كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
فكر لم يتمكن من التغلغل
مشكلة النسوية في العالم العربي أن لا أحد يعرفها، لكن الكل سمع عنها وأكمل ما سمعه ببعض التصورات الزائفة والهواجس النظرية. النسوية هي نظرية وأيديولوجية تسعى إلى مداواة اختلال ميزان القوى في العلاقات بين الجنسين، وفي رؤية المجتمع -أفرادًا وأنظمة- إلى موقع النساء على المستويات كافة.
النسوية فكر في الأساس لا بد أن ينعكس على المنظومة السلوكية للجنسين، لكنه فكر لم يتمكن من التغلغل في المؤسسة العربية، إلا إذا اعتبرنا وجوده في الأوراق الأكاديمية وجودًا. العالم العربي يخاف النسوية، لنقل بشكل أدق: إنه يكرهها، ويراها منتجًا غربيًّا، لا يتوانى رجال الدين عن توجيه كثير من التهم له، ولا يتوانى رجل عن الاستهزاء به -لأنه يخافه- ولا يتردد صناع الكاريكاتير في تحويله لمادة طريفة. المشكلة في كل هذه الأطراف أنهم صاغوا أفكارهم بناء على الثقافة السمعية المشوهة، ولا أحد يريد أن يتنازل عن ممتلكاته في الساحة. دائمًا ما يظهر أي خطاب نسوي في العالم العربي وهو مغلف بنبرة اعتذارية، من قبيل «الرجل والمرأة يكملان بعضهما»، أو «المرأة نصف المجتمع» أو «لسنا ضد الرجال»… إلخ، من الصياغات التي تؤكد أن المتحدث لا يعرف ما هي النسوية.
النسوية نضال طويل بدأ من القرن التاسع عشر، وتعاظم في القرن العشرين في الإضراب الذي قادته العاملات في المصانع الروسية في فبراير 1917م. كنا نحن نئنّ تحت الاستعمار، أو نبحث عن الهوية المفقودة، وكان لا بد من مواجهة الاستعمار بتحجيم دور النساء، كما حدث مثلًا بعد استقلال الجزائر. في مواجهة مجتمعات وأنظمة تؤرقها النساء، فتسعى إلى إيجاد عقوبات ملائمة لهن -مثل جرائم الشرف أو الحبس في المجال الخاص أو الضرب- وتبذل جهودًا من أجل شرعنة هذه العقوبات وتقنينها تارة باسم العادات والتقاليد أو الهوية أو التراث أو الدين، لا مفر من اللجوء إلى الفكر النسوي الذي يحلل هذه الأوضاع المختلة ويتأمل في مبرراتها، وهذه الأخيرة تشكل خطاب مجتمعات كاملة: المبررات. لا تستطيع مجتمعاتنا تحمل النسوية لأنها أيديولوجية تكشف بصرامة ومن دون مواربة معنى تشكل الذات وتقسيم الأدوار، كما أنها -أي النسوية- تُغير من شكل المجال العام قسرًا، في حين ترغب كل المؤسسات في الإبقاء على الوضع القائم.
النسوية فلسفة تغيير في الرؤية للعالم وللنفس، وهو ما لا يحتمله المجتمع. أقصى ما يمكن أن يتحمله موضوع أو مؤتمر عن «أدب المرأة»، تمامًا كما نشير إلى «حقوق المرأة» أو «يوم المرأة» ولا نعرف عن أي امرأة نتحدث. يجري اختزال كل عناصر التحليل من طبقة وعرق ولون وموقع جغرافي وخلفية ثقافية لصالح جنس بيولوجي لا يضيف إلى التحليل، بل يضيف إلى قوة المؤسسة. لا تزال النسوية في العالم العربي حبيسة في بعض الجامعات، وهو ما يُشعر المؤسسة بالطمأنينة اعتمادًا على الفصل بين النظرية والممارسة العملية.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق