كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
كيان بلا حضور، هل تعيد إليه الإمارات الوهج ؟
ظلت مصر على مدار تسع سنوات متتالية مقرًّا لاتحاد الكتاب العرب، لكنها فقدت مؤخّرًا هذا الشكل الشرفيّ المتمثّل في احتضانها الاتحاد ورئاستها أمانته كل هذه السنوات، فقد انتهت المُدَد الثلاث المسموح بها لتولّي منصب الأمين العام، وكان لا بدَّ من اختيار رئيس جديد عوضًا من الكاتب محمد سلماوي، واتحاد جديد عوضًا من اتحاد الكتاب المصريين، ومن ثَمّ فقد قرَّر المجتمعون في المؤتمر العامّ لاتحاد الكتاب العرب، الذي عُقد في يناير الماضي في الإمارات، اختيار رئيس اتحاد الكتاب الإماراتيين الكاتب حبيب الصايغ رئيسًا جديدًا للاتحاد، وأصبحت مصر بكل ثقلها التاريخيّ والثقافيّ، وما قدَّمته لاتحاد الكتاب العرب، في مواجهة الإمارات العربية وحضورها الثقافيّ الراهن، وما يمكن أن تقدّمه من دعم ماليّ وترويجيّ للاتحاد وأنشطته وفعالياته..
حول ما خسره الاتحاد بخروجه من مصر، وما قد يكسبه بذهابه إلى الإمارات؛ أجرت «الفيصل» هذا التحقيق.
معارك مشهورة
في البدء أكَّد الناقد الدكتور عبدالمنعم تليمة، أن انتقال مقرّ الاتحاد من القاهرة أمر طبيعيّ؛ «فقد أقرّ المثقفون العرب منذ سنوات طويلة بتداول الدُّول العربية رئاسةَ اتحاد الكتاب العرب، ومن ثَمَّ فهو أمر طبيعيّ أن تنتهي مدة رئاسة مصر له، وينتقل الأمر إلى دولة أخرى، جاء الانتقال هذه المَرَّة إلى دولة الإمارات العربية».
وأوضح تليمة أن الاتحاد شهد على مدار تاريخه الطويل كثيرًا من المعارك المشهورة؛ «كان من بينها معركة جرتْ في السبعينيات مع رئيس الاتحاد المصريّ يوسف السباعي، وكانت مصر ترأس الاتحاد منذ مدة طويلة، وقد أبدى الإخوة اليمنيون والجزائريون بعض الاعتراض، مطالبين بحقّهم في رئاسة الاتحاد، كانت هذه معركة؛ انتهت بخروج الاتحاد من مصر إلى تونس».
وأضاف صاحب «مقدمة في علم الجمال» أن هذا الاتحاد رغم اسمه الكبير، وأهميته الدولية «إلا أن السياسة في البلدان العربية ومواءماتها أخمدت وهجه، وجعلته بلا دور حقيقيّ أو فاعل، فالأنظمة السياسية في الدول العربية تستعمل مثل هذه المناصب مثلما تستعمل المندوبين في جامعة الدول العربية، ومن ثَمَّ فلا يوجد حضور حقيقيّ لهذا الاتحاد الذي نتمنى له الاستقلال عن الأنظمة السياسية، واتخاذ مواقف أكثر جرأة وقوة للدفاع عن المثقف العربيّ، إضافة إلى أن كثيرًا من الكتاب والمثقفين العرب الذين يكتبون باللغة العربية أو الأجنبية، المقيمين في أوربا وخارجها، لا يسمعون بهذا الاتحاد، وهو بدوره لم يفكر فيهم يومًا ما».
لا بد من التغيير
على حين عدَّ عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب المصريين، الناقد الدكتور مدحت الجيار، أن وجود دولة الإمارات رئيسًا لاتحاد الكتاب العرب أمر مفيد جدًّا للاتحاد؛ «لأنه أولًا يأتي بعد ولاية سوريا ثم مصر، وهي مدة طويلة من عمر الاتحاد، وكان لا بد أن تتغير ولاية الأمانة إلى إحدى دول الخليج العربيّ في هذا التوقيت الحرج، والإمارات دولة غنية، يمكنها أن تعطي من الناحية المالية كثيرًا؛ سواء على مستوى الجوائز أم السفر أم المؤتمرات أم غير ذلك.«
وأوضح الجيار أن العضوية في اتحاد الكتاب العرب إنما هو للاتحادات وليس للأفراد، «وهو يقوم برسالة مهمّة منذ أطلق طه حسين إشارته الأولى في اللاذقية بسوريا عام 1958م، فهو يقوم بعلاقات متبادلة بين الكتّاب العرب؛ بمعنى أن هناك نشاطاتٍ عربيةً كبرى وكثيرة يقوم بها الاتحاد، لكن لا يعرفها إلا مَن يُشارِك في هذه الأنشطة، وللاتحاد موقع مُهِمّ على الإنترنت، وله مطبوعات خاصة به، وله جائزة باسمه، وله دور سياسيّ مهمّ في مناصرة القضايا العربية في المحافل الدولية، فمن خلاله حدثت كثير من الإدانات لما تفعله إسرائيل في الأراضي المحتلة، وكذلك عندما جرى حرق السفارة السعودية في إيران، فالاتحاد هو محصلة تحالف عربيّ ضدّ أي دولة تهدِّد الدول العربية، وأنا أتمنّى أن يقوم الاتحاد في المدة المقبلة بفعاليات في البلدان العربية المختلفة، وبخاصة ذات الظروف العصيبة في هذه المرحلة؛ مثل: سوريا واليمن وليبيا وغيرها، فهذه الفعاليات سوف تصدر موقفًا داعيًا إلى التهدئة في هذه البلدان».
أما الأمين العام السابق للاتحاد الكاتب محمد سلماوي، فأوضح أنه تولى رئاسة الاتحاد مدة تسع سنوات، شكلت ثلاث ولايات أو مُدَد رئاسية متتالية، فاستنفذت مصر كل مُدَدها في رئاسة الاتحاد، ومن ثَمَّ فقد قرَّر المؤتمرُ العامّ للكتاب العرب اختيارَ اتحاد كتاب الإمارات، ووفق لائحته التي تنصّ على أن مَقرّ الاتحاد هو دولة الأمانة العامة، فإن مقرّ الاتحاد انتقل عقب انتخاب الكاتب حبيب الصايغ رئيسًا إلى )أبو ظبي(.
وقال سلماوي: «إن مصر في مدة رئاستها قدَّمت كثيرًا من الإضافات والإنجازات المهمة؛ من بينها تقرير الحريات الذي يصدره الاتحاد كل ستة أشهر، الذي أصبح مرجعًا للباحثين»، وأضاف: «كما أننا فصلنا الاتحاد عن هيمنة السياسة عليه، واتخذنا مواقف واضحة من الأنظمة حال خطئها؛ من بينها ما حدث مع الرئيس المصري محمد مرسي حين ذكر في خطابة الأول كل فئات الشعب المصري، ولم يذكر الكتاب والمثقفين، وكان الاتحاد يعقد مؤتمره في القاهرة فأصدرنا بيانًا أَدَنَّا فيه ذلك بلهجة صارمة، وعلى الرغم من الظروف التي مرَّت بها مصر بعد الثورة، فإننا حافظنا على عقد كل مؤتمرات الاتحاد في توقيتها، ومؤتمرات الدول التي تعثّرت في إقامة المؤتمر الدوريّ على أرضها؛ بسبب أحداث الربيع العربيّ، فقمنا باستضافة مؤتمراتها بوصفنا دولة المقرّ، وهو أمر على نقيض ما حدث في الأردن حين تولّت رئاسة الاتحاد مدة ثلاث سنوات؛ فلم تُقِمْ مؤتمرًا ولا ندوةً واحدةً، ومن ثَمَّ فلم ينتخبها المؤتمر العام مرةً ثانيةً».
وأكد سلماوي أن كل دولة تتولى رئاسة المؤتمر «تسعى إلى إضافة بعض الأمور التي ستظل تُذكَر بها، وأنها من إضافتها، وقد أرستْ مصر، في مدة رئاستها الاتحاد، كثيرًا من المبادئ التي يصعب تجاهلها أو عدم البناء عليها، ومن ثَمّ فلا بد أن تسعى الإمارات للإضافة إليه، وإلا فلن يعيد المؤتمر العام انتخابها مثلما حدث مع الأردن».
.
يوسف القعيد:
خروج الاتحاد من مصر جريمة
شن عضو البرلمان المصريّ، الكاتب يوسف القعيد، هجومًا ضاريًا على فكرة انتقال مقرّ الاتحاد من مصر إلى الإمارات، موضحًا أن هذا «يُعَدُّ جريمة ويجب أن يقف المثقفون المصريون جميعًا ضدها، فهذا الاتحاد نُقِل من مصر مِن قبلُ؛ بعد كامب ديفيد، وكنا جميعًا ضد كامب ديفيد، ومن ثَمّ تسامحنا في خروج الاتحاد من مصر، وبغض النظر عن أيّ دور يمكن أن تؤدِّيه الإمارات بأموالها، فإننا لو تسامحنا وفتحنا الباب من جديد في هذا الأمر، فلن يبقى في مصر شيء». وذهب القعيد إلى أن اتحاد الكتاب العرب لا أهمية له في شيء، «لا هنا ولا هناك» حسب تعبيره، وأضاف أنه يقابل «بصمت تامّ كل ما يجري للمثقفين، وهو ليس له دور، وإن أصبح له دور بفضل الأموال، فإن ذلك سيعطي رسالة ضمنية؛ أن مصر قاتلة للاتحادات التي على أرضها».
اتحاد الكتاب السعوديين
قال مدير عام الأندية الأدبية السعودية السابق الشاعر والأكاديمي أحمد قران الزهراني: «لا أعلم سبب عدم دخول المملكة العربية السعودية اتحاد الكتاب العرب إلى الآن، على الرغم من ثقلها في المنظمات والهيئات العربية والدولية، وما تقوم به من دور في دعم هذه الهيئات.
يعد اتحاد الكتاب العرب من منظومة الهيئات العربية التي يجب أن يكون للسعودية دور فاعل فيه، وبخاصة أن أغلبية الدول العربية هي ضمن هذا الاتحاد، وستضمن في حال مشاركتها في هذا الاتحاد كسب أصوات إبداعية عربية متنوعة تؤيد توجهاتها.
إن ما يمثله المثقف السعودي في خارطة الثقافة العربية يدعو إلى اتخاذ قرار سريع بالانضمام إلى الاتحاد.
لقد حققت الثقافة السعودية قفزات كبيرة في الحركة الثقافية العربية، وأصبحت فاعلة ومؤثرة، ولها مكانة مهمة في الحراك الثقافي في كل المجالات الثقافية إبداعيًّا وفكريًّا وفنيًّا، ومن ثم ينبغي لوزارة الثقافة والإعلام أن تنشئ اتحادًا للكتاب السعوديين، ثم تلتحق باتحاد الكتاب العرب بوصفها عضوًا فاعلًا ومؤثرًا».
.
غياب الأجندة الواضحة
على النقيض من رؤية سلماوي؛ أكدت مؤلفة رواية «البشموري» الكاتبة سلوى بكر، أن اتحاد الكتاب العرب الآن اليس له أيّ دور ولا أهمية؛ لا في العمل الثقافيّ، ولا في الحياة الثقافية، وهو أبعد ما يكون من هذا الأمر، والحجة الدائمة كانت غياب الأموال والدعم، وربما حين ينتقل الاتحاد إلى الإمارات أن يتحقق الدعم الحقيقيّ، فالإمارات من أهم البؤر المؤثّرة ثقافيًّا في العالم العربيّ، ومن ثَمّ فهناك بارقة أمل في انتقال الاتحاد إليها.
لكن (بكر) عادتْ لِتُشكِّك فيما يمكن أن يفعله الاتحاد، قائلة: «إن المثقفين أنفسهم ليس لديهم أجندة واضحة ليدرجوها في جدول أعمال الاتحاد، وهذا هو المأزق، فثمة مياه قذرة كثيرة تجرى في نهر الثقافة العربية، ولا يوجد من يوقفها»، مشيرة إلى ما يحدث للغة العربية وهو ما عَدَّتْه امتهانًا يوميًّا، «لا أتحدث عن اللغة العربية الكلاسيكية، لكن اللغة اليومية في حياتنا، هذه التي تحتاج إلى تأصيل، ودفاع، وترويج لأهميتها وجمالها في مواجهة الوافد الغربيّ».
وقالت: «إن هناك كثيرًا من القضايا التي تحتاج إلى دور حقيقيّ من الاتحاد، ونحن ننتظر منه إحداث دور فاعل، وهذا سيكون صعبًا في ظل التكوين الحالي للاتحاد؛ إذ إنه يتعامل مع الرموز الثقافية العربية، وهي رموز تنتمي إلى الإعلام أكثر من المثقفين المنوط بهم إنتاج أفكار تساهم في حلّ مشكلات مجتمعاتهم المأزومة، وفي مقدمتها المأزق الثقافيّ».
أسماء الزرعوني
الخليج لديه القدرة على الإدارة الثقافية
أوضحت الكاتبة الإماراتية أسماء الزرعوني، أن انتقال اتحاد الكتاب العرب إلى دولة خليجية، «أمر فريد من نوعه؛ هذا يَعْني أننا بوصفنا خليجيين نمتلك ثقافة جيدة وإدارة ثقافية فعلًا؛ إذ ليس من السهل إدارة اتحاد تحت مظلته أكثر من 22 دولة عربية، أعتقد أن هذا شرف»، وأشارت إلى أن وجود أمانة للاتحاد في دولة خليجية، «يثلج صدر كل مثقف خليجيّ، ويمنحه الدافع إلى الكتابة؛ لأنه يعرف أن هذا الاتحاد وجد من أجله، وعليه أن يبذل جهدًا أكبر لترسيخ قلمه في الإبداع. وإن اختيار دولة الإمارات لم يأتِ من فراغ، إنما جاء بمباركة من جميع دول الأمانة العامة؛ إذ إننا نستطيع أن ندير هذا الاتحاد، وسنحاول أن نقنع الدول غير الأعضاء بالانضمام إلى الأمانة العامة، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودولة قطر، هذه مهمة تقع على عاتق الاتحاد، ومن الممكن دعوة بلدان ليست أعضاء في الاتحاد إذا جاهدنا ونسّقنا ورسمنا أهدافنا، وهي في المقام الأول الاهتمام بالثقافة والمثقفين وخدمة الوطن، ومن ثَمّ لا أعتقد أن هناك شيئًا عائقًا، ما دامت الأمور تسير في مسارها الصحيح».
وقالت الزرعوني: «لا بد لكلّ مثقف خليجيّ أن يسعد عندما يجد حلمه يتحقّق، باعتلاء دُولنا الخليجية مناصب ثقافية، فمن حق المثقف أن يكون له مكان ينتمي إليه».
المنشورات ذات الصلة
تلوين الترجمة… الخلفية العرقية للمترجم، وسياسات الترجمة الأدبية
في يناير 2021م، وقفت الشاعرة الأميركية «أماندا جورمان» لتلقي قصيدتها «التل الذي نصعده» في حفل تنصيب الرئيس الأميركي جو...
النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة
في 30 سبتمبر 2019م، شاركت في مؤتمر (Voiced: الترجمة من أجل المساواة) الذي ناقش نقص منظور النوع في دراسات الترجمة...
ألمانيا الشرقية: ماذا كسبت وماذا خسرت بعد ثلث قرن من الوحدة؟
تقترن نهاية جمهورية ألمانيا الشرقية في أذهان الأوربيين بصورة حشد من الناس الذين يهدمون جدار برلين بابتهاج، وتُعَدّ...
0 تعليق