مقالات   |   دراسات   |   قضايا   |   سيرة ذاتية   |   إعلامتحقيقات   |   ثقافات   | تراث   |   تاريخ   |   بورتريه   |   فضاءات   |   فنون   |   كاريكاتير   |   كتب   |   نصوص   |   مدن   |   رسائل

المقالات الأخيرة

الإبــداع أمام أســئلة مُـحرجة

الإبــداع أمام أســئلة مُـحرجة

في خضـمّ التحولات المتتابعة، الحاملة لأوضاعٍ تحاصِـُر وتخلخل موروث الحضارة الإنسانية من المنجزات والـقيَـم، تـبرزُ أسـئلة محرجة تـتصل بالإبداع في أشكاله المـتـباينة ورهــاناته الآنـية والمُستـقبلية؛ ذلك أن الشـطط في التعامل مع الطبيعة وما آلـتْ إليهِ البيئة من تدهوُر...

اتجاهات دراسات الأدب العربي منذ تأسيس الصين الجديدة

اتجاهات دراسات الأدب العربي

منذ تأسيس الصين الجديدة

بسبب «المركزية الغربية» التي أثرت في دراسات الأدب في الصين، عانت دراسة الأدب الشرقي التهميشَ من ناحية العدد والنوعية. فعلى الرغم من أن الصين كانت قد بدأت في القرن التاسع عشر، الترجمة من اللغة العربية إلى الصينية، فإن ذلك لم يتجاوز ترجمة بعض سور القرآن الكريم وقصيدة...

لغة الدين تحاول تصوير ما لا صورة له

لغة الدين

تحاول تصوير ما لا صورة له

«لغة الدين» مصطلحٌ غيرُ معروف في الدراسات الدينية والفلسفية والألسنية العربية على نطاق واسع، على الرغم من أنه أحدُ أهمّ الموضوعاتِ والأركان المحورية لفلسفة الدين الحديثة، وأن توطينَها في دراساتنا الدينية يوفر لنا مرآةً نرى فيها النصوصَ الدينية من زاويةٍ مختلفة عن...

ثورة المسلمين الأفارقة في البرازيل سنة 1835م

ثورة المسلمين الأفارقة في البرازيل سنة 1835م

في أوائل القرن التاسع عشر، كانت البرازيل تحت حكم الإمبراطورية البرتغالية، ثم حققت درجة من الحكم الذاتي مع إنشاء ما سمي حينها بـ «المملكة المتحدة للبرتغال والبرازيل والغرب» في عام 1815م. ولم تعلن البرازيل استقلالها إلا في عام 1822م، حين تشكلت إمبراطورية البرازيل. على...

إميل بنفينيست مُتلفِّظًا راهنية مشروعه وملاءمته

إميل بنفينيست مُتلفِّظًا

راهنية مشروعه وملاءمته

في حديث مع الأستاذ مصطفى غلفان في أحد مطاعم الرباط منذ أشهر أشدت بالمنجز العلمي لإميل بنفينيست في مجال اللسانيات العامة بالنظر إلى دوره في إحداث الطفرة من الإبدال البنيوي إلى الإبدال ما بعد البنيوي. وهي ثورة لا تقل أهمية وشأنًا عن الثورة الكوبرنيكيَّة التي أحدثها...

علي العمري.. يعيش حطابًا لروحه

| مارس 1, 2018 | كتب

لا يفتأ الشاعر علي العمري يعود إلى جرح وجوده يحكه يقشره؛ يتركه ينث حياته المسمومة منذ تدلى رأسه منذ رفعه في سديم المعرفة ومنذ غاص في تربة الواقع وعانى صلف الحديدة الاجتماعية المدببة؛ تخمش شوكتها الجسد وتبرح فيه كائنًا تنبذه المدينة بصيارفها وحراسها حتى مقابرها. النبذ راغبًا فيه بما هو عزلة وتعبير عن مأزق وجود.. ومدفوعًا إليه بما هو فرد في مجموع مدحور إلى «منحدرات الحياة» وأقبيتها المعتمة. هيئتان من عيش اللاعيش تعلكانِ في كيان الشاعر على مر تجربته الشعرية، وفي كل جديد منها تتعمّق -تلك التجربة- وتزداد فداحة المأزق ظهورًا. كما تتجلّى في كتابه السادس شعريـًّا: «ذكرى شخص تظنّه أنت» (نينوى للدراسات والنشر، دمشق، 2017م).

العزلة للشاعر علي العمري ليست خيارًا شعريًّا وطريقة في القول ومنهجًا في الكتابة، إذْ إن من يعرف العمري عن قرب يجد كم هو ناءٍ عن صخب الحياة ومعتركها اليومي. إطلالاته شحيحة إن لم تكن في غاية البخل. يكاد أن يكون منسحبًا من الحياة الاجتماعية والثقافية حتى إن سوّلت له نفسه الحضور في عالم التواصل الاجتماعي فإنما يحضر حضور الغريب غير الماكث إلا قليلًا وسرعان ما يترك صفحته معلّقة ببياضها في العالم الافتراضي المشحون بالحركة والكلام والضوضاء التي تجعل العمري ينفر ذاهبًا إلى هدأته؛ باحثًا «عن كهفٍ» يلائمُ عزلته وتأملاته بعيدًا من الحشد الذي هو غيابٌ كامل؛ كتلة صمّاء؛ أدوار تكرارية؛ أقنعة متناوبة.. بوهمِ الحريّة وبوهمِ الحضور. وبهذا الاستعداد والتكوين ينكتب النص صدًى لحياة وسبْرًا للمضايق المشعور بها تصدَّعُ وتنثغر وتتعالَى من الداخل بصورةٍ محسوسة مجسّدة. تحقُّقٌ يرتسمُ في الطويّة والملامح والمحيط بإشعاعات الباطن الكابية: «أشعر بروائح قلبي المنتنة، وفي صدري مراعٍ مجدبة».. «أينما أتحرّك يصطادني فخٌّ، فأنا مضطهد وزنزانتي قدريّة أكثر مما أتصوّر».. «عيني تقول أشياء تجرحني، مع كلِّ لفتةٍ أرى كم حياتي جافّة وآيلة للسقوط».

إنّ حسَّ التجافي والنفور، والابتعاد من الضوء وطلب الظل في أكثر أشكاله نأيًا وعزلة: «يحيا بقيّة عمره بهاجس البحث عن كهف».. «سأظلّ أحنّ لكهفٍ يتراءى لي في الضباب»؛ وهو ما يزكّي ويربّي الكآبة شارةً وجدارًا. بها يفصل نفسه عن بلاهة المشهد وتمثيليّاته الزائفة، وهي العنوان الذي يجابهُ به ويردّ.. متصلّبًا ومضاعِفًا من سماكة الجدران. الستارة الغليظة تبقيه بعيدًا ومراقبًا يشحذُ حذره ومعلنًا انتباهه: «أمّا كآبتي فسأظلّ أمرّنها لئلا تترهّل، أحتاجها شفّافةً».. «كآبتي مطرقةٌ تقرع أجراسها ناحيةَ القلب».. «أقفُ لأتخيّل وجهي كالحًا في دعايةٍ لترويج الكآبة».. «تعتّمُنِي الكآبة». فتترسّبُ ـ تلك الكآبة ـ وتنتج معادلَها ودالّها الوجودي الدائم الذي يعكس الاضطراب الداخلي والموقف من شبكة العثرات يتردّى فيها وتطبق عليه؛ ليتقلّب في حالته تغزوه نوبات الغثيان تباعًا: «غثياني مزمنٌ» ليتخبّطَ في قيئه وفي نثار بصاقه كنوعٍ من الدفاع الهشّ، وإن يكن شديد التعبير، عن منحةٍ ضاق بها وعن هديّةٍ باتت غير مقبولة.

يعمل «حطّابُ روحِه» على تشظية ذاته، فيسجر عليها في تنّور غضبه الموّار والمتلاهب جرّاء ما يمرّ به وما يلقاه. يتخفّف من عالم الحضور. يتخلّص من وطأة الشخص وعلامات اشتباكه بالحياة. ينحو نحو «ارتطام عظامه بالعدم»؛ فلا وجود له ولا ثمّة ما ينبئ عن أثرٍ متروك. انزلاقٌ تام إلى الكهفية والشبحيّة: «أتوارى قدر ما أستطيع ولا أظهر إلا خفيفًا، لأمرّ كالظلّ بلا أثر».. «أتذرّعُ بالعزلة، تحرسني رغبةُ أن أظلّ مجهولًا لأتوارى في حجراتٍ ذهنية».. «طولَ حياتي أعيش/ بحتميّة كوني غائبًا/ غيابَ من يحضر ولا يراه أحد».

الفرد الذي يحيا عزلته ويعمّق منها، هو ذاته من يندغم بضمير الجماعة واحدًا منهم حاملًا -مثلهم- همَّ الحياة وتكاليفَها وأعباءَها اليوميّة. يرزحون جميعًا تحت ظلٍّ عاصفٍ وفاتكٍ سبق أن عرض له الشاعر في فلذاتٍ وسطورٍ من كتابه الشعري الرابع «أبناء الأرامل»؛ لها وقْعُ المخرز وأثرُ الكي. وهذا ما يستعيده هنا بصيغةٍ تضمرُ الحرقة ذاتها ثم تفشيها في مشهدٍ قياميٍّ مفزعٍ يتفصّد بالبؤس وعبوس النهايات: «حياتنا نحملها كالتهمةِ على ظهورنا».. «دائمًا نحيا في الرمق الأخير متأهّبين للموت كما لو أن حياتنا مجرّد احتضارٍ طويل».. «سنلهثُ إلى أن نتساقط جيفًا على الطريق». ومن هنا، ليس غريبًا أن يكون مفتتح الكتاب نصًّا مؤشّرًا ومضيئًا بـ«ضدّ»ــــيّاتٍ حاسمة نحو الذات وامتداداتها وضمن الدائرة الاجتماعية؛ يكتبها مجلّلًا بسوادٍ ثابت ينساب في الكتاب شأن مصيرٍ لا بدّ من الارتطام به: «أكتبُ بحسِّ الجنازةِ والمعزّين في آنٍ».

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *