كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
منال الضويان.. القول بالحضور الواضح للفنانة السعودية «مُسَيَّس»
ترى الفنانة السعودية منال الضويان الفن نوعًا من الحوار المتطور، وتؤكد في حوار لـ«الفيصل» أن القول بالحضور الواضح للفنانة السعودية «مُسَيَّس». وتشدد على الحاجة إلى نقد الذات سعيًا للتطور. الضويان في تجربتها المتنوعة تستعمل الرمز البسيط من أجل التعبير عن قضية كبيرة، بدأت مشوارها الفني من خلال التصوير الفوتوغرافي، ثم طوَّرت هذا الفن إلى ما يعرف بفن الـ installation وصممت أفكارًا فنية ثلاثية الأبعاد كبيرة الحجم تحتلّ مساحات تعبر عن الفكرة بأشكال متعددة. وقد شاركت الضويان في معارض دولية واقتنى عدد من المتاحف العالمية أعمالها مثل: المتحف البريطاني، ومتحف لا كونتي، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث وغيرها. وثَّقت منال الضويان مجموعات اجتماعية مثل: «رجال ونساء النفط في المملكة العربية السعودية» في مشروع فني حمل عنوانًا: «إذا نسيتك فلا تنساني»، وفي مشروعها «صدمة» تناولت تأثير وسائل الإعلام في ممارسة المحو المتعمد للهويات. إلى نص الحوار:
بدأتِ عملك مبرمجة نظم معلوماتية بناء على تخصصك في البكالوريوس بعلوم الحاسوب، ثم حصلت على درجة الماجستير في تحليل النظم وتصميمها، إذن، كيف تبلور اهتمامك بالفن والتصوير؟
– منذ الطفولة وأنا أرسم وكنت مهووسة بالتصوير، وقد عدت من الجامعة وأنا في سن صغيرة أحمل بمعيتي ثلاثة عشر صندوقًا مليئة بالصور. كانت رغبتي في دراسة الفن قديمة، لكن كانت دراسة الفن آنذاك في المنطقة غير متاحة، ولم تكن هناك أية حركة فنية على الرغم من وجود فنانين، ومع ذلك قررت دراسة الماجستير في تحليل النظم المعلوماتية نهارًا، أما في المساء فقد كنت أدرس فن الطباعة وأحصل على كورسات في جامعات فنية في لندن. عندما عدت من الدراسة التحقت بأرامكو. أول معرض لي أقيم في شمال إسبانيا، ثم صار الفن شغلي الشاغل، وبعد خمس سنوات من هذا التغيير في حياتي تركت عملي، وتفرغت للفن وتخصصت فيه.
وثَّقتِ مجموعات اجتماعية، مثل «رجال ونساء النفط في السعودية» في مشروعك الفني «إذا نسيتك فلا تنساني»، وتناولتِ تأثير وسائل الإعلام في نشر محو متعمد للهويات في مشروع «صدمة»؛ هل تعتقدين أن رسالة الإعلام العربي كانت سلبية تجاه قضايا مجتمعه وبخاصة المرأة؟
– بالنسبة لي أحاول الابتعاد من علاج المشكلة، وأعتقد أن دور الفن جعل المشاهد ينظر إلى مشهد أو قضية أو صورة بطريقة مختلفة، فإذا اعتادت عيناك على النظر إلى المشهد من اليمين فأنا أجعلك تنظر إليه من اليسار، وهذه الحالة في تغيير الرؤية من شأنها أن تنتشل المتلقي من الخمول وربما تجعله يغير من طريقة طرحه الأسئلة. وأما الإعلام العربي فلن أعلِّق على موقفه، لكن سأحيل إلى خطورة تكرار الصورة في الإعلام بما لها من قوة، فتكرارها في الصحافة خمسًا وعشرين عامًا في حوادث سيارات المعلِّمات مثلًا أعده خطرًا أو نوعًا من تثبيت قصة وإهمال القصص الأخرى، فنشر صور سيارات مدمرة من دون أي جثث أو توضيح أسماء النساء اللائي توفين في هذه الحوادث هو نمط من المحو للإنسان الذي ذهبت روحه. وأعلم أن النية هي الحفاظ على الخصوصية لكن التكرار بهذا الشكل محو لإنسانية النساء اللائي ذهبت أرواحهن سدى في تلك الحوادث من دون فجيعة من المجتمع الذي ينتمين إليه. فمسؤولية الإعلام تقحمه في مثلبة التكرار التي تدخل حس أفراده في نوع من الخمول والغفوة. وأحاول معالجة هذه القضية في مشروعي «حالة من الاختفاء». ولقد جمعت صورًا من تلك الحوادث عن النساء نُشرت خلال ثلاثة أعوام في جريدة واحدة، ووجدت أنهم لا يقومون بنشر صور جديدة عن تلك الحوادث بل يستعملون الصور ذاتها، ولقد استعملت في بضعة شهور، تقدر بأربعة أشهر، الصور ذاتها ثماني مرات، وهي صور تشمل عددًا وفيرًا من النسوة، ولا تنشر صورة امرأة بمفردها، مخفيات الشكل والوجه والتكوين، الأمر الذي يشعر معه المرء بأن المرأة ليس لها تكوين وليس لها شكل محدد. لذلك أحاول في أعمالي التأكيد على أن المجموعات الكبيرة تساعد على محو هوية الشخص وفردانيته، وهذا شكل من التجاهل لذات المرأة وهويتها.
تضمَّن بعض مشاريعك الفنية تساؤلًا عن: ماذا يحدث لذاكرة لا يوجد لها قصة؟ وربما اضطررتِ إلى استخدام أرشيف صورك الشخصية لإعادة نشر قصتك من خلال ذكريات شخص آخر لبناء اتصال متخيَّل. كيف استطعتِ تكوين هذا التصور القصصي والإنساني وتجميعه وتضمينه من خلال أرشيف من الصور؟ وما الذي دفعك إلى الاستعانة بأرشيفك الشخصي لهذه الغاية الفنية البحتة؟
– منذ مدة وأعمالي تعالج قضية الذاكرة وبخاصة أن والدي كان متأثرًا بسبب مرض الزهايمر أواخر سبع سنوات من عمره قبيل وفاته. وبصفتي شابة وجدتْ والدها لا يتذكر اسمها ولا وجهها ولا يتذكر ما حوله، كانت تجربة صعبة جدًّا، ولقد عالجت هذه التجربة من خلال عملي في الفن. فكثير من أعمالي تدور حول والدي وتجربته مع هذا المرض، ففي هذا المشروع الذي سميته «أنا هل أنسى؟». كنت في عمر اثني عشر عامًا أعطاني والدي صندوقًا فيه ثلاث مئة نيغاتيف، وكنت ألعب بها وأتسلى وأضع عليها تكوينات، وصنفتها في صور عن الماء، وأخرى عن الجبال، وصور في أوربا وأميركا وهكذا، لكنني حينما كبرت وبعد وفاة والدي نظرت إلى تلك الصور بنظرة مختلفة لأن جميع من فيها توفي والأماكن الموجودة في تلك الصور ليس لها قصة، فبدأت أطرح فكرة: ماذا يحدث للذاكرة أو للقصة حينما لا تكون لها ذاكرة؟ ولقد أخذت صوري إلى فلوريدا في مكان إقامة فنية في جزيرة كابتيفا التي تتبع الفنان روشان بيرغ فاونديشن، وهذا الفنان معروف في أميركا، ولقد كنت أول عربية تشارك في تلك الإقامة الفنية، وبدأت إنتاج أعمال وأفكر في أن تلك الصور إذا فقدت قصتها وذاكرتها فسوف أصنع لها ذاكرة وقصة وتاريخًا هي قصتي، وبتلك التجربة أكون قد بعثت فيها روحًا جديدة برؤية وفكر جديدين وأحييتها، وهذه تجربتي التي قمت فيها بإحياء الذاكرة بعد المحو.
استمددتِ إلهامك في مجموعة «أنا» من الخطاب الذي ألقاه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يوم تولّيه العرش، ودعا فيه يومها السعوديّين كلّهم ليتعاونوا على بناء وطننا. كما شدّد على أهمية مشاركة المرأة. وفي الصور الفوتوغرافية من مجموعة «أنا» نساء صورتهن وهن يرتدين تفاصيل توحي بوظائف عدة، ما الذي دفعك إلى إعداد هذه المجموعة؟
– كان للملك عبدالله -يرحمه الله- خلال حكمه خطابات عدة وأهمها عند توليه الحكم، والثاني لما عيّن المرأة في مجلس الشورى. وتحدث عن النساء البارزات وتأثير النساء في حياته، وتكلم عن أم سلمة وبعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم. ولكوني موظفة في أرامكو آنذاك كنت محاطة بنساء ناجحات في مجالات عملهن، وحين ألقى الملك عبدالله ذلك الخطاب وغيره جرى حوار شديد في المجتمع السعودي وعلى مستوى إعلامي كذلك، عن الوظائف التي يمكن للمرأة شغرها، وقيل يومها: إن المرأة ستعمل في الوظائف المناسبة لطبيعتها بصفتها امرأة، وكنت أتساءل بحيرة: ما الذي يناسب طبيعة المرأة من الوظائف؟ ومن سيحدد ما الذي يتناسب وطبيعتها؟ ومن خلال طرح هذين السؤالين على نفسي انطلقت بعمل هو من أوائل أعمالي في هذا المجال قبل ثلاثة عشر عامًا. فلقد طلبت من عدد من النساء اللائي يعملن أن يحضرن إلى الأستوديو الخاص بي لتصويرهن بزي المهن التي يعملن فيها: أنا معلمة، أنا مهندسة بترول، أنا كاتبة، أنا سفيرة في الأمم المتحدة، وما إلى ذلك. فكان لكل صورة نقاش وحوار لأنني عددتُ ذلك العمل عملًا تشاركيًّا.
تميز عملك «في الهوا سوا» ببساطته التعبيرية الفنية، فهو عبارة عن سرب من الحمام الأبيض بعدد 200 حمامة معلَّقة بحبال شفافة ملاصقة لسقف يحدّ من حريتها. وعبر بعمق عن رسالته المجتمعية الرافضة للحد من حرية حركة المرأة السعودية والقيود المفروضة عليها. ترى أين تكمن مسؤولية الفن في المجتمع؟ وكيف يمكن للفنان إنشاء حوار اجتماعيّ صحّيّ على الصعيدين المحلّيّ والعالميّ؟
– أعدّ الفن نوعًا من الحوار، وأعتقد أن النقد الذاتي مهمّ في كل المجتمعات، ولا بد أن ننتقد أنفسنا كمجتمع لنتطور بدل التقبل على مضض أو الابتعاد وترك المساحة للعابثين في الأرض فسادًا، فقضية الحمام تلامس قضية الولاية على المرأة وأنا بصفتي فنانة أستخدم رمزًا بسيطًا ليعبِّر عن قضية كبيرة، ففي عملي «الصدمة» وفلم «لم يكن لدي أجنحة» كان الطرح يناقش قضية السياقة ومسؤولية المجتمع في الحفاظ على سلامة المرأة، و«في الهوا سوا» تكلمت عن الولاية وخطورة ظلم المرأة على المجتمع برمته.
الملاحظ أنه على الرغم من الوضع الذي تعيشه المرأة السعودية في مجتمعها فإن الفنانات السعوديات حاضرات وبقوة في ساحة الفن السعودي المعاصر؛ في رأيك ما الذي يدفع الفنانة السعودية إلى تجاوز إحباط الداخل من خلال الفن الذي يحمل رسالة التغيير؟
– نعم هناك حضور واضح للفنانة السعودية لكنني أعتقد أن هذا الكلام مُسَيَّس من ناحية دفعنا إلى القول بأن المرأة بصفتها فنانة لم تظلم أو أخذت حقها من الانتشار والوجود. أنا أعتقد أن الحركة الفنية في السعودية فيها توازن بين الرجل والمرأة غير موجود في أي مجال آخر في التجربة الاجتماعية السعودية، ولذلك تبرز المرأة التي تكاد تكون أثرًا مختفيًا فيغير ذلك من المجالات الأخرى، فهما في حال مساواة تقريبًا؛ إذ إن مجال الفن خاص جدًّا يتكلم عن قصة الفنان الخاصة والحوار يحترم الرأي الآخر. أما الإحباط للفنانة والفنان فهو يأتي من عدم القدرة على إنتاج الفن أو عدم القدرة على التعبير.
عرضتِ بعض أعمالك بشكل دائم في مجموعات المتحف البريطاني، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، ومؤسسة عبداللطيف جميل، ومؤسسة دلفينا في لندن، وهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ومؤسسة الناظور في ألمانيا ومؤسسة بارجيل في الشارقة؛ فهل لك أعمال معروضة في السعودية؟
– عرضت كثيرًا من أعمالي في السعودية منها صالة أثر وكان اسم المعرض «رحلة الانتماء». وشاركت في مهرجان جدة الفني قبل أربع سنوات. وفي كل عام يختار المنسقون لي عملًا للمشاركة به، ولقد شاركت هذا العام بعملي «الصدمة» في المتحف الوطني بالرياض، وفي معرض بالسفارة الفرنسية، وفي أرامكو أقمت معرضين. وفي البحرين كثير من السعوديين يحضرون هناك لتلقي أعمالي، بل إن أغلب من يقتني أعمالي سعوديون، وكثير منها في البيوت السعودية. ومن المتاحف التي أتواصل معها في المنطقة متحف الدوحة، والمتاحف الموجودة في أبو ظبي، ومتحف البرجيل في الشارقة، وكذلك متحف بالأردن.
المنشورات ذات الصلة
التشكيلية السعودية غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد... والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة
تصف الفنانة التشكيلية السعودية غادة الحسن، المتلقي الواعي بأنه شريك للفنان بتذوق العمل الفني وتحليله وإضافة أبعاد أخرى...
تجربة التشكيلي حلمي التوني خريطة رؤيوية لمسارات محددة نحو بلوغ الحياة الحقيقية... وقنص جوهرها الصافي
على امتداد رحلته الثرية في حقول الفن المتنوعة، تمكّن التشكيلي المصري البارز حلمي التوني، الذي ترجّل عن دنيانا في...
المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائمًا هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين... وفي الجزائر المقاومة كانوا يُعدون بعشرات الآلاف
يملك المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة تصوّرًا مختلفًا للسينما، تشكّل من خلال تقاطع حياته الشخصية المصقولة على نار الغربة...
0 تعليق