في أعوام الحرب الثلاثة، وفي السنوات التي مهدت لها أيضًا، فقدَ اليمن كثيرًا من مبدعيه شعراء ونقاد وفنانين وصحافيين، في حال لم تتشابه بغيرها على الأقل في ثلاثة عقود. لم يميز الموت فيها بين ضحاياه، لكنه صبغ فعله بالمباغتة والكمد، وجعل من صنيعه المؤلم مستسهلا وعاديًا في حياة الجميع؛ لأنه ساوى بين من احتمى ببطن الأرض، ومن يدب منكسرًا على ظهرها.
في ربيع عام 2014م، حين كانت الحرب تشحذ سكاكينها على الأحجار القاسية في صعدة وعمران، كان جسد الشاعر والناقد عبدالله علوان يقطُر آخر مباهجه في 14 مارس بمستشفى الثورة بصنعاء، بعد اعتلالات سكرية طويلة، رافق هذا الرحيل صمت مطبق من المؤسسات الثقافية وجحود لا يعقل. عبدالله علوان أحد الأدباء العصاميين الناحتين في الصخر، وفي عقود أربعة ظل وفيًّا لمشروعه الإبداعي بوصفه شاعرًا وناقدًا وكاتب قصة، ومبشِّرًا بالكتابة الشابة والجديدة. أصدر في حياته مجموعتين شعريتين ومجموعة قصصية وثلاثة كتب نقدية، وترك عشر مخطوطات مختلفة، تبخرَ كل وعود طبعها بعد رحيله. وفي خريف العام نفسه رحل الشاعر الغنائي الكبير عمر عبدالله نسير الملهم الأكبر للفنان محمد محسن عطروش وخاله. فهو الذي كتب له كلمات بعض أغانيه الخالدة التي حفظها اليمنيون شمالا وجنوبًا.
الباحث المجتهد
في 12 أكتوبر 2015م ومن دون مقدمات مات عبدالكافي الرحبي عن 57 عامًا، الناقد والباحث المجتهد لا يعبأ أحد برحيله، وما فعلناه نحن أصدقاؤه رتبنا تأبينًا أربعينيًّا على عجل، وزعنا فيه مطوية بدائية عنه، بمعية كتابه الثاني «فضاء الخطاب النقدي» الذي صدر بعد رحيله، وبعد أكثر من عشرة أعوام على صدور كتابه الأول المعنون بـ«أعمدة الشمس». ويشكل الكتابان معًا تجربة نقدية رائدة، فما تُبينه لمتفحصها أن ثمة مثقفًا متنوعًا، تُظهِر مهاراته جملة الاشتغالات النقدية والبحثية والدرسية التي قام بها على مدى ثلاثة عقود، ملامسًا وبوعي مختلف، كثيرًا من القضايا والموضوعات الفكرية والتاريخية والأدبية، الحاضرة كمكونات في البنية الثقافية للمجتمع، والمؤثرات العميقة فيها، التي أحدثتها عملية التثاقف القرائي، الذي خاضته النخب الثقافية والتنويريون اليمنيون على مدى الخمسين عامًا الماضية، التي قارب إسهاماتها تلك، من أكثر الزوايا جدة وعقلانية. وفي أحد مشافي القاهرة توفي شابًّا خالد الصوفي الإعلامي المعروف وأستاذ العلاقات العامة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، مطلع يناير 2016م بعد معاناة مؤلمة من الإصابة التي تعرض لها في ثورة 2011م، نتيجة اعتداء جنود عليه بالضرب المبرح. ولخالد كتاب مهم عنوانه: «دور الإعلام في تشكيل اتجاهات النخبة الأكاديمية العربية في اليمن نحو الربيع العربي: دراسـة ميدانيـة» بالاشتراك مع علي البريهي.
0 تعليق