المقالات الأخيرة

جائزة الملك فيصل تحجب جائزة «اللغة العربية والأدب» وموضوعها «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي» لعدم الوفاء بالمتطلبات

جائزة الملك فيصل تحجب جائزة «اللغة العربية والأدب»

وموضوعها «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي» لعدم الوفاء بالمتطلبات

قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب حجب الجائزة هذا العام 2025م، وموضوعها: «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي»؛ نظرًا لعدم وفاء الأعمال العلمية المرشحة بمتطلبات الجائزة. أما جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، فسيُعلَن عن الفائز في نهاية...

المرأة والفلسفة… قضية منجز أم قضية ثقافة؟

المرأة والفلسفة… قضية منجز أم قضية ثقافة؟

يُعَدُّ حقل الفلسفة من الحقول المعرفية الجدلية بالغة التعقيد؛ ليس لأنه يفتح مجالًا واسعًا للمقارنة بين منجز الرجل ومنجز المرأة، وإنما لأنه من الحقول النخبوية الشاقة في عالم الفكر وصناعة المعرفة، نظرًا للنُّدرة التي نلحظها في نسب المتفردين والمؤثرين المشتغلين فيه،...

الفلسفة وإعادة التفكير في الممـارسات الثقافيـة

الفلسفة وإعادة التفكير في الممـارسات الثقافيـة

من الممكن القول في ضوء المشكلات التي تطرحها الدراسات الثقافية، بأن الفلسفة الآن، تنتسب للممارسات الثقافية، بل كأي نص آخر من النصوص الأخرى المتعددة التي تنشغل بها الدراسات الثقافية، وفق المفهوم الجديد للثقافة بوصفها «جملة من الصفقات والعمليات والتحولات والممارسات...

اللغة والقيم العابرة… مقاربة لفك الرموز

اللغة والقيم العابرة… مقاربة لفك الرموز

القيم تَعْبُرُ المجتمعات والثقافات (= عبور عَرَضي)، وهي أيضًا تعبر الأزمان والأوقات (= عبور طولي). هذا العبور مَحُوطٌ بالعديد من الأسرار والإشكاليات من جهات تأسيسية عديدة، ومن تلك الجهات دور اللغة. وفي هذا النص المختصر، نقدم مقاربة مكثفة للإجابة في قالب أولي عن هذا...

الصورة: من المحاكاة إلى البناء الجمالي

الصورة: من المحاكاة إلى البناء الجمالي

يعد اللسان أرقى أنساقِ التواصل وأكثرَها قدرةً على وصف وتأويلِ ما يأتي من المنافذِ الحسية، فلا يُمكننا استخراج القواعدِ التي تحتكم إليها منتجاتُ هذه المنافذ، في اشتغالها وفي إنتاجِ دلالاتِها، إلا بالاستنادِ إلى ما تَقولُه الكلماتُ عنها. إن اللسان يُعين ويسمي ويَصف...

العمى العالمي… بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية

بواسطة | يناير 1, 2025 | مقالات

العمى تشويه للرؤية الأخلاقية

فقدان البصر يعكس انهيار البصيرة الأخلاقية في المجتمع. الأفراد لا يفقدون قدرتهم على الرؤية فقط، بل يفقدون أيضًا قدرتهم على التمييز بين الصواب والخطأ، الخير والشر. هذه الفكرة تتوافق بشكل مخيف مع العالم المتجاهل لمأساة غزة، حيث الصراع والحرب المستمرة لا يُنظر إليها بوصفها كارثة إنسانية يجب معالجتها، بل على أنها أمر عابر يعتاد الناس رؤيته في الأخبار. المجتمع الدولي يغرق في عمى سياسي وأخلاقي حين يتجاهل المعاناة اليومية التي يعيشها سكان غزة. هذا العمى ليس جسديًّا، بل هو أعمق وأكثر جذرية؛ هو العمى عن الأخلاق وعن الإنسانية المشتركة.

مثلما تتدهور القيم الإنسانية في رواية ساراماغو «العمى» مع تصاعد الأزمة، فإن الحرب في غزة تحولت إلى حالة من القبول الضمني بوجودها الحتمي، وهو ما يعزز العمى الأخلاقي لدى الجهات الفاعلة دوليًّا وإقليميًّا. تلك الرؤية الباهتة لكرامة الإنسان وحقوقه تمثل ذلك العمى المظلم الذي يمكن أن يدفع المجتمعات إلى قبول العنف جزءًا من الحياة اليومية، وتبرير ما لا يمكن تبريره أخلاقيًّا.

الحصار: الجدران التي تبني العمى

في العمى، يُحاصر المصابون داخل مكان معزول، تحيط بهم الجدران ويُمنع عليهم التواصل مع العالم الخارجي. هذه الجدران تمثل قيودًا اجتماعية ونفسية تجعلهم غير قادرين على الهروب من مصيرهم. في غزة، الحصار المادي الذي يعيشه السكان يشبه الجدران التي تحاصر شخصيات «العمى»؛ تحول القطاع إلى «سجن مفتوح»، حيث تُفرض القيود على الحركة، وتُمنع الاحتياجات الأساسية من الوصول بشكل سلس.

الحصار لا يبني جدرانًا مادية فحسب، بل جدرانًا نفسية كذلك. تلك الجدران تحجب عن السكان رؤية العالم الخارجي بوضوح؛ تجعلهم غير قادرين على التواصل مع الإنسانية الأوسع. وبالنسبة للعالم الخارجي، هذا الحصار يبني حاجزًا من العمى؛ يغلق أعين المجتمع الدولي على رؤية المعاناة رؤية شاملة وواضحة. كلما طال أمد الحصار أصبح العمى أعمق وأكثر تجذرًا، سواء بالنسبة لسكان غزة الذين يعيشون في ظلال هذه الجدران، أو بالنسبة للعالم الذي يراقب من بعيد دون أن يحاول تكسير هذه الجدران.

البقاء في قلب الفوضى: الصراع من أجل الإنسانية

في لحظة معينة من رواية «العمى»، يبدأ الناس بالتقاتل على الموارد، حيث تصبح الحياة نفسها صراعًا في حد ذاتها. يفقدون قدرتهم على التواصل الإنساني وتتحول أفعالهم إلى محاولات بدائية للبقاء على قيد الحياة. هذه الفوضى تُمثّل بدقة واقع الحياة اليومية في غزة، حيث يتكيف الناس مع حالة الحرب المستمرة ويحاولون البقاء وسط الدمار.

لكن ما يميز غزة ليس مجرد البقاء البدائي، بل هو محاولة إعادة بناء إنسانية مفقودة وسط هذه الظروف الصعبة. في كل مرة تُهدم فيها المنازل ويعاد بناؤها، وفي كل مرة تُزرع فيها بذور جديدة حول المخيمات على الرغم من الخراب، نجد تمسكًا قويًّا بالحياة والكرامة. هذا التمسك بالإنسانية على الرغم من الفوضى يشبه بشكل ما قدرة الشخصيات في «العمى» على البحث عن طريق للخروج من محنتهم، رغم أنهم فاقدو البصر ويعيشون في ظلام كامل.

الفوضى في الرواية تكشف الجانب المظلم للطبيعة البشرية، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب لإمكانية الخلاص. في غزة، الفوضى المستمرة تعزز من الصلابة النفسية لأهل القطاع وتجعلهم يواصلون النضال للحفاظ على كرامتهم وهويتهم، وكأنهم يتمسكون بإنسانيتهم في وجه العمى المتفشي.

العزلة الإنسانية: الغياب المأساوي للتواصل

فقدان البصر في رواية ساراماغو يؤدي إلى فقدان القدرة على التواصل بفاعلية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. الجميع يتحدثون، لكن لا أحد يستطيع رؤية الآخر. يصبح التواصل مجرد كلمات عابرة في فراغ مظلم، لا يتمكن أحد من معرفة موقع الآخر. هذا الانفصال عن العالم والتواصل البشري يمكن رؤيته في الوضع الحالي في غزة، حيث يشعر السكان بأنهم معزولون عن بقية العالم، ليس فقط بسبب الحصار، بل بسبب غياب التضامن الحقيقي والدعم الفعلي.

هذه العزلة ليست مجرد غياب مادي للتواصل، بل هي عزلة عاطفية ونفسية. يشعر الناس في غزة بأن صرخاتهم وأحلامهم ومطالبهم لا تُسمع، وكأنهم ينادون في فضاء فارغ. تمامًا كما في رواية «العمى»، حيث يُصبح الناس غير مرئيين لبعضهم الآخر، يُصبح سكان غزة غير مرئيين للعالم. إنهم يعيشون في الظل، في «عمى» عالمي حيثُ تَجاهُلُ معاناتِهم بشكل مستمر. هذه العزلة تزرع الشعور باليأس، ولكنها في الوقت نفسه تُبرز قوة الأمل لدى الأفراد الذين يرفضون أن يصبحوا غير مرئيين.

الأمل في استعادة البصر: رؤية جديدة للعالم

في نهاية «العمى»، يعود البصر فجأة للجميع دون سابق إنذار، وكأن ساراماغو يترك الباب مفتوحًا على مصراعيه للأمل. في تلك اللحظة، يستعيد الناس قدرتهم على رؤية العالم، لكن هذه الرؤية ليست كما كانت من قبل. التجربة التي عاشوها جعلتهم يكتشفون أعماقهم المظلمة، وفي الوقت ذاته فهموا قيمة الحياة والإنسانية بشكل أعمق.

في غزة، قد يبدو النور بعيد المنال، لكن الأمل لا يزال ينبض في قلوب الناس. الأمل في أن يأتي يوم تعود فيه الإنسانية إلى مكانها الصحيح، وأن يُفتح باب الخلاص، تمامًا كما استعادت شخصيات الرواية بصرها. غزة ليست مجرد مكان للحرب والدمار، بل هي رمز للمقاومة والصمود. حين يعود «البصر» إلى العالم -حين يفتح المجتمع الدولي عيونه ويرى الحقيقة- ستكون غزة شاهدة على انتصار الإنسانية على العمى الذي أصاب العالم لسنوات طويلة.

الاستفاقة من العمى: استعادة الكرامة البشرية

العمى في رواية ساراماغو ليس مجرد فقدان للبصر، بل هو فقدان للقدرة على التواصل مع الآخر بوصفه إنسانًا كاملًا. هذا العمى المجتمعي هو ما يمكن أن يُخرّب البشرية ويُفقدها قدرتها على التعايش بسلام. غزة، بوصفها رمزًا للنضال من أجل الكرامة، تمثل جرحًا عالميًّا يعكس فشل المجتمع الدولي في استعادة إنسانيته ورؤية الحقيقة بوضوح.

في نهاية المطاف، يمكن النظر إلى غزة بوصفها مرآة تعكس العمى الذي أصاب ضمير العالم، لكنها في الوقت ذاته تظل بؤرة للنور، حيث الصمود والمقاومة هما الوجه الآخر للأمل. تمامًا كما في رواية «العمى»، الاستفاقة ممكنة، لكن يجب على العالم أن يفتح عينيه أولًا؛ ليرى معاناة غزة ويرى الإنسانية التي لا تزال تزهر وسط الحرب.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *