كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الصحافة المصرية تواجه «الأزمة» بالبحث عن «خلطة» تناسب القراء
لم يكن يحلو لكثير من الناس أن يتحرك إلا والجريدة مطوية تحت إبطه، كأنه يحمل رسالة من الوالي إلى أبنائه المنتظرين عودته في البيت. لم تكن الجريدة مجرد حصول على خبر، لكنها كانت انتماء، وكل حزب بما لديه سعيد، ولا يصدق الخبر إلا إذا كتب في جريدته المفضلة، وكانت أشهر اللقطات التي أبرزتها السينما للمخبر في أثناء عمله وهو جالس خلف الجريدة يتابع تحركات المجرم، في حين كان فلم «بياعة الجرائد» من أشهر كلاسيكيات السينما المصرية، وفيه غنت ماجدة الصباحي ليوسف شعبان أغنيتها الشهيرة «أهرام، أخبار، جمهورية».
كانت الصحف الورقية هي القوت اليومي للمواطن، ولا يمكن تصور رجل ينتمي للطبقة الوسطى لا يجلس على المقهى مطالعًا جريدته المفضلة. وكان نجيب محفوظ قبل الاعتداء عليه من متطرف ديني عام 1994م يذهب إلى مقهى «علي بابا» في ميدان التحرير في تمام السابعة صباحًا ليتناول فنجانه من البن ويطالع جرائد الصباح.
لكن هذا كله أصبح شيئًا من الماضي، فمع مطلع الألفية الجديدة تراجع دور الصحافة الورقية، ولم تعد مصدرًا لتقديم الخبر إلى القارئ، فقد سبقتها إليه القنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية على النت، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمنزلة نبض الشارع والحياة، هكذا حرمت الصحافة الورقية من ملايين الجنيهات التي كانت تتدفق عليها من الإعلانات، وتوقف قطاع كبير من القراء عن التعامل معها، وهو قطاع الشباب أو من هم دون الأربعين، هؤلاء الذين لم يدمنوا ملمس الورق ورائحة الحبر ومطالعة الجريدة الصباحية، هؤلاء الذين نشؤوا في عصر الستالايت والشبكة العنكبوتية والسمارت فون، فصرنا نسمع عن توقف جرائد عريقة كالسفير اللبنانية، والبديل المصرية، ونسمع عن توقف إصدارات في مؤسسات أكبر وأكثر عراقة مثل الأهرام والأخبار المصريتين، فما مستقبل الصحف الورقية؟ وهل هناك حلول لبقائها في المنافسة؟ أم أننا قد نستيقظ يومًا لنجد العالم وقد أصبح بغير جريدة الصباح وفنجان البن اللذين طالما تغنى بهما شعراء وكتاب ينتمون إلى بلدان ومدن عربية؟
عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية ومسؤولي الإعلام لم يقطع في الحديث حول نهاية قريبة محتملة للصحافة الورقية. وأدلى هؤلاء لـ«الفيصل» بشهادات مختلفة حول واقع الصحافة في مصر وفي الوطن العربي، وفقًا لعدد من المعطيات، ومع ذلك فإنهم أكدوا على أزمة كأداء تمرّ بها الصحافة العربية:
فهمي عنبة:
الصحافة الورقية مريضة لكن لن تموت
بلا شك تواجه الصحافة الورقية تحديات في العالم كله بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ووصول النت إلى معظم البيوت، فقد أصبحت المعلومات متاحة للجميع، والخبر يرد إليهم في وقته وربما آن حدوثه. لكن الصحافة الورقية تمرض ولا تموت، ولو تذكرنا ظهور الراديو، وما تردد وقيل وقتها عن موت الصحافة الورقية، وتكرار هذا الأمر مع ظهور التليفزيون ثم الفيديو، نتأكد أن الصحافة الورقية تمرض، أو تمر بأوقات ضعف مع ظهور أي تقنية أو وسيلة إعلامية جديدة، لكنها لا تموت، وإن كان مرضها هذه المرة قد يستغرق مدة أطول، أو أكثر قوة وشدة من أوقات مرضها مع ظهور الراديو والتليفزيون والفيديو. لكننا نراهن على أن متعة القراءة لا يساويها متعة، ومن ثم فعلى الصحافة أن تركز ليس على الخبر لكن على ما وراء الخبر، والنزول إلى الشارع حيث العمل الميداني، وإبراز الرأي أو ما يعرف بصحافة الرأي، وتقديم خدمات جديدة للقراء.
تبقى الصحافة الورقية الأرشيف القومي للشعوب، في حين المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي نجد جانبًا منها يقوم على الإشاعة أكثر من الحقيقة، وفكرة إثارة القراء وجذبهم، ثم العودة بعد دقائق لبثّ أخبار جديدة، من دون التأكد من صحة الخبر أو حقيقته، ومن ثم فالصحافة الرصينة سواء قومية أو حزبية أو خاصة، ستجد نفسها خارج الصندوق في وقت ما، لكنها سرعان ما ستعود بقوة حين يكتشف القارئ أن المواقع الإلكترونية لا تقدم له سوى هوس المتابعة الدائم، وعدم تقديم معرفة حقيقية في شيء. علينا أن نعترف أن خريطة الإعلانات تذهب في الدرجة الأولى الآن لبرامج «التوك شو» التي تستحوذ على ثلاثة أرباع المتاح من الإعلانات، يأتي بعدها المواقع الإلكترونية وهي متعددة وكثيرة، ثم إعلانات الشوارع التي أصبحت تغطي كل مكان، ثم الصحافة الورقية، ويمكننا الرهان في الحقبة المقبلة على أفكار مثل الصحافة الإقليمية أو المحلية أو ما يعرف بصحافة الكومباوند أو الأحياء المجاورة، هذا النوع يمكنه الاعتماد على إعلانات بسيطة وبأثمان زهيدة لكنها تغطي تكاليفه وتكفل له الاستمرار. وهناك نوع من الجرائد الخدمية حقق انتشارًا وتوزيعًا عاليًا كالوسيط القائم على الإعلانات فقط، إضافة إلى أننا في «الجمهورية» قدمنا تجديدًا في أبوابنا، فلدينا باب خاص بالمعاشات، وباب للعمال، ولدينا صفحات الفن والمسرح، ونقوم على العمل الميداني بالدرجة الأساسية حيث الجمهور وتحليل الخبر.
رئيس تحرير جريدة الجمهورية
محمد السيد صالح:
البحث عن دخل إضافي
توزيع الجرائد الورقية في مصر مُتَدَنٍّ جدًّا، وبعض الجرائد أغلق، كالتحرير والبديل وغيرهما، لكن الجرائد القومية لن تغلق، والجرائد الخاصة كالمصري اليوم تبحث عن بدائل جديدة، فهي تسعى لعمل معادلة في السعر والورق والبحث عن دخل إضافي من خلال الموقع، واستغلال إعلانات على النت والبحث عن مصادر للورق أرخص من المتاح. وهناك نوع ثالث من الجرائد، لا هو جرائد قومية مملوكة للدولة، ولا جرائد خاصة مملوكة لرجال أعمال، لكنها جرائد مموَّلة من جهات سيادية أو غير سيادية، هذا النوع في ظننا سيتحكم في مستقبل الصحافة الورقية، وهو نوع ليس موجودًا لا في الشرق ولا في الغرب، فالخليج به جرائد مملوكة للأمراء والأثرياء، وفي مصر أو غيرها جرائد خاصة أو قومية، الجرائد الخاصة إما أن تغلق أو أن تبحث عن عمل معادلة في الورق والإعلانات والثمن.
ثمة حلول أخرى على هامش هذه المعادلة، وهي اللجوء إلى نوع جديد من التوزيع الورقي، عبر إقامة شركات توزيع جديدة بديلة عن شركات التوزيع الحكومية التي تسيطر على السوق، والتفكير في صحافة الكومباوند أو المحيط السكني الصغير، هذه التجربة ليست موجودة لدينا، لكنها في أميركا والغرب ويمكن التفكير في إصدارها هنا. من المعروف أن الصحافة نوعان: صحافة خاصة يمتلكها أمراء أو رجال أعمال، وهذه تبحث عن مصادر أخرى للدخل وإقامة معادلة فيما يخص الإنفاق والعائد من التوزيع والإعلانات، وبعضها أمام الضغوط الاقتصادية أو السياسية يغلق، النوع الثاني هو الجرائد القومية التي لو رفعت الدولة يدها عنها فإنها ستغلق، لكنّ ثمة نوعًا ثالثًا ظهر في السوق مموَّل من جهات بعينها، لا يعنيه التوزيع ولا غيره، ولا تشغله الضغوط السياسية ولا الاقتصادية. هذا النوع نعتقد أن مستقبل الصحافة سيكون لصالحة، لأن تمويله قويّ، وأهدافه أن يكون موجودًا بغض النظر عن الضغوط السياسية التي قد تكون لصالح بعض وضد بعض، أو الضغوط الاقتصادية التي يعانيها الجميع الآن، بما فيها الجرائد القومية التي اضطرت إلى تخفيض بعض إصداراتها.
ما زال القارئ التقليدي الذي لم يرتبط بالسوشيال ميديا ومواقع النت مرتبطًا بالإصدارات الورقية من الجرائد، هذه التي يذهب إليها نحو 80% من الإعلانات. بعض الجرائد قامت بإنشاء مواقع إلكترونية أنفقت عليها الكثير؛ كي يعود البريق إلى الجريدة الورقية نفسها، وتستطيع المنافسة في سوق الإعلانات.
رئيس تحرير المصري اليوم.
عماد الدين حسين:
الحاجة إلى تحرير جديد وكُتاب جدد
هناك تحديات حقيقية تواجه الصحافة الورقية، السبب الأساس هو منافسة وسائل الاتصال وارتفاع أسعار الورق واستيراده، وتعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، إضافة إلى غياب أي تصور حقيقي للتطوير. والنتيجة أن عددًا من الصحف التي كانت توزع في السبعينيات بأعداد هائلة اختفت.
توجد أزمة حقيقية في المحتوى، وبخاصة مع ظهور الفضائيات والمواقع الإلكترونية، والصحف التي لن تستطيع في المستقبل أن تطور من أدائها وفكرتها وطرائق تواصلها ومحتواها، لن يكون لها فائدة. فلا بد من وجود حلول، والحلول الجوهرية تكمن في تقديم محتوى مختلف، فلم يعد مهمًّا أن تهتمّ بالخبر اليومي، فلا بد من تقديم محتوى مختلف يشتمل على حوارات وقصص وأمور ليست متاحة للـ«توك شو» على الفضائيات، وهذا بدوره يحتاج إلى نوعية جديدة من المحرِّرين والكُتاب والمفكِّرين، كما يحتاج إلى تدريب وإعادة تأهيل واكتساب لغات ومعارف جديدة.
رئيس تحرير الشروق
سامي حامد:
ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج
الصحافة الورقية تواجه في الوقت الحالي الكثير من التحديات، وبالتأكيد تأثرت سلبًا بعد انتشار المواقع الإخبارية الإلكترونية لكنها لم تمت ولن تموت، فالصحافة الورقية لها مذاق خاص ونكهة مختلفة عما تبثه المواقع الإلكترونية من أخبار وموضوعات. الصحافة الورقية في اختبار حقيقي اليوم؛ فإما أن تكون أو ﻻ تكون، وأرى أن الصحافة الورقية لكي تنجح في اﻻستمرارية عليها اﻻبتعاد بقدر الإمكان من العنصر الخبري، فالمواطن يحصل على الخبر في الحال سواء على الموبايل أو شاشات التلفاز وأجهزة الحاسب الآلي. عليها التركيز على ما بعد الخبر واﻻهتمام بالرأي والتقارير والتحليلات والقضايا سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وهناك تحدٍّ آخر يواجه الصحافة الورقية هو ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من ورق وأحبار وزنكات، وهو ما يستلزم في كثير من الأحيان خفض الكمية المطبوعة سواء كانت صحفًا أو مجلات.
رئيس تحرير جريدة المساء المصرية.
مجدي شندي:
وداعًا للتوزيع «المليوني»
اقتصاديات الصحافة الورقية تضررت كثيرًا؛ لأن هذه الصحافة فقدت وظيفتها وهي الإخبار، فقد أصبحت لدينا بدائل أكثر سرعة في نقل الخبر وتقديمه للمتلقي، كما أن أنماط القراءة وعاداتها اختلفت من القراءة الورقية إلى القراء على اللوح الضوئي، هذا هدَّد مستقبل الصحافة الورقية، وبخاصة من قطاعات الشباب؛ لأنه لا أحد منهم يُقبل على شراء الصحف الورقية، فأغلبهم يعتمد على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل انتظار خروج الصحف الورقية من المطابع، والسير مسافات لشرائها من بائعي الجرائد، عملًا من الماضي، نظرًا لوجود بدائل قوية تبث الخبر في آن حدوثه.
تضررت الصحافة الورقية، وهو أمر ليس خاصًّا بمصر وحدها، فهو متعلق بالثورة التكنولوجية التي أنتجت الفضائيات والمواقع الإلكترونية، وأصبح التوزيع المليوني للصحف الورقية جزءًا من الماضي؛ لأن قُرَّاء الصحف فيما فوق الأربعين وحدهم هم الذين اعتادوا على ملمس الورق ورائحة الحبر، كل الأجيال الجديدة الآن لم تَعتَدْ على ذلك، وليس لديها أدنى ارتباط نفسي مع الجريدة الورقية، وهذا ترك آثاره على الصحف الورقية في العالم كله. صحف عريقة في أوربا والولايات المتحدة تحوَّلت إلى الواقع الافتراضي، أما في مصر فربما يتأخر ذلك التحول قليلًا، وقد تأتي مجلات متخصصة في تفسير وتحليل الأحداث، ما يمكنها من التعايش مع الواقع الجديد، كي نشهد دورًا جديدًا للإعلام الورقي.
رئيس تحرير المشهد
المنشورات ذات الصلة
المرأة والنساء في ضوء دراسات الجندر
إذا كانت اللغة منزل الوجود كما قال هيدغر ذات مرة، فهذا يعني أنّ اللغة تكون قد سبقتنا دومًا إلى ما نعتزم التفكير فيه،...
المرأة العربية والكتابة الروائية
يـبدو زمـنًا بـعيدًا ذاك الـذي صدرت فيه نصوص تـدافع عن حق المرأة العربية في أن تـنال الاحترام والاعتراف بدورها الأساس...
الإبداع والنسوية والنقد
حاصرتني على مديات طويلة كتابات نقاد يحيلون كل ما تكتبه الكاتبات على أنه أدب نسوي، أو أدب نسائي، وأحيانًا يجنحون إلى...
0 تعليق