في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...
المقالات الأخيرة
صناعة النخب
لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير والاستنارة، فئة موجودة في كل المجتمعات والثقافات، ومتجذرة في تاريخ الشعوب والحضارات منذ القدم، وهي مطلب قائم ودائم ومتجدد، وصناعة ضرورية لكل مجتمع ولكل مجال، وهذه الصناعة بمفهومها العقلاني المتوازن لا خلاف عليها ولا اختلاف حولها؛ لأنها في مجال تخصصها بمنزلة العقل من الرأس، أو الرأس من الجسم البشري، ولكن اللافت في الأمر أنه كلما اتسعت دوائر الصراعات والنزاعات والمصالح تعددت وتنوعت صور «صناعة النخب»، فهناك بعض النخب تُصنَع وَفْقَ معايير ربما تكون غير أخلاقية؛ لأن الهدف من تأسيسها وتمكينها ووضعها موضع الصدارة، وتزويدها بوفرة من الصلاحيات والسلطات؛ يكمن في تهيئتها لتكون أدواتٍ للصراع لا للحوار، أو أدوات للهدم لا للبناء، أو ربما الهدم بغرض إعادة البناء وفق منطق القوة ومتطلبات الهيمنة.
ومخطئ من يعتقد أن «صناعة النخب» ميدانها الوحيد هو العمل السياسي؛ ففي كل المجالات تنشط هذه الصناعة بصورها المتعددة، وأهدافها المختلفة، وأغراضها المتباينة، حيث تؤدي النخب دورًا كبيرًا ومؤثرًا في الواقع اليومي للمجتمعات والدول، وهي -كما أشرنا- ذات صور وأنماط متعددة على الرغم من القواسم المشتركة التي بينها، فإلى جانب النُّخب السياسية؛ هناك النُّخب الدينية، والفكرية، والثقافية، والاقتصادية، والإعلامية، والفنية، والرياضية، والمجتمعية، وغيرها من التصنيفات والتعريفات المتصلة بالتأثير في الرأي العام وإدارة الجماهير، حيث تعمل كل نخبة من تلك النُّخب في إطار حقلها العام ليعلو شأنها فيه، وتبدو بالغة الأثر والتأثير في محيطها ودوائر نفوذها، وبينما تبدو صناعة النُّخب بالمفهوم العقلاني احتياجًا لتحقيق التميز والتفوق والتوزان في مختلف المجالات، يبقى المثير للدهشة والجدل أن ينحرف المصطلح عن مساره المنطقي، فتُصنع بعض نماذج النخب من شخصيات هشة محدودة المعرفة لتكون سهلة القيادة، ومضمونة الولاء لمن أسهموا في صُنعها وتصديرها للمجتمع، وهذا ما يثير كثيرًا من التساؤلات، مثل:
لماذا تُصنع؟ وكيف تُصنع؟ ولمصلحة من تعمل؟
وإلى أي مدى تتغلب فيها المصالح الذاتية على المصالح العامة التي صُنعت من أجلها؟
وغير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تطرحها فكرة صناعة النخب عامةً، ونظرًا لأهمية هذه القضية، ولأن «الفيصل» مجلة معنية بالشأن الثقافي العام، فقد خصصنا ملف هذا العدد لمناقشة الأبعاد الثقافية لصناعة النخب، وطرحنا الموضوع على عدد من المثقفين والمختصين لمناقشة القضية من منظورها الثقافي الذي يتشابك مع كل جوانب الحياة بطبيعة الحال.
المنشورات ذات الصلة
جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو
كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في...
اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل
في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند...
رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم
يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف...
0 تعليق