كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
تقسيم العراق.. صخب الإعلام وعقبات الأرض
ينقسم العراقيون بشكل حادّ إلى عدة تصوُّرات حول مستقبل الحُكم المركزيّ أو وَحْدَة بلادهم. الدستور ينصُّ على الفيدرالية، لكن يُتَّهَم الكُردُ بأنهم يمارسون صلاحيات واسعة. وتتجه أطراف من السُّنة -أيضًا- إلى الفيدرالية. أما الشيعة فإنهم الطرف الأقل حديثًا عن الموضوع في ظلّ هيمنتهم على النسبة الكبرى من الحكم. مشروع إقامة الأقاليم يوصف بأنه المُمهّد للانفصال، وبخاصة مع تجربة كردستان التي يجري الترويج لها؛ للانفصال وتقرير المصير بشكل مستمرّ. على الرغم من هذه الخلاصة التي تبدو واضحة، فإن التعقيد هو جوهر النزاع في العراق.
«لو انفصل إقليم كردستان، فإن الحرب الداخلية ستعود، ولن تنطفئ، فقيادات الكرد موحَّدة؛ لأن مصلحتها ضد المركز تحتم ذلك» هذا ما قاله لي سياسيّ مخضرم من كردستان.
الكلام قد لا يدفع رئيس إقليم كردستان إلى المحافظة على البقاء جزءًا من العراق وَفْق الصيغة الراهنة؛ لأن طموحات الزعامة تحجب القدرة على النظر إلى المستقبل، ومخاطر الصراع في حال الانفصال. لكن مثل هذا القرار يستدعي إجماعًا مفقودًا حتى الآن، فصوت الانفصال لا يعلو من محافظة السليمانية حيث الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ، وحركة التغيير؛ هذان الحزبان هما العقبة الداخلية الرئيسة أمام انفراد البارزاني بقرار مصير الإقليم.
يلاحظ في تصريحات المسؤولين في الاتحاد، عدم التفاعل مع الاستفتاء أو الانفصال، فهناك تأكيد متتابع على اللجوء لخيارات بديلة. القياديّ «الاتحاديّ» برهم صالح -على سبيل التمثيل- في تصريح غير بعيد، تحدَّث عن ضرورة اللجوء للنظام الكونفدراليّ. هذا الحديث سابقة سياسية، وهو الحلّ الوسط بين النظام الفيدراليّ الراهن والانفصال الذي يعمل من أجله بارزاني. أما حركة التغيير التي تشكَّلت بعد سقوط النظام السابق، فهي الأخرى تبدو متحفّظة، أو باردة تجاه الانفصال. وهذا التصوُّر ليس جديدًا على الحركة التي يقودها اليساريّ المخضرم نوشيروان مصطفى، إنما سبقه تصريح لزعيمها قبل عامين قال فيه: «الحركة تساند قرار بارزاني في حال لم يتسبب في أيّ مشاكل وضرر للشعب الكرديّ، لكنها تقف ضده في حال حدوث خلاف ذلك».
السُّنة.. بديل حكم العراق المستحيل!
الطموح الكرديُّ القديم إلى الانفصال عن العراق وتكوين دولة كردستان الجنوبية أو الكبرى، ليس هو نفسه سُنيًّا. سُنة العراق يُصنَّفون إلى وقت قريب بالمدافعين عن العراق بنسخته العربية الموحدة؛ إذ لم يسجِّل أيُّ تصريح أو موقف علنيّ عن الانفصال إلى وقت قريب، وحتى اللحظة الراهنة فالمشروع المطروح هو إقامة إقليم سُنيّ على غرار الكرديّ، وهو موقف جدليّ تبلور في العهد الثاني من حكومة نوري المالكي. وقد تبنّاه بشكل غير رسميّ الحزب الإسلاميّ «إخوان العراق»، وجرى الترويج له في محافظة الأنبار. وعمليًّا ظهرتْ أُولى الخطوات عندما قدمت محافظة صلاح الدين مشروعًا للتحوُّل إلى إقليم… لكنه أُجهِض.
وعلى الرغم من وجود هذا المشروع في الأوساط السُّنية، والتفكير فيه في أكثر من وسط، فإنه لا يزال يشهد بعض المعارضة؛ إذ تَرَى بعضُ القوى فيه تهديدًا لوَحْدة العراق. فعلى سبيل التمثيل ظل صالح المطلك يعارض إقامة الأقاليم، ويدافع عن اللامركزية بصيغة ما دون الفيدرالية. عبدالرحمن اللويزي، وهو نائب من محافظة نينوى، يُعَدّ من أكثر المناوئين لإقامة مشروع الإقليم، وهدفُه الرئيسُ في المعركة السياسية مواجهةُ ما يسمِّيه التغييرَ الديمُوغرافيّ الذي تقوم به وَحَدَات كردية في المناطق العربية المُحرَّرة من داعش في الموصل. بمعنى آخر يُعارِضُ مشروعَ توسيع إقليم كردستان إلى مناطق جديدة.
الحزب الإسلامي يمثّل مع بعض الأطراف المتناثرة الأخرى؛ مثل: القوميّ التكريتيّ ناجح الميزان، الطرف الأكثر دفعًا عن هذا الاتجاه. الباحث والنائب العلمانيّ السابق حسن العلوي يشير إلى أن زيارات رئيس مجلس النواب والقياديّ في الحزب الإسلاميّ سليم الجبوري تدخل في هذا الصدد. ويشير العلوي في تصريحات صحفية إلى أن «الحزب الإسلاميّ هو الطرف الأقوى والأكثر حماسًا لإقامة الإقليم». النائب السُّنيّ عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، أشار -أيضًا- إلى أن خيار الإقليم أحد الخيارات المطروحة.
المفارقة الأهمّ أن هناك مشروعًا بديلًا، يبدو أن أطرافًا سُنية تدعمه، وهو مقترح أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، الذي دعا إليه في مايو من العام المنصرم، وهو إقامة أقاليم جغرافية؛ أي: لا تعتمد الطائفية إنما التشابه الجغرافيّ. ويبدو أن هذه الدعوة تندرج ضمن سعي آل النجيفي لزعامة الموصل؛ لصعوبة الطموح إلى تزعُّم السُّنة.
أول مشروع لإقامة الأقاليم خارج كردستان، صدر عن الزعيم الشيعيّ عبدالعزيز الحكيم، وهو رئيس المجلس الإٍسلاميّ الأعلى؛ إذ طالب الحكيم قبل وفاته بإقامة إقليم الوسط والجنوب، حيث يضم تسع محافظات شيعية سوى بغداد التي يحظر الدستور العراقيّ جعلها ضمن إقليم. الانقسام الشيعيّ حول المشروع منع تطبيقه آنذاك، فحزب الدعوة والزعيم المناوئ الآخر مقتدى الصدر يعارض هذه الفكرة. الأخير عُرِف عنه ميوله إلى النظام غير الفيدرالي في العراق العربيّ. في الوقت الراهن يبدو أن التوجّه الشيعيّ معارِض لأيّ أقاليم بحجة أن الظروف غير مناسبة. لكن الواضح أن القوى الشيعية تنظر إلى الأقاليم بعين الريبة، وتعتقد أنها تُمهّد للانفصال في ظلّ رفضِ الأطراف كافة الحكمَ الشيعيَّ. وليس واضحًا ماذا حل بمشروع الحكيم، مع أن المصادر المطلعة تقول: إن وريث زعامة المجلس عمار الحكيم لا يزال ينظر إلى المشروع بوصفه جزءًا من منهاج حزبه.
المنشورات ذات الصلة
المرأة والنساء في ضوء دراسات الجندر
إذا كانت اللغة منزل الوجود كما قال هيدغر ذات مرة، فهذا يعني أنّ اللغة تكون قد سبقتنا دومًا إلى ما نعتزم التفكير فيه،...
المرأة العربية والكتابة الروائية
يـبدو زمـنًا بـعيدًا ذاك الـذي صدرت فيه نصوص تـدافع عن حق المرأة العربية في أن تـنال الاحترام والاعتراف بدورها الأساس...
الإبداع والنسوية والنقد
حاصرتني على مديات طويلة كتابات نقاد يحيلون كل ما تكتبه الكاتبات على أنه أدب نسوي، أو أدب نسائي، وأحيانًا يجنحون إلى...
0 تعليق