مقالات   |   دراسات   |   قضايا   |   سيرة ذاتية   |   إعلامتحقيقات   |   ثقافات   | تراث   |   تاريخ   |   بورتريه   |   فضاءات   |   فنون   |   كاريكاتير   |   كتب   |   نصوص   |   مدن   |   رسائل

المقالات الأخيرة

في مرسم العين الشاحبة عند إيمانويل لفيناس أو نحو تفكيك مركزية العين في الوجه

في مرسم العين الشاحبة عند إيمانويل لفيناس

أو نحو تفكيك مركزية العين في الوجه

لطالما تملكنا انهمام دائم بقراءة وتأويل وتفكيك العين؛ لونها ولغتها وإيماءاتها وشكلها، على أساس أنها أهم الثيمات في الوجه ورمز وحدة النوع الإنسي؛ ففيها نشهد انفجار معجزة الكون والحياة وعنفوان مجدها المهيب، كما نلمح في بُؤْبُؤ العين الغرائبي ظلنا وشبحنا؛ فصورة ذواتنا لا...

التربية شأنًا فلسفيًّا أو في مشروعية فلسفة التربية

التربية شأنًا فلسفيًّا

أو في مشروعية فلسفة التربية

نشأت فلسفة التربية بصفتها غرضًا مخصوصًا في حقل البحوث الفلسفية الذي يهتم بدراسة مسألة التربية دراسة نسقية، في النصف الثاني من القرن العشرين، وليس أدلّ على ذلك من ظهور المجاميع والحوليات والإصدارات المختصة التي تعنى بهذا النوع من الدراسات(1). ولكن مع ذلك لم يحسم الموقف...

المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية

المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية

لم ينفك «جاك دريدا» يردد أن تاريخ الفكر مسكون بنزعة مركزية صوتية تراهن على أولوية الكلام والصوت، وحضور الكائن أو الذات، وتتوجس من كل تأخير أو إرجاء الآثار المباشرة للكلام، أو إحداث شرخ في قوته الحضورية(1). فما هي جذور وامتدادات «المركزية الصوتية» داخل الفلسفة وداخل...

«الدكتور نازل» لطالب الرفاعي خطاب مجتمعي يمزج بين الفانتازيا والسخرية!

«الدكتور نازل» لطالب الرفاعي

خطاب مجتمعي يمزج بين الفانتازيا والسخرية!

المتتالية السردية، لماذا؟ استطاع السرد العربي أن يتخذ لنفسه طريقًا خاصًّا للتعبير عن ثقافة متميزة وإبداع متطور، وكانت للرواية والقصة العربية شكلهما الخاص، عبر قرن كامل من الزمان ارتبط فيه التعبير السردي العربي بالتطورات التاريخية والاجتماعية العربية، من حيث ارتباط...

أدبية اللغة القانونية: بحث في إشكالات بناء الخطاب القانوني

أدبية اللغة القانونية: بحث في إشكالات بناء الخطاب القانوني

كثيرًا ما تساءلت، وأنا أحاول الاقتراب من مجال القانون، سواء بما تضمنه من مواد وفصول، تجلى بنصوصه في مدونات، أو راج في ردهات المحاكم وبمنطوق القضاة، أو تضمن فلسفات القانون ومذاهبها، عن الغاية والمقصد من هذا الاقتراب. انتابني في البداية نوع من التردد، يمكن التعبير عنه...

حاز جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية

سعد بن عبدالعزيز الراشد: تمنحنا النقوش قراءة غير متحيزة للتاريخ، بعيدًا من الاجتهادات والروايات الشفهية

| مارس 1, 2025 | جوائز

يوضح الدكتور سعد الراشد أن تأسيس قسم للآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود كان نقطة التحول في دراسة النقوش الإسلامية، فقد أسهم القسم في تخريج أجيال من الباحثين الذين باتوا اليوم مرجعًا في هذا المجال. وفي عصر التطور التقني، يؤكد الراشد أن تحليل الصور والمسح ثلاثي الأبعاد أتاح قراءة حداثية للنقوش، مما كشف تفاصيل كانت خفية لعقود، مشددًا على ضرورة مواكبة التطورات التقنية لضمان دقة التوثيق والتفسير.

الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد، الذي حاز جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية مناصفة، يعد أحد أبرز رواد البحث في هذا الحقل، الذين كرسوا حياتهم العلمية لفك رموز النصوص المنقوشة على دروب القوافل، وواجهات المساجد، وشواهد القبور؛ ليعيد تشكيل سردية التاريخ الإسلامي بعيدًا من الروايات المنقولة وحدها، مؤكدًا أن النقوش الإسلامية ليست مجرد كتابات، بل وثائق حيةٌ تعكس تطور الفكر الإسلامي والهوية الثقافية للمنطقة. وبينما يواصل مشروعه العلمي الممتد، يطرح تساؤلًا جوهريًّا: «إلى أي مدى يمكن للنقوش أن تعيد صياغة قراءتنا للتاريخ المبكر للإسلام، بعيدًا من الروايات النصية التقليدية؟».

هذا الحوار مع «الفيصل»، يسلط الضوء على رؤى جديدة، واستنتاجاتٍ ستسهم في إثراء الدراسات الإسلامية من منظورٍ أثري متجدد.

كالنقش في الحجر

  في البداية؛ نبارك لكم حصولكم على جائزة الملك فيصل في فرع الدراسات الإسلامية، وموضوعها «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية»، وذلك عن مجمل أعمالكم العلمية؛ «لأنها تعدّ أساسًا مهمًّا في دراسات الآثار والنقوش الإسلامية في الجزيرة العربية»، فكيف يمكن لهذه النقوش أن تُعيد بناء سردية متكاملة عن الحياة الاجتماعية والدينية في العصور الإسلامية المبكرة؟

  تعلمنا في الصغر مقولة يرددها أساتذتنا على مسامعنا وهي أن «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»، ولم نكن نعي أبعاد وأهمية هذه المقولة، حتى استدللنا عليها من باب دراساتنا للتاريخ الحضاري والآثار والفنون. وقد ظهرت هذه التسمية، بشكل جلي، في المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية المبكرة، بدءًا من عصر الخلافة الراشدة وفي عهود الخلافة الأموية والعباسية. وتنامى هذا الاهتمام من قبل المؤرخين المسلمين، وبخاصة من أرخ لمكة المكرمة، والمدينة المنورة والحرمين الشريفين. وقد كان الشعراء والمؤرخون العرب القدماء على بَيّنةٍ بأن (الحجر) مادة للكتابة، وكانوا يعوون أهمية النصوص المنقوشة على الحجر، ويستشهدون بها وبمضامينها، في مواضع متعددة. ومن الأقوال المأثورة في كتب الحديث والأدب والتاريخ قولهم: «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»، ومما يروى شعرًا عن علي بن أبي طالب قوله:

حَـرِّضْ بَـنِيكَ عـلى الآداب في الصِّغَــر

كيما تَـقَـرَّ بهِــمْ عـينـــــاك في الكِـبَـــــر

وإنَّـمــا مَـــثَـــل الآداب تَجـْـــمَــعُـــهـــــا

في عُـنْفـوانِ الصِّبا كالنَّقْشِ في الحـَجــَرِ

ويروى عن أبي عبيدالله نفطويه (244 ــ 323هـ) قوله:

وَلَوْ فُلِقَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصِّبَا

لَأُلْفِيَ فِيهِ الْعِلْمُ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ

نجد إشارات للنصوص التذكارية المنقوشة على واجهات المساجد، والمباني والدور، والمنشآت المعمارية على طرق التجارة والحج، وكذلك النصوص الكتابية المنقوشة على الأحجار الشاهدية (شواهد القبور). وتنامى هذا الاهتمام من قبل المؤرخين المسلمين، وبخاصة من أرخ لمكة المكرمة، والمدينة المنورة والحرمين الشريفين. وبرز منهم مؤرخ مكة تقي الدين الفاسي (775-832هـ/1373-1429م)، في كتابه: «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين»، ومعاصره جمال الدين محمد بن علي العبدري الشيبي (ت سنة 837هـ، أو 827هـ) في كتابه: «الشرف الأعلى في ذكر قبور مقبرة باب المعلا». ويُعدُ كتاب «العِقْد الثمين في تاريخ البلد الأمين»، مرجعًا مهمًّا لتراجم أعلام أهل مكة، ومن سكنها من الرواة والعلماء والفقهاء والولاة والأعيان وغيرهم، على مدى ثمانية قرون، ومنهم منْ مات بها. وقد استفاد الفاسي ممن صنف قبله من المؤرخين، ومما تلقاه من الأخبار عن الثقات، وما شاهده مُسَجَّلًا على الرُّخَام والأحجار والأخشاب وغير ذلك. وتضمن كتابه النفيس الكثير من المعلومات والفوائد المتعلقة بمكة المكرمة وتاريخها، وتاريخ الحرم والكعبة المشرفة وعمارتها، والأماكن المباركة بها، وجغرافيتها، وما كان بها من أصنام في الجاهلية، وولاتها إلى زمنه. وقد جعل تقي الدين الفاسي من المُدوَّنات الخطية المنقوشة على المباني والمصنوعات وشواهد القبور مصدرًا لتوثيقه لتاريخ مكة والأعلام الذين عاشوا في مكة أو دفنوا فيها. كذلك استفاد الفاسي ممن صنف قبله من المؤرخين، ومما تلقاه من الأخبار عن الثقات، وما شاهده مُسَجَّلا على الرُّخَام والأحجار والأخشاب وغير ذلك. وتضمن كتابه النفيس الكثير من المعلومات والفوائد المتعلقة بمكة المكرمة وتاريخها، وتاريخ الحرم والكعبة المشرفة وعمارتها، والأماكن المباركة بها، وجغرافيتها، وما كان بها من أصنام في الجاهلية، وولاتها إلى زمنه. وقد جعل تقي الدين الفاسي من المُدوَّنات الخطية المنقوشة على المباني والمصنوعات وشواهد القبور مصدرًا لتوثيقه لتاريخ مكة والأعلام الذين عاشوا في مكة أو دفنوا فيها.

وقد استمد عدد من الباحثين معلومات مهمة في دراساتهم عن: «الكتابات الأثرية في مصادر تقي الدين الفاسي»، التي اتخذها الفاسي مصدرًا مهمًّا في كتابه- «العقد الثمين»- ومنها الأحجار الشاهدية التي اشتملت على تعمير منشأة، أو تشييد مبنى، أو تجديده، والهدف من البناء، وتحديد تاريخ البناء أو التجديد. وشواهد القبور من مقبرة المعلاة التي وثق منها الفاسي أسماء من توفي، ودفن في هذه المقبرة من الأشخاص، والتحقق من أسمائهم وألقابهم ووظائفهم، وصفات المتوفين، وأسباب الوفاة، ومكان وتاريخ الوفاة. كذلك يستشهد الفاسي بالأبيات الشعرية المنقوشة على شواهد القبور، مع ذكر اسم الخطاط أو النقاش على الأحجار الشاهدة. وعلى سبيل المثال يذكر الفاسي في ترجمته لـ (محمد بن أبي بكر بن أبي الحسن الطوسي)، المتوفى يوم الجمعة 18 رجب، سنة 598هـ، يقول: «نقلت وفاته من حجر قبره بالمعلاة، وهو بخط عبدالرحمن بن أبي حرمي. وقد تتتبع الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي أعمال هذه الخطاط والنقاش وتلامذته التي عثر على أسمائهم منقوشة على الأحجار الشاهدية من مقبرة المعلاة في مكة وعلى شواهد حجرية اكتُشِفَت في مصر وفي جزائر دهلك المحاذية للساحل الأريتيري في جنوب البحر الأحمر.

وبفضل الله جرى توثيق ودراسة عدد كبير من الأحجار الشاهدة في مقبرة المعلاة وحفظها وصدر عنها عمل موسوعي وسلسلة من الأعمال التوثيقية للأحجار الشاهدة الأخرى. ولعل في هذا التوضيح ما يقودنا للإجابة عن الاستفسارات والطروحات الأخرى في هذا الحوار.

حصيلة ثرية لبعثات ورحلات علمية

  كنتم أرسيتُم الأسس العلمية والمنهجية التي أصبحت مرتكزًا للباحثين في مجال النقوش الإسلامية، وأسهمت دراساتُكم بإضافة رصيدٍ معرفيّ غنيّ للتاريخ الإسلامي. في رأيكم، ما الدور الذي تؤديه هذه المدرسة المنهجية التي أسستموها في توفير قواعد راسخة ومرجعية علمية للأجيال الحالية والمستقبلية من الباحثين؟

  كان تأسيس قسم للآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود في عام 1978م وهو أول قسم ينشأ في الجزيرة العربية وتتضمن خططه الدراسية مادة مستقلة عن: «الآثار الإسلامية في الجزيرة العربية» يدخل في موضوعاتها (الكتابات والنقوش الإسلامية) ومادة أخرى عن (الآثار في الجزيرة العربية قبل الإسلام) وتركز في مضامينها الكتابات والنقوش العربية القديمة. وتزامن ذلك مع برنامج المسح الأثري الشامل الذي تبنته إدارة الآثار السعودية تحت مظلة وزارة المعارف، التي جعلت في برنامج المسح الأثري أولوية قصوى للتركيز على حصر وتوثيق الرسوم الصخرية والنقوش العربية القديمة والكتابات الإسلامية المنقوشة على الواجهات الجبلية في مختلف أرجاء المملكة. وهاتان المادتان لا يعتمد تدريسهما على الأسلوب النظري بل يقود إلى الأعمال المادية وتقصي مواقع النقوش القديمة والإسلامية في مواضعها لكون تلك الكتابات والنقوش تعد من الآثار الثابتة. وقد نجح القسم في تخريج عدد كبير من طلاب متخصصين في الآثار القديمة والآثار الإسلامية الذين استقطبتهم تباعًا إدارة الآثار السعودية وابتُعثوا للدراسات العليا في مجالات متنوعة من اختصاصات الآثار وكانت النتيجة تكوين رواد في مختلف علوم الآثار، ومنها العمارة والفنون والرسوم الصخرية والكتابات العربية القديمة والإسلامية، وأصبحت بحوثهم من المصادر المهمة للاعتماد عليها من قبل الباحثين والدارسين من مختلف بلاد العالم.

وسأركز حديثي عن الكتابات والنقوش الإسلامية فقد كان التركيز أولًا على مؤلفات أوائل المؤرخين المسلمين والجغرافيين والموسوعات الجغرافية وكتب الأدب والشعر، وكتابات الرحّالِين العرب والغربيين لنستجلي ما يرد من إشارات لمواطن الكتابات القديمة والإسلامية، ومن العلماء الأوائل الذين كتبوا أو أشاروا إلى نشأة الخط العربي، مثل ابن النديم، والجغرافي الهمداني والقلقشندي وغيرهم. أما الرحّالون الغربيون في الجزيرة، وهم كثر، فقد ركز أكثرهم على تدوين مشاهداتهم لمواقع الآثار القديمة والكتابات والنقوش منذ قبل الإسلام، التي وقفوا عليها في جنوب الجزيرة وشمالها الغربي، وقد فتحت كتابات الرحالين الغربية للدراسات المركزة التي قام بها باحثون من أبناء دول الجزيرة العربية وبخاصة من أبناء المملكة وهم كثر.

ومن أهم الدراسات التوثيقية للنقوش الإسلامية في المملكة العربية السعودية، تلك الدراسة التي كانت حصيلة الرحلة الثلاثية التي قام بها كل من: كونزاك ريكمانز، وفيليب ليبنز، وسانت جون فيلبي، وشارك معهم جاك ريكمانز في المدة من 24 أكتوبر 1951م إلى 15 فبراير 1952م. وكانت هذه الرحلة في ظني من أنجح الرحلات العلميَّة التي أثمرت في إمتاع الباحثين بدراسات استطلاعية، وفيها شيء من الاتزان وفتحت آفاقًا جديدة في البحث العلمي. فقد نشر ليبنز هذه الرحلة في كتاب بالفرنسية عام 1956م (أصدرت دارة الملك عبدالعزيز ترجمة باللغة العربية لهذا الكتاب عام 1419هـ/1999م)، ونشر كونزاك وابن أخيه جاك ريكمانز في مجلة (Le Museon)، عام1953م، نقوش المسند الجنوبي والنقوش الثمودية المكتشفة في تلك الرحلة. وبالنسبة لحصيلة ما جمعته البعثة من مئات الرسوم الصخرية فقد تصدى لدراستها عالم الآثار الإيطالي إيمانويل أناتي في خمس مجلدات بعنوان: (Rock Art in Central Arabia) «الفن الصخري في وسط الجزيرة العربية» صدرت تباعًا خلال الأعوام: 1968-1972م.

أما النقوش الإسلامية التي نسختها وصورتها البعثة العلمية فقد صنفها العالم الألماني أدولف جروهمان، ووضعها في كتاب توثيقي بعنوان: (Arabic Inscriptions)، «النقوش العربية» صدر فـي لوفان عام 1962م، واشتملت الدراسة على نقوش متنوعة بلغ عددها (305) نقوش، جمعت من مواقع عدة؛ منها ثمانية نقوش إسلامية مؤرخة، أقدمها يؤرخ لسنة 46هـ، ومن النقوش ذات الشهرة في هذه المجموعة نقش معاوية بن أبي سفيان الذي يؤرخ لبناء سد في الطائف سنة 58هـ.

حقًّا كانت هذه الرحلة العلمية ناجحة جدًّا؛ بسبب أهمية المعلومات التي تحصل عليها العلماء المتخصصون الذين شاركوا فيها، وفي مقدمتهم فيلبي عالم النبات والخبير في شؤون الجزيرة العربية، وكونزاك ريكمانز أستاذ اللغات السامية، وفيليب ليبنز الخبير في رسم وتصوير الآثار والكتابات القديمة، وجاك ريكمانز عالم اللغويات والمختص في الكتابات العربية الجنـوبية، والأهـم من هــذا وذاك أن هــذه الرحلة الاستــكشافية صـدر لهــا ترخيص من ديوان جلالة الملك عبدالعزيز، (الشعبة السياسية) متضمنًا شروطًا وضوابط غاية في الأهمية، ومنها الالتزام بتسليم حكومة المملكة العربية السعودية كل ما تعثر عليه البعثة من الآثار القديمة التي يمكن تصويرها، والالتزام بعدم تصدير شيء من ذلك، وكذلك الالتزام بتقديم تقرير إلى حكومة المملكة العربية السعودية يتضمن جميع الاكتشافات بما في ذلك الرسوم والصور التي تنفذ خلال الرحلة.

كان لأوائل المؤرخين والأدباء السعوديين جهود مشكورة في التعريف بآثار وتراث المملكة العربية السعودية، ومنها الكتابات والنقوش الإسلامية، وذلك قبل مرحلة تأسيس إدارة تُعنى بالآثار. فقد كانت كتاباتهم ونشاطهم العلمي تتلقفه المجلات والصحف المحلية، ومنها صحيفة أم القرى، ومجلة القافلة، (صدر عددها الأول عام 1953م)، ومجلة المنهل التي صدر عددها الأول عام 1355هـ/1937م، ومجلة العرب التي بدأت في الصدور عام 1386هـ/1966م.

ويعد كل من حمد الجاسر وعبدالقدوس الأنصاري (رحمهما الله) من أوائل من عُنِي بالمواقع والمعالم الجغرافية والتاريخية والآثارية. ولعبدالقدوس الأنصاري، السبق في التعريف بمواقع الكتابات والنقوش الإسلامية، وبخاصة في المدينة المنورة والصويدرة، والكامل في ديار بني سليم -بين مكة المكرمة والمدينة المنورة- وقد سبقهما بعض الشيء عدد من الكُتَّاب العرب مثل محمد حسين هيكل في كتابــه «منزل الوحي» وخير الدين الزركلي في كتابه «ما رأيت وما سمعت». ومن أوائل الكتب التي صدرت عن الآثار في المملكة كتــاب عبدالقدوس الأنصاري (رحمه الله) بعنوان «آثار المدينة المنورة»، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1353هـ، تلاه كتاب «بين التاريخ والآثار» الذي صدر عام 1969م.

ومن التقارير المبكرة عن النقوش الصخرية في الحجاز ما كتبه عثمان رستم في مجلة الحوليات المصرية عام 1948م. أما الدراسات المباشرة لموضوع النقوش الإسلامية، فنشير إلى البحث المهم الذي كتبه البحَّاثة محمد حميد الله (رحمه الله) عن النقوش الإسلامية المبكرة في المدينة المنورة التي اطلع عليها على واجهة جبل سلع في فبراير 1939م، وتحدث عنها في جامعة أُكسفورد في شهر مايو من العام نفسه، ونشــر بحثه عن هذا الموضوع في ذلك العام في مجلة (Islamic Culture) التي كانت تصدر في الهند. وفي عام 1948م نشر جورج مايلز في مجلة الدراسات الشرقية (JNES) بحثًا عن النقوش الإسلامية المبكرة بالقرب من الطائف، وأعقبها بحث نشر في المجلة نفسها عام (1953- 1954م) عن نقش مؤرخ سنة 304هـ يؤرخ لعمارة طريق الحج على يد الوزير العباسي علي بن عيسى، وهذا النقش عَثر عليه الجيولوجي الأميركي كارل تويتشل.

نقوش إسلامية مبكرة ومضامينها

  في سياق دراساتكم المعمقة حول النقوش الإسلامية في الجزيرة العربية، كيف يمكن لهذه النقوش أن تعيد صياغة فهمنا لتاريخ الإسلام المبكر وتطوره الاجتماعي والثقافي؟ وهل تعتقد أن هناك قراءة تاريخية جديدة يمكن أن تقدمها النقوش لم تكن متاحة من قبل؟

  من الصعب الحديث عن أعمالي العلمية المتواضعة أو أضع نفسي في قائمة الرواد. لكن اهتمامي بالنقوش الإسلامية الصخرية بدأ بحصيلة دراستنا لدرب زبيدة: طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة وهو أحد طرق الحج الرئيسية، وتدوين عشرات من النقوش والكتابات الإسلامية التي عُثِرَ عليها واستُكشفت في المواقع القائمة على امتداد درب زبيدة أو المحاذية للطريق وفروعه، ومنها الحناكية (بطن نخلة قديمًا)، والصويدرة (الطرف قديمًا)، وموقع الربذة ومحيطها الجغرافي، والسوارقية، ومهد الذهب (معدن بني سليم)، وذات عرق، والنقوش الإسلامية في المحيط الجغرافي لمكة المكرمة والمدينة المنورة، وخيبر ومواقع أخرى، إضافة إلى الأحجار الشاهدية، والأميال الحجرية التي تحدد المسافات بين محطات طريق الحج.

كما أنني وفقت في تأليف كتاب «كتابات إسلامية من مكة المكرمة» دراسة وتحقيق، صدر عام 1416هـ/ 1995م، اشتمل على دراسة لمجموعة من النقوش الإسلامية المنقورة على الواجهات الصخرية في منطقة مجاورة لصعيد عرفات وبعضها بالقرب من (منى) في المكان المسمى (المعيصم) وهي التي تسمى (السداد) أو (الأسداد) نسبة إلى السدود الثلاثة التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي عندما كان واليًا على مكة المكرمة في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان. وحُدِّدت تواريخ تلك النقوش بالقرنين الأول والثاني للهجرة، ومنها نقوش مؤرخة. ومن قراءة مضامين نصوص النقوش تبين لنا أنها تشتمل على آيات قرآنية، وأدعية مأثورة، وأبيات شعرية مستنبطة من الشعر الجاهلي، إضافة إلى أن أسماء الشخصيات التي وردت في النصوص سواء كانت لمن كُتِبتْ لهم تلك النقوش، أو الذين نقشوا النصوص ودونوا أسماءهم عليها. ومن جملة النقوش أربعة نقوش مؤرخة؛ ثلاثة منها تعود للعصر الأموي، جاءت في السنوات:84هـ، 98ه، ونقش من العصر العباسي مؤرخ في سنة: 189هـ. وأُضِيفَت فقرة لهذه الدراسة عن نقوش وادي العسيلة الواقع في الشمال الشرقي من مكة المكرمة حيث حُصِرَ ما يزيد على ستين نقشًا إسلاميًّا مبكرًا. منها نقشان يؤرخان بسنة (80) للهجرة و(96) للهجرة.

وتوضح الكتابات والنقوش الإسلامية في هذه الدراسة تطور الخط في مكة المكرمة، وأن الأسماء الواردة في نصوص تلك النقوش من الأسر المعروفة في منطقة الحجاز في العصر الإسلامي المبكر، وأن تواريخ النقوش تقع ما بين بداية العصر الأموي والفترة العباسية المبكرة، بل إن عددًا منها يعود في تاريخه إلى عصر الخلفاء الراشدين. فقد ورد في نقوش العسيلة اسم صفية بنت شيبة بن عثمان (رضي الله عنهما) التي أدركت عصر النّبوة ولها صحبة، وروت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عددًا من الأحاديث، وظلّت حياتها راوية علم تتعلّم وتُعلِّم حتّى عاشت إلى الخلافة الأموية، فيقال: إنّها أدركت خلافة الوليد بن عبدالملك وأنّها ماتت عام 90هـ. ومن أهم مضامين النقوش التي تناولتها الدراسة تدوين آيات قرآنية كاملة بخط عثمان بن وهران. ونصوص بخط (عبدالله بن عمارة) و(سلمة بن عمارة) و(حكيم بن عمارة).

وتتميز المدينة المنورة وباديتها وجبالها بوفرة تفوق الخيال في النقوش الإسلامية الصخرية. ووفقنا في نشر دراسة متواضعة بعنوان: «كتابات إسلامية غير منشورة من «رواوة» المدينة المنورة، صدرت هذه الدراسة في كتاب عام 1413ه(1993م)، وهي دراسة توثيقية وتحليلية لمجموعة من النقوش الإسلامية المبكرة، المنقورة على الواجهات الصخرية في موقع جبل «رواوة»، وهو عبارة عن كتلة جبلية جنوب المدينة المنورة، وفي قلب هذا الجبل منخفض، تصب فيه مياه وادي العقيق عند جريانه، ولذلك عرف المكان باسم «غدير رواوة»، وهذا الموقع له ذكر في المعاجم الجغرافية.

وتنتشر على الواجهات الصخرية -المحيطة بالغدير- مجموعات من النقوش والكتابات، متقاربة ومتباعدة. وقد أمكن اختيار (55) نقشًا من مجموع نقوش رواوة. وتبين من دراستها أنها تشتمل على نصوص في الدعاء والذكر وطلب الرحمة والمغفرة للأسماء الواردة في هذه النصوص، وتشتمل معظمها على آيات قرآنية، إضافة إلى أن بعضها تتضمن نصوصًا شعرية. ومن دراسة الأسماء الواردة في نقوش رواوة، اتضح أنها تتصل بالأسرة العمرية (نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب). ومن بين هذه المجموعة المنشورة، حُصِرَ تسعة نقوش مؤرخة بالسنوات: 76هـ، 100هـ، 120هـ، 121هـ، 140هـ، 163هـ، 183هـ، 246هـ. وما زالت الدراسات جارية على مجموعة نقوش «رواوة». وحُصِرَ نقوش إضافية من الموقع منها ثلاثة نقوش مؤرخة في الأعوام: 130هـ و131هـ. وهذه النقوش المؤرخة تعد مفتاحًا مهمًّا في تحديد الأزمنة التاريخية للنقوش الأخرى -غير المؤرخة- في المكان ذاته، ومقارنتها بالنقوش الكتابية الأخرى المنتشرة في حرار المدينة المنورة وجبالها وأوديتها. كما أن نقوش «رواوة» تتميز من غيرها من النقوش الكتابية من حيث مضامينها وصيغها اللفظية، وأسماء الشخصيات التي ورد ذكرها في تلك النصوص.

وفي إطار حديثنا عن النقوش الإسلامية المبكرة في المدينة المنورة فقد حُصِرَت مجموعات متفرقة من وادي العقيق، ووادي الخنق، ووادي ضبوعة، ومنطقة الضلوع، وجبل البيضاء، والعوينة، وضُمِّنَت في كتاب «دراسات في الآثار الإسلامية المبكرة بالمدينة المنورة» الصادر عام 1421ه/2000م، ويشتمل على فصول عدة عن: السدود الأثرية، والكتابات والنقوش الإسلامية، والقصور الأثرية، ومواقع أثرية متفرقة، وملتقطات سطحية. وبالنسبة للكتابات والنقوش الإسلامية ومن دراسة نصوص النقوش الكتابية وتحليل مضامينها حُدِّدَ تاريخها في حدود القرنين الأول والثاني للهجرة. ومن أهم المكتشفات الخطية التي تضمنتها الدراسة نقش تأسيسي لسد معاوية بن أبي سفيان الذي لا تزال آثاره المعمارية باقية على مضيق وادي الخنق، إلى الشرق من المدينة المنورة. ويعد هذا النقش وثيقة تاريخية مهمة ليس فقط في تطور عمارة المنشآت المائية في عهد معاوية في الحجاز بل إنها ساعدت في تحديد تواريخ المنشآت المعمارية الأخرى في منطقة المدينة المنورة.

ويتضح من مضامين هذا النقش التأسيسي أن السد بناه معاوية بن أبي سفيان بعد توليه الخلافة، للمنفعة العامة، ويوضح النقش أسماء ثلاث شخصيات تولوا الإشراف على عمارة السد ومرافقه. ومن النقوش التأسيسية المهمة ذلك النقش الكتابي المنقور على واجهة كتلة صخرية بالقرب من آثار سد عبدالله بن عمرو بن عثمان، بوادي رانوناء شمال جبل عير، وهو نقش شعري، سبق أن نشره عبدالقدوس الأنصاري (رحمه الله) في كتابه (آثار المدينة المنورة). ومن مضمون هذا النص الشعري يتضح أنه يوثق لهذا السد وأهميته. أما الذي ينسب إليه بناء هذا السد فهو: «عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أبو محمد الأموي سبط ابن عمر، يقال له «المِطْرَف» من حسنه وملاحته وهو والد محمد الديباج، وكان شريفًا كبير القدر جوادًا، مدحه الفرزدق وغيره من الشعراء، وقد توفي بمصر سنة 96هـ.

ولعلي أشير إلى كتاب: «الصويدرة، آثارها ونقوشها الإسلامية» الصادر عام 2009م، فهو يوثق لمجموعة كبيرة من النقوش والكتابات الإسلامية المنقورة على الواجهات الصخرية في وادي الصويدرة، إلى الشرق من المدينة المنورة بنحو (62كم)، والصويدرة بلدة قديمة اسمًا وموضعًا، كانت تسمى الطرف، وهي إحدى محطات طريق الحج من العراق، المتفرع إلى المدينة المنورة. ويشتمل الكتاب على دراسة شاملة لعدد (257) نقشًا، تتنوع في أحجامها وأعداد أسطرها، ومضامينها. ومعظمها كتبت لطلب العفو، والمغفرة، والرحمة، والتوبة، والجنة، والاحتساب لله، والرضا من رب العباد، وإثبات الشهادة، والدعاء بطول العمر، والبركة، والشكر، ودعاء السفر، وصلة الرحم. وتتضمن معظم النقوش آيات قرآنية، وتحتوي بعضها على أبيات شعرية. وأمكن تحديد تواريخ تنفيذ هذه النقوش الكتابية من عصر صدر الإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري. وقد أوضحنا في خلاصة الدراسة أن الطرف (الصويدرة اليوم) شكلت نقطة جذب للاستقرار البشري على مر العصور، وكانت واحدة من المنازل الرئيسية على طريق الحج والتجارة (درب زبيدة) من العراق والمشرق الإسلامي وأنحاء متفرقة من شرق ووسط الجزيرة العربية إلى المدينة المنورة. وقد نكتفي بهذه الإضاءة بخصوص جهودنا المتواضعة في تتبع النقوش الإسلامية المبكرة. وسنضيف لاحقًا لجهود العلماء الرواد الذين لهم إسهامات كبيرة في هذا الاختصاص.

من جهود الباحثين في توثيق النقوش

  كيف أسهمت دراساتكم واكتشافاتكم النقشية في الجزيرة العربية في إعادة تشكيل سردية التاريخ الإسلامي وملء الفجوات المعرفية الكبرى التي كانت لا تزال في حاجة إلى ملء؟ أقصد: كيف لعبت النقوش المكتشفة في الجزيرة العربية في تعزيز فهمنا لمفهوم الهوية الثقافية والحضارية للمنطقة؟

  إن تأسيس قسم علمي للآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود، كان له السبق في توجيه الباحثين بالتركيز على توثيق ودراسة الكتابات والنقوش الإسلامية في مختلف أرجاء المملكة والاستفادة من الأعمال المسحية التي تنفذها إدارة الآثار في المملكة، كذلك وجود قسم للحضارة الإسلامية في جامعة أم القرى كان له دور قوي ومؤثر في توثيق التراث الحضاري الإسلامي في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. كذلك كان للمراكز البحثية دور إيجابي في هذا التوجه ومنها دارة الملك عبدالعزيز، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة. ومن الباحثين الذين لهم إسهام وباع طويل في هذه الدراسات نذكر منهم الأعمال البحثية للأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي الذي استكشف مجاميع من الأحجار الشاهدية والنقوش الكتابية على الحجر على امتداد ساحل البحر الأحمر من مكة المكرمة حتى تهامة اليمن، وأصّلها وتناول أبرز الخطاطين المكيين الذي نقشوا خطوطهم والفنون الزخرفية على الحجر وأعمالهم تكاد تماثل أو تفوق أساليب المخطوطات القرآنية في المصاحف المبكرة. وتناول الدكتور محمد بن فهد بن عبدالله الفعر (رحمه الله) دراسات موسعة عن تطور الكتابات والنقوش الإسلامية في الحجاز، ومنها دراساته للكتابات المعمارية المبكرة في الحرم المكي الشريف. ويعد الدكتور ناصر بن علي الحارثي (رحمه الله) عراب النقوش الإسلامية في منطقة المكرمة الذي سخر حياته العلمية في توثيق النقوش الإسلامية الصخرية في عدد من المواقع في مكة المكرمة والطائف، وقدم لنا أعمالًا توثيقية لنقوش إسلامية مبكرة في بادية مكة المكرمة والطائف. وللأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم الغبان بحوث ودراسات حول الآثار الإسلامية في شمال غرب المملكة ضمّن فيها عددًا من النقوش الإسلامية والكتابات المعمارية على طريق الحج الشامي والمصري. ويحسب للدكتور الغبان دراسته لواحد من أقدم النقوش الإسلامية الصخرية في الجزيرة العربية وهو نقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ، المكتشف في قاع المعتدل بين الحجر (مدائن صالح) والعلا. وتأتي أهمية هذا النقش أن يوثق لتاريخ وفاة الخليفة عمر بن الخطاب الذي وافته المنية في نهاية شهر ذي الحجة سنة 23هـ، ودفن في أول المحرم سنة 24هـ. وللأستاذ الدكتور مشلح المريخي (جامعة الملك سعود) إسهامات بحثية في تتبع جذور تطور الحرف العربي، واشتقاقه من القلم النبطي، والمرحلة الانتقالية للكتابة حتى ظهور الإسلام، وتكتمل صورة الخط الإسلامي المبكر مع نزول الوحي وتدوين القرآن الكريم وكتابة المصاحف.

● ما الذي تراه أكثر إلحاحًا في منهجية دراسة النقوش الإسلامية؟ وكيف يمكن تطوير هذه المنهجيات بما يتناسب مع التقدم العلمي والتقني الحالي، مثل تحليل الصور والمسح ثلاثي الأبعاد وغيرها؟

  ما أراه في منهجية دراسة النقوش الإسلامية في الجزيرة العربية -على وجه الخصوص- هو تأكيد أن الحرف العربي -الذي كتب به القرآن الكريم- نشأ وتطور في شمال غرب الجزيرة العربية وانتشر في أنحائها، وتطور الحرف العربي بالتدريج عن الكتابة النبطية، والاكتشافات الأثرية المتوالية التي تمت من علماء الكتابات العربية القديمة -من المختصين السعوديين خاصة- لهم قصب السبق في تثبيت هذه الحقيقة العلمية، وما عداها من روايات أو اجتهادات لم يعد لها بال. وكان أهل مكة والمدينة يعرفون الكتابة واختار الرسول صلى الله عليه وسلم عددًا من أوائل ممن كانوا يحسنون الكتابة لتدوين الوحي عند نزوله سواء في مكة أو المدينة وفي ملازمتهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) من مبعثه حتى وفاته واكتمال الرسالة. ولدينا في المصادر التاريخية المبكرة وفي كتب الحديث والتفاسير حقائق ثابتة عن معرفة كبار الصحابة بالقراءة والكتابة وأشهرها قصة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مع أخته فاطمة بنت الخطاب عندما أسلمت.

وكان القرآن الكريم كلّه مكتوبًا على اللّخاف، والرقع، والأقتاب، والأكتاف، والعسب عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن عددًا من النساء في مكة قبل الهجرة كنّ يجدن القراءة والكتابة. وكان أهل المدينة المنورة قبل الهجرة الشريفة لديهم معرفة بالقراءة والكتابة.

النقوش سجل لفلسفة عصرها

  في مسيرتكم العلمية الطويلة، كيف ساعدتكم النقوش الإسلامية في فهم التحولات الفكرية التي شهدتها المنطقة؟ وهل يمكن اعتبار النقوش سجلًّا لفلسفة العصر؟

  النقوش الإسلامية في الجزيرة العربية تُعَدُّ من المصادر الأساسية التي لا يستغني عنها أي باحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية على وجه الإطلاق. فإذا نظرنا إلى الرقعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية، نجدها تحتفظ بثروة كبيرة من المدونات الخطية المنقوشة على الواجهات الصخرية في مختلف مناطقها، وتشتمل تلك النقوش على معلومات مفيدة للباحثين في الآثار والتراث والحضارة والتاريخ والأدب واللغة، ففيها تعريف بأسماء من كتبها أو كتبت عنهم ولهم، وألقابهم، وكناهم، وأنسابهم وانتمائهم إما لقبيلة، أو مدينة، أو إقليم، أو صناعة. وكثير من تلك النقوش عليها تواريخ كتابتها، أو زمن وفاة صاحب النقش. أما مضامين نصوص النقوش فهي متنوعة ففيها آيات قرآنية، وأدعية مأثورة في الدعاء والذكر، وطلب الرحمة والمغفرة والتوبة من الله سبحانه وتعالى، وتأكيد الإيمان والثقة بالله عزَّ وجلّ، إضافة إلى أن بعض نصوص النقوش، فيها من الإطالة ما نستوحي منها أنها كانت تعليميَّة، وبعضها توثيقية لمنشآت معماريَّة متنوعة. مع التذكير أن هناك ثروة هائلة من المدونات الحجرية، وبخاصة الأحجار الشاهدية المكتشفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي عدد من مواقع الآثار في مختلف أنحاء المملكة، وقد تناول دراسة بعضها عدد من الباحثين، وبعض تلك المدونات تتضمن أبيات شعرية تتوافق مع مضامين نصوص الأحجار الشاهدية.

إن الإنسان الواعي بالتاريخ الإسلامي وحضارته في الجزيرة العربية سيجد في هذه النقوش المنقورة والمنحوتة على الواجهات الصخرية، مادة علميَّة أصليَّة مهمة لعلماء اللغة، والحديث، والتدوين لأسماء الرجال من العامة والخاصة، ومعرفة صلة تلك النقوش بالمكان والزمان الذي كتبت فيه، وهل كان أصحابها مقيمين أو عابري سبيل، وهل المكان رعويّ أم زراعي؟ في واحة أم على طريق؟ إلى غير ذلك من التساؤلات الكثيرة لمعرفة الأسباب والمسببات التي كتبت فيها النقوش. هل موقع الكتابة قريب من غدير أو منبع ماء؟ أو إنه بالقرب من مصنع لحفظ مياه السيول والأمطار، أو منتجع، أو للصيد إلى غير ذلك من الأسباب.

يمكن عدّ النقوش سجلًّا لفلسفة العصر من منظور تصحيح الروايات حول نشأة الكتابة العربية التي دوّن بها القرآن الكريم وكتابة المصاحف، ثم تتبع أسماء الشخصيات الواردة أسماؤهم في النقوش الإسلامية الصخرية، وتتبع أنسابهم، وحصر الآيات القرآنية الواردة في آلاف النقوش في مختلف أودية المملكة وصدور جبالها وفي حرارها وبواديها، وكذلك حصر الأدعية المأثورة ومقارنتها بما ورد في كتب الحديث وكتب الأدعية والذكر، وكذلك دراسة النقوش الشعرية ومدلولاتها وصلتها بالأدب والشعر الجاهلي ومقارنتها بالدواوين الشعرية المطبوعة والمخطوطة. والحديث يطول في هذا المجال.

  ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الباحثون الشباب في استكمال الإرث العلمي الذي تركته في مجال دراسة النقوش الإسلامية؟ وكيف يمكن حَفْزهم للانخراط في هذا المجال؟

  هذا سؤال مهم للغاية ونحن في جامعة الملك سعود فتحنا المجال لطلاب وطالبات الدراسات العليا للتركيز في أبحاثهم للماجستير والدكتوراه، ونجحت التجربة وما زالت موضع الاهتمام في خطط الدراسات العليا. ولعلي أشير إلى عدد من التجارب الناجحة ومنها:

الدكتور عبدالرحمن الزهراني، باحث متميز، درس الآثار الإسلامية بجامعة الملك سعود (عام 1402هـ)، وعمل في الميدان الآثاري سنوات طويلة، وتحصل على درجتي الماجستير في المسكوكات الإسلامية من جامعة دورهام البريطانية عام (1988م)، والدكتوراه من جامعة الملك سعود. عام 1418هـ (1998م) عن أطروحته وموضوعها: «نقوش إسلامية شاهدية من مكة المكرمة» (ق1ــ7هـ/7ــ13م).

الدكتورة حياة الكلابي، أستاذة التاريخ في التعليم العام، استهوتها الآثار الإسلامية، وهي أول باحثة سعودية تخوض تجارب ميدانية لدراسة الكتابات والنقوش الإسلامية المدونة على الواجهات الصخرية في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وقدمت للمكتبة العربية بحثين مميزين؛ الأول أطروحتها للماجستير، والآخر رسالتها للدكتوراه، إضافة إلى إسهامات أخرى.

الباحثة موضي بنت محمد بن علي البقمي قدمت موضوع رسالتها العلمية للماجستير عن «نقوش إسلامية شاهدية بمكتبة الملك فهد الوطنية: دراسة في خصائصها الفنية وتحليل مضامينها» ولأهمية موضوع الرسالة تولت مكتبة الملك فهد الوطنية طباعتها في كتاب صدر عام 1420هـ(1999م).

الدكتورة ميساء الغبان عضو هيئة تدريس بجامعة الأميرة نورة قدمت رسالة علمية مميزة للدكتوراه عن «الكتابات الإسلامية المبكرة في هضبة حسمى بمنطقة تبوك: دراسة تحليلية». وتمكنت الباحثة من إجراء دراسة مسحية في أنحاء متفرقة من هضبة حسمى، في شمال غرب المملكة، وجمعت عددًا كبيرًا من النقوش المدونة على الواجهات الصخرية واستنتجت من دراستها أهمية منطقة حسمى جغرافيًّا وتاريخيًّا وحضاريًّا، وتتقاطع عليها طرق التجارة والحج، وتتميز النقوش التي جمعتها في أسلوب كتابتها وثراء مضامين النقوش في الآيات القرآنية والأدعية المأثورة، وفي أسماء الشخصيات الواردة في النقوش. ولأهمية هذه الدراسة تكفّلت هيئة التراث بإصدارها في كتاب كبير في نحو (1000) صفحة، عام 1442هـ/ 2020م. وهناك دراسات أخرى بحثية في هذا الاختصاص.

مشكلتنا أن هذه الدراسات تظل حبيسة المكتبات العلمية وانتشارها عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا مُتَدَنٍّ والاستفادة من هذه الجهود من جانب المختصين فقط.

عناصر فنية وجمالية

● لو تحدثنا عن الجوانب الفنية والجمالية للنقوش الإسلامية. كيف يمكن لهذه الجوانب أن تُسهم في إثراء الدراسات الفنية والتاريخية، وهل ترون إمكانية دمجها في مشاريع فنية معاصرة؟

  الحديث عن الجوانب الفنية والجمالية للنقوش الإسلامية المكتشفة في المملكة شرحها يطول، ولدينا في المملكة عدد كبير من الأحجار الشاهدية من مواقع عديدة، ومن أشهرها وأهمها الأحجار الشاهدية من مقبرة المعلاة أقدم مقبرة إسلامية في التاريخ الإسلامي، وجرى جمعها والمحافظة عليها. وصدر منها سفر كبير عام 1425هـ/ 2005م. ثم تلاها عدد من الكتب التوثيقية لمجموعات أخرى من مقبرة المعلاة. وتأتي أهمية هذه المجموعة من كونها من أطهر بقعة (مكة المكرمة). وتشكل مصدرًا مهمًّا لتاريخ مكة المكرمة مهبط الوحي ومنطلق الرسالة، لما تشتمل عليه نصوصها من آيات قرآنية وأحاديث وأدعية مأثورة وأبيات وقصائد شعرية، عدد منها مؤرخ، وتواريخ هذه الأحجار الشاهدية من القرن الأول الهجري حتى القرن التاسع الهجري. وتشتمل على أنواع عديدة من الخطوط التي نقشها خطاطون مكيون وزيَّنوها بأنواع من الزخارف المعمارية والهندسية والنباتية. ولو أمعن الباحثون في أحجار مقبرة المعلّاة الشاهدية لوجدوا فيها امتدادًا للخط المكي ثم المدني، وتطورت الكتابة على الأحجار الشاهدية لتشكل كل أنواع الخطوط التي انتشرت في سائر أقطار العالم الإسلامي. أما الجوانب الفنية فيجد فيها الباحثون في الفنون الإسلامية ما يشفي فضولهم ليس في جمالية الخطوط ولكن في توريقها وتشجيرها وتزويقها بفنيات بديعة. ولا شك أن هذه الجوانب لتسهم في إثراء الدراسات الفنية والتاريخية، مع إمكانية دمجها في مشاريع فنية معاصرة، واستخراج أعمال فنية لمختلف المدارس الفنية، وأعمال حرفية مستلهمة من أعمال فنية عميقة في جذورها التاريخية.

أما النقوش الإسلامية الصخرية المنتشرة في أنحاء متفرقة من المملكة التي تُنُووِلَتْ بالبحث والدراسة فهي تحتفظ بعناصر جمالية تُؤصِّل للجذور التاريخية للفنون الإسلامية، وتؤصل أيضًا لذائقة الخطاطين والنقاشين في العصور الإسلامية المبكرة.

التعاون في توثيق وصيانة المواقع الأثرية

● في خضم التغيرات السريعة في العالم، كيف يمكن الحفاظ على النقوش الإسلامية في الجزيرة العربية وحمايتها من التدمير أو التشويه؟ وما المسؤولية التي تقع على عاتق المؤسسات العلمية والثقافية لتحقيق هذا الهدف؟

  لا شك أن النقوش الإسلامية الصخرية لكونها متناثرة على الواجهات الصخرية للجبال والحرار والهضاب وعلى جنبات الأودية وموارد المياه الطبيعية؛ فهي عرضة للتدمير والتشويه أو التعدي، هذا عدا المشاريع التنموية مثل الطرق، وإمدادات المياه وخدمات الاتصالات والكهرباء، والامتدادات العمرانية، والجهة المعنية (هيئة التراث) تعاني، والحل الأمثل أن يكون للنقوش القديمة والإسلامية، والرسوم الصخرية حلول نظامية جذرية بالتعاون مع الجهات المعنية التي تنفذ المشاريع، وتستخرج خرائط ذات تقنية عالية عن مواقع الكتابات والنقوش، ويكون هناك تعاون مع الهيئات الملكية المعنية بالمحميات الطبيعة، وحماية البيئة والهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية. وكذلك من المهم أن يكون لهيئة التراث تعاون وثيق مع وزارة الزراعة، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية، وغيرها من الجهات. وهناك ممارسات من جانب الشركات المنفذة للمشاريع لا تراعي المحافظةَ على المواقع الأثرية بصفة عامة، ومواقع الرسوم الصخرية والكتابان والنقوش الصخرية. وللأسف فهذا الإرث الخطي يعاني التدميرَ بواسطة آليات الكسارات، وتجريف الصخور والتربة التي تسببت في إتلاف وضياع شواهد خطية لا تقدر بثمن.

  أكدتم في مناسبات عديدة ضرورةَ التعاونِ بين الباحثين والمؤسسات العلمية. ما الخطوات التي تنصحون بها لتعزيز هذا التعاون وضمان إنتاج أبحاث مشتركة ذات قيمة علمية عالية؟

  التعاون بين الباحثين والمؤسسات العلمية والبحثية في مجالات البحث العلمي في التراث أمر غاية في الأهمية، وأرى اليوم وفي ظل توجه الرؤية وانفتاح المملكة على العالم من باب التراث حيث تمكنت المملكة وعلى مراحل من تسجيل عددٍ من المواقع الأثرية على قائمة التراث العالمي والحضور المميز لوزارة الثقافة في اليونسكو، ونجاح المملكة المبهر في تنمية السياحة حتى أصبحت وجهة سياحية عالمية لها قيمة إضافية للاقتصاد؛ لذلك فالحاجة ماسّة لتطوير التعاون للنهوض بالبحث العلمي الأثري، والتعاون في توثيق وصيانة وتوظيف آلاف المواقع الأثرية والعمرانية والتراثية، ليس لأهميتها التاريخية فحسب بل لإحياء التراث المادي، وضمان استدامته مصدرًا للعلم والمعرفة وموردًا اقتصاديًّا بالشراكة مع المجتمع المحلي وهو المستفيد الأول.

  قد واكبتم العديد من الأحداث والقرارات المهمة التي أسهمت في ازدهار الدراسات الأثرية في المملكة، فكيف أثر الدعم المستمر من القيادات السعودية في زيادة الحوافز البحثية وتطوير أساليب دراسة النقوش الإسلامية؟

يشهد قطاع التراث نقلة نوعية غير مسبوقة وأبرزها إنشاء وزارة الثقافة التي أسست (11) هيئةً متخصصةً، وتُعنَى كلُّ هيئة من الهيئات الإحدى عشرة بتطوير قطاع ثقافي محدد أو أكثر، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيميًّا بوزير الثقافة، وفي مقدمة هذه الهيئات هيئة التراث وهيئة المتاحف. وبحكم مواكبتي لمراحل العناية بالتراث الثقافي والمؤسسات الثقافية أجد أن ضم كل عناصر التراث الثقافي تحت مظلة وزارة الثقافة خطة مدروسة من القيادة أسعدت شرائح المجتمع كافة. أمّا قطاعُ التراث فهو يحظى باهتمام كبير في مجال المسح الأثري والحماية والمحافظة، والتنقيب الأثري، وتطوير المواقع الأثرية وتوظيفها، وتطوير البحوث العلمية. وفي مقدمتها العناية بالنقوش الإسلامية في أرجاء المملكة كافة.

جهود المملكة في حماية التراث الوطني وتطويره

  على مر السنوات؛ أطلق ملوك المملكة ووزراؤها العديد من المبادرات الثقافية لتسهيل عمل الباحثين في مجال الآثار والنقوش، وهل هناك خطوات مستقبلية تأملون أن تُتَّخَذَ لدعم هذا المجال بشكل أكبر، ولا سيما في ظل رؤية 2030؟

أود تأكيد نقطةً مهمةً أن كل القادة والملوك من عهد الملك المؤسس حتى هذا العهد الزاهر لهم بصمات ومبادرات متعاقبة ذات أثر في حماية التراث الوطني وتطويره. وقد كانت مبادرة حكيمة بصدور موافقة سامية في عام 2020م، بإنشاء مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي (دار القلم) بالمدينة المنورة؛ ليصبح مركزًا سعوديًّا عالميًّا لتعليم الخط العربي. وأنا من المعايشين لإنشاء دار القلم في مدرسة طيبة التاريخية بمبادرة من سمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود -وزير التعليم الأسبق في عام 2013م- بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية. ولا شك أن الخطة التي أطلقت عام 2021م، بتحويل المركز إلى منصة عالمية للخط والخطاطين، وتخدم الخط العربي بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي، مع تعزيز مكانة المملكة وتأثيرها في حفظه وتطويره. ولا شك أن النقوش الإسلامية الحجرية، والنقوش الإسلامية الصخرية سيكون لها اهتمام خاص لكونها المصدر الأساس لتطور الخط العربي من عصر صدر الإسلام وعلى مر العصور الإسلامية.

  تحدثتم عن أهمية احترام التراث الأثري بوصفه شاهدًا على التاريخ. كيف يمكن غرس هذا الاحترام في نفوس الأجيال الجديدة، وما الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات التعليمية والثقافية في هذا الصدد؟

أهمية احترام التراث الأثري بوصفه شاهدًا على التاريخ، واجب على كل مواطن ومقيم وزائر. وقد وضعت الدولة أنظمة ولوائح لحماية التراث الحضاري بكل عناصره، في البر والبحر، والآثار الشاخصة التي تحت الأرض، والعقوبات صارمة في حالة التعرض للتعدي على الآثار بأي وسيلة كانت. وعلى أي حال فإن على هيئة التراث وبدعم من وزارة الثقافة مسؤولية كبرى لمضاعفة الجهود بالتعاون مع الشركاء في أجهزة الدولة ذات العلاقة؛ لتعزيز حماية مواقع التراث والمحافظة عليها من التعدي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تطوير التعاون مع وزارة التعليم لجعل التراث حاضرًا في مناهج التعليم ولمختلف المراحل العمرية. وعلى هيئة المتاحف أن تشتمل متاحفها على قاعات للتربية المتحفية وتعزيز الانتماء الوطني، وغرس حب الطلاب والطالبات للتراث. كذلك على وسائل الإعلام كافة تسليط الضوء على التراث الثقافي، واستخلاص مواد علمية موجهة لفئات المجتمع كافة، وكذلك تعزيز الدور المجتمعي لحماية التراث.

  ختامًا، كيف ترى جائزة الملك فيصل وهي تكرم الباحثين الجادين في مجالات مختلفة، وما أثرها في مستقبل البحث العلمي؟

تأسست جائزة الملك فيصل العالمية في عام 1397هـ/ 1977م قبل إكمال دراستي العليا في الآثار الإسلامية بعام. وهي جائزة عالمية تحمل اسم رجل عظيم، الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله. وكان لي شرف حضور أول احتفال للجائزة سنة 1397هـ/ 1977م. وتوسعت الجائزة في إضافة مجالات أخرى للجائزة.

وجائزة الملك لها سمعة عالمية والحاصلون عليها في المجالات العلمية التي تحددها الجائزة لهم جهود علمية مضاعفة، والجائزة حافز لتطوير البحوث العلمية في المؤسسات البحثية الرائدة. وأحمد الله الذي وفقني للفوز بجائزة الملك فيصل العالمية لعام 2025م، في مجال الآثار الإسلامية، وهو شرف أعتز به، والملك فيصل -رحمه الله- قدم خدمة جليلة في المحافظة على تراث طريق الحج من العراق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة (درب زبيدة) أثناء تحضيري للدكتوراه في عام (1973م)، وجدت مؤسسة محلية تنفذ مشروع حفر وترميم بعض برك درب زبيدة لصالح وزارة الزراعة؛ حيث كان العمل ينفذ بطريقة عشوائية للتخريب عن جهل بالآثار والتراث. وبناءً على تقرير كتبته ووصل إلى الملك فيصل (رحمه الله) فصدرت توجيهاته بترك برك زبيدة على حالها وعدم التعرض لها. وها هي وزارة الثقافة تجهز ملفًّا وثائقيًّا عن درب زبيدة لرفعه لليونسكو لإدراج الدرب على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو. وأحمد الله أني أحد المشاركين في الإعداد العلمي لهذا المشروع.

المنشورات ذات الصلة

حاز جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية سعيد بن فايز السعيد: النقوش الأثرية في الجزيرة العربية ليست مجرد شواهد تاريخية

حاز جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية

سعيد بن فايز السعيد: النقوش الأثرية في الجزيرة العربية ليست مجرد شواهد تاريخية

يرى الدكتور سعيد بن فايز السعيد، المتخصص في الحضارات واللغات السامية، الذي فاز بجائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية...

حاز‭ ‬جائزة‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬في‭ ‬الطب ميشيل‭ ‬سادلين‭: ‬البحث‭ ‬العلمي وسيلة‭ ‬لاستكشاف أماكن لم يصل إليها أحد من قبل

حاز‭ ‬جائزة‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬في‭ ‬الطب

ميشيل‭ ‬سادلين‭: ‬البحث‭ ‬العلمي وسيلة‭ ‬لاستكشاف أماكن لم يصل إليها أحد من قبل

شغف مبكر في المدرسة الثانوية، أحببت كل شيء، سواء كانت اللغات أو التاريخ أو الفلسفة أو العلوم - عشقتها جميعًا. لكنني...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *