كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
دائمًا ـ الآن، شرط الشعرية
على عكس الانطباع المتوارث عن كتاب «الشعر» لأرسطو، فهو، حسب قراءات نقدية جديدة، لم يكن يتحدث سوى عن فن «التمثيل» بوصفه لغة التعبير الأشهر –ديمقراطيًّا- في ذلك الزمان. غير أن الجانب العميق في الأمر، أن مسرح ذلك الزمان هو الآخر، قد نشأ شعرًا، أو شعريًّا بالمعنى الجوهري لهذا المعنى في الثقافة الفنية عبر العصور.
الأرجح أن الكتاب كان يعنى بفنون التعبير (الحكائية). ففي سياق الرؤية النقدية لفنون التعبير في ذلك الزمان، يشكل فن المسرح، بوصفه جنسًا أدبيًّا، أحد أبرز الأنواع المتاحة للإبداع الإنساني في ذلك الوقت. حتى إن كتاب «الشعر»، بالضبط، قد تكلم عن الدراما (التراجيديا)، حسب ما وصل إلينا من مخطوطة الكتاب الأصلية، فيما يقال: إن الجزء المتعلق بالكوميديا صار مفقودًا. ومعلومٌ أن الكوميديا كانت حاضرة، نصوصًا وممارسةً، في زمان الكتاب وصاحبه. بل إن الكوميديا هي أحد أبرز الظواهر النقدية، في المجتمع اليوناني آنذاك، فقد كانت المسرحية الكوميدية تطال بالنقد كافة مشكلات المجتمع، متمتعة بحريات المجتمع الديمقراطي الذي يضربون به المثل في العصور اللاحقة.
يبقى القول بأن الشعرية، الآن، ربما تجاوزت الحدود التقنية التي تحدث عنها كتاب «أرسطو»، ليصبح الشعر، في عصرنا، هو أكثر العناصر الفنية تجسيدًا للأدب أولًا، وفنون التعبير الأخرى عمومًا. وسوف يبدأ التنظير الحديث يرى في شعرية التعبير، بشتى أشكاله، شرطًا، يكاد يكون لازمًا، من أجل أن يتاح للمبدع الفضاء الجمالي الذي يحقق القدر اللازم من النجاح في التعبير.
بالطبع سيساعد هذا الشرط على تمييز الفنون جميعها عن عمومية الفن، ويحميه من الابتذال الذي ستجره إليه نظريات (الواقع) في مراحل تاريخية مختلفة، نحو السطح الثقافي للمجتمع، وتجعله، فيما تجرجره لنقل الواقع وتسجيل الحياة، بمثابة القشرة الخارجية سريعة الانحلال، فيفقد طبيعته الجمالية الحرة، المتصلة بالرؤية المغايرة للواقع وليس الامتثال له. تلك الرؤية التي ترى في الفن نقضًا للواقع وإعادة خلق حرة له.
الشعرية هنا، هي حريات الصدور عن الجمال في الفن، وهذا ما سوف يستعيد اكتشافه منظرون قليلون في الثقافة العربية المعاصرة بتجربتهم في الدرس النقدي، فيما يدركون الدلالات العميقة، في العديد من النصوص، للعلاقة الوشيجة بين فنون التعبير، من دون الامتثال لحصرية نوع على آخر. الأمر الذي سيتيح لنا لاحقًا الكلام عن المفهوم الجوهري العميق والشامل الفنون الجميلة في حياتنا ونصوصنا.
الآن – دائمًا
عند الكلام عن أمرين، يصعب تفادي فكرة غياب الحريات في الواقع العربي، حرية المخيلة للشعر، وحريات التعبير للمسرح.
الآن – دائمًا
سيكون من نافل القول، أن مثل هذه الحريات، لا تمنح مثل هبة من النظام الاجتماعي أو السياسي، إنما هي حقوق لا يتحقق المبدع والإبداع، إلا بممارستها منذ لحظة العمل الأولى.
الآن – دائمًا
هل ثمة ما يمنحنا نتفة من ثقة، بأن (لحظة عملنا) الأولى، قد كانت، أو حانت؟
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب
لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير...
جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو
كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في...
اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل
في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند...
0 تعليق