المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

المثقفون يخرجون من بروجهم العاجية ويسائلون مبادئ الثورة الفرنسية

بواسطة | مارس 16, 2016 | قضايا

محمد-المزديويليس‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬في‭ ‬شهري‭ ‬يناير‭ ‬ونوفمبر‭ ‬عام‭ ‬2015م،‭ ‬خلخلت‭ ‬المجتمع‭ ‬والفكر‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وليس‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬كان‭ ‬مثاليًّا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬مكوناته‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬وئام‭ ‬كامل،‭ ‬فالتعددية‭ ‬الثقافية‭ (‬الفلسفة‭ ‬التي‭ ‬يدافع‭ ‬عنها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربيّ‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الإنسانيين‭ ‬الفرنسيين‭)‬كانت‭ ‬محلّ‭ ‬انتقاد‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬فرنسا‭ ‬الخالدة،‭ ‬أو‭ ‬فرنسا‭ ‬‮«‬البيضاء‭ ‬ذات‭ ‬التراث‭ ‬اليهوديّ‭- ‬المسيحيّ‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬تجرَّأت‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬ذلك،‭ ‬قبل‭ ‬أشهر،‭ ‬النائبة‭ ‬نادين‭ ‬مورانو،‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الجمهوريين‭ ‬اليميني،‭ ‬وليست‭ ‬هذه‭ ‬النائبةُ‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تَصِمُ‭ ‬العربَ‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬تصريحاتها‭ ‬المتكررة،‭ ‬ثم‭ ‬تكرِّر‭ ‬لازمَتَها‭ ‬المُملَّة‭: ‬‮«‬لستُ‭ ‬ضد‭ ‬العرب،‭ ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬صديقة‭ ‬حميمة‭ ‬من‭ ‬تشاد‮»‬‭ ‬الوحيدةَ‭ ‬في‭ ‬المشهد،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬القول‭ ‬العنصريَّ‭ ‬بدأ‭ ‬يتحرَّر‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الكُتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬والصحفيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬يجدون‭ ‬حَرجًا‭ ‬من‭ ‬التفوه‭ ‬بكلمات‭ ‬تصدم‭ ‬الأقليات‭ ‬والجماعات،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬مسلمي‭ ‬فرنسا‭ ‬أو‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬فيها،‭ ‬ثم‭ ‬يُشهرون‭ ‬سيف‭ ‬أننا‭ ‬‮«‬نتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسيّ‮»‬‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬إيريك‭ ‬زمور‭ ‬الصحافي‭ ‬الفرنسيّ،‭ ‬ذي‭ ‬الأصول‭ ‬اليهودية‭ ‬الجزائرية‭: ‬‮«‬الانتحار‭ ‬الفرنسي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬نجاحًا‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬ويلخص‭ ‬فيه‭ ‬مقولاتٍ‭ ‬وأفكارًا‭ ‬عنصريةً؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬تتعرض‭ ‬للأسلمة‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والإسلاموية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬والجمهورية‭ ‬لا‭ ‬يتواءمان‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬يتَعَارَض‭ ‬بشدة‭ ‬مع‭ ‬العلمانية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬القرآن‭ ‬كتاب‭ ‬عنف‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬خلاصات‭ ‬وحلول؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬‮«‬تغيير‭ ‬المسلمين‭ ‬أسماءهم،‭ ‬ثم‭ ‬ذوبانهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسيّ،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬قبلهم،‭ ‬أو‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ترحيل‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين‮»‬‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬إيريك‭ ‬زمور‭ ‬لا‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬مفكّر،‭ ‬ويكتفي‭ ‬بدور‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬لوفيغارو‭ (‬اليمينية‭ ‬والصهيونية،‭ ‬وممولها‭ ‬هو‭ ‬داسو،‭ ‬صاحب‭ ‬الطائرة‭ ‬الحربية‭ ‬الفرنسية‭ ‬المشهورة‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬ثمة‭ ‬مفكرًا‭ ‬آخر،‭ ‬هو‭ ‬ألان‭ ‬فينكلكروت،‭ ‬الذي‭ ‬دعته‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الفرنسية‭ (‬مُجمَّع‭ ‬الخالدين‭ ‬الذي‭ ‬استقبل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شخصيات‭ ‬كثيرة؛‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الراحل‭ ‬سيدار‭ ‬سنغور،‭ ‬والجزائرية‭ ‬الراحلة‭ ‬آسيا‭ ‬جبار،‭ ‬والمُثقف‭ ‬اللامع‭ ‬أمين‭ ‬معلوف‭) ‬للأسف،‭ ‬وهو‭ ‬يقطر‭ ‬حقدًا‭ ‬وعنصريةً‭ ‬ضدّ‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬والأجانب‭. ‬وقبل‭ ‬سنوات،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الفرنسيون‭ ‬يبتهجون‭ ‬بالفوز‭ ‬بكأس‭ ‬العالم‭ ‬لكرة‭ ‬القدم،‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخهم،‭ ‬كان‭ ‬فينكلكروت‭ ‬يسخر،‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬صحيفة‭ ‬هآرتس‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬من‭ ‬تركيبة‭ ‬الفريق‭ ‬الفرنسي،‭ ‬التي‭ ‬تضمُّ‭ ‬عربًا‭ ‬وسودًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البِيض،‭ ‬والطريف‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬‮«‬البِيض»؛‭ ‬جعل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحالي‭ ‬مانويل‭ ‬فالس،‭ ‬وكان‭ ‬وقتها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬نائبًا‭ ‬وعمدة‭ ‬لمدينة‭ ‬إيفري،‭ ‬بالضاحية‭ ‬الباريسية،‭ ‬‮«‬يتأسف‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الأسواق‭ ‬باعة‭ ‬عربًا‭ ‬وسودًا،‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬البِيض‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المفكرين‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬يستخدمون‭ ‬الميديا‭ ‬برنار‭ ‬هنري‭ ‬ليفي،‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المستضعفين‭ ‬في‭ ‬العالَم،‭ ‬من‭ ‬بنغلاديش‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬إلا‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يراهم‭ ‬ولا‭ ‬يحسّ‭ ‬بآلامهم،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يعترف‭ ‬مجلسا‭ ‬النواب‭ ‬والشيوخ‭ ‬الفرنسيان‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة،‭ ‬خاض‭ ‬حروبًا‭ ‬هوميرية؛‭ ‬لإقناع‭ ‬النواب‭ ‬بأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يهدِّد‭ ‬السلام‭. ‬

كتاب-الانتحار-الفرنسيوليس‭ ‬هؤلاء‭ ‬استثناء‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الفكريّ‭ ‬والفلسفيّ‭ ‬الفرنسيّ،‭ ‬فقد‭ ‬مضى‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الفكر‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬يساريًّا،‭ ‬وكان‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؛‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬ودفاعه‭ ‬الرائع‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر؟‭ ‬وأين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬دولوز‭ ‬الذي‭ ‬دافع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعن‭ ‬‮«‬الحجارة‭ ‬الفلسطينية‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬‮«‬عظمة‭ ‬عرفات»؟‭ ‬وأين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬جان‭ ‬جوني‭ ‬وهو‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الأسير‭ ‬العاشق‮»‬‭ ‬و«أربع‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬شاتيلا»؟‭ ‬لقد‭ ‬انتهى‭ ‬زمن‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الكبار؛‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬الجنرال‭ ‬شارل‭ ‬دوغول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعتقل‭ ‬مفكِّرًا‭ ‬مثل‭ ‬سارتر‮»‬،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬موت‭ ‬جاك‭ ‬ديريدا،‭ ‬أعلن‭ ‬بصيغة‭ ‬ما،‭ ‬موت‭ ‬المفكر‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬الكبير؛‭ ‬أي‭: ‬موت‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الكلاسيكيّ‭ ‬والنضاليّ،‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬فلاسفة‭ ‬ومفكرين‭ ‬يتقنون‭ ‬التلاعب‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ويغيرون‭ ‬آراءهم‭ ‬وَفْق‭ ‬طلبات‭ ‬الجمهور‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الفكرية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬فرنسا‭ ‬والغرب،‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات؛‭ ‬جاءت‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬فرنسا‭ ‬العام‭ ‬الماضي؛‭ ‬لتزيد‭ ‬الأمور‭ ‬المجتمعية‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬والسياسة‭ ‬ارتباكًا،‭ ‬والفكر‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬ضحالة‭ ‬وبؤسًا‭. ‬

يعلِّق‭ ‬الباحث‭ ‬الفرنسيُّ‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬عدراوي‭ (‬جامعة‭ ‬سانغفورة‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬تصريحات‭ ‬السياسيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬المختلفة‭ ‬بعد‭ ‬الاعتداءات،‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬وكأنها‭ ‬جوقة‭ ‬واحدة‭: ‬إن‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الذين‭ ‬ضربونا‭ ‬يحسدوننا‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬حياتنا،‭ ‬وعلى‭ ‬ديمقراطيتنا‭ ‬وانتخاباتنا،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬علمانيتنا،‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬صحيحًا،‭ ‬ففرنسا‭ ‬منهمكة‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬وتُوقع‭ ‬ضحايا‭ ‬ودمارًا،‭ ‬فلماذا‭ ‬يتعجب‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬مجيء‭ ‬هؤلاء‭ ‬للانتقام‮»‬،‭ ‬ويعدِّد‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المشارِكة‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬التي‭ ‬تلقَّت‭ ‬ضربات‭ ‬وانتقامًا‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭.‬

وغير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬يؤكِّد‭ ‬لنا‭ ‬الباحث‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬إليامين‭ ‬ستّول،‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الفرنسية،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬لم‭ ‬تُضرَب‭ ‬بصفة‭ ‬اعتباطية،‭ ‬وقد‭ ‬تلقَّت‭ ‬تهديدات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬قبلُ؛‭ ‬بسبب‭ ‬حضورها‭ ‬العسكريّ‭ ‬في‭ ‬دُول‭ ‬إسلامية‭ ‬كثيرة؛‭ ‬مثل‭: ‬مالي،‭ ‬وإفريقيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬والعراق،‭ ‬وسوريا،‭ ‬والصومال،‭ ‬وغيرها‮»‬‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬الرسمية،‭ ‬ومباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الاعتداءين‭ ‬قرَّرت‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬الموضوع‭ ‬معالجة‭ ‬أمنية‭ ‬واستخباراتية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬منفِّذو‭ ‬الاعتداءات‭ ‬فرنسيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬دوافعهم؟‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬دفعتهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتحار؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬الإقرار‭ ‬بإخفاق‭ ‬الاندماج‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الفرنسية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬تجاه‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬والضواحي‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عام‭ ‬2005م‭ ‬بانتفاضة‭ ‬عارمة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬مانويل‭ ‬فالس‭ ‬نفسه‭ ‬اعترف‭ ‬بوجود‭ ‬‮«‬أبرتهايد‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء‭ ‬والضواحي،‭ ‬وهي‭ ‬أحياء‭ ‬وضواحٍ‭ ‬صوَّتت‭ ‬بنسبة‭ ‬93‭ % ‬للرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬فرانسوا‭ ‬هولاند،‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬ترجيح‭ ‬كِفَّته‭ ‬على‭ ‬كِفَّة‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي؟‭ 

‮.

.

مظاهرات-المسلمين-في-باريس«‬أنا‭ ‬شارلي‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬الحلّ،‭ ‬والعلمانية‭ ‬أيضًا

لم‭ ‬تتغير‭ ‬سياسة‭ ‬فرنسا‭ ‬منذ‭ ‬الاعتداء‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬طالَ‭ ‬‮«‬شارلي‭ ‬إيبدو‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬صحيفة‭ ‬فرنسية‭ ‬أسبوعية‭ ‬بائسة‭ ‬غير‭ ‬مقروءة،‭ ‬وتعاني‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬خانقة،‭ ‬امتهنت‭ ‬كي‭ ‬تبيع‭ ‬أكثر،‭ ‬وَصْمَ‭ ‬المسلمين‭ ‬ورموزهم‭ ‬ومقدساتهم‭ ‬الكبرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬راسمةً‭ ‬إياه‭ ‬كثيرًا‭ ‬بشكل‭ ‬كاريكاتيريّ،‭ ‬فحاول‭ ‬بعض‭ ‬المهتمين‭ ‬استغلال‭ ‬القلق‭ ‬والحزن‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ (‬إذ‭ ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬هجومًا‭ ‬في‭ ‬عاصمتها‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الضراوة‭ ‬والتنظيم‭) ‬مختزلًا‭ ‬فرنسا‭: ‬التاريخ‭ ‬والأنوار‭ ‬والحضارة،‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬شارلي‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬تضمر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬من‭ ‬ليس‭ ‬شارلي،‭ ‬فهو‭ ‬معادٍ‭ ‬فرنسا‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬بوش‭ ‬الابن،‭ ‬وهو‭ ‬يهاجم‭ ‬أفغانستان،‭ ‬بعد‭ ‬اعتداءات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001م‭: ‬‮«‬من‭ ‬ليس‭ ‬معنا‭ ‬فهو‭ ‬ضدنا‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬استفزت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬عرب‭ ‬ومسلمون،‭ ‬وجعلت‭ ‬التظاهرة‭ ‬المليونية‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬الاعتداء‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬والضواحي،‭ ‬ولم‭ ‬يَخْلُ‭ ‬رفض‭ ‬جملة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬شارلي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬معنى؛‭ ‬إذ‭ ‬يستطيع‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬شارلي،‭ ‬وأن‭ ‬يصير‭ ‬معاديًا‭ ‬كلَّ‭ ‬أشكال‭ ‬الإرهاب‭ ‬والعنف،‭ ‬ومنها‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬شارلي‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬صدرت‭ ‬كُتُب‭ ‬مهمة‭ ‬لمفكرين‭ ‬فرنسيين‭ ‬تنتقد‭ ‬اختزال‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬شارلي‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬كتاب‭ ‬إيمانويل‭ ‬تود‭: ‬‮«‬من‭ ‬هو‭ ‬شارلي؟‮»‬،‭ ‬وعَدَد‭ ‬خاصّ‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ميديولوجيا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ ‬المفكر‭ ‬ريجيس‭ ‬دوبريه،‭ ‬مرسخًا‭ ‬لـ«شارلي‭ ‬والآخرون‮»‬‭.‬

أنا-خائف-لكنني-موجودلم‭ ‬يكن‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مسلمو‭ ‬فرنسا‭ ‬ومُهاجروها‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬هم‭ ‬الضحايا‭ ‬المباشرون‭ ‬للاعتداءات؛‭ ‬إذ‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬تتوجه‭ ‬إليهم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لمعرفة‭ ‬ردودهم،‭ ‬كأن‭ ‬موقفهم‭ ‬سيكون‭ ‬مختلفًا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬مواطني‭ ‬الجمهورية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الساسة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬لا‭ ‬يتركون‭ ‬أي‭ ‬مناسبة‭ ‬إلا‭ ‬ويطالبون‭ ‬مسلمي‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬يعلنوا‭ ‬صراحةً‭ ‬مواقفَهم،‭ ‬وتنديدهم‭ ‬بالإرهاب‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تتكرَّر‭ ‬هذه‭ ‬اللازمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفرنسيين‭ ‬‮«‬المختلفين‮»‬‭ ‬إحساسًا‭ ‬بأن‭ ‬ثمة‭ ‬مَن‭ ‬ينظر‭ ‬إليهم‭ ‬بوصفهم‭ ‬طابورًا‭ ‬خامسًا،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يعلنون‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬تعلقهم‭ ‬بهذا‭ ‬البلد‭ ‬وقوانينه‭ ‬ومُثُله‭.‬

وجاء‭ ‬الاعتداء‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬باريس،‭ ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬عنفًا‭ ‬وتنظيمًا‭ ‬وتنسيقًا؛‭ ‬إذ‭ ‬استهدف‭ ‬كل‭ ‬شرائح‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬من‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬العاديّ‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬نفسه،‭ ‬وأحدث‭ ‬مَقْتَلة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومتنوعة؛‭ ‬فمات‭ ‬الطفل‭ ‬والشيخ‭ ‬والعربيّ‭ ‬والمسلم‭ ‬والمسيحيّ‭ ‬والآسيويّ‭ ‬وغيرهم؛‭ ‬فكلّ‭ ‬الفرنسيين‭ ‬كان‭ ‬مستهدفًا؛‭ ‬أي‭ ‬جرى‭ ‬استهداف‭ ‬‮«‬الوحدة‭ ‬الوطنية‮»‬،‭ ‬و«العيش‭ ‬المشترك‮»‬،‭ ‬والتسامح،‭ ‬والتعددية،‭ ‬وحرية‭ ‬الأديان‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الحادث‭ ‬فرصة‭ ‬للحمة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتعاضد‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أظهرت‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‮ ‬–أيضًا‭- ‬كانوا‭ ‬مستهدَفين،‭ ‬ودفعوا‭ ‬دماءهم‭ ‬وأرواحهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجزرة،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬القرار‭ ‬السياسيُّ‭ ‬سوى‭ ‬الحلِّ‭ ‬الأمنيِّ‭ ‬والاستخباراتيّ،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬الساسة‭ ‬الفرنسيون،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬معتدلًا‭ ‬وحكيمًا؛‭ ‬مثل‭: ‬الديغولي‭ ‬ألان‭ ‬جوبيه،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق،‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬ممثِّلي‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬ومطالبتهم‭ ‬بتحديد‭ ‬موقفهم‭.‬

أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسيّ،‭ ‬في‭ ‬مبايعة‭ ‬شبه‭ ‬مطلقة‭ ‬من‭ ‬البرلمان،‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وأعلن‭ ‬عن‭ ‬قُرب‭ ‬تغيير‭ ‬بعض‭ ‬بنود‭ ‬الدستور‭ ‬الفرنسيّ؛‭ ‬لتضمينه‭ (‬بندًا‭) ‬يسمح‭ ‬بتجريد‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬جنسيتين،‭ ‬حتى‭ ‬مَن‭ ‬وُلِد‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬من‭ ‬جنسيته‭ ‬الفرنسية‭ ‬إذا‭ ‬ثبت‭ ‬ضلوعه‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬إرهابيّ،‭ ‬وأظهرت‭ ‬بعض‭ ‬نتائج‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يُمدَّد‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬حسب‭ ‬تأكيد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬أنها‭ ‬تستهدف‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يُنظَر‭ ‬إليهم‭ ‬بوصفهم‭ ‬مسلمين‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬حسب‭ ‬تأكيد‭ ‬الرابطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الشرطة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬التي‭ ‬مُنحت‭ ‬حرية‭ ‬استثنائية،‭ ‬إلى‭ ‬المساجد‭ ‬ودُور‭ ‬العبادة‭ ‬والمراكز‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ودُور‭ ‬الأئمة،‭ ‬ومراكز‭ ‬خيرية،‭ ‬ومأوى‭ ‬لأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬هشة،‭ ‬التي‭ ‬تمخض‭ ‬عنها‭ ‬تدمير‭ ‬وتخريب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المساجد،‭ ‬وإغلاق‭ ‬كثير‭ ‬منها،‭ ‬ووضع‭ ‬أئمة‭ ‬وأشخاص‭ ‬تحت‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية،‭ ‬وتُفاجِئنا‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬الصادمة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬البوليسية‭ (‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬يخافون‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭)‬،‭ ‬ومنها‭: ‬عنف‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬غير‭ ‬المسوّغ،‭ ‬فأحيانًا‭ ‬يكسرون‭ ‬أبوابًا‭ ‬تكون‭ ‬مفتوحة‭ ‬أمامهم،‭ ‬ويعتقلون‭ ‬أحيانًا‭ ‬أشخاصًا‭ ‬عُمْيًا،‭ ‬ويضعونهم‭ ‬تحت‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية،‭ ‬ويلزمونهم‭ ‬الحضور‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬يوميًّا‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬الشرطة،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬أخرى‭ ‬يسخرون‭ ‬من‭ ‬حجاب‭ ‬النساء‭ ‬ومن‭ ‬أنوثتهن،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬يسألون‭ ‬فرنسيين‭ ‬مسلمين‭ ‬عن‭ ‬ميداليات؛‭ ‬لمن‭ ‬تعود‭ ‬الصُّوَر‭ ‬الموجودة‭ ‬فيها‭ (‬بعضها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬فنان‭ ‬النهضة‭ ‬الإيطاليّ‭ ‬ليوناردو‭ ‬دافنشي‭).‬

.

.

الجواز-الفرنسيسلاح‭ ‬التجريد‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭

فرنسا،‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬ترسم‭ ‬لنفسها‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة،‭ ‬وتزداد‭ ‬القتامة‭ ‬مع‭ ‬النقاشات‭ ‬حول‭ ‬تجريد‭ ‬المتهمين‭ ‬بالإرهاب‭ ‬من‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬مسلمو‭ ‬فرنسا‭ ‬يرون‭ ‬أنهم‭ ‬المستهدف‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬التعديل‭ ‬الدستوريّ‭ ‬المنتظَر،‭ ‬فهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬يقولها‭ ‬آخرون‭ ‬أيضًا،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬فالصحافة‭ ‬الأميركية‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬التعديل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬لحقوق‭ ‬مسلمي‭ ‬فرنسا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يلخِّصه‭ ‬الوزير‭ ‬الاشتراكيّ‭ ‬السابق،‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬جزائرية‭: ‬قادر‭ ‬عارف،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬فرانسوا‭ ‬هولاند،‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬مشروع‭ ‬التعديل‭ ‬لا‭ ‬يستهدف‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭-‬‮ ‬الأميركية،‭ ‬ولا‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭-‬‮ ‬البريطانية،‭ ‬إنما‭ ‬يستهدف‭ ‬أصحاب‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭-‬‮ ‬العربية‮»‬‭.‬

ولعل‭ ‬العُنصرِيِّين‭ ‬والمتطرِّفين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬لن‭ ‬يجدوا‭ ‬سلاحًا،‭ ‬في‭ ‬معركتهم‭ ‬ضد‭ ‬الحضور‭ ‬العربيّ‭ ‬والإسلاميّ‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والغرب،‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬التجريد‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬برامج‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الجبهة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وفي‭ ‬أذهان‭ ‬المتشددين‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الجمهوريين‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬عنها‭ ‬الرئيس‭ ‬الاشتراكيّ‭ ‬فرانسوا‭ ‬هولاند‭ ‬في‭ ‬غمرة‭ ‬الانفعال‭ ‬عقب‭ ‬مجزرة‭ ‬13‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭. ‬يتأمل‭ ‬مسلمو‭ ‬فرنسا‭ ‬ومهاجروها‭ ‬بقلق‭ ‬كبير‭ ‬هذه‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬تستهدفهم،‭ ‬ولا‭ ‬يُطلَب‭ ‬رأيهم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ارتفعت‭ ‬فيه‭ ‬معدلات‭ ‬الاعتداءات‭ ‬العنصرية‭ ‬والإسلاموفوبية،‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وَفْق‭ ‬إحصائيات‭ ‬الجمعيات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر،‭ ‬لكن‭ ‬القلق‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬وحدهم؛‭ ‬إذ‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2014م‭ ‬أصدر‭ ‬الصحافي‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬الكبير‭ ‬إيدوي‭ ‬بلونيل‭ ‬كتابًا‭ ‬لافتًا‭ ‬يدافع‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬المسلمين،‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬المسلمين‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬لاديكوفيرت،‭ ‬كأنه‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬امتحانًا‭ ‬قاسيًا‭ ‬ومزلزلًا،‭ ‬ومضمون‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬مسلمي‭ ‬فرنسا‭ ‬يعيشون‭ ‬اليوم‭ ‬ظروفًا‭ ‬قاسيةً‭ ‬مثل‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وأدَّت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية،‭ ‬ويسخر‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬‮«‬العلمانية‭ ‬المتطرفة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الديانة،‭ ‬وأصبحتْ‭ ‬كاريكاتورية‭ ‬حين‭ ‬تحارب‭ ‬حجابَ‭ ‬المرأة‭ ‬المسلمة‭ ‬وحقَّ‭ ‬الأُمّ‭ ‬المحجبة‭ ‬في‭ ‬اصطحاب‭ ‬ابنها‭ ‬في‭ ‬النزهات‭ ‬والرحلات‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولا‭ ‬يُخفي‭ ‬الصحافي‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬يستطيعون‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬أن‭ ‬يتعايشوا‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والغرب‭.‬

.

.

حزن-باريسلغة‭ ‬حربية

وكما‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬فهو‭ ‬ينتاب‭ ‬أيضًا‭ ‬كلّ‭ ‬المفكرين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يشاطرون‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬مواقفها،‭ ‬ولا‭ ‬يخضعون‭ ‬لسطوة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬المسلمين‭ ‬رهينة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬السياسيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتوقفون‭ ‬عن‭ ‬الصياح‭ ‬والاتهام‭ ‬والتهديد،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬مانويل‭ ‬فالس،‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬ضد‭ ‬السلفيين‭ ‬والإخوان‭ ‬والجهاديين‭ ‬والمتطرفين‭ ‬والراديكاليين،‭ ‬واضعًا‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ليكشف‭ ‬عن‭ ‬جهلِه‭ ‬الواقعَ‭ ‬والفكرَ‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الفلسفة‭ ‬والفكر‭ ‬والأنوار،‭ ‬فقد‭ ‬صرّح‭ ‬أن‭ ‬تفسير‭ ‬الظاهرة‭ ‬الجهادية‭ ‬تسويغٌ‭ ‬لها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الانتفاضة‭ ‬لدى‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬ونوعًا‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬الوزير‭ ‬وسطحيته؛‭ ‬فعالِم‭ ‬الاجتماع‭ ‬برنارد‭ ‬لاهير،‭ ‬عَدَّ‭ ‬موقف‭ ‬فالس‭ ‬‮«‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬عقلية‭ ‬الأنوار‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬يفضل‭ ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬‮«‬حربية»؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعهد‭ ‬الخوف‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬أخذ‭ ‬المسافة‭ ‬الكافية‭ ‬والضرورية‭ ‬لإدارة‭ ‬جيدة‭ ‬للشؤون‭ ‬البشرية‮»‬،‭ ‬وشدَّد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬أو‭ ‬تفسيرها‭ ‬ليس‭ ‬تسويغها‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬عالِم‭ ‬الاجتماع‭ ‬فرهاد‭ ‬خوسروخافار‭ ‬فيعيب‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬‮«‬تملق‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬فرنسيّ‭ ‬جريح‮»‬،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬دراسة‭ ‬ظواهر‭ ‬التطرف‭ ‬ضروريةٌ؛‭ ‬لوضع‭ ‬عنف‭ ‬‮«‬الجهاديين‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياقه،‭ ‬وهو‭ ‬ضروري؛‭ ‬للخروج‭ ‬منه‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬ترى‭ ‬عالِمة‭ ‬الاجتماع‭ ‬نيلوفر‭ ‬غول،‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مانويل‭ ‬فالس‭ ‬اجتاز‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‮»‬،‭ ‬وتضيف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬سياسة‭ ‬فالس‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الأعداء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬فيه‭ ‬المسلمون‭ ‬العاديون‭ ‬والجهاديون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوربية‮»‬‭.‬

بدأت‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬إرهاصات‭ ‬انبثاق‭ ‬فكر‭ ‬فرنسيّ‭ ‬نقديّ،‭ ‬لكنه‭ ‬غير‭ ‬منظَّم‭ ‬لأسباب‭ ‬عِدَّة؛‭ ‬لعلّ‭ ‬أهمها‭ ‬كونُ‭ ‬أغلبية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسية‭ ‬خاضعةً‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭ ‬كبار‭ (‬أغلبيتهم‭ ‬صهاينة‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الصحافيين‭ ‬وحرية‭ ‬الخطّ‭ ‬التحريريّ‭ ‬لهذه‭ ‬الصحف،‭ ‬أما‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأخرى‭ ‬البديلة،‭ ‬فتعاني‭ ‬مشاكلَ‭ ‬اقتصاديةً‭ ‬خانقةً،‭ ‬لكن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬فرنسا،‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتداءات‭ ‬أم‭ ‬بسبب‭ ‬زحف‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرين؛‭ ‬جعل‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬يخرجون‭ ‬من‭ ‬صمتهم‭ ‬وبروجهم‭ ‬العاجية؛‭ ‬ليُسائلوا‭ ‬الفكر‭ ‬الفرنسيَّ‭ ‬والأنوار‭ ‬ومبادئ‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬والأخوة‭.‬

انا-مسلم-وليس-ارهابي

وقد‭ ‬استثمر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬المسلمين‭ ‬المبدأَ‭ ‬الأخيرَ‭: ‬‮«‬مبدأ‭ ‬الأخوة‮»‬،‭ ‬وأكَّدوا‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تقريب‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مُفكِّري‭ ‬فرنسا‭ ‬الإنسانيين‭ ‬بدؤوا‭ ‬يخرجون‭ ‬من‭ ‬صمتهم،‭ ‬وبخاصة‭ ‬تلامذة‭ ‬الراحل‭ ‬بول‭ ‬ريكور؛‭ ‬لانتقاد‭ ‬بعض‭ ‬تصريحات‭ ‬الساسة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الجارحة‭ ‬حول‭ ‬التجريد‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬واستقبال‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرين‭.  ‬حقًّا،‭ ‬إن‭ ‬الفكر‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬كتابات‭ ‬بول‭ ‬ريكور،‭ ‬الذي‭ ‬تحدَّث‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الضيافة‮»‬‭ ‬و«مأوى‭ ‬الغريب‭ ‬والأجنبي‮»‬‭.‬

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *