قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب حجب الجائزة هذا العام 2025م، وموضوعها: «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي»؛ نظرًا لعدم وفاء الأعمال العلمية المرشحة بمتطلبات الجائزة. أما جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، فسيُعلَن عن الفائز في نهاية...
المقالات الأخيرة
سقوط التماثيل… إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات
في كل مرة تنهار فيها الدكتاتوريات ويهرب الطغاة، يندفع الناس إلى الشوارع؛ لينهالوا بقبضاتهم وركلات أرجلهم على التماثيل. التماثيل، التي كانت مخيفة، قوية، حازمة، صارمة، ظهرت فجأة جوفاء من الداخل. هي بذلك تلخص، بدقة هائلة، حقيقة الطاغية، أي طاغية: قوي ومخيف من الخارج، أجوف وهش من الداخل.
ولكن لماذا ينقض الناس على التماثيل ويركلونها ويهشمونها ويهينونها ويسخرون منها ويجرونها في الشوارع؟ هي بالتأكيد محاولة لتفريغ الفائض الهائل من السخط على صاحب التمثال. انتقام رمزي من التمثال؛ لأن صاحبه لم يقع بين الأيدي.
كانت تماثيل الزعماء تجسيدًا للهوس بالعظمة والسيطرة والتحكم في رقاب الناس. كانت المدارس والمباني العامة والمكاتب الحكومية ملزمة بعرض صورهم، فيما تماثيلهم تملأ الساحات العامة.
التماثيل وما تمثله في الفضاء الواقعي، وكذلك الذهني والنفسي، كانت، ولم تزل، مثار مقاربات متعددة الأوجه، منذ القدم. منذ قبل الميلاد.
أقام الفراعنة المصريون تماثيل كثيرة ومتعددة الأوجه والأشكال لأباطرتهم. وأقام الرومان تماثيل للقياصرة مثل: نيرون، ودوميتيان، وغالينوس، وأوريليان، وبروبوس، وجيتا، وماكرينوس. ونهضت تماثيل للقادة القساة في العصور اللاحقة، من نابليون بونابرت وصولًا إلى فرانكو وموسوليني. حين زالت دولة أولئك الحكام أطيح بهم وبتماثيلهم.
في العصور القديمة الرومانية، كانت «اللعنة الأبدية» هي العقوبة التي تُطبق على الشخصيات السياسية التي أدانها مجلس الشيوخ بعد الوفاة، وكان يجري إسقاط تماثيلهم وإذابة العملات المعدنية التي تحمل وجوههم. ولقد أُزيلَت أسماؤهم من الفضاء العام، وأُتلِفَت سجلات حياتهم وأعمالهم. حتى الشعراءُ والمؤرخون مُنِعوا من تسميتهم أو الإشارة إليهم بأي شكل من الأشكال.
الانفصال عما كان سائدًا
على مدار التاريخ البشري، كان إسقاط تمثال يعني الانفصال عما كان سائدًا. كان المقصود من «اللعنة الأبدية» تمكين المجتمع من التخلص من ماضيه، ومحو كل ما وجد أنه غير مقبول أو مؤلم للنظر فيه.
لقد دمر المسيحيون بشكل منهجي الأصنام والتماثيل التي تمثل الآلهة الوثنية؛ لأنهم رأوا أنها تمثل الوحشية.
ولكن لماذا يعمد الطغاة إلى إقامة التماثيل لأنفسهم؟ أهي الرغبة في الخلود والبقاء، إلى الأبد، في دفتر التاريخ؟ أم إن الطاغية لا تهمه مآلات التاريخ بل ينصب اهتمامه على لحظة حضوره الآني، الذي يطمح لأن يكون أبديًّا، فيرسخه بثبات تمثاله، أو تماثيله، على الأرض طوال الوقت؟
كان الدكتاتور الإيطالي موسوليني يعمد إلى زرع صوره وتماثيله في كل فسحة متاحة. كتب الروائي إيتالو كالفينو: «لقد قضيت أول عشرين عامًا من حياتي ووجه موسوليني يلوح لي في الأفق أينما سرت». أُقِيمَت تماثيل على الطراز الكلاسيكي في العديد من المباني العامة في إيطاليا في أثناء حكم موسوليني.
والحقبة النازية طافحة بتماثيل تُمثّل ليس فقط الدكتاتور ورهطه، بل أيقونات تتناسب مع النظريات العنصرية للفكر النازي. صنع النحات المفضل لهتلر، أرنو بريكر، تماثيل نصفية لشخصيات نازية، بمن في ذلك جوزيف غوبلز، وألبرت سبير، وهتلر نفسه، ونهضت تماثيل نصفية لشخصيات نازية على نطاق واسع، وعُرِضَت في المكاتب والمصانع والمتاجر والمنازل.
تماثيل الطغاة الشيوعيين أشهر من رأس على علم، من المؤسسين ماركس وإنجلز وصولًا إلى لينين وستالين وماو تسي تونغ، وكيم إيل سونغ، وأنور خوجا وسواهم. كتب أحد الصحافيين الشيوعيين في رومانيا عن إقامة نصب لستالين في بوخارست: «كان ستالين معنا في وقت سابق والآن سوف يكون معنا لفترة أطول. سوف تدلنا ابتسامته على الطريق. قيل لي: إن من المعتاد في موسكو أن يقوم المرء بزيارة الرفيق لينين في الساحة الحمراء قبل البدء في أي مهمة أو بعد الانتهاء منها. لا شك أن الشيء نفسه سوف يحدث هنا مع تمثال الرفيق ستالين. سوف نقوم بزيارات شخصية قبل أن نجتمع لمناقشة مشاكلنا».
التمثال إذن هو الحضور الرمزي للطاغية في الميادين العامة للقيام بدور الحارس والمرشد والدليل و…الرقيب. وهذا كان، ولم يزل هذا هو حال الطغاة في كل القارات.
في زمن قريب أقيم نصب تذكاري لرئيس تركمانستان قربان بردي محمدوف في عشق آباد، عاصمة البلاد. يبلغ ارتفاع التمثال تسعة وستين قدمًا وهو، أي محمدوف، يمتطي حصانًا ذهبيًّا فوق جرف من الرخام الأبيض في وسط المدينة. قال محمدوف، الذي يدير البلاد منذ عام 2006 م: إنه اضطر إلى إقامة التمثال «بناءً على طلب الشعب». أعلن: «هدفي الرئيسي هو خدمة الشعب والوطن ولهذا، أستمع إلى رأي الشعب وأفعل ما يختارونه». وهذا الرئيس المطيع للشعب يُعتبر واحدًا من أكثر راسخي طقوس عبادة الشخصية في العالم، ولا ينافسه سوى دكتاتور كوريا الشمالية.
وظيفة التماثيل
حاول الكثير من علماء الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا فك رموز التماثيل في الأوساط الدكتاتورية، وخلص أكثرهم إلى أنها كيانات مادية تتوسل، بلغتها البصرية الفريدة، البقاء كعلامات للحظات معينة في التاريخ، غايتها الذوبان في الذاكرة الجماعية. هي تمثل، والحال هذا، رموزًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإدراكات المجتمع وثقافته وتاريخه ومعتقداته، بل وتتطور أحيانًا إلى رموز للبلد نفسه.
توجد روايات مختلفة لكل حقبة من التاريخ، وغالبًا ما يتأثر المنظور السائد في التاريخ بهياكل السلطة فيما يتعلق بكل بادرة ومنها إقامة التماثيل. إنشاء التماثيل وتثبيتها في الساحات العامة هو قرار سياسي يدل على سيطرة السلطات على المساحة العامة والاستحواذ على هوية البلد، ولذلك هي تعكس الأيديولوجيةَ السائدةَ في تلك الحقبة.
خضعت التماثيل والنصب في العالم لتغييرات كبيرة في كل من المحتوى والشكل. شككت حركة «مكافحة النصب التذكارية»، التي نشأت في ألمانيا، في جميع النصب التذكارية المتعلقة بالترويج لأيديولوجية دولة أو فرد معين؛ إذ لا ينبغي للفن والتصميم الحضري أن يدعما أو يؤيدا قيمًا سياسية أو أخلاقية محددة. قدمت حركة مكافحة النصب التذكارية تحدّيًا؛ للتحرر من عبء الهياكل المهيبة غير المرغوب فيها التي تشوه المشهد العام والتي تعمل كتأييد للسرد التاريخي السائد، الذي غالبًا ما كان يرسخ بقاء الأنظمة الدكتاتورية.
في عام 2020م، ظهرت موجة كبيرة من تحطيم الأيقونات في جميع أنحاء العالم، بالتزامن مع حركة «حياة السود مهمة». أدت هذه الحركة إلى تدمير عدد كبير من التماثيل التي تمثل مالكي العبيد والإمبرياليين الذين شاركوا في النهب والفظائع في المناطق المستعمرة.
في بوسطن، أُزِيلَ رأسُ تمثال كريستوف كولومبوس في حي نورث إند بالمدينة، بوصفه رمزًا للغزو الاستعماري. وحاول المتظاهرون إسقاط تمثال للرئيس أندرو جاكسون في حديقة لافاييت بالقرب من البيت الأبيض، رغم تدخل ضباط الشرطة حاملين دروع مكافحة الشغب ورذاذ الفلفل. كان جاكسون، الرئيس الأميركي السابع، يملك عبيدًا، وهو وضع سياسات أجبرت الأميركيين الأصليين على ترك أراضيهم وهو ما أدى إلى موت أكثر من خمسة عشر ألف شخص. وأُزِيحَ تمثال روزفلت من مستقره.
وفي بريطانيا أسقط المتظاهرون تمثالًا برونزيًّا لتاجر الرقيق إدوارد كولستون في القرن السابع عشر في ميناء بريستول. كولستون كان تاجر عبيد، ونقل ما لا يقل عن ثمانين ألف شخص من غرب إفريقيا إلى منطقة البحر الكاريبي. مات ما يقرب من عشرين ألفًا منهم. والآن بعد اختفاء التمثال الذي أقيم في عام 1895م، يريد المنتقدون أن يستبدلوا به تمثال بول ستيفنسون، وهو عامل أسود قاد مقاطعة لشركة بريستول أومنيبس في عام 1963 م لإجبارها على إنهاء ممارسات التوظيف التمييزية ضد العمال من الأقليات. ثم انصب السخط على تماثيل قادة كبار مثل ونستون تشرشل.
وفي بلجيكا أزال عامل في بلدة أوديرغيم بالقرب من بروكسل تمثالًا نصفيًّا للملك البلجيكي ليوبولد الثاني. وأُزِيلَ تمثال آخر لليوبولد من ساحة عامة في أنتويرب، ثم وقع أكثر من ثمانين ألف شخص على عريضة لإزالة جميع تماثيل ليوبولد من بلجيكا؛ سعيًا للتخلص من الماضي القذر لهذا الإمبراطور الذي استولى على الكونغو، ومارس فظائع رهيبة في حق سكانها.
إسقاط تماثيل الحكام هو، بشكل خاص في البلدان ذات الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، عمل ثوري، وهو يرمز إلى انتصار الشعب على الحكومة. صورة المواطنين وهم يهدمون تمثال الدكتاتور تُعَدُّ فعلًا رمزيًّا، في انتهاك المُحَرَّم الذي فَرَضَه الطاغيةُ بالغصب والإكراه.
صناعة التماثيل
لن يستغرب أحد إنْ علمنا أن كوريا الشمالية، التي تُصَدِّر صواريخ سكود وأجهزة التعذيب، وترسل خبراء في أساليب الرقابة والتحكم في الناس، تُصَدِّر التماثيل. إنها تَمُدُّ الطغاةَ بشيئين فظيعين: الصواريخ والتماثيل.
أي طاغية يمكن أن يطلب أي شكل من أشكال النصب والتماثيل والجداريات واللوحات العملاقة والتماثيل النصفية. التماثيل الضخمة والجداريات واللافتات التي تملأ ساحات وباحات البلدان الدكتاتورية والشمولية، وتُصفق لها الجماهير في المواكب العسكرية، فضلًا عن صور الملصقات؛ هي من صنع موظفين في كوريا الشمالية. بنى الدكتاتور ورشة عملاقة تضم أكثر من أربعة آلاف عامل، وهي تقع في قلب العاصمة، بيونغ يانغ، وتسمى مانسوداي.
بدأ تصدير منتجات هذا المصنع العجيب في أوائل الثمانينيات كهدية دبلوماسية إلى الدول الاشتراكية وغير المنحازة. وتحولت إلى مصدر للعملة الصعبة، ويعمل فيها فنانون وحرفيون من أنغولا وبنين وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية وإثيوبيا وتوغو. في زيمبابوي هناك تماثيل عملاقة لروبرت موغابي من نتاج الورشة الكورية.
معاني التماثيل
تتفاوت قيمة التماثيل ومعانيها بشكل كبير، وتختلف الظروف التي ترتفع فيها وتسقط فيها أيضًا.
في الثمانينيات نهضت موجة من عمليات الهدم، وهدم الآثار، وإزالة التماثيل في أوربا الشرقية، علامة على التخلص من الإرث الاشتراكي والسير في رحاب الحرية فضلًا عن المطالبة باستعادة المنظور المكبوت للتاريخ المحلي في تلك البلاد. إن إزالة تماثيل لينين في برلين أو بوخارست أو صوفيا أو هدم جدار برلين أو التخلص من تمثال ماركس في بودابست؛ كل هذا كان يرمز إلى الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
في عام 1961م، وصف فرانز فانون الاستعمار بأنه «عالم التماثيل». لم يتعلق الأمر بمجرد استعارة لفظية. في العام التالي بدأ الثوار الجزائريون المنتصرون في إزالة المعالم الاستعمارية الفرنسية من بلادهم، وسرعان ما اجتاحت الحركة المعروفة باسم «الحرب ضد التماثيل» إفريقيا كلها. في جنوب إفريقيا برزت حركة «يجب أن يسقط تمثال رودس» في عام 2015م، وهو الأمر الذي أدى إلى إشعال حركة المطالبة بإزالة التماثيل في جميع أنحاء العالم. في نوفمبر، 2023م، أُزِيلَ تمثالُ الحاكم الاستعماري الألماني كيرت فون فرانسوا في ويندهوك، ناميبيا، ثم استمرت التماثيل في مختلف أنحاء منطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية في السقوط.
غير أن الكاتب الهولندي أليكس فون تونزلمان لا يؤيد فكرة إزاحة كل التماثيل. من الجيد، في رأيه، إزالة تماثيل الناهبين والمتعصبين واللصوص والطغاة؛ هي مشينة ومسيئة. ولكن الأعمال الأخرى مثل النصب التذكاري لقدامى محاربي فيتنام في واشنطن العاصمة، والنصب التذكاري للهولوكوست في برلين، أو النصب التذكاري للمجاعة في دبلن، يجب أن تبقى. هذه الأعمال تؤدي وظيفة مهمة تتمثل في تخليد الذكرى العامة والعديد منها يتمتع بفائدة إضافية تتمثل في كونها جميلة.
تماثيل الطغاة والمستبدين جارحة للمشاعر ومسيئة للضحايا وفوق ذلك قبيحة. وكذلك تماثيل تجار الرقيق والغزاة والقَتَلَة ومُحِبّي الحروب والمستغلين ومرتكبي الإبادة الجماعية. قال الكاتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو: «يجب أن نقرر دائمًا من يستحق أن نتذكره ومن يستحق أن ننساه. نحن أكثر بكثير مما قيل لنا. نحن أكثر جمالًا بكثير».
التماثيل، في أبسط معانيها، تمثيلات ضخمة لأجساد بشرية، مصحوبة، غالبًا، بآلات الهيمنة، كالسيوف والخيول؛ لإظهار القوة البدائية لجسد واحد دون آخر، وفرضه في فضاء المدينة بمواد متينة تتحدى التآكل والتغيير. هي أشباح متحجرة تعمل على ترسيخ ذهنية التبجيل والخوف والتمجيد والطاعة. إنها بمنزلة أطراف اصطناعية للذاكرة التاريخية، تخلد ذكرى حياة من أوهموا الناس أنهم يستحقون أن يبقوا فوق الجميع وأن تقام لهم «تماثيل» في كل ركن.
التماثيل في هذا السياق تتغلغل إلى الأذهان، وتسيطر على النفوس. أصحاب التماثيل يقولون: الفضاء العام هو ملكنا وأنتم مجرد عابرين. وبما أنكم تنالون عطفنا ونسمح لكن باستعمال هذا الفضاء العام فأنتم، أيضًا، ملكنا وفي وسعنا أن نفعل بكم ما نشاء، خيرًا أو شرًّا.
تنبع قوة التماثيل على وجه التحديد من حقيقة أنها تُمَثّل شخصيات تشبهنا، ويمكننا مقارنة أنفسنا بها، بغض النظر عن غرابة حجمها أو ملابسها. يمكن لأي واحد منا، من الناحية النظرية، أن يكون تمثالًا. ولكن لكي يحدث هذا، من الضروري أن نمتلك الشرعية. والشرعية لا تتوافر لأحد لأن لا شرعية لاستيلاء أحد على آخر. التماثيل، والحال هذا، كذبة. هي لا تمثل مجرد أشخاص، بل تنطق باسم الجسم السياسي، أي السلطة. وهي ما لا يمكن تجسيدها في تمثال. لهذا فإن التماثيل مصنوعة لتسقط في يوم من الأيام، كما يقول تونزلمان. هي تسقط، في رأيه؛ لثلاثة أسباب: التدهور، الإزالة من الأعلى، السقوط من الأسفل.
مع مرور الزمن تصبح التماثيل أشياء لا معنى لها: تُنسى وتُترك لتتآكل حتى تتشوه. تصبح حجارة بلا وجه. تبلى ولا تُصلَح؛ حتى الاسم الموجود على اللوحة قد يتلاشى أو يغطيه العفن أو اللبلاب.
في عمليات إزالة تركة السوفييت في الكتلة الشرقية السابقة أُنجِزت مئات عمليات الهدم. غالبًا ما كانت هذه الإجراءات تهدف إلى إقناع الجمهور بأن التغيير قد جاء أخيرًا. في أوكرانيا عام 2015م، دُمِّرَت المعالم الشيوعية في الصباح، وبعد الظهر حل أبطال جدد محلهم. في مدينة يوغن الأوكرانية، حول الفنان ألكسندر ميلوف تمثال لينين إلى تمثال لأحد أبطال أوكرانيا وكتب على لوحة: «إلى والد أمتنا، من أبنائها وأبناء زوجها الممتنين».
غير أن الاستبدال العنيف، الراديكالي، الجذري، هو الأكثر إثارة للاهتمام. تُستخدم الحبال والمطارق والمعاول والمجارف والطلاء وأي أدوات أو تقنيات أخرى متاحة. تُحَوَّل التماثيل أو تُشَوَّه أو تُفَكَّك أو تُقَطَّع أو تُسقَط بطريقة اعتباطية وثأرية وصاخبة وغير مصرح بها وغير رسمية وغير قانونية عادةً. يجري ذلك في أوقات التمرد والثورة والانقلاب. هذا ما جرى قبل وأثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وهذا ما جرى ويجري، في البلدان التي حكمتها دكتاتوريات شمولية، مثل: رومانيا والعراق وليبيا وسوريا، فما إن تتهاوى المنظومة الحاكمة حتى يهب الجميع ويهرعون إلى التماثيل ليشبعوها ركلًا ودحرجة على الأرض.
التمرد في هذا الحال ليس مجرد إزاحة لنمط الحكم، بل هو، في الوقت نفسه، إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات.
عندما تُسقَط التماثيل، يبدو الأمر كما لو أن قوة جماعية استولت على ساعة التاريخ، وعمدت إلى ضبط عقاربها. لسان الحال يقول: من الضروري أن نحول الساحة إلى فضاء حر للأجساد الحية. إننا في حاجة إلى البشر لا الحجر.
المنشورات ذات الصلة
تلوين الترجمة… الخلفية العرقية للمترجم، وسياسات الترجمة الأدبية
في يناير 2021م، وقفت الشاعرة الأميركية «أماندا جورمان» لتلقي قصيدتها «التل الذي نصعده» في حفل تنصيب الرئيس الأميركي جو...
النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة
في 30 سبتمبر 2019م، شاركت في مؤتمر (Voiced: الترجمة من أجل المساواة) الذي ناقش نقص منظور النوع في دراسات الترجمة...
ألمانيا الشرقية: ماذا كسبت وماذا خسرت بعد ثلث قرن من الوحدة؟
تقترن نهاية جمهورية ألمانيا الشرقية في أذهان الأوربيين بصورة حشد من الناس الذين يهدمون جدار برلين بابتهاج، وتُعَدّ...
0 تعليق