كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
«الآخر» لم يعد أجنبيًّا
في يوم ربيعي من عام 2007م، كنا مجموعة من كتّاب وصحافيين في روما، نجلس على طاولة رصيف لمطعم يهودي إيطالي، متكئين على منزل من القرون الوسطى تقول دكنته وانطوائيته تلك العتمة التي عاشتها أوربا مع الخوف والجوائح والحروب. لكنها الآن تبدو كديكور سينمائي رومانسي. وأمامنا على بعد مترين ينتصب معبد روماني بجبروت عتيق وحجري، ومن ورائه يطلّ مشهد الفاتيكان الكاثوليكي. نحن الزبائن، «مسلمون» و«مسيحيون»، عرب وأوربيون، على طاولة مطعم لعائلة يهودية، يديره مهاجر مصري، مسلم، يتحدث الإيطالية والعربية. الفتاة الجزائرية لا تجيد سوى الفرنسية (ولا كلمة بالعربية). الشابة الإيطالية تتحدث العربية بطلاقة وباللهجة المصرية، اللبنانيان يفضلان التحدث بالإنجليزية. الصحافية الفرنسية تختار التحدث بالإيطالية. والطاولة «حوارات» وترجمات متبادلة. اليابانيون، بالقرب منا، الإسبان أيضًا، الأميركيون كُثُر، جنسيات العالم تقريبًا في مئة متر مربع، حيث مهرجان اللغات – الثقافات، من وراء الأطلسي إلى قلب آسيا، هنا في هذه المدينة المتوسطية. في الزُّقاق الضيق ذي الإنارة الشاحبة كما لو أنه مضاء بالشموع. ونحن لا نفعل شيئًا سوى تداول هذه «العجينة» من اللغات الخائنة لهوياتها.
في خريف عام 2016م، كنا مجموعة من أربعة كتَّاب هولنديين (منهم كاتب من أصل ليبيري)، ولبنانيين كُثُر (بينهم كاتبة فرانكفونية) وكاتب بولندي متخصص بالشؤون التركية، وكاتبة هندية. على المائدة أربع لغات: العربية، والفرنسية، والهولندية، إضافة إلى الإنجليزية كلغة وسيطة، ركيكة في الأغلب. أيضًا، ثمة ثلاث لغات: البولندية (والتركية) والهندية يحتفظ بها أصحابها. بين اللبنانيين الكاتب فادي الطفيلي وزوجته الفنانة التشكيلية منيرة الصلح اللذان يعيشان في أمستردام ويُتقِنان اللغة الهولندية. الكاتبة الهولندية ديوك بوبينغا متخصصة بالأدب العربي، تدريسًا وترجمة. يحدث أني عشت في ليبيريا وعملت في الكويت، والكاتب الليبيري فامبا شريف الذي عاش في ليبيريا والكويت أيضًا يقول لي: «هذه المرة، اذهب أنت إلى هولندا ودعني أنا في بيروت، هكذا نكمل الدائرة». كان ترمب، المرشح للرئاسة الأميركية حينها هو نجم السهرة. القلق من الوجهة التي ستسلكها أوربا بعد أزمة المهاجرين والبريكست البريطاني يسيطر على الأحاديث. الكاتب الهولندي الشاب مارتين كنول يفاجئني بالسؤال عن حركة «بيروت مدينتي»؛ كيف له أن يعرف بتفصيل محلي للانتخابات البلدية في العاصمة اللبنانية؟ مآلات «الربيع العربي» والكوارث التي حلَّت بالشرق الأوسط تختلط بالكلام عن رحلتي إلى «غوا» في أثناء حديثي مع الكاتبة الهندية أوشا كونيغا راماسوامي. كنا نجلس على شرفة مطعم هو بالأساس منزل لبناني قديم بهندسة هجينة محلية وإيطالية وعناصر من العمارة الكولونيالية الفرنسية، نطل على خرائب بيوت حجرية باقية من زمن الحرب، وعلى برج سكني حديث يشبه تلك النابتة في دبي أو هونغ كونغ. «هوياتنا» مسيحية (كاثوليكية، بروتستانتية)، وإسلامية (سنية، وشيعية، ودرزية)، وهندوسية.. ومعظمنا على ما أظن علمانيُّو النزعة والقيم.
وعود ليبرالية
بهذا المعنى، كانت الطاولة نموذجًا صغيرًا عما حققته الوعود الليبرالية في العقدين الماضيين: عولمة في القيم والأفكار والمعلومات والحساسية الأخلاقية، وهي اليوم مهددة بارتدادات عنصرية وشوفينية وأنواع من رهاب الأجنبي والمختلف. المجموعة نفسها كانت في صباح اليوم ذاته قد تلاقت لأول مرة، داخل قاعة في الجامعة الأميركية ببيروت التي يعود تأسيسها إلى أكثر من 150 سنة. والمدهش أن اللقاء كان فرصة ليس للتعرف إلى هؤلاء الكتّاب الأجانب وحسب، بل أيضًا كي ألتقي لأول مرة الكاتبةَ اللبنانية حنان الشيخ التي تعيش في لندن، والكاتب اللبناني عيسى مخلوف المقيم في باريس، الذي لم ألتقِ به منذ عشرين عامًا. ربما هذا هو الأمر: نحن لا نتعرف إلى الآخرين بل إلى أنفسنا عبر الآخرين. هم أيضًا يفعلون ذلك. سرعان ما تجاهلنا خدمة الترجمة الفورية، طالما أننا عفويًّا رحنا نتداول عجينة لغاتنا، كما فعلت على نحو مبهج الكاتبة اللبنانية الفرانكفونية هيام يارد، وراحت عباراتها تتقافز بين عربية ركيكة وفرنسية راقية وإنجليزية متقنة. كذا كانت الكاتبة الهولندية ديوك بين عبارات عربية بلهجة مصرية وإنجليزية صافية.
أتينا للقاء تحت عنوان «طرق الحوار»، وكل منا لديه ما أسميه «أوراق اعتماد» كتلك التي يقدمها السفراء، أفكار جاهزة بنوايا جيدة، كأن نتلفظ بكلمات «الانفتاح» و«التسامح» و«التنوع» بوصفها عناوين للصواب السياسي والثقافي والأخلاقي الذي يتوجب علينا التقيد به. وهذا صحيح وحقيقي تقريبًا في عالم الكتّاب حول العالم، فالمثقفون اليمينيون واليساريون والليبراليون وما بين بين، بات لديهم «مرجعية» ما بعد الأيديولوجيات، إنسانوية إذا صح التعبير. وعلى هذا النحو، كنا في اللقاء الصباحي نردد كل هذا الذي نؤمن به، أي ترفّعنا على القوميات والفوارق الدينية والعرقية والثقافية، نحتفل باختلافاتنا بوصفها التنوع الإنساني ومصدرًا للغنى الثقافي.
خلال ثلاثين عامًا من تمرسي في العمل الصحافي والأدبي، غالبًا ما كان يتسم أي لقاء أوربي – عربي (شرق أوسطي تحديدًا) باستنفار سجاليّ، يضمر شعور التفوق من جهة وشعور الدونية من جهة أخرى، ويستحضر الماضي الاستعماري عند العرب، والخطاب الاعتذاري عند الأوربي (أو التبرؤ من التاريخ الإمبريالي)، عدا طبعًا منسوب الجهل بالآخر والأفكار النمطية ووطأة «مركزية الغرب» ومسألة الصراع العربي – الإسرائيلي.. إلخ. وكان أكثر ما يغيظ المثقفين العرب هو أنهم مطلعون على أبرز نتاجات الغرب الأدبية والفكرية والفنية، في حين –إذا استثنينا المستشرقين والمستعربين– لا دراية للكاتب الأوربي عمومًا بما ينتجه العالم العربي أدبًا وفنًّا وفكرًا. ويضاف إلى ذلك، التفاوت الاقتصادي واختلاف نمط العيش والسلوك والمظهر والتقاليد والأعراف الاجتماعية. كان هذا النوع من اللقاءات المغلفة بالدماثة تتسم بالنفور والتكاذب أو الجفاء أو الحذر الدبلوماسي. أظن أن ذلك تضاءَل إلى حد كبير، بزخم من حركتين كبيرتين حدثتا تحت جناح «العولمة»: حركة الفكر ما بعد الكولونيالية في الغرب، وحركة الفكر ما بعد القومية في العالم العربي. التقت الحركتان في منتصف الطريق، هناك عند تقاطع بروز نخبة ليبرالية عربية بعد عام 2000م، واستشراء «نقد الحداثة» في الغرب (ما بعد الحداثة).
عمليًّا، خلال العشرين سنة الماضية، ورغم الأحداث الاستثنائية (9 سبتمبر 2001م، غزو العراق، والإرهاب العالمي، والأزمة الاقتصادية.. إلخ)، أجد أن السفر والإنترنت خلقا عالَمًا شديد التواصل، وأحيانًا بسرعة أكبر من القدرة على الاستيعاب. وبعيدًا من السياحة عبر التكنولوجيا أو عبر المطارات، وبسبب الوقائع الثقيلة الوطأة، يمكن القول: إن منسوب الجهل بالإسلام وبالعرب بات أقل في الغرب، ومن جهة أخرى أصبح الغرب أكثر قربًا من العرب والمسلمين، ليس فقط بسبب جاليات المهاجرين، بل أيضًا بسبب التعليم وحركة الترجمة وسهولة التنقل والتلفزيونات الفضائية والإنترنت، وأدوات التواصل الفوري، والتعامل التجاري الواسع النطاق والمعاشرة شبه اليومية، إلى حد انتفاء المسافة على نحو أصاب الفزع أولئك الذين باتوا اليوم وبسبب هذا الفزع تحديدًا «جهاديين» انتحاريين. ويمكنني الادعاء أن أيديولوجيا الإرهاب الإسلامي ولدت من شعور حقيقي بأن الحدود انتفت مع الغرب، بالضبط كما حركات اليمين المتطرف في أوربا نهضت من شعور حقيقي بأن الحدود مع الشرق انتفت. ثمة حرص عند متطرفي جانبي الحدود على إرث الكراهية والعداء المتناسل ربما منذ الحروب الصليبية. هو ما أسميه حرصًا على «البقاء في التاريخ»، إعادة تدوير للماضي.
الأدب طريق إلى الحوار
أعود إلى ذاك الصباح في منتصف نوفمبر 2016م، في حضن الجامعة الأميركية ببيروت. كل منا يقدم نفسه ويتكلم عن أفضل سبيل لـ«الحوار»، أي تجسير العلاقة مع «الآخر». وبإيمان ثابت، الجميع تقريبًا يرى في الأدب، والقراءة، والفن.. طريقًا رحبًا وواضحًا لهذا الـ«حوار». شخصيًّا، أنتبه إلى أن الآخر هو مجرد ذريعة كي يحاور واحدنا نفسه، يكتشف ذاته أكثر. «الآخر» موجود طبعًا، لكنه بات أقل آخَروية بكثير مما كانه في الماضي. أقصد أن الآخر فقدَ اختلافه، فما من أحد أجنبي تمامًا، خصوصًا في الأدب. ذاكرتي الأدبية قائمة على قراءات معظم روايات أميركا اللاتينية. ما من رواية أميركية بارزة إلا وكلنا قرأناها (كل شعراء الولايات المتحدة منذ وولت ويتمان لهم حضورهم في القصيدة العربية الحديثة!). ويليام فوكنر هو الروائيّ المفضل عندي. الأدب الياباني ليس غريبًا ويمكننا أن نعدد 15 روائيًّا يابانيًّا نعرفهم مترجمين إلى أكثر من عشرين لغة على الأقل. نشأنا على قراءة نتاج الأدب الفرنسي، والألماني، والتشيكي، والروسي، والإسباني، بل حتى العلامات البارزة في الأدب الهندي والإفريقي والصيني.. إلخ. أقرأ في هذه الأيام رواية «فتيان الزنك» للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش.
ربما يجوز التحسر على الماضي حين كان ثمة «غريب» و«إكزوتيكي» و«أجنبي» ينبغي اكتشافه والتمتع بسحر الغرابة والتعجب والدهشة. كل هذا خسرناه. العالم بات أليفًا إلى درجة محبطة. ما من جغرافيا مجهولة بعد اليوم، وعلى الأرجح ما من «محلية» صافية. حين قَرَأَتِ الروائيةُ الهندية أوشا راماسوامي نصوصَها، تلقفنا على الفور وعلى نحو اعتيادي حيلتها الأدبية وأسلوبيتها ومصدر تخييلها ومسعاها في استثمار الإرث الديني والأسطوري في مواجهة الوقائع اليومية ومغزاها الدرامي. لم يكن «أجنبيًّا» نص مارتين كنول الكئيب، السينمائي النزعة، ومنحاه الوجودي الغارق بأرق الوحدة والجوع العاطفي والفردانية المعاصرة. شعرنا بألفة فائقة مع نص ويتولد جابلوسكي وهواجسه السياسية وسخريته اللاذعة، طالما أننا كأدباء من الشرق الأوسط لا نفعل سوى التفكير بالسياسة والسخرية ومقارعة الفساد واليأس. فامبا شريف، قرأ مقاطع من روايته، المكتوبة بأسلوب يتقاطع فيه الذاتي مع التاريخي، ونستوعب تمامًا تلك «المعلومات» التي يضمرها السرد ووجهة الحكاية. نعرف تمامًا أن مأزق الهوية هو الحافز والعصب في كتابته.. تمامًا كما في كتاباتنا. هكذا نحن جميعًا، أصبحنا أولاد «تقاليد» أدبية معولمة. إذًا، ما من «آخر» لكن مجرد مرايا متعددة لـ«أنا» مركَّبة، باتت معتادة حتى على مستوى اللغة. منذ اليوم الأول، لزم الأمر ساعة، ودردشات جانبية في استراحة القهوة، أو في أثناء الغداء، مستأنفين السجال «الرسمي» الذي دار في الجلسات، لا لكي نستعرض مهاراتنا الفكرية أو النقدية، لكن كي نوطِّد لحظات التواطؤ الشخصي ونحوِّلها إلى صداقة. هذا ما حدث لي مثلًا مع مارتين كنول، حينها رحنا باستمرار ننتحي جانبًا بالحديث، أو نختار الجلوس متجاورين. أو أن ننقسم في المساء إلى مجموعتين: مدخنين وغير مدخنين. وتصير هذه الصفة «حزبًا اجتماعيًّا». أو عندما ننتهي من يوم حافل بالجلسات والنقاشات والقراءات، وننقسم في سهرنا بين هواة «الكارايوكي» والنافرين منه.
عامل استيقاظ
أذكر أن إيمان حميدان، رئيسة جمعية القلم الثقافية في لبنان، حين راحت تشرح لي مشروع استضافة الكُتَّاب الأجانب في بيروت ضمن برنامج «طرق الحوار»، لم أكن مقتنعًا كفاية بالجدوى الثقافية منه. لكن، حدث في اليوم الثالث للنشاط، حين ذهبنا جميعنا إلى مدينة صور، وتحلَّق حولنا في منتدى المدينة جمعٌ غفير من الجمهور، من بينهم طبيب هندي وزوجته، وصاروا يناقشون الكاتبة الهندية والكاتب الهولندي، عبر الترجمة الفورية، انتبهت إلى «المعنى» من حضور «الضيوف الأجانب». إنهم عامل استيقاظ. ما أن يأتوا حتى نجتمع ونبدأ بالعمل الجماعي، ونتواطأ على الإصغاء وعلى تقديم أفضل ما عندنا ونشحذ همتنا، ونبرز ما نظنه فضائلنا. بوجودهم تسنَّى لي لأول مرة أن أصغي للشعراء اللبنانيين: فوزي يمّين، ومحمد ناصر الدين، وللكاتبات اللبنانيات: سحر مندور، وحنان الشيخ، وزينة الخليل، وهيام يارد. مرة أخرى: «الأجنبي» ذريعة للتعرف إلى «الذات». الأفضل من ألفة الكتّاب فيما بينهم، هي الألفة الفورية بين الجمهور والكُتَّاب الضيوف، خصوصًا في المدن خارج العاصمة: طرابلس، وبعلبك، وصور، وبعقلين.. ثم هناك في المدارس مع الطلاب. ربما التعليم المتعدد اللغات في لبنان (الفرنسية والإنجليزية والعربية) سهل الأمر كثيرًا، لكن ما نسمِّيه Pop culture «الثقافة الشعبية» (السينما، والتلفزيون، والموضة، الموسيقا..) لا تخلو من معرفة أدبية غير مباشرة، تسهم في توحيد الذائقة والمرجعية، وأحيانًا الخيال وطرائق التعبير وقاموس المجاز. تجربة الأسبوع من المعاشرة والقراءة ومشاركة الطعام والسجائر وتداول الأفكار.. منحت الكُتَّاب الضيوف معرفة حسية ومباشرة من تنويعات الأدب اللبناني، من الحياة اللبنانية. اكتسبوا دراية سياسية بالتعايش الصعب والمنازعات الخفية بين الجماعات والطوائف هنا، وهو ما قد يستثمرونه أيضًا في بلدانهم بمواجهة الأسئلة الملحَّة اليوم في أوربا إزاء مسألة الهجرة والتنوع الديني والتعصب العرقي أو القومي.
بالنسبة لي، كان مشهد روما عام 2007م، الذي ذكرته في البداية، يتوِّج إنجازات الزمن المبتدئ منذ انهيار جدار برلين. ومشهد بيروت 2016م، يشكِّل فِعل مقاومة ضد «تسونامي» الانعزالية المتفاقمة في كل مكان.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب
لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير...
جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو
كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في...
اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل
في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند...
0 تعليق