المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

مقارها تشبه بيوتًا مهجورة في وسط المدن.. مجامع اللغة العربية تعيش في غربة على هامش العصر

بواسطة | أغسطس 31, 2017 | قضايا

هل من حضور اليوم فاعل وفعلي لمجامع اللغة في الوطن العربي؟ سؤال تستدرجه القطيعة بين هذه الكيانات المعنية بحراسة اللغة، والواقع الذي يتجدد في كل لحظة، القطيعة التي يستشعرها على نحو واضح، المثقف والمختص والرجل العادي؟ فعلى كثرة انتشار مجامع اللغة في الوطن العربي، بدءًا من مجمع دمشق عام 1916م، ومجمع القاهرة (1932)م، مرورًا بالمجمع العلمي العراقي (1947م)، والمجمع الأردني (1961م)، والمجمع التونسي (1983م)، والمجمع السوداني (1993م)، وأخيرًا مجمع اللغة بالشارقة (2016م)، فضلًا عن كثير من المؤسسات والروابط المعنية باللغة، إلا أن أحدًا لا يشعر بحضور أي من هذه المجامع والروابط والمؤسسات في الحياة الاجتماعية والثقافية، على الرغم من الأدوار الأساسية التي أنشئت من أجلها، وعلى الرغم من أهمية المعاجم والقواميس التي عكف شيوخ اللغة الكبار على إنجازها… فقد ظلت مغلقة على نفسها حتى إن بعض مقارها يكاد يكون أشبه ببيوت مهجورة في وسط المدن، لذلك لا عجب أن تسأل عن مقر مجمع ما للغة في عاصمة عربية ولا تعثر على إجابة شافية، الأمر الذي يعكس حال العزلة الذي أضحت تعيشه هذه المجامع ومن ينتسب إليها، العزلة التي راحت تتفاقم مع تقدم ثقافة العصر وتقنياته، فما تقترحه هذه المجامع من معادل لغوي لكثير من مفردات العصر لا يلقى الاستحسان، إما لوعورة الكلمة المقترحة، أو لعدم تعبيرها عن روح المفردة الجديدة، إضافة إلى التحديات التي تواجهها هذه المجامع، ومنها ضعف التمويل وعدم صدور قرارات سيادية تلزم بتوصياتها.  فهل تجاوز الزمن فكرة مجمع اللغة، أم أن خروج العرب من دائرة الإسهام الحضاري جعل لغتهم ومؤسساتها خارج اهتمام المثقف وليس فقط المواطن العادي؟

محمود فهمي حجازي: التمويل لا يتناسب مع الطموحات

مجمعا اللغة العربية في القاهرة وفي دمشق أُسِّسَا على نمط مجمع اللغة الفرنسية في باريس، ومن ثم فقد أخذ العمل فيهما عمقًا لغويًّا أكثر، ومن ثم تمثل دوره الثقافي في عمل ملتقيات لغوية من حين إلى آخر، وهناك اتجاه قوي الآن لعمل ندوة شهرية بدءًا من أكتوبر المقبل عن موضوعات لغوية أو ثقافية سواء في الإطار المصري أم بالتعاون مع جهات عربية مماثلة. المجمع له دور قومي قديم في تحقيق التراث العربي، وهذا موجه إلى جمهور الباحثين، كما أن له دورًا في صناعة المعاجم المتخصصة في الأنثربولوجيا والهندسة والرياضيات، فضلًا عن معاجم اللغة التي تهم جمهور المثقفين، ومن بينها المعجم الوسيط الذي يعد أهم معجم صُنِّف في العصر الحديث، كما أن المعجم الوجيز كان يُسلَّم لتلاميذ المدارس في دول عربية عدة من بينها مصر وتونس.

وأكبر المعوقات التي تواجه المجمع في أداء دوره المنوط به أنه يعمل وحده، بوصفه مؤسسة متخصصة ووحيدة في هذا المجال، في حين أن الأكاديمية الفرنسية، أو المجمع الفرنسي الذي أُنشِئ المجمع العربي على غراره، تعمل إلى جانب كثير من مراكز البحوث العلمية في الجانب اللغوي، وليس لدينا في بلادنا مراكز حقيقية متخصصة في ذلك، حتى المركز القومي للبحوث لا علاقة له باللغة، والجامعات بها أقسام لغة عربية لكنها ليست متخصصة في دراسات وأبحاث وتاريخ اللغة، وفي الوقت الذي توجد فيه دُور نشر متخصصة في نشر كتب لغوية وتوزيعها مثل دودن في ألمانيا ولاروس في فرنسا، مما يحقق عائد يمكن إنفاقه على الباحثين وأبحاثهم، فإن هذا غير موجود في بلادنا، ومن ثم فالتمويل أغلبه من الحكومة؛ إذ يتبع المركز وزارة التعليم العالي، وإن كان تدخل الوزارة هامشيًّا لدرجة يمكننا القول من خلالها: إن المجمع جهة مستقلة، فوزير التعليم العالي يفتتح المؤتمر السنوي، ويعتمد قرارات المجمع وانتخابات الأعضاء الجدد. ومن المعوقات عدم وجود سياسة لغوية في البلدان العربية، والمقصود هنا تحديد المجالات التي تستخدم فيها لغتنا العربية، وكيف يمكن إبرازها والتأكيد على هويتنا من خلالها، ومن ثم فلا بد من وجود قوانين تنظم وضع اللافتات واللغة المستخدمة فيها، وكذلك تنظم اللغة المستخدمة في الإعلام والمدارس والتعليم بشكل عام. وفيما يخص التمويل فهو أمر يحتاج إلى تأمل؛ إذ إنه ضئيل ولا يتناسب مع الطموحات الموجودة، لأننا في المجمع نتبع القوانين المصرية، والقوانين تكبله في تعامله مع الجهات الخاصة أو تلقي تبرعات منها.

عضو المجمع المصري

منصف الوهايبي: المجامع تنهض بترتيب العلاقة بين اللغة وتراثها

ينبغي أن نقرّ، ونحن نمهّد السبيل إلى جواب سائغ مقبول، أنّه ليس من حقّ أيّ منّا أن يستصدر حكم قيمة، على مجامع اللغة العربيّة، وبيوت الحكمة، في استجوابات خاطفة  كهذه؛ وهي المؤسّسات التي تؤدّي عملها في ظروف مادّية صعبة. على أنّ ما يعنينا أنّ هذه المؤسّسات تواجه علميًّا قضايا لغويّة شائكة، لعلّ من أظهرها أنّ ضبط حقيقة الكلمة أو ماهيتــها أو غير هاتين المقولتين من مقولات تنتسب إلى نفس العائلة المفهوميّة الكبرى نظير المفهوم والحدّ والجوهر والهويّة… وما إلى ذلك، عمل لا يخلو من صعوبة في ثقافة العرب المعاصرين؛ لأسباب: من أبرزها أنّ المصطلح مادّة لغوية بالأساس، وليس بالميسور الإلمام بأطرافها والوقوف على نموّها وتطّورها في معاجم مثل معاجمنا تستدعي الداني والقاصي، وتجمع الشاذة والفاذّة؛ فإذا الكلمة تقفز من عصر إلى عصر، ومن معنى إلى معنى، عبر فجوات فاغرة، ومتاهات لغويّة متشعّبة الأصول والفروع، قد لا يقدر الباحث على تخطي عقباتها ورياضة صعابها. والكلمة شأنها شأن المصطلح، لا تنهض بوظيفتها، إلّا إذا أدّت عن «المفهوم» الذي وضعت له، بدقّة من جهة، واتصلت بأفهام القرّاء من جهة أخرى، ودخلت حيّز الاستعمال. وعلى أساس من هذه الوظيفة المنوطة بها، نستطيع تقدير رجحان مصطلح على آخر، كلّما كانت منزلته تكافئ منزلة مفهومه أو كان أوفر حياة وأوفى دلالة.

إذن قد يكون مردّ الإشكال في مستوى أوّل إلى أنّ معاجمنا عامّة تنقلنا من عصر إلى عصر؛ دون أن يعبأ صاحبها بما انسدل بين هذه العصور من كثيفِ حُجُب الزمان والمكان. صحيح أنّنا نكتب بلغة «واحدة» هي الفصحى. ولكنّ الأمر في واقعنا العربي ليس بهذه البساطة، فثمّة مؤثّرات اللغات الأجنبيّة واللهجات المحليّة في كلامنا ونصوصنا. وهذا ممّا لا تتفطّن إليه المؤسّسات المذكورة، أو هي تتحاشاه، لأسباب قد تكون دينيّة «قداسة» اللغة العربيّة، أو سياسيّة. أليس في هذا الاستعمال اللغوي المختلف أو المتنوّع؛ ما يؤكّد أنّ الكلمة لا تمضي على ثبات وديمومة واطّراد؛ وإنّما تغيّر ما بنفسها توسيعًا أو تقييدًا أو تحويلًا؟
فهذه «العربيّات» يجري أكثرها على أصول العربيّة وقوانينها في اشتقاق الصيغ وتصريفها؛ على نحو يتيح لنا الرجوع إلى صورة الكلمة أو وزنها أو صيغتها أو بنائها، ولكنّ استعمالها «يختلف» من بلد إلى آخر.

وهذه المؤسّسات هي التي تنهض بإعادة ترتيب العلاقة بلغتنا وتراثها؛ بل إعادة وصفها دون تهيّب.

عضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة)

وفاء كامل: لا يوجد قانون يلزم بالأخذ بتوصيات المجمع

رسالة المجمع تكمن في الحفاظ على اللغة وسلامة نطقها على ألسن الجميع، والوفاء بمتطلباتها من مستلزمات الحضارة والعلم ومصطلحاتهما الحديثة، إضافة إلى دراسة تاريخ اللغة وتطورها عبر مراحلها المختلفة. المشكلات التي يواجهها المجمع أنه لا يوجد قانون ملزم لبقية هيئات المجتمع بالأخذ بتوصيات المجمع، كان الدكتور فتحي سرور قد شرع في إعداد قانون لمجلس الشعب بهذه الصيغة لكن الأمر توقف ولم يكتمل. وضعف التواصل بين المجمع وغيره من مؤسسات المجتمع يعد أكبر المعوقات، فكثير من المحاضرات والأبحاث التي تُنشَر في مجلة المجمع لا تصل إلى الناس، وكم الترجمات عن المنجزات العلمية أو غيرها كثير، وأي دراسة علمية تحتاج إلى وقت وجهد وتأني، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، فالمجمع يبدو أداؤه بطيئًا، ويضم مجموعة من كبار السن غير قادرين على ملاحقة ما يحدث، في حين الترجمات المتوالية لا يمكن توقيفها إلى حين الانتهاء من ترجمة المصطلحات، ومن ثم تنتج لدينا مصطلحات عُرِّبت بمعرفة المترجمين على عجل، ورغم أنها لا تحمل الصواب الكافي لدلالتها المعرفية إلا أنها تذيع وتنتشر إعلاميًّا، ويصبح من الصعوبة تغييرها في أذهان الناس، ولا يتقبل أحد ما يقدمه المجمع من تصويبات أو مصطلحات.

أعد المجمع قواميس في الأنثربولوجيا والهندسة والفيزياء والطب وغيرها، لكن أحدًا لا يعود إليها ولا يلتزم بها، وقد طالبت فور انضمامي للمجمع منذ ثماني سنوات بضرورة عمل لجنة لمراجعة ما ينشر في الصحف والمجلات؛ لجنة تجتمع بشكل يومي، وترد على الأخطاء وتصوِّبها، ولا يكون موعد اجتماعها أسبوعيًّا مثل بقية لجان المجلس، لكن هذا الاقتراح ذهب أدراج الرياح، ربما لمعوقات إدارية أو بيروقراطية. أكبر المشروعات التي يعمل عليها المجمع هو المعجم التاريخي للغة العربية، وهذا قام به الألمان والفرنسيون في بلادهم في غضون أربعين سنة، شاركت فيه مجموعات كثيرة وكبيرة، بدءًا من أساتذة الجامعات مرورًا بالباحثين في اللغة وصولًا إلى مدرسي اللغة في المدارس.

هذا المشروع بدأه الألماني فيشر حينما كان مقيمًا في مصر في الأربعينيات، وكان يعمل بطريقة التسجيل على الجذاذات الورقية، وحين سافر إلى بلده قامت الحرب وفقدنا الجذاذات التي جمعها. أنا أول عضو نسائي بالمجمع، وأيضًا أول امرأة عملت على التاريخ اللغوي في رسالتي للماجستير في الوقت من 1970 إلى 1974م عن «كعب بن زهير: دراسة لغوية»، وكانت وقتها جامعة القاهرة قد قررت أن يقوم كل باحث ماجستير على دراسة شاعر أو أديب من القدماء، وقمت بدراسة دلالية للمعاني والأضداد والمترادفات، وسجلت كل المعجم اللغوي لكعب بن زهير في نحو 525 صفحة من أصل الرسالة المكونة من 725. في مطلع الألفية الجديدة، بدأ تعاون بين مجمع اللغة العربية وجامعة القاهرة من خلال مشروع المعجم التاريخي، هذا الذي تبرع حاكم الشارقة ببناء مبنى خاص به هو واتحاد المجامع العربية، وتعهد بأن ينفق على أبحاث المعجم التاريخي، التي تهدف إلى دراسة اللغة في العصور الأولى، ثم تطور صيغها في العصور التالية حتى وقتنا الحالي، وهو أمر يحتاج إلى تمويل كبير لأنه بحاجة إلى تكاتف كثير من الفِرَق البحثية، وإذا كان الألمان والفرنسيون أنجزوا المعجم التاريخي للغاتهم في أربعين عامًا، فأنا متفائلة أننا قادرون على إنجازه في زمن لن يتجاوز عشرين عامًا، وعشرون عامًا في عمر الشعوب رقم ليس بكثير.

أول عضو نسائي في المجمع المصري

علي السامرائي: قضايا لا طائل منها

من وظيفة المجامع اللغوية إنشاء تواصل بين لغات العالم بهدف نقل المنجزات الثقافية والفنية والحضارية والإفادة منها في تلاقح اللغات وتعميق أواصر المنجزات العلمية بين الأمم، لكن يبدو أن المجامع العربية لم تفلح إلى يومنا هذا في فهم واستيعاب هذا الهدف فبقيت تجتر قضايا لا طائل منها ولا أهمية لها.

ترقد الآن على رفوف المجامع العربية مئات الآلاف من المصطلحات في كل العلوم والفنون والآداب والفلسفة ومسميات علمية كثيرة لم يجدوا ما يقابلها في اللغة العربية، ما يعزز الرأي أن العربية قاصرة عن استيعاب هذا الكم من المعارف والواقع أن عدم إيجاد ما يقابل ذلك في اللغة العربية ليس قصورًا بل إن ذلك ربما يضيف إلى لغتنا ثراءً معرفيًّا في إدخال هذه المصطلحات بأسمائها أو الأقرب إليها، لكن المجامع تعد ذلك خطرًا على اللغة، من هنا فدخول أسماء إلى لغتنا ليس لها عهد بها هو أمر حتمي شئنا أم أبينا، والحاضر يقتضي من المجامع العربية أن تنظر الأمر بجدية للحاق بركب المنجزات العلمية التي تخطو سريعًا.

ناقد ولغوي عراقي

أحمد فؤاد باشا: التدريس في الجامعات «سمك لبن تمر هندي»


المجمع كأي شيء في المجتمع يقوى بتقوية إمكاناته، شأنه شأن التعليم والمرافق الثقافية وغيرها، لكن مشكلته في أن توصياته

وقوانيه لا تفعَّل، وهو ليس مسؤولًا عن تفعيلها؛ إذ إنه يخاطب على سبيل المثال التربية والتعليم لتصحيح المناهج وتعديلها، ويخاطب الإعلام لمعالجة أخطاء المذيعين، ويخاطب الجهات القانونية لتعريب المصطلحات القانونية، وقد قام على تعريب مصطلحات كل العلوم في مجلدات، لكن لا الجهات التنفيذية تستجيب لتوصيات المجمع ومخاطباته، ولا أحد يخرج المجلدات ليقرأها.

الأمر يحتاج إلى قرار سيادي لجعل اللغة العربية هي اللغة الأولى بالفعل، ولك أن تنظر إلى حال التعليم وتعدده، وهو ما يوضح أن الأمر أكبر من إمكانيات المجمع، وأننا صرنا على الأقل بحاجة لأن تكون خطابات المسؤولين باللغة العربية، وليس العامية. المدهش أن الأساتذة في الجامعات لا يقومون بالتدريس باللغة العربية، رغم أن اللغة قسمة أساسية في الهوية، والتنازل عنها هو تنازل عن الهوية، وعلى الرغم من كثرة إثارة الموضوع إلا أن أحدًا لا يستجيب، حتى إن قاعات الدرس صارت كما يقولون: «سمك لبن تمر هندي»، كلمة عربية وأخرى إفرنجية، وبينهما كلمات عامية، ومصطلحات علمية تارة، وشعبية تارة أخرى. علينا أن نستفيد من تجربة المأمون في إنشاء دار الحكمة، أليست الدول العربية قادرة على إعادة إحياء هذه التجربة؟ فبيت الحكمة العصري هو المخرج من هذه الأزمة التي تزداد حدة، نظرًا لأن المصطلحات العلمية في تزايد، والأمر يحتاج إلى قرار سيادي قوي.

لغوي وأكاديمي مصري

عبدالله مليطان: مؤسسات منفصلة عن الواقع

يؤسفني القول: إن مجامع اللغة أصبح شأنها شأن ما يجري في الواقع العربي على كل المستويات… بعيدة من الواقع منفصلة عن حياة الناس على الرغم من طبيعة علاقتها بوسيلة التخاطب، وهو اللسان العربي… وإن قال قائل: إن أمرها يتصل بالشأن الأكاديمي والعمل العلمي، فماذا قدمت في هذا الصدد؟ وفي تصوري أن أي مؤسسة لا تتصل مباشرة بالناس لا جدوى من وجودها. ترى ماذا قدمت المجامع العربية من برامج وخطط ومشاريع للارتقاء بلغة التخاطب؟ ماذا قدمت من معاجم لتوحيد المصطلحات العربية المستخدمة في مجالات الإعلام والصحافة والسياسة والعلوم والتقنية؟ أين دورها في ترجمة المصطلحات المستحدثة في عالمنا المعاصر؟ بالطبع هناك من سيتعلل بعدم وجود الإمكانات المادية الداعمة لنشاطه وبالعراقيل التي تواجهه إداريًّا وفنيًّا… وهو أمر واقع لذلك فإن الدول التي لا يعنيها أمر اللغة ومجامعها ما كان عليها أن تنشئ مجمعًا لتتركه يعاني الدعم وقلة الإمكانات ليكون عبئًا عليها وثقلًا يضاف إلى أثقالها. لذلك من الطبيعي ألا تجد لها أثرًا في حياة الناس، وربما لا يعلم كثير من الناس بوجود مجمع للغة لديهم. حتى ما اتفقت المجامع العربية على تعريبه منذ سنوات لا يزال الناس لا يعرفونه إلا بلغته الأصلية، ولا يتداولون ما اتفقت عليه تلك المجامع؛ لأن المجامع العربية لم تحسن الترويج له والتعريف به. وهو تقصير منها بالطبع للدور الذي كان عليها أن تقوم به إزاء دورها في خدمة لغتنا العظيمة.

كاتب ليبي

ممدوح فراج النابي: لا يتردد اسم المجمع سوى عند الموت

دور مجمع اللغة العربية في الواقع الثقافي مع الأسف لا يتردد إلا في مناسبات الموت، فلا نسمع اسم المجمع ورئيسه إلا إذا غيّب الموت أحد أعضائه أو استبدال آخر براحل. هكذا اختفى الدور الفاعل لمجمع اللغة العربية على الرغم من الحاجة الماسة له الآن في ظل حالة الخلط اللغوي التي صارت دخيلة على اللغة. لم يأخذ المجمع بالصيحات والدعوات المطالبة بالحفاظ على اللغة العربية، ومقاومة القبح اللغوي الماثل في استخدام الحروف اللاتينية في اللوحات الإعلانية، أو على الأقل لم يسعَ لتنفيذ قراراته، كما أن المجمع صار دائمًا متأخرًا خطوة للخلف في ملاحقة الطفرة التكنولوجية والمتغيرات العالمية التي انتقل تأثيرها إلى اللغة. في ظل كثير من الكوادر العاملة في المجمع التي يعوّل عليها.

ناقد مصري

محمد المغبوب: يبدو أن أمرًا قد حدث في غفلة منا ولم تدركه المجامع

لم يعد للدور المناط بمجامع اللغة العربية في الوطن العربي من عمل نراه على الواقع المعيش، حيث نجد لغتنا في ظل لغة الآلة الغربية وقريبًا الصينية وهي تتوسع على حساب لغة القرآن الكريم حيث تأتي بمفردات جديدة تلصق على ألسنتنا وتتسرب حتى إلى الديوان الرسمي وإلى القنوات الإعلامية ووسائل الاتصال المباشر، ناهيك عن زحف اللغة المحكية حيث كل اللهجات تمارس إزاحتها للغة الضاد، وهذا أمر يمكن أن يساهم في اضمحلال عدد الكلمات المستخدمة التي نجدها الآن قد تقلصت كثيرًا حتى إننا نحتاج إلى ترجمات للمعلقات وإلى الموروث الأدبي العربي كي نفهمه جيدًا. يبدو أن أمرًا قد حدث في غفلة منا ولم تدركه المجامع العربية ولا قدر أصحاب اللغة من بحاث وأدباء وأساتذة اللغة على اللحاق به ومعالجته لعدم الوقوف عليه.

إن أهم ما في الأمر كله هو أن المصطلح صار يشكل لنا ربكة في الفهم تفسيرًا وفهمًا، وقد يتلون المصطلح الواحد بعد إيحاءات تجعلنا في لبس وفي حيرة. ويتجلى هذا حتى عند تفسير القرآن الكريم حيث نخلط بين النزول والهبوط والسقوط مثلًا، وبين الكتاب واللوح والذكر والقرآن، وحين عقد المعاهدات الرسمية والعقود مع الآخر على مستوى الترجمة والتأويل.

هذا كله لم يكن وليد اللحظة بل هو تراكم عبر حقب التاريخ، وبخاصة ما بعد القرن التاسع عشر بعد ثورات عالمية في السياسة والحكم وفي العلوم كافة، إذ حين هم يثورون ويغيرون كنا نحن العرب نمارس فعل الفرجة ونتلقى المنجزات ولا نأتي بها، فصار العالم يتحدث بلغته وكذلك نحن فاعلون.

كاتب ليبي

سيد‭ ‬الوكيل‭:‬‭ ‬كيانات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬للعمل

آخر مرة سمع فيها اسم مجمع اللغة العربية كان منذ خمسة عشر عامًا، عندما أخبرني الأديب محمد مستجاب أنه يعمل هناك. أنا لا أقصد إهانة أحد، لكني أشير إلى أن ثمة كيانات كثيرة فقدت وجودها بالتقادم، مثلًا لو سألت مئة أديب عن دار الأدباء، فإن تسعين منهم لا يعرفون عنها شيئًا. هذه الكيانات: إصدارات قديمة، لم تعد صالحة للعمل وتحتاج «فرمتة» وإعادة «تسطيب». في الماضي، كان لمجمع اللغة العربية وظيفة ثقافية مهمة، مثلًا: عندما دخلت الثلاجة الكهربائية إلى مصر، كانت الأسر الأرستقراطية تسميها «فريجيدير» لكن جهود المجمع جعلت كل الناس تقول «الثلاجة». وأنا أعرف أن دوره كان كبيرًا في مجال تعريب المصطلحات العلمية (الهندسية والطبية والفيزيائية…) ولولا هذا التعريب لما عرفنا شيئًا عن هذه المصطلحات وظللنا جاهلين بها.

ومع ذلك فليس كل ما أطلقه المجمع استخدمه الناس، فلا أحد يقول عن التلفزيون «مرناء»، ولا على التلفون «مسرة». الناس تعلمت تصريف المصطلحات الأجنبية، وهضمها في التكوين الثقافي الذي يلبي حاجاتهم اليومية مثل: تلفزة، تلفنة.. وتدليت وتسطيب وفرمتة وهكذا، وشيئًا فشيئًا حلّت محل هذه الكيانات، وأصبحت تسيطر على الحراك اللغوي في الشارع، وهذا الدور اتسع بشكل كبير مع عصر التكنولوجيا. مثلًا، الناس تقول: اديني ماسيج أو ميسد كول، وتقول فلان «بيشيّت» على طول، أي مدمن على الشات.. أو «نتّاوي» أي مدمن على الإنترنت أو «يدوّن» أي يحمّل أشياء من على الشبكة. وتنتقل هذه اللغة إلى السلوك والصفات، فنقول: فلان «هاكر». أي يسرق أفكارك ويستخدمها لنفسه.

والتوسع في هذه الظاهرة، يشير إلى أمر من الاثنين: إما أن الناس فككت هذه الكيانات وحلت محلها وقامت بدورها، وإما أن هذه الكيانات ماتت إكلينيكيًّا والناس مضطرة لأن تملأ ذلك الفراغ بطريقتها الارتجالية. والسؤال الآن: إلى متى سنتلكأ قبل إعادة النظر في هذه الكيانات، سواء بتحديث دورها أو بإحالتها للتقاعد مع الشكر. لكن المؤكد أنها كثيرة ومعوقة لأي نهوض.

تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬‮«‬العربية‮»‬

لا يختلف اثنان على ما تشهده مجامع اللغة العربية من عزلةٍ أو غربةٍ عن محيطِها لأسبابٍ متعلقة بها أو خارجةٍ عن إرادتها، وهي «أزمة» تستفحل أو تخْفُت، تبعًا لطبيعة المشروعات وفاعلية البرامج التي تتولى المجامع تنفيذها، أملًا في مدّ الجسور بين الواقع والمأمول في مجال الحفاظ على «العربية» وحمايتها.

«نعم، هناك عزلة تعانيها المجامع لا يمكن إنكارها»، يقول الأمين العام لمجمع اللغة العربية الأردني، الدكتور محمد السعودي، رادًّا ذلك إلى أسباب من أبرزها «غياب التشريع» كما يرى. ولهذا فإنه يؤكد أن مجمع اللغة العربية الذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية (فرع المؤسسة العلمية الفائزة عن فرع اللغة العربية والأدب لعام 2016م)، نفضَ كثيرًا من الغبار عن كاهله، وتجاوَز مرحلة «مراوحة مكانه» بعد إقرار تشريعَين مهمَّين مؤخرًا، هما قانون مجمع اللغة العربي، وقانون حماية اللغة العربية.

ويوضح السعودي أن قانون المجمع أعاد تنظيم الأدوار داخل المجمع ببنيتَيه الإدارية والفنية، أما قانون حماية العربية، فهو «إنجاز كبير» على حدّ تعبيره، جاء محصلةَ نضالاتٍ طويلة تواصلت على مدى سنوات. ومن البنود التي تضمّنها القانون ويعوّل عليها القائمون على المجمع وسدَنة «العربية»، عدم تعيين أيٍّ من المشتغلين في مجال اللغة من معلمين وصحافيين وسواهم، إلّا بعد اجتياز «امتحان الكفاية» الذي صدر نظامه مؤخرًا، وحُوِّل إلى الحكومة ليوضَع موضع التنفيذ.

ويؤكد السعودي أنّ هذا الامتحان طُبِّقَ بنجاح في وزارة التربية والتعليم سنة 2016م، وأن استمرار تطبيقه عند ملء الوظائف الشاغرة سيضيّق الخناق على العزلة التي تعانيها «العربية»، وسيخلّصها من «غربتها» إلى حدّ ما. ويضيف أن المجمع يعمل حاليًا على تبسيط امتحان الكفاية بغيةَ إخضاع الطلبة الجامعيين الجدد له، ومَن يجتازه بنجاح سيسقط عنه مساقان دراسيان في اللغة العربية. وبالتالي فإنّ في هذا التوجّه تخفيضًا للنفقات وتوفيرًا للوقت، إلى جانب تشجيع الشباب على إثراء مخزونهم اللغوي.

ويشير الأمين العام للمجمع، إلى مكتبة الأطفال التي دُشِّنت في أواخر يوليو عام 2017م، وهي «مشروع رائد» يغرس حبَّ العربية في نفوس الطلبة، ويعمل على تنمية مهاراتهم اللغوية كتابةً وقراءةً ومحادثةً واستماعًا، وإثراء حصيلتهم اللغوية بمفردات جديدة ومتنوعة، وخلق روح الإبداع اللغوي فيهم، وحفزهم إلى إدراك مفاهيم اللغة هوية الأمة ووعاء حضارتها وحاضنة تراثها.

ولأن التواصل مع الشرائح المستهدفة في المجتمع يتطلب صيغًا متنوعة تواكب المستجدات، جاءت فكرة إذاعة المجمع التي بدأت بثها التجريبي حريصةً على الارتقاء بالذائقة الفنية للمستمعين، وتحبيب الناس بالفصيحة، وتعريفهم بقدرات اللغة وكنوزها ومرونتها وغناها اللفظي والتعبيري.

ومما يُحسب للمجمع، أنه بدأ يتصدّى لمهمة تعريب المصطلحات الأجنبية ووضعها في السياق العربي، مثل: مصطلحات الطاقة المتجددة، ومصطلحات السياقات السلوكية والطبية والصحية والبيئية والعمرانية. وهذا يتم بالتعاون مع مجموعات طلابية مهتمّة تتفاعل على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).

من ناحية، للباحث والأكاديمي الدكتور غسان عبدالخالق، رأيٌ آخر في مسألة حضور مجامع اللغة العربية وتأثيرها، وعجزها عن تطبيق مقترحاتها اللغوية؛ إذ يؤكد أن هذه المجامع «تمثل تجسيدًا حقيقيًّا لمدى انفصال مستودعات اللغة عن إيقاع الشارع ومستجدات الحياة»، موضحًا أن هذا الانفصال متفاوتٌ من مجمع لآخر؛ فهناك مبادرات «جديرة بالاحترام» مثل مبادرات مجمع اللغة الأردني، لكن المشهد المجمعي العام «لا يدعو للتفاؤل».

ويضيف عبدالخالق أنه أطلق قبل سنواتٍ دعوةً لرصد ألفاظ ومصطلحات «الربيع العربي» وتوثيقهما وإفرادهما بمعجم خاص، لكن هذه الدعوة التي لا تحتاج لأيّ تبرير فـ«الربيع العربي» يمثل أخطر ما مرت به الأمة العربية في العصر الحديث- ما زالت تصطدم بذهنية «أمين المستودع اللغوي» الذي يفضّل الاستغراق في مفردات القرون الهجرية الأولى بدلًا من الانخراط في مواكبة واستدخال مفردات القرنين العشرين والحادي والعشرين.

ويذكّر عبدالخالق بما ذهب إليه كلّ من هشام شرابي ومحمد عابد الجابري وفهمي جدعان قبل عقود بخصوص «أبوية مجامع اللغة وصنميتها»، وهو النهج الذي يرى أنه ما زال ساريَ المفعول. وكان رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور خالد الكركي، أكد خلال تسلّمه جائزة الملك فيصل العالمية التي مُنحت للمجمع في 4 إبريل من العام الحالي، على أهمية إقرار قانون حماية اللغة العربية الذي يركز على العربية السليمة لا الفصحى، ويُلزم المؤسسات الحكومية والخاصة باستخدام اللغة العربية في جميع وثائقها وإعلاناتها. ودعا الكركي الأمانةَ العامة للجائزة، إلى تبني مبادرة توحيد مجامع اللغة العربية تحت لواء مجمع عربي موحّد، يكون مقره الرئيسي في مكة المكرمة، وذلك بهدف صياغة الرسائل الإستراتيجية والعامة التي تخدم لغة الضاد في محيطها وعمقها العربي.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *