المقالات الأخيرة

جائزة الملك فيصل تحجب جائزة «اللغة العربية والأدب» وموضوعها «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي» لعدم الوفاء بالمتطلبات

جائزة الملك فيصل تحجب جائزة «اللغة العربية والأدب»

وموضوعها «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي» لعدم الوفاء بالمتطلبات

قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب حجب الجائزة هذا العام 2025م، وموضوعها: «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي»؛ نظرًا لعدم وفاء الأعمال العلمية المرشحة بمتطلبات الجائزة. أما جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، فسيُعلَن عن الفائز في نهاية...

المرأة والفلسفة… قضية منجز أم قضية ثقافة؟

المرأة والفلسفة… قضية منجز أم قضية ثقافة؟

يُعَدُّ حقل الفلسفة من الحقول المعرفية الجدلية بالغة التعقيد؛ ليس لأنه يفتح مجالًا واسعًا للمقارنة بين منجز الرجل ومنجز المرأة، وإنما لأنه من الحقول النخبوية الشاقة في عالم الفكر وصناعة المعرفة، نظرًا للنُّدرة التي نلحظها في نسب المتفردين والمؤثرين المشتغلين فيه،...

الفلسفة وإعادة التفكير في الممـارسات الثقافيـة

الفلسفة وإعادة التفكير في الممـارسات الثقافيـة

من الممكن القول في ضوء المشكلات التي تطرحها الدراسات الثقافية، بأن الفلسفة الآن، تنتسب للممارسات الثقافية، بل كأي نص آخر من النصوص الأخرى المتعددة التي تنشغل بها الدراسات الثقافية، وفق المفهوم الجديد للثقافة بوصفها «جملة من الصفقات والعمليات والتحولات والممارسات...

اللغة والقيم العابرة… مقاربة لفك الرموز

اللغة والقيم العابرة… مقاربة لفك الرموز

القيم تَعْبُرُ المجتمعات والثقافات (= عبور عَرَضي)، وهي أيضًا تعبر الأزمان والأوقات (= عبور طولي). هذا العبور مَحُوطٌ بالعديد من الأسرار والإشكاليات من جهات تأسيسية عديدة، ومن تلك الجهات دور اللغة. وفي هذا النص المختصر، نقدم مقاربة مكثفة للإجابة في قالب أولي عن هذا...

الصورة: من المحاكاة إلى البناء الجمالي

الصورة: من المحاكاة إلى البناء الجمالي

يعد اللسان أرقى أنساقِ التواصل وأكثرَها قدرةً على وصف وتأويلِ ما يأتي من المنافذِ الحسية، فلا يُمكننا استخراج القواعدِ التي تحتكم إليها منتجاتُ هذه المنافذ، في اشتغالها وفي إنتاجِ دلالاتِها، إلا بالاستنادِ إلى ما تَقولُه الكلماتُ عنها. إن اللسان يُعين ويسمي ويَصف...

الطيور على أشكالها تقع… سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية

بواسطة | يناير 1, 2025 | مقالات

«الطيور على أشكالها تقع» قانون عالمي للطبيعة والمجتمع البشري. ينعكس هذا القانون على بنية الشبكة الاجتماعية؛ أي كلما زادت العلاقات بين الأفراد والجماعات، كان الإحساس بالهوية والانتماء لأعضاء الشبكة في المجموعة أقوى، وكان انتشار أفكارهم داخل المجموعة وتأثرهم بالآخرين أسهل.

تجمع الشبكات الاجتماعية الأفراد الذين يتشاركون الخبرات المشتركة معًا، وتؤدي التجارب المشتركة كذلك إلى تفاعل اجتماعي متكرر، يعكس المعاني والسلوكيات المشتركة، وعندما يستوعب الأفراد تلك التجارب المشتركة، يشكلون هوية جماعية، التي تشتمل كذلك على مفاهيم الأفراد عن ذواتهم وتقييمهم لوضعهم من خلال علاقتهم بالآخرين، والمجموعات التي ينتمون إليها، كما تتشكل من خلال التفاعل بين الأفراد (سيرب وآخرون، 2020م).

المدلول السوسيولوجي

يقول زيمل: إن محتوى العلاقات الاجتماعية يؤثر في الوجود، ونمط العلاقات الاجتماعية يؤثر في تشكل الفرد الاجتماعي (لاكرو، 2003م). ويرى (أكتر، 2013م) أن مفهوم شبكة العلاقات مُغْرٍ وبسيط حدسيًّا، ويرتبط بسهولة بالطريقة التي يعيش بها الأفراد حياتهم بشكل روتيني.

شبكة العلاقات الاجتماعية هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، تعتمد على الترابط الاجتماعي، الذي يؤثر في السلوك الاجتماعي، وفي الثقافة التي تحدد سلوك الأعضاء داخل الشبكة الاجتماعية. كما تشير إلى نظام العلاقة المستقر نسبيًّا الذي يتكون بين أفراد المجتمع بسبب التفاعل والاتصال، ويُكون العلاقات الاجتماعية بين الفاعلين، الذين تشكل أنماطهم المستقرة البنية الاجتماعية. ويتجاوز المفهوم نطاق العلاقة الشخصية، أو الأفراد، فيمكن أن تكون الشبكة جماعية، كالعائلات والإدارات، والمنظمات والبلدان (لي وآخرون، 2021م).

كما عُرِّفَتْ بأنها مجموعة محددة من الروابط، بين مجموعة محددة من الأفراد، توفر أنواعًا ومستويات مختلفة من المعلومات والموارد الاجتماعية، والدعم العاطفي أو المادي المتبادل (ليم وبوتمان، 2010م). وعدّها أكتر (2013م) مجموعةً من الاتصالات الشخصية التي يحافظ من خلالها الفرد على هويته الاجتماعية، ويتلقى الدعم العاطفي والمساعدة المادية والخدمات الاجتماعية والمعلومات الجديدة. يوضح هذا التعريف أن للشبكات الاجتماعية أهمية خاصة في مناحي حياة الفرد غالبًا؛ لأنها تتضمن مجموعة من الأفراد المرتبطين بعضهم ببعض من خلال الروابط الاجتماعية.

لذا تُطور شبكة العلاقات الاجتماعية روابط قوية تولد رأس المال الاجتماعي، التي تؤدي دورًا مهمًّا في توسيع الاتصالات الاجتماعية، من خلال عملها جسرًا يسهل التواصل بين مجموعات وطبقات مختلفة، وعادة ما تجمع أعضاء الشبكات اهتمامات مشتركة بما في ذلك الثقافة واللغة المشتركة، إضافة إلى الاتفاقيات غير الرسمية، عبر اتباع قواعد المجموعة التي غالبًا ما تكون غير مكتوبة، ويختلف تصنيف شبكة علاقات الفرد، وفقًا للجنس والعمر والهوية والموقع الجغرافي والاجتماعي (كراو، 2004م). ويُعَدُّ الأفراد والعائلات الموردَ الرئيسَ لرأس المال الاجتماعي، الذي يمكن أن يدعم تحقيق التعلم والحراك الاجتماعي، كما أنه يولد مجموعة مشتركة من المعايير والقيم والتوقع المعياري للالتزام والمعاملة بالمثل (أكتر، 2013م).

عناصر شبكة العلاقات الاجتماعية

تتكون الشبكات الاجتماعية من العلاقات الاجتماعية للفرد، أي مجموعة الأشخاص الذين يرتبط بهم بشكل مباشر، مثل: أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف. ويعني الارتباط المباشر أن هناك علاقة اجتماعية معترفًا بها بين الفرد وشريك الشبكة تتميز بالتفاعلات المتكررة، وغالبًا ما تشترك هذه المجموعات أهدافها، في حين أن هذا لا يميز بالضرورة الشبكات الاجتماعية (ورزوس وآخرون، 2013م). ومع تغير المجتمعات المعاصرة في مجالات الأسرة والحياة الشخصية والصداقة وأشكال العلاقات المختلفة، ظهرت أسئلة عدة، على سبيل المثال، كيف نحدد من يُعدّ أسرة؟ هل يحل الأصدقاء محل الأقارب؟ ما المعايير التي نستخدمها لعَدّ شخص ما قريبًا أو لا؟ هل يمكن ربط الأفراد بالآخرين من خلال الرعاية والثقة أو التوتر والصراع؟ في الواقع أصبحت الحدود بين الأسرة والأصدقاء غير واضحة بشكل متزايد، حيث يُنظر إلى بعض الأصدقاء على أنهم يتصفون بصفات شبيهة بالأسرة ويُوثَق فيهم، عبر ممارسات الرعاية والدعم (آلان، 2006م؛ جوفيا وكاسترين، 2021م).

من حيث إن شبكة العلاقات الاجتماعية تتكون من الأصدقاء، نجد أنه في جميع الثقافات تُعَدُّ الصداقة علاقة مهمة طوال مدة حياة الفرد، وتتميز بسمات عدة منها، أنها علاقة تتضمن سلسلة من التفاعلات بين أفراد معروفين بعضهم لبعض، وتتميز برباط المودة المتبادلة، مع عدم وجود واجبات رسمية أو التزامات قانونية، ويتمتع كل فرد فيها بالقدر نفسه من القوة أو السلطة، كما تتميز دائمًا بالمرافقة وممارسة الأنشطة المشتركة، إضافة إلى ذلك، غالبًا ما تعمل بصفتها مصادر للدعم العاطفي والإفصاح عن الذات، والتكيف مع الحياة، كما يعاني الأفراد الذين ليس لديهم أي أصدقاء من صعوبات اجتماعية وعاطفية، كالشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق. على سبيل المثال، تعد الصداقة أول تجربة لعلاقات المساواة، ففي العلاقات الأسرية، يحظى الوالدان بسلطة أكبر، ومع الأصدقاء من المتوقع أن يُصنَع القرار وتُشارَك السلطةُ على نحوٍ متساوٍ، وكذلك تعلُّم التفاعلات الاجتماعية، مثل: كيفية المشاركة، وكيفية حل النزاعات (بيرجر وآخرون، 2017م).

من جانب آخر افترض (تشين وآخرون، 2011م) أن شبكة العلاقات تتكون من أربعة افتراضات رئيسة: أولًا- تتكون من معرفة الذات عند الارتباط بالآخرين المؤثرين، والمرتبطين بالذاكرة الذين تخزن المعلومات حولهم. ثانيًا- توجد على مستويات متعددة خاصة أو عالمية. ثالثًا- تتكون من مفاهيم ذاتية كالاشتراك في الأهداف وإستراتيجيات التنظيم الذاتي، التي تميز الذات عند الارتباط بالآخرين. كما افترض تشين وآخرون أن شبكة العلاقات تتكون من مفاهيم قائمة على السمات، على سبيل المثال، محبة للمرح، وقائمة على الأدوار المعيارية والثقافية، على سبيل المثال الشخصية المتسلطة.

أنماط شبكة العلاقات الاجتماعية

وضحت دراسة (سونغ وآخرين، 2022م) أن لشبكة العلاقات الاجتماعية أنماطًا عدة، يمكن تمييزها من خلال شكل العلاقات التي تتضمنها، منها: النوع المتنوِّع والمشارِك اجتماعيًّا، الذي يتكون ممن لديهم روابط اجتماعية متنوعة مع الأسرة والأصدقاء والجيران والمعارف، ويمارسون المشاركة المجتمعية. ونوعٌ يشيرُ إلى الشبكات المكونة من الأصدقاء. والنوع الذي يركز على الأسرة، ويمثل الذين تتكون شبكاتهم الاجتماعية أساسًا من أفراد الأسرة المباشرين. أخيرًا النوع المقيد وهم أولئك الذين يفتقرون إلى الترابط الاجتماعي عامة. إضافة إلى ذلك أشارت نتائج الدراسة إلى أن أنواع الشبكات الاجتماعية تتأثر بتفاوتات اجتماعية وديموغرافية عدة، على سبيل المثال، يؤثر العمر على نحو سلبيّ في تنوع الشبكة؛ بسبب انخفاض المتطلبات الاجتماعية، فمع التقدم في العمر يفضل الفرد الروابط الوثيقة عاطفيًّا، وعادة ما يكون لدى الإناث شبكات اجتماعية متنوعة أكثر من الذكور، وللأقليات العرقية شبكات اجتماعية أقل تنوعًا.

إضافة إلى ذلك، يحدد الوضع الاجتماعي الاقتصادي، حسب دخل الأسرة أو التعليم، الفرص والقدرات في المحافظة على العلاقات. من جانب آخر، توجد أنماط عديدة للشبكات الاجتماعية تُصَنَّف حسب البيئة، وأحد الأشكال الرئيسة لها هو الاتصال وجهًا لوجه، الذي ينشأ ويُعالَج في البيئة المادية، في حين يَتطوَّر نوع آخر من الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، حيث قد لا يعرف الأشخاص بعضهم الآخر، ولكن يمكنهم مشاركة المعلومات والصور والقصص الشخصية، والمشاعر، وتكوين الصداقات. وتسهل الشبكات الاجتماعية الافتراضية إنشاء شبكات اجتماعية في البيئة المادية، من ناحية أخرى، يمكن الحفاظ على الشبكات الاجتماعية التي تُشَكَّل في البيئة المادية باستخدام مواقع الشبكات الاجتماعية، كما شاهدنا مؤخرًا تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية الافتراضية مثل: «فيسبوك»، و«مايسبيس»، و«تويتر»… في العلاقات الاجتماعية ومواقف الناس (أكتر، 2013م).

آليات التأثير الاجتماعي

شبكة العلاقات الاجتماعية تؤثر في الأفراد بوصفها شبكة دعم اجتماعي، من ثلاثة جوانب: الأول، هو شعور الأفراد بالرعاية والمحبة. والآخر، اعتقادهم بأنهم محترمون وذوو قيمة. والثالث، اعتقادهم أنهم ينتمون إلى شبكة معلومات مشتركة. وتشترك تعريفات الباحثين للدعم الاجتماعي في نقطتين: أولًا، أن الدعم الاجتماعي يحدث بين الفاعلين الاجتماعيين، في أثناء التفاعل، الذي يمكنهم من خلاله الحفاظ على هويتهم الاجتماعية. ثانيًا، نقل واستقبال المعلومات المعنوية والمادية، والحصول على الدعم العاطفي والمساعدة المادية (روزر وآخرون، 2016م؛ لي وآخرون، 2021م). وكلما كانت العلاقات الاجتماعية أقرب وأقوى، اتسع نطاق قدرة من يُتفاعَل معهم على التأثير في تشكيل الفرد فيما يمكن أن يصبح عليه، على سبيل المثال، تساعد الروابط في العلاقات الشخصية، وعضوية الجمعيات التطوعية، والمشاركات المدنية، في التأثير في الأذواق الثقافية، وفي تعزيز الرفاه الشخصي، وارتكاب الجرائم كذلك (ماكفرسون، 2006م).

ويعد فهم العمليات والآليات التي توجه سلوك الأفراد، بناءً على تصورات ومعايير وسلوك الآخرين، هدفًا أساسيًّا للبحث الاجتماعي، وهو ما يعرف بالتأثير الاجتماعي، على سبيل المثال التفضيلات العرقية والسلوك الجماعي وإنفاذ المبادئ غير الشعبية، وتشترك جميع الآليات التي تبحث ذلك في فرضية وجود تأثير اجتماعي كبير في السلوك ناتج عن تصور وتأثير الآخرين (روزر وآخرون، 2026م) وعند فهم ودراسة آليات التأثير الاجتماعي التي تقود الناس إلى توجيه سلوكهم نحو سلوك الآخرين، الذين لا يرغبون في الابتعاد منهم، وجدت دراسات متعددة أن هذه الآليات لا تستند فقط إلى الملاحظات الصحيحة لأفعال الآخرين، بل تشمل أيضًا السمات والسلوكيات غير المرغوب فيها (ويفر وآخرون، 2007م). يؤيد ذلك نتائج دراسة (يونغ وويرمان، 2013م) بأن الشباب الذين تتكون شبكة صداقتهم من أصدقاء منحرفون، تصبح لديهم مواقف داعمة للمشاركة في السلوك المنحرف، فقد اتضح أن الشباب يطورون هويتهم الخاصة، من خلال التعرف إلى أفراد جدد، عند تغيير المدارس، وزيادة التفاعل مع الجنس الآخر، والتكيف مع التطورات الجسدية، ونظرًا لأن هذه التطورات غالبًا ما تحدث في غياب الوالدين، وهو ما يجعل الأقران يصبحون نقطة مرجعية لتحديد السلوك المناسب؛ إذ تتأثر تصورات الشباب بالدلائل السياقية التي يتلقونها من أصدقائهم الجانحين في أثناء التفاعل الاجتماعي. وعادة ما يكافح الشباب للحصول على موافقة اجتماعية واكتساب شعبية، بهدف تحقيق القبول والمكانة، وخوفًا من السخرية والإقصاء، عبر تكييف سلوكهم مع الآخرين، في حين أن بعضهم الآخر يميل إلى تجنب هذه التجارب؛ لأنه أقل اهتمامًا بالتميز بين الأقران.

ولفهم آليات التأثير الاجتماعي التي تقود الناس إلى توجيه سلوكهم نحو سلوك الآخرين كذلك، ذكرت دراسة (لارسون، 1972م) التي اختبرت مقاربة التأثير الأكبر على الشباب وأجريت على 1558 طالبًا، أن عددًا من الدراسات التي أجريت على الشباب، أشارت إلى أن المراهقين يفضلون آراء أقرانهم على آراء والديهم، ومع ذلك تشير دراسات أخرى إلى استمرار تأثير الأسرة في الأبناء في مرحلة المراهقة، ولسدّ الفجوة بين هذه الآراء اعتمدت دراسة لارسون على فرضية الموقف، فيقال: إن المراهقين يختارون توقعات أقرانهم في المواقف التي تؤثر في وضعهم الحالي، واحتياجاتهم لتكوين هوية خاصة، ويعتمدون على توقعات آبائهم في المواقف التي تؤثر في الأوضاع والأدوار المستقبلية.

يوضح ذلك أهمية الموقف في تحديد الخيارات التي يعتمدها المراهقون، عند التعرض لضغوط متقاطعة صادرة عن كلٍّ من الوالدين والأقران. ولقياس ذلك اعتمدت الدراسة على ما يسمى بالوضع الافتراضي، ماذا ستفعل لو…؟ مع عرض سلسلة من المعضلات الظرفية التي تنطوي على الآثار الحالية والمستقبلية، وتضمنت هذه المعضلات الضغوط الناشئة عن الوالدين لفعل شيء ما، والضغوط الموازية من الأصدقاء المقربين للقيام بالعكس، ثم عكس المواقف للتأكد من تأثير محتوى الموقف، وتأثير ضغط الأقران والوالدين.

وعلى الرغم من أهمية دور الآباء في الشبكة الاجتماعية الأسرية من خلال التنشئة الاجتماعية، فإن الصداقة تؤدي دورًا محوريًّا فيها كذلك، فالمراهقون يكتسبون المعتقدات والسلوكيات المقبولة والأعراف الاجتماعية والمعايير الثقافية من أقرانهم في مجتمع معين، عبر مراقبة نمط حياة سلوكيات أصدقائهم، وغالبًا ما تتشكل آراء ومواقف المراهقين من خلال تلك التي يتبناها أصدقاؤهم، وسعيهم لأن يكونوا مشابهين لهم حتى لا يتعرضوا لضغوط عدم التوافق، وعلى الرغم من الاعتقاد بأن الصداقات لها تأثير إيجابي في التكيف الاجتماعي والعاطفي، فإن تأثير الصداقة يختلف باختلاف هوية الصديق، فوجود صديق ذي سلوك منحرف أو غير اجتماعي يعزز السلوك المنحرف أو غير الاجتماعي (بيرجر وآخرون، 2017م). من جانب آخر يؤكد (ليم وبوتمان، 2010م) أن الانتماء إلى شبكات اجتماعية حميمة، عبر الأصدقاء المقربين، يزيد من الرفاهية، وتعزيز الرضا عن الحياة، من خلال التفاعلات المتكررة ومشاركة الأنشطة والممارسات الثقافية والدعم الاجتماعي.

الجذور التاريخية

منذ منتصف القرن العشرين اهتم علماء الاجتماع بتأثير التحولات المجتمعية المرتبطة بالتوسع الحضري والتحول الديموغرافي الثاني، والتصنيع والاستخدام الواسع لتقنية المعلومات والاتصالات ما أثر في ديناميكيات العلاقات الاجتماعية الجديدة، وفي عام 1986م صدر كتاب أولريش بيك «مجتمع المخاطرة» الذي ناقش ظهور حداثة جديدة، وظهور الطفرة الاجتماعية للفردنة التي كانت تحدث في دول الرفاهية؛ كالتحرر من الأشكال والالتزامات الاجتماعية الموصوفة تاريخيًّا (آلان، 2006م). وأوائل عام 2000م ظهرت أعمال غيدنز وأعمال بومان؛ لتفسير التغييرات التي حدثت في الحياة الشخصية نتيجة تحرر الأفراد من التقاليد وسلطة المؤسسات الاجتماعية، ولكنهم حوصروا في قيود هيكلية أخرى مثل سوق العمل.

وعزا غيدنز التغييرات في حياة ومواقف الناس، وسيرهم الذاتية إلى التحولات في طبيعة الهوية الذاتية والعلاقات الحميمة، التي أصبحت أكثر مساواة وديمقراطية، وقائمة على أساس الاختيار، والإفصاح المتبادل، والشعور بالأمان الوجودي، من أجل مواجهة الشكوك الاجتماعية في العصر الحديث. وفي عصر المؤسسات المتغيرة هذا، صُنِّفَت الأسرةُ على أنها فئة الزومبي، ميتة؛ ولكنها حية، على غرار الطبقة والجوار (بيك جيرنشيم وبيك، 2002م). ومن خلال الخيال الاجتماعي بعيدًا من المفاهيم التقليدية للأسرة واستنادًا إلى التوقعات المعيارية، ركز العديد من الباحثين على إعادة تصور الحياة الأسرية بحيث تكون أقل صرامة تربوية، إضافة إلى تصور سياقات وممارسات علائقية أخرى، يكون الأفراد فيها جزءًا لا يتجزأ من محيطهم الاجتماعي والثقافي، عبر استكشاف المعتقدات والممارسات والمعاني التي تربط الأفراد أو تفرقهم بعضهم عن بعض، مع مراعاة السياقات الهيكلية والاجتماعية (جوفيا وكاسترين، 2021م).

يشير ما سبق إلى أن وصف الأفراد بأنهم مؤثرون أو متأثرون، من حيث المفهوم السائد في سياقهم الاجتماعي والثقافي، يتعلق بمدى ارتباطهم بمجموعة الأشخاص الذين يتواصلون معهم بشكل مباشر أو غير مباشر، كأفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف وزملاء العمل وغيرهم من خلال التفاعلات المتكررة. وهو ما ينعكس على سلوكهم الاجتماعي، وعلى الثقافة التي تحدد سلوكهم داخل الشبكات المختلفة، حيث تساعدهم تلك العلاقات في تكوين هويتهم الاجتماعية، ويتلقون من خلالها مستويات مختلفة من الموارد والدعم الاجتماعي، والعديد من المعاني والسلوكيات المشتركة، كما أنها تُولد لديهم مجموعة مشتركة من المعايير والقيم وتشكيل الهوية.


المراجع:

Akter, S. (2013). Social Networks of British-Bangladeshi Young Women [Doctoral dissertation, Brunel University, London]. Ethos Dissertations & Theses Global.

Allan, G. (2006). Social networks and personal communities. In: A. L. Vangelisti & D. Perlman (Eds.), The Cambridge handbook of personal relationships (pp. 657-671). Cambridge University Press.

Beck-Gernsheim, E., & Beck, U. (2002). Individualization: Institutionalized individualism and its social and political consequences. London: Sage. DOI.org/10.4135/9781446218693

Berger, L., Hohmann, L., & Furman, W. (2017, January 26). friendship. Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/topic/friendship

Chen, S., Boucher, H., & Kraus, M.W. (2011). The Relational Self. In: S. Schwartz, K. Luyckx & V. Vignoles (Eds.), Identity Theory and Research (pp. 149–175). Springer, New York, NY. DOI:10.1007/978-1-4419-7988-9_7

Crow, G. (2004). Social Networks and Social Exclusion: An Overview of the Debate. In, Phillipson, Chris, Allan, Graham and Morgan, David (eds.) Social Networks and Social Exclusion: Sociological and Policy Issues. Aldershot, UK. Ashgate Publishing, pp. 7-19.

Gouveia, R., & Castrén, AM. (2021). Redefining the Boundaries of Family and Personal Relationships. In: A. M. Castrén., V. Česnuitytė., I. Crespi., J. A. Gauthier., R. Gouveia., C. Martin & K. Suwada (Eds.), Family Sociology in Europe (pp. 259-277). Palgrave Macmillan, Cham. DOI.org/10.1007/978-3-030-73306-3_13

Lacroix, M. (2003). Littérature, analyse de réseaux et centralité: esquisse d’une théorisation du lien socialconcret en littérature. Recherches sociographiques, 44(3), 475-497. DOI.org/10.7202/008203ar

Larson, L. E. (1972). The Influence of Parents and Peers during Adolescence: The Situation Hypothesis Revisited. Journal of Marriage and Family, 34(1), 67–74. DOI.org/10.2307/349631

Li, N., Huang, Q., Ge, X., He, M., Cui, S., Huang, P., Li, S., & Fung, S-F. (2021). A Review of the Research Progress of Social Network Structure. Complexity, 2021, 1-14. DOI.org/10.1155/2021/6692210

Lim, C., & Putnam, R. D. (2010). Religion, Social Networks, and Life Satisfaction. American Sociological Review, 75(6), 914–933. DOI.org/10.1177/0003122410386686

McPherson, M., Smith-Lovin, L., & Brashears, M. E. (2006). Social Isolation in America: Changes in Core Discussion Networks over Two Decades. American Sociological Review, 71(3), 353–375. DOI.org/10.1177/000312240607100301

Rözer, J., Mollenhorst, G., & Poortman, A.-R. (2016). Family and friends: Which types of personal relationships go together in a network? Social Indicators Research, 127(2), 809–826. DOI.org/10.1007/s11205-015-0987-5

Serpe, R.T., Stryker, R., & Powell, B. (2020). Structural Symbolic Interaction and Identity Theory: The Indiana School and Beyond. In: R.T. Serpe., R. Stryker., & B. Powel (Eds.), Identity and Symbolic Interaction (pp. 1-33).  Springer, Cham. DOI.org/10.1007/978-3-00-41231-9_1

Sung P, Malhotra R, Cheng GH, Chan AW. (2022). Transitions in Social Network Types over Time among Older Adults. Gerontology, 68(7):817-828.

Weaver, K., Garcia, S. M., Schwarz, N., & Miller, D. T. (2007). Inferring the popularity of an opinion from its familiarity: a repetitive voice can sound like a chorus. Personality and Social Psychology, 92(5), 821-833. DOI: 10.1037/0022-3514.92.5.821

Wrzus, C., Hänel, M., Wagner, J., & Neyer, F. J. (2013). Social network changes and life events across the life span: A meta-analysis. Psychological Bulletin, 139(1), 53-80. DOI.org/10.1037/a0028601

Young, J. T., & Weerman, F. M. (2013). Delinquency as a consequence of misperception: Overestimation of friends’ delinquent behavior and mechanisms of social influence. Social Problems, 60(3), 334-356. DOI.org/10.1525/sp.2013.60.3.334

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *