلس الإفريقي في خطر: هل من مشاريع لإنقاذها؟ القدس العربي، 2 فبراير 2023م). ونجد في هذا الفضاء أيضًا مخطوطات بلغات إفريقيَّة أخرى كاللغة الأمازيغيّة، وهي مخطوطات لا يعيرُ لها العالم العربي اهتمامًا واسعًا بوصفها لغاتٍ محليَّةً.
وعلى هذا، فإنَّ دراستي ههنا ستقف على مساءلةٍ للتُّراث أبعد قليلًا عمَّا هو سائدٌ حاليًّا، معتمدًا على الإشكال الآتي: هل ينبغي أن يقع المخطوط المكتوب بالخطِّ العربي بدائرة اهتمام مراكز التراث العربي أيضًا؟ نطرح السُّؤال بطريقةٍ أخرى: هل الخطّ كفيلٌ بأن يجعل من المخطوط مصنَّفًا ضمن التُّراث العربي ولو كان مُؤَلَّفًا بلغةٍ أخرى؟
من المؤسف جدًّا أن يجيب بعضٌ بالرَّفض، فكتابة الخطّ العربي التي تطوَّرت بشكلٍ سريع مع مجيء الإسلام قد عرفت انتشارًا واسعًا بشبه الجزيرة العربية في أنماطٍ مختلفة وغير منظَّمة، وتشهد الصحف القرآنيَّة والرَّسائل المتبادلة بين الأمصار بما في ذلك رسائل نبيِّ الإسلام صلَّى الله عليه وسلَّم عن رغبةٍ في اعتماد هذا الخطِّ رسميًّا أسلوبًا كتابيًّا للعالم الإسلامي وهو في بداية مراحله الأولى، قبل أن يتَّخذ شكله النَّهائي والمقنَّن بالتَّنقيط والتَّشكيل. ولقد انتقل هذا الخطُّ العربي بسهولةٍ ليعطي للغات الشَّفهيَّة المختلفة الدَّاخلة إلى الإسلام وجودها الكتابي، بوصفه خطًّا روحيًّا ونبويًّا لدين سماويٍّ، وذلك بعد انتشار هذا الدِّين في آسيا وإفريقيا وأوربا.
في صناعة أطلسٍ جغرافيٍّ للمخطوط المكتوب بالخط العربي
واستُخدمَ الخط العربي فيما بعد بصفته تعبيرًا عن انتماء الفضاء إلى العالم الإسلامي رابطًا بين مختلف الأمصار، وظهر في ذلك وسيلة للزَّخرفة المعماريَّة كعلامات تزيينية على الجدران، والمآذن، والبوابات وكنقوش جنائزيَّة. وتُعرفُ إيران بأحسن الخطَّاطين من مثل مير عماد حسيني وعماد الكتاب، وعبدالمجيد طالقاني، الذين تخرَّجوا من قزوين. وتضمُّ هذه المدينة التي تُعَدّ عاصمة للخطِّ العربي الإيراني معاهد تعليم مثل: معهد ملك محمَّد للخط، ومعهد نيرومند للخط، كما تقوم على إنجاز مؤتمرات كل عامين حول هذا الفن، واحتفالية الخط بالآيات القرآنية، ومهرجان الغدير للخط أيضًا. (انظر فاطمة صفا، «الخط في إيران.. فن وطني ولغة ثقافية مشتركة»، الفيصل، مارس 2023م).
ويساعد الخطُّ العربي في فهم التَّطور التَّاريخي للمجتمعات الإسلاميَّة، فقد لحظ الرَّحالة الشَّهير ابن بطوطة نقشًا تذكاريًّا على محراب أول مسجد جامع في دلهي، فَكَّ رموزَه. ساعده هذا النقش في العثور على التاريخ الدقيق للغزو الإسلامي لدلهي. (انظر الدكتور عطاء الله، دراسة فن الخط العربي وأثراته الحضارية والثقافية في شمال الهند، مجلة أقلام الهند س6، ع4، أكتوبر-ديسمبر 2021م).
وإذا أحصينا الأقاليم التي عرفت كتابة لغاتها بالخط العربي، فإنَّنا سنجد فضلًا عن الإقليم العربي نفسه، خمسة أقاليم أخرى كتبت لغاتها وتكتبها أيضًا بالخطِّ نفسه، كالإقليم التُّركي والهندي والفارسي والإفريقي والأوربي. وتضمُّ هذه الأقاليم اللغات الخمس التي تكاد تكون كاللَّهجات. فعلى سبيل المثال، نجد في الإقليم التُّركي العثمانية والقازانية التَّترية والقرمية والكاراسية والداغستانية والجركسية والأنبورغية والجغتائية والأوزبكية والكشغرية، ونستثني، بشكل محدَّد، الكتابة الألخميادية في أوربا، التي ابتدعها سكان الأندلس بعد سقوط غرناطة، لغرض الحفاظ على ثقافتهم الروحية.
ولعله من الجيد توفير أطلس للخطِّ العربي على شكل خريطةٍ تُوَضَّح من خلالها مواقعه الجغرافيَّة في العالم قديمًا وحاضرًا. وسيفيد هذا الأطلس في الواقع النَّظر في كيفيَّة انتشاره تاريخيًّا، وفي تفاعله الثقافي والعلمي مع مناطق مختلفة من العالم.

في سؤال الخطِّ بعد منع استخدام العربيَّة
بعد سقوط غرناطة بعشر سنوات، وتحت طائل التَّهديد بنَفْيِهِم خارج الأندلس، وجدت محاكم التفتيش طريقًا سريعًا في إسبانيا لإجبار المسلمين على اعتناق المسيحية والتحدث باللغة القشتالية التي كانت لغة إسبانيا آنذاك مكان العربية. ففي عام 1567م، أصدر ملك إسبانيا فيليب الثاني أمرًا ملكيًّا يجبر المسلمين على التخلي النهائي عن العربية، لغة تواصلٍ وخطّ كتابة، وعَدَّ المرسومُ استخدامَ العربية جريمةً تصل إلى حدِّ الإعدام، كما أمهل الموريسكيِّين سنوات قليلة لتعلُّم اللغة القشتالية مجبرًا إيَّاهم على التَّخلُّص من كل المخطوطات المكتوبة لديهم باللغة العربية.
في مثل هذه الظُّروف القاسية، سيستعين المسلمون بأسلوب لغويٍّ جديد يسمح لهم بالحفاظ على انتمائهم الدِّيني وثقافتهم الأصيلة، فابتدعوا ما اتُّفق على تسميته باللغة الألخميادية وهي مفردة قد تشير بمدلولها القديم (Aljama) إلى مفهوم المكان الذي تجلس به الجماعة لإقرار مسائل أو للفصل في الشؤون الخاصَّة بالأقليَّات غير المسيحيَّة، وهو ما يعادل المجلس البلدي حاليًّا. ولقد حافظ سكان الأندلس على هذا النظام الاجتماعي منذ مجيئهم الأندلس، وهو ما يؤكِّد في الواقع على الصِّيغة التَّقليديَّة لهذه الظاهرة عند المجتمعات العربيَّة القديمة. كما يمكن أن تشير المفردة نفسُها إلى الجامع، وهي مفردة استخدمتها اللغة القشتاليَّة للإشارة إلى المساجد الرئيسة، مثل مسجد قرطبة.
والألخمياديَّة لغة قشتاليَّة ذات أصلٍ لاتينيٍّ مكتوبة بخطٍّ عربيٍّ، وهي تعتمد إحلال الحرف العربي كتابةً محلَّ الصوت القشتاليِّ نطقًا. وقد استُخدمت هذه الكتابة لأكثر من أربعة قرون دُوِّن من خلالها الأدب الموريسكي بطريقةٍ سريَّةٍ تامَّة، قبل أن تندثر نهائيًّا في غضون القرن الثامن عشر.
وإذا كانت هذه اللُّغة قد قاومت كلَّ محاولات طمس الهوية الإسلامية الأندلسية، فإنَّنا سنتساءل عن الدوافع الحقيقية للموريسكيِّين في تبنِّي الخط العربي، فلم يكن استخدامهم اللغة القشتاليَّة خيارًا بل واقعًا مفروضًا، وهو في الواقع أمرٌ قضى على وجود العربيَّة نهائيًّا، وأبقى على خطِّها استثناءً.
وقد يبدو لأوَّل وهلة أنَّ إبقاء الخطِّ العربي كتمثيل للغتهم القشتاليَّة فرصة تسمح لهم بالاحتفاظ بهذا الإرث العربي كجزء من هويَّة ضائعة، إلَّا أنَّ مدار الأمر سوف يتَّضح عند تبيُّنِنا تلك الرَّغبة المستمرَّة في قراءة القرآن بحروفه الأصليَّة ولو لم تفهم معانيه من جهة، كما سمحت لهم بخلق هامش تفسيري له من خلال تواصلهم بالقشتاليَّة. ولعلَّ هذا الجانب الروحي هو ما دفع فيما بعد إلى إنتاج أدب كاملٍ بلغة يفهمُها الإسبان ولكن لا يستطيع أن يطَّلع عليها إلا الأندلسيُّون.
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث، ونظرنا إلى ذلك الصِّراع القائم بشمال إفريقيا في موضوع تبنِّي الخطِّ العربي للغة الأمازيغية كلغة أصليَّة تُدرَس بالأطوار الثلاثة للتعليم، فإنَّنا نجد في الجزائر مثلًا، ثلاثة توجُّهات أساسيَّة متعارضة في هذا الموضوع، فبينما تطالب جهة بأن يكون الخطُّ لاتينيًّا، وأخرى بأن يكون الخطُّ تيفيناغيًّا قديمًا وهو الخط الأقدم والأصلي للأمازيغيَّة، طالبت جهة ثالثة بتبنِّي الخطِّ العربي، وحجَّة هذه الجهة أنَّ العربيَّة من شأنها تسهيل تعلُّم الأمازيغيَّة بالخطِّ العربي نظرًا لكون هذا الأخير خطًّا سهلًا يمكن تعلُّم نطق حروفه لدى الناشئة مثلًا، ممَّا يخفِّف عنهم وطأةَ تعلُّمِ الأمازيغية بخطِّ لاتيني أو تيفينّاغي هما في الأصل خطَّان يضيفان أتعابًا جديدة على عاتق الطِّفل. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الخطَّ العربي قد نقل اللغة الأمازيغيَّة لقرون عدَّة إلى الجيل الحالي، وتوجد في شمال إفريقيا خزائن مخطوطات عدَّة في هذا الصَّدد.
فهل من المقنع جدًّا أن تدفع بنا سواء كانت ظاهرة اللغة الألخمياديَّة التي تتشابه مع ظواهر أخرى لأقاليم مختلفة كالأرديَّة والأمازيغيَّة، أو ظاهرة اعتماد الخطِّ العربي لغير العربيَّة، لنعدّ في آخر المطاف، أنَّ الخطَّ العربي -لا بدَّ هو الآخر- أن يقع ضمن دائرة الاهتمام بالمخطوط العربي نفسه؟
من المخطوط العربي إلى المخطوط المكتوب بالخط العربي
إنَّ توسيع مجال الاهتمام بالمخطوط العربي إلى المخطوط المكتوب بالخط العربي، وتأسيس مكتبة خاصَّة به، ومركز دراسات يجمع بين باحثين من مختلف مناطق هذه اللغات قد بات أمرًا ضروريًّا وملحًّا. فإذا كنتُ من الداعين إلى إنشاء معهد للُّغات الشرقية بعاصمةٍ عربيَّة على الأقل يضمُّ أيضًا تلك اللُّغات التي تفاعلت مع العالم الإسلامي خلال أربعة عشر قرنًا، فإنَّ ذلك يكون أيضًا من مدعاة اهتمام العالم العربي وحاجته لتوسيع المجال الجغرافي للثقافة العربيَّة ومخطوطاتها خارج إطارها المعتاد. ويحتاج العالم العربي في الواقع إلى إحصاء لعدد كلِّ المخطوطات العربيَّة أوَّلًا، ثم المخطوطات ذات الخط العربي ثانيًا بالأقاليم المختلفة من العالم بعد تحديد أطلس للمخطوطات رقميًّا، وذلك في خطوة لتعزيز منهج العمل التوثيقي مستقبلًا.
وقد يدفعني هذا التأمل إلى رفع مستوى النظر والتماسِ تأسيس منظَّمة عالميَّة للمخطوط المكتوب بالخطِّ العربي تتفرَّع منها معاهد بالهند وتركيا وإيران وشمال إفريقيا وآسيا، مع تكوين لأعوان قادرين على نسخ المخطوطات في شكل أوعية رقمية، وتوفير المنح لهم والظُّروف الملائمة للعمل.
وفي زيارة قادتني إلى سلطنة عمان منذ أقلّ من عام بدعوةٍ من وزارة الإعلام، شرعت في التواصل مع كبريات المؤسسات الراعية للمخطوط، بهدف الاطِّلاع على منجزاتها، فحظيت بالتعرُّف إلى مؤسسة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ومؤسَّسة ذاكرة عمان. ولقد نال عملُ هذه الأخيرة مني إعجابًا كبيرًا، فهي مؤسسة علمية ثقافية تقوم بجمع المخطوطات من خلال عمليات الاستقصاء عبر ربوع السلطنة، ثم الترميم والصيانة والحفظ، ثم الرقمنة باستخدام أجهزة عالية الكفاءة تُخرِج المادة الرقمية بصيغ متعددة عالية الجودة، وتُحفَظ في أوعية ذات سعات عالية، ولقد جلبت معي إلى باريس كلَّ فهارسها المضبوطة ضبطًا وافيًا ودقيقًا.
وإذا كان لا يزال في السَّلطنة حتَّى الآن آلافُ المخطوطات العربية غير المحصاة، فإنَّها بهذا المنهج العملي، قد يُضبَط ما هو موجود في الخزائن العائليَّة، وهو ما يتيح للثقافة العربية فرصة النَّجاح في إنقاذ جزءٍ منها. وعلى هذا، فإنَّ المنهج الذي يشبه منهج مؤسَّسة جمعة الماجد في دولة الإمارات في إحصاء المخطوطات ورقمنتها، يدفعنا إلى اقتراح إستراتيجيَّةٍ تسمح بفتح جسرٍ خليجيٍّ هنديٍّ مثلًا من شأنه أن يعمل على استدراك ما فات.

وحسب المعلومات المتوافرة لدينا، فإنَّ الهند تضمُّ بمكتباتها نحو مئة وخمسين ألف مخطوط (150,000)، خمسون ألفًا منها عربي، يرجع بعضها إلى القرن الأوَّل الهجري، أمَّا الباقي فأغلبه فارسيٌّ وأرديٌّ، وهو جديرٌ بالتَّرميم والرَّقمنة والاحتفاظ به أيضًا، ولا سيما ونحن ندرك أنَّه يوجد ما بين ثمانية آلاف إلى اثني عشر ألف مخطوط عربي يحتاج إلى ذلك، فضلًا عن وجود فهارس لا تزال مكتوبة بخط اليد، وقد يكون بين طيَّاتها عناوين لمؤلّفاتٍ نادرةٍ وثمينة.
وبناء على هذه المعطيات، فمن الجيِّد -اقتراحًا- لو اتَّفق هيئات عربيَّة كمجلس التَّعاون لدول الخليج العربيَّة مثلًا على استحداث مركز للمخطوطات ودراسته يكون سندًا وداعمًا لاستقصاء التُّراث العربي خارج منطقة العالم العربي يسمح بفتح الدِّراسات على اللُّغات المجاورة للعربيَّة وهي لغات الأقاليم التي تطرَّقنا إليها بداية هذا المقال.
وفضلًا عن وجود معهد للمخطوطات العربيَّة الذي تأسَّس تحت رعاية جامعة الدُّول العربيَّة سنة 1946م، فإنَّ هذا المعهد لا يستطيع بمفرده أن يكون مركزًا عالميًّا في الحفاظ على المخطوط، على الرَّغم من تقديمه عملًا كبيرًا يسعى من خلاله إلى صيانة المخطوطات وترميمها وتصويرها ورقمنتها وفهرستها ناهيك عن النشاطات الأخرى التي تتمثَّل في إنشاء قواعد بيانات وعقد دورات تدريبيَّة والتنسيق بين المؤسَّسات المختصَّة والتَّكوين.
ومن الجيِّد أن أشير في هذا المقال ذاته -على سبيل تقديم مثالٍ دعمًا لهذا الاقتراح- إلى معهد البحث وتاريخ النُّصوص الموجود حاليًّا بباريس (https://www.irht.cnrs.fr). وهو مثالٌ يتضح من خلاله وعن طريق المقارنة أهميَّة الاقتراح. فلقد تأسَّس هذا المعهد عام 1937م بمبادرة من فيليكس غرات (1898- (1940 وبدعم من جان بيرين (1870 – 1942م)، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1926م. ارتبط هذا المعهد، في البداية، بصندوق البحث العلمي الوطني الذي أنشئ عام 1935م، ثم سرعان ما أُدمج بالمركز الوطني للبحث العلمي عند تأسيسه في أكتوبر 1939م.
ويتناول المعهد تاريخ النُّصوص المكتوبة باللُّغات الثقافية الرئيسة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، مثل اللاتينية، واللغات الرومانية، والعربية والعبرية، واليونانية، والقبطية، والسريانية، ويشمل ذلك كلَّ الجوانب المتعلِّقة بها كالمواد المستخدمة للكتابة، وكالخطّ والزَّخرفة، والمحتوى النَّصي، والأيقونات.
ويُعَدّ المعهد حاليًّا مركزًا عالميًّا مرموقًا جدًّا، حيث يضمُّ خبراء متخصِّصين في مختلف المجالات العلمية للمخطوط، كدراسة تاريخ الكتابات المخطوطة، والكتب، والمكتبات، والنُّصوص، وفنِّ التزيين. ويركِّز الباحثون في دراساتهم الفيلولوجيَّة والمعجميَّة والتاريخيَّة والكوديكولوجيَّة على تحديد أماكن تأليف المخطوطات وتأريخها، وعلى إعادة بناء تاريخ إنتاجها، وطريقة تداولها، وعملية الانتشار الواسع لها وكيفيَّة استقبالها، وفهم طبيعة جمهورها وحيثيَّة استخداماتها من العصور القديمة إلى بدايات عصر النهضة الذي عرف ظهور أوَّل كتاب مطبوع حلَّ محلَّ المخطوط، ثمَّ على إعداد الإصدارات النقدية عن شكلها ومحتوياتها.
إنَّ توسيع هذا المعهد لمجال دراسة المخطوط المتوسِّطي بلغاته المختلفة يدفعنا أيضًا لتأكيد أنه من الممكن جدًّا تأسيسُ مركز عربيٍّ يتَّسع مجاله لدراسة المخطوط الشَّرقي بلغاته المتعدِّدة أيضًا، وهو بابٌ سيفتح العالم العربي ثقافيًّا على العالم الشرقي من السِّنغال عبر تركيا إلى الهند.
الحاجة إلى إيمان كامل بقيمة التراث

أحمد عبدالباسط – باحث مصري
تحقيقُ النصوص علمٌ وصنعةٌ معًا، ينبغي لمَنْ يريدُ الاشتغالَ به أنْ يكونَ مُلِمًّا بمهاراتٍ عدة وسماتٍ أخلاقيَّةٍ؛ إذ لا يكفي فيه العلمُ بخطوات التحقيقِ وإجراءاته فقط. ولعلَّ مِن أهمِّ تلك السِّمات التي ينبغي أنْ يتَّصف بها مُحقِّقُ النصِّ -مع العلم بالعربيَّة والتمرُّس بأسلوب القدماء، والإلمام بقواعد تحقيق النُّصوص، والعلم الذي يُعالجه النصُّ المُحقَّق- الإيمانَ الكاملَ بقيمةِ التُّراث وما يُمثِّلُه مِن رصيدٍ معرفيٍّ كبيرٍ تركَه لنا السَّلَفُ ينبغي الانطلاقُ منه والبناءُ عليه؛ بوصفِه ركنًا رئيسًا مِن أركان هُويَّة الأُمم وثوابتها، والصَّبْرَ على ما يُواجهه المُحقِّقُ مِن مشكلاتٍ قد تواجهه، وتستغرقُ منه لياليَ وأيَّامًا للكشفِ عنها، والأمانةَ الكاملةَ في التعامُل مع النصِّ المخطوط في جميع إجراءاته.
معهد المخطوطات
منذ نشأة معهد المخطوطات العربية بقرار الجامعة العربية رقم (39)، في الرابع من إبريل عام 1946م، أخذَ على عاتقِه مساراتٍ عدَّة، منها مسارُ التعريف والنَّشْر، الذي انطلقَ مِن إيمانِ المسؤولين بأنَّ التراثَ العربيَّ المخطوطَ ركامٌ بعضُه فوقَ بعضٍ، وأنَّ الإفادةَ المرجوَّةَ منه تكادُ تكونُ معدومةً إذا لم يُعَرَّفْ به: إحصاءً وفهرسةً ونشرًا علميًّا؛ لذا انطلقَ المعهدُ في مرحلةٍ مبكِّرةٍ مِن إصدارِ قوائم مفصَّلةٍ وفهارسَ وصفيَّة لرصيدِه الميكروفيلمي الذي تحصَّلَ عليه مِن بعثات التصوير، كان أوَّلُها فهرسَه العام المصنَّفَ على العلوم سنة 1954هـ، أتبعه فهارس خاصة لفنون: التاريخ، والطب، والعلوم، والكيمياء، والأدب، والفلسفة، والمنطق، والحديث، والفقه. إضافةً إلى ما تبنَّاه المعهد مِن فهرسة مخطوطاتِ مكتباتٍ عامةٍ وخاصةٍ في بلدانٍ عربيَّةٍ وغربيَّةٍ، ونَشْرِها لديه.
ومِن هذه البابةِ -أيضًا- صدرَ العددُ الأوَّل من مجلَّة معهد المخطوطات العربية، وهي أولُ مجلَّةٍ عربيَّةٍ مُحكَّمة تُعْنى بالتراثِ العربيِّ المخطوط، في مايو 1955م، وهي مجلَّةٌ نصفُ سنوية، لا يزالُ نهرها يتدفقُ. وقد خرجَ عنها في الجزء الثاني من المجلد الأوَّل (قواعدُ تحقيق المخطوطاتِ) وهي أوَّلُ دستورٍ يُنظِّمُ خطوات النشر النقدي للنصوص وإجراءاته.
كما تبنَّى المعهدُ إبَّان وجوده في الكويت مشروعًا علميًّا رفيعَ المُستوى؛ لرصد ما طُبِعَ مِن تراثٍ عربيٍّ، فكان (المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع) في مجلَّدَاتِه الخمسة، مع ما انضاف إليها مِن مُستدركات، استوعبت في مجملِها حركةَ النشر التراثي منذ بداية المطابع، حتى أوائل التسعينيات.
ونظَّم المعهدُ -أيضًا- عبر عقوده الثمانية عددًا كبيرًا مِن الدورات التدريبية داخلَ الوطن العربي وخارجه، ناهزت الثمانين دورة، انصبَّ جلُّها في تحقيق التراثِ، فأخرجَ بذلك عدَّة أجيالٍ أثرت المكتبة العربيَّةَ فيما بعدُ بجملة وافرة من النصوص المحقَّقة.
تهجير المخطوطات العربية
تهجيرُ التراث كـ(تهجير الإنسان)، وإذا كانَ المصطلحُ قد عُرِفَ اليومَ مصطلحًا سياسيًّا وإعلاميًّا، في سياقات الحديث عن الحروب والصراعات، وما ينتجُ عنها مِن حركة “قسريَّةٍ” للشعوبِ والجماعات الإنسانية؛ فكذلك الحال بالنسبة إلى تراثنا المخطوط، بل هو أشدُّ قسوةً وعنفًا وخطورةً على صعيدِ الأُممِ؛ فالأُمَّة التي تُسْلَبُ وتتخلَّى عن تراثِها، فإنَّ مُستقبلَها لا شكَّ يتخلَّى عنها.
وأنا في هذا الصَّدَد مُتنازعٌ بين شعورين متناقضين: شعور الغيور على تراثِه، الذي يرى أنَّ عددًا كبيرًا قد هُجِّرَ منه إلى مكتبات الغرب من دون وجه حقٍّ، ومِن ثَمَّ أطالب بعودةِ أُصول المخطوطات إلى مكتباتِها التي خرجت منها.

وشعورٌ آخر هو شعورُ الحريصِ على استدامة هذا التراثِ، وخدمته والحفاظِ عليه، وهو ما سبقنا إليه الغربُ: حفظًا، وترميمًا، وفهرسة، ودرسًا، ونشرًا؛ ومِن ثَمَّ أجدني أتجه نحو بقائه بين يدي مَن يعتني به ويصونُه، مع ضرورة حصولنا نحن العرب على مُصوَّرات عالية الجودة من هذه الأصول، وهو ما تقومُ به جلُّ المكتبات الغربيَّةُ الآن.
لعلَّ هذا الشعور المتناقض ينتابُ كلّ مُشتغلٍ بهذا التراثِ المخطوط، وبخاصةٍ حينما يرى تعنُّتًا مِن بعض القائمين على مكتبات المخطوطات في الوطنِ العربي، وهو ما أوضحه قبلي محمد كُرد علي حينما قال: “وإنَّ بعيدًا يُحْسِنُ القيامَ على هذا التراثِ الوافرِ لأَحْرى به مِن قريبٍ يُبدِّده جزافًا. وإنَّ أُممًا عَرَفَتْنا أكثرَ ممَّا عَرَفْنا أنفسنا -حتى قال أحدُ علمائهم: إنَّ العربَ وضعوا مِن المصنَّفات ما لا يستطيعُ أحدنا أنْ يقرأه طول عمرِه- إن هؤلاء لجديرون بإرث الشرقِ في مادياتِه ومعنوياتِه.. نعم، إنَّ كُتبًا تُترك للأرضةِ تعبثُ فيها، والعفنِ يعبثُ بجمالِ جسمها ورسمها، وتُحرم النور، ويغطي أكثرَها الغُبَارُ والأوساخُ، ويُحرم النظرَ فيها على مَنْ يُحسن الاستفادةَ منها، أو تُفضَّل عليها دُريهمات معدودةٌ؛ حريةٌ بأنْ تكونَ في مِلْكِ مَن يستفيدُ منها ويُفيد”.
التحقيق الرقمي
وفي السنوات الأخيرة ساد مفهوم التحقيق الرقمي، وهو إذا كانَ مقصودًا به إخراجُ نسخة إلكترونية مِن النصِّ المحقَّق عوضًا عن النُّسخ الورقية؛ مما يُوفِّرُ الوقتَ والمادَّةَ، فهو أمرٌ مقبولٌ في الأعمال الموسوعيَّة الكبيرةِ التي تضيقُ كثيرٌ مِن دُور النشر عن طباعتِها، وإن كنتُ أرى في ذلك إجحافًا لحقوقِ المُحقِّقِ الماديَّة والمعنويَّة، ولا يغني عن النُّسخة الورقية.
أمَّا إنْ كانَ المقصودُ هو أنْ تحلَّ الآلةُ محلَّ الإنسانِ والعقلِ البشريِّ في عمليَّةِ التحقيقِ برُمَّتِها، مِن خلالِ تلك الثورة التقنية، والاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتَعرُّف الحاسوب على الحرف المخطوط؛ فهذا أمرٌ غيرُ واردٍ. نعم يمكنُ الاستعانةُ بتقنيات الحاسوبِ في إجراءات محدودةٍ جدًّا في أثناء عملية التحقيق، كإخراج النصِّ وتنسيقه، وصناعة الكشَّافاتِ التحليلية، لكن ليس صحيحًا ولا واردًا أنْ تحلَّ الآلةُ محلَّ العقلِ البشري وما يكتنزه مِن معارفَ ومضامين وفهمٍ عالٍ للنصِّ القديم، يبثُّها جميعُها المحقِّقُ للقارئ في دراستِه التقديميَّةِ للنصِّ المحقَّق، وفي إضاءاته الهامشية أيضًا.
عضو معهد المخطوطات بالقاهرة
المراجع:
(1) محمد بن شريفة: العناية بتراث الأندلس في المغرب وإسبانيا، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، غرناطة 1412هـ/1992م [الصفحات:23- 36].
(2) الساوري عبدالعزيز، «محمد بن شريفة سيرة وببليوغرافيا»، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية رقم 11، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 4. جامعة محمد الأول، وجدة، المملكة المغربية. سنة: 1995م، ص: 7.
(3) نفسه. الصفحات:5 إلى 37.
(4) ابن شريفة محمد. «أبو المطرف حياته وآثاره». منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي. الرباط 1966م. ص5.
(5) ابن شريفة محمد. «ملعبة الكفيف الزرهوني». الطبعة الملكية. 1987م. ص7.
(6) ابن شريفة محمد. أبو المطرف. ص6.
(7) عمر بن عراج، «المخطوط العربي: آليات الحفظ الحديثة بين الواقع والآفاق»، دورية كان التاريخية، العدد الثلاثون، 2015م، ص150.
(8) رائد أمير عبدالله الراشد، «مشكلات في تحقيق المخطوطات: التصحيف والتحريف نموذجًا»، مجلة آفاق الثقافة والتراث، قسم الدراسات والنشر والشؤون الخارجية بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، السنة الثانية والعشرون، العدد الثامن والثمانون، 2014م، ص140- 142.
(9) أمحمد مولاي، «مناهج ومتطلبات تحقيق المخطوطات»، مجلة الحوار المتوسطي، المجلد التاسع، العدد الثالث، 2018م، ص14-15؛ الترابي، «مشكلات تحقيق المخطوطة الفريدة»، ص79 وما بعدها.
(10) يحيى إمام سليمان، «من مشكلات تحقيق المخطوطات العربية: النفحة العنبرية في حل ألفاظ العشرينيات تأليف محمد بن مَسَنِه نموذجًا»، مجلة رفوف، العدد الحادي عشر، 2017م، ص116- 125؛ الراشد، «مشكلات في تحقيق المخطوطات»، ص143- 144.
(11) عبدالسلام محمد هارون، تحقيق النصوص ونشرها أول كتاب عربي في هذا الفن يوضح مناهجه ويعالج مشكلاته، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1998م، ص48.
(12) مولاي، «مناهج ومتطلبات تحقيق المخطوطات»، ص13.
(13) المحجوب قدار، «واقع وآفاق حفظ وصيانة التراث المخطوط بالجنوب المغربي»، مجلة آفاق الثقافة والتراث، قسم الدراسات والنشر والشؤون الخارجية بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، السنة السادسة والعشرون، العدد مئة وأربعة، 2018م، ص102.
(14) هشام عبد ربو، «الرقمنة وأهميتها في حفظ التراث المخطوط بالجزائر»، مجلة أبوليوس، المجلد العاشر، العدد الأول، 2023م، ص274.
(15) خالد بن أحمد الصقلي، «المكتبات والتوثيق الرقمي للتراث العربي: المخطوط بين الأهمية والواقع والآفاق»، مجلة ليكسوس، العدد السابع والعشرون، 2018م، ص38.
(16) قدار، «واقع وآفاق حفظ وصيانة التراث المخطوط بالجنوب المغربي»، ص108، 109.
(17) فيصل الحفيان، «المخطوط العربي والرقمنة: الواقع والآفاق»، مجلة التفاهم، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مسقط، سلطنة عمان، السنة العاشرة، العدد السابع والثلاثون، 2012م، ص444.
(18) ابن عراج، «المخطوط العربي: آليات الحفظ الحديثة بين الواقع والآفاق»، ص153.
(19) فيصل الحفيان، «المخطوط العربي والرقمنة: الواقع والآفاق»، ص437.
0 تعليق