لم تحظَ الإبل في أي ثقافة إنسانية بمثل ما حظيت به من اهتمام في الثقافة العربية والإسلامية، فقد عدَّها الإنسان في الجزيرة العربية شريكًا فعليًّا بالغ الأثر والتأثير في حياته اليومية، فهي ليست فقط وسيلة تنقُّل فرضتها طبيعة الحياة الصحراوية القاسية، إنما هي أحد أبرز مكونات الهوية الثقافية الأصيلة التي رسخت عناصرها على مر العصور، وصارت موروثًا يعتز به الإنسان العربي عامة، والإنسان السعودي خاصة؛ لأن الإبل على الرغم من كل التقدم الذي تعيشه المملكة العربية السعودية على مختلف المستويات، فإنها لا تزال حاضرة وفاعلة، وكأنها الجسر الذي يعبره الزمن ليربط بين الماضي والحاضر، وإن كانت العلاقة بين الإنسان والإبل في الجزيرة العربية قد بدأت فردية ومرهونة بالمهام الوظيفية التي يحددها الإنسان وتنفذها الإبل وفق متطلبات واحتياجات الحياة اليومية، إلا أنها تجاوزت مع الوقت تلك المفاهيم الوظيفية، وتغلغلت في المفاهيم الاجتماعية بكل أبعادها الثقافية، ومثلما رسَّخت حضورها في ماضي الحياة اليومية للعرب، رسَّخت أيضًا حضورها في شعرهم، وأدبهم، وسيرهم، وسردياتهم، ومجالس سمرهم، وقصص فخرهم، وقوافل ترحالهم، وحركة تجارتهم، وتفاصيل أحوالهم الاقتصادية، وقياس مستوياتهم الاجتماعية، إضافة إلى حضورها المؤثر في أزماتهم وغزواتهم وحروبهم، وغير ذلك من الأمور التي جعلتها جزءًا من الهوية، ومصدرًا من مصادر الفخر والاعتزاز.
ولعل المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية باختيار عام 2024م ليكون عام الاحتفاء بالإبل، من المبادرات الثقافية التي تعبّر عن صورة الإبل لدى المجتمع السعودي، وتعكس مدى اهتمام مؤسسات الدولة بمكونات الثقافة السعودية، وقد أسهمت الفعاليات التي أقيمت تحت مظلة هذه المبادرة في تعزيز وعي الأجيال الجديدة بقيمة الإبل، والتعريف بمكانتها كجزء من هويتنا الثقافية التي نفاخر بها، ونسعى إلى تفعيل عناصرها التراثية، ليس فقط على المستوى الاجتماعي المحلي عبر المسابقات والمهرجانات، وإنما على المستوى العالمي عبر المشاركات الدولية في المناسبات المتعلقة بالإبل.
ونحن بدورنا في مجلة «الفيصل» نحتفي بعام الإبل على طريقتنا الثقافية والمعرفية، فقد خصصنا ملف هذا العدد لمواكبة الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة من خلال مبادرة «عام الإبل»، وبأقلام مجموعة من الكتَّاب والمختصين نقدم لقرائنا في كل أرجاء الوطن العربي ملفًّا متكاملًا عن صورة الإبل في مرآة الثقافة العربية.
0 تعليق