كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
أحبُّ اسمكِ
إلى ريتا طبعًا
أبواب
قال أبي:
ابق جالسًا ولا تتحرك سأعود بعد قليل،
كانت سيارة حسينو واقفة أمام صيدلية الاستقامة وجان كارات
مشغول بتخطيط لوحة إعلانية كبيرة، ورائحة الكباب تملأ المكان، على الأرجح رائحة كباب مطعم دمشق القريب.
بقيت في مكاني، عاد أبي بسرعة ركضت لأساعده كان يسير
بصعوبة يحمل في يديه أشياء.. كثيرة كيس شاي سيلاني
وكيس سكر وعلب سردين، علبة سمنة تركية ماركة أڤت وكيس من التبغ الكردي المهرب والممنوع.
لفافته تتحرك بين شفتيه دون أن تسقط
وماذا سنفعل الآن يا أبي؟
سننتظر حتى يأتي حسينو وجميع الركاب وبعدها نعود إلى كرصور.
متعتي الوحيدة أن أتمسك بأبي وهو يجلس القرفصاء في السيارة وأتأمل بيوت القامشلي التي لا تشبه بيوتنا الطينية الجميلة وأبوابها مغلقة
بينما تظل أبواب بيوتنا مفتوحة دائمًا.
أحلام
لم نكره الصيف والغبار يومًا ولا الذباب ولا الشمس الحارقة ولا الأفاعي والعقارب.
لم نكره المياه الملوثة ولا المدن الجميلة والبعيدة ولا البيوت
النظيفة والأسرّة الفارهة والفاخرة.
في أواخر الخريف ندوّن أحلامنا بالأصابع على التراب الناعم الذي تتركه سيارات المزارعين الأغنياء خلفها.. طحين، برغل، دفاتر مدرسية، زيت، معكرونة، رز، شاي، حبوب للصداع، مالوكسان للمعدة، تحاميل تاميرين للأطفال، والكثير من التبغ الحموي وورق الشام.
كانت أحلامنا بسيطة أن نسمع دوي محركات حصادات الجوندير الخضراء بين حقول القمح في كل صيف ونراقب القطا وهي تحلق عاليًا في السماء.
كتابة
أنا لا أكتب
بل أدوّن أحلام حقول القمح
ورغبات أشجار اللوز
ونظرات الأرانب البرية
في براري كرصور.
انا لا أكتب
بل أدوّن صرخة الباب
حين حملت حقيبتي
وخرجت.
ريتا
أحب هذا الاسم
ريتا
وأبحث عنه
في قصائد محمود درويش القديمة
أحب هذا الاسم
الجميل والواضح
مثل وشم بدوي
أحبُّ اسمكِ
أحبُّ أن أنادي عليك.
دمعة
سنتذكرها
كلما نظرنا نحو الجبال البعيدة
نحو الأشجار التي تبكي
دون أن تمسح الريح
دموعها.
شاعر في حلب
هذه الصورة الجديدة
هي الصورة القديمة
تغيّرت ملامحه
ولم تتغير أناقته
وسيجارته
وفنجان قهوته
والمشهد الجميل أمامه
عبر زجاج المقهى
ساحة سعد الله الجابري
بيت قديم في الجميلية
شجرة سرو في الحديقة العامة
وكتاب لأمجد ناصر على الطاولة
لم تتغير الصورة كثيرًا
فقط قد تسمع صوت انفجار بعيد
ربما في سريان القديمة
أو في الأشرفية
وأنت تتأمل الصورة
مرة أخرى.
قمح
رائحة القمح في أكياس الخيش التي كنت أحملها على ظهري تحت شمس القامشلي الحارقة، كانت تختلط برائحة المرأة البعيدة وظلال حصادة الجوندير. أنت لا تعرف القمح إذا لم تكن قد حملته على ظهرك مثل طفلك.
حين كنّا بشرًا
قبل أن تصل الكهرباء
قبل أن نعرف الكوليسترول والسكري
قبل أن نشتري المراوح الكهربائية وتلفزيونات سيرونيكس وبرادات بردى
قبل منتجات ماجي وكنور
حين كنا نأكل حين نجوع
ونركض حين نفرح
ونغني في البراري
ونفرح لأسباب تافهة جدًّا
قبل ظهور نحاس ستور
حين كنا نركب باصات الهوب هوب
ونأخذ معنا أكلنا وشاينا وتبغنا في طريقنا الطويلة إلى حلب أو الشام
والأطفال كانوا لا يكبرون بسرعة مثل اليوم
ويموتون بسرعة أيضًا
قبل كل ذلك
كنا بشرًا
نبكي حين نودع ضيفًا عزيزًا
ونحمل حقيبته
ولم يكن ينظر إلينا
كي لا نرى دموع الرجال.
حب
نظرتُ خلفكِ طويلًا
مثل سوري عبر الحدود
والتفت نحو بيته.
شال
شالكِ
الذي وجدته في حقيبتي
شالكِ
الذي يواسي وحدة ثيابي.
شعر
كلما لمست ريتا كلمةً
صارت قصيدة.
فمكِ الذي لا ينام
لأن اسمي ظل واقفًا
لا يصل
ولا يعود
حين مضيت.
لا بد من طريقة
للنسيان
دون أن نجرح
الذكرى.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق