كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
مسودة الحلّاج
تَفشَّتْ في شراييني على مهل، غَزَتْ قلبي بسهم قاتل، فأطاحت بعرش كان الماء موطنه، ومن حطامي أوقدت النار لتراقصها الريح إمعانًا في إذلالي، وما ذنبي إن كانت عيني من فرط خضرتها رأت، ولما رأت، تسمرت، فسالت شلالات جارفة، وأنا مخطوف أشهد غرقي في بحري، أجدف في بحر الوداد عساني أصل إليك كي لا أشفى منك. أنت علة البدايات والنهايات. مَسَّنِي هواك، فَهَوَيْتُ في بئر عميقة أفتشُ عن نسيم الريح، وما زادني غرقي إلا عطشًا، أأرتوي من صبابتي أم أشتكي لطبيب يقيم بين حشاي؟ صحتي في علتي، واعجبي مني، أخَذَتْ كُلِّي، وسلبتني عنِّي، وبسكرتي غصتُ في مَغِيبِي أتعجلُ قتلي. يقول حلاج غيري، كأني أناي: إياك، إياك أن تبتل بالماء، فالماء سر البلوى وسر الحياة، وسر السر يقيم حيث تُشْرِقُ رؤاك، فاشرق ولا تجرح الماء.
أجرح الماء ولا أكتم سري، فما بلائي غير الذي تدفق مني في لحظة وهن، هل كان ماء أم كان شرارة نار؟ اكتويت بجمر جارف أَحْرَقَ أشرعتي، فتناثرتْ طرقي في المحيطات، ومنها عدت شريدًا، أبحث في العيون عنِّي، وما صادفتُ غير نسخي، أنا الميت المهمل في قبر منسي، أنتظرها كي تضع شاهدة على رمسي، وتنثر رمادي في ضفة الوادي؛ كي أولد بلا إرث، بلا ذاكرة. وحيدًا في غرفة القبر المنسي، تتجاذبني الريح يمينًا يسارًا، وإلى المجهول أتدحرج، أجاور الموتى، ينصحني ظلي بالنسيان، يمنحني كأسًا اسمها الخسارة، أشربها، أتلمظ مرارتها، تعطرني البومة بنعيقها، توشحني شجرة الدفلى بأوراقها، وكمَيْت ما زال السهم منغرسًا في قلبه، أنهض من موتي العميق، وأمضي شريدًا إليها، أحمل مسودات وصاياي؛ كي تصلح ما أفسده القلب بجرة دمع، أدق باب قلبها لا أحد يرد، يجيبني نسيم الريح: أنت ميت فدع الأحياء نيامًا، ما في الجبة سوى سرك، احتضنه ونَمْ كما يليق بميت مغدور، نار عينيك أحرقت الحدائق، أنت الآن في قرارة الجب تنتظر الحياة لتسقي وردتك الحمراء. الوردة الحمراء التي تؤنس وحشتي، أرويها بدمعي كلما داعبها الحنين إلى الأنامل البيضاء، لا أعرف إن كانت قد نبتت في أحشائي أم في ثمالة البئر المهجورة. الوردة الحمراء تعطرني كي لا أموت مرة أخرى، ماذا لو قررتْ أن تسقط أوراقها، سيبتلع التراب مسوداتي فأفنى، هل سأكفنها أم تكفنني؟ الوردة الحمراء التي رجمتني بها من النافذة، آلمتني، ذبحتني من الوريد إلى الوريد، فغرقت في دمائي، الوردة الحمراء هي ما تبقى من جرحي، قال الصدى: لقد بالغت في الاحتضار.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق