كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الصحافة الورقية صناعة انتهت
لا أعتقد أن على مسؤولي الصحافة الورقية فعل شيء، الأمر لم يعد بأيديهم حتى يفعلوا. هذه صناعة انتهت مثلما تنتهي كل الصناعات التي عشناها منذ اختراع المطبعة حتى الآن. القضية ليست خلافًا سياسيًّا أو فكريًّا أو عقائديًّا أو حتى تشجيعًا لفنان أو لكرة أو اصطفافًا مع قبيلة أو بلد. هذه قضية حول وسيلة كانت تستخدم بشكل كبير، ثم جاءت وسيلة أخرى لتحلّ محلّها. ما على القائمين على هذه الصحافة سوى الاتجاه إلى المستقبل.
أتذكر أنني كنت التقيت طبيبًا في نيويورك، قال لي حينها وهو يتحدث بفخر عن ابنه الذي يعمل صحافيًّا في نيويورك تايمز: إن الإعلام الحديث هو المستقبل، أجبته على عجل: إنه إعلام الحاضر الآن، شغلنا الشاغل هو: كيف هي أحلام إعلام الغد؟ ضحك الطبيب، وقال: هات قلبك أفحصه ليقول لك كم يومًا ستعيش لترى العالم الجديد غير هذا الذي تراه. تذكرت ذلك وهو يمارس الطريقة التقليدية المملّة في قياس الضغط والسكري والقلب.
قبل مدة كتبت تغريدة نقلًا عن حكمة صينية تقول: إذا أردت أن تسأل عن المستقبل فاذهب إلى طفل في الخامسة، ووجِّه له هذا السؤال. والحق أن المستقبل لا يصنعه إلا من سيصبح جزءًا منه وإلا كيف نفسر أن كل الأعمال الخارجة عن السؤال والجواب والاستفهام وعلامات التعجب قام بها شباب غضّ زاخر بالحياة؟ وكيف يمكن أن ننوب عن أمم تتابع شبكات التواصل الاجتماعي التي سيصبح عددها عام 2018م أكثر من مليارين ونصف المليار؟ لم تفعل الصحافة الورقية شيئًا خاطئًا لتؤول الأمور إلى ما آلت إليه، فهي فقط تعاملت مع عوائد الزمن؛ لذا فإنه من المستحيل الآن أن تعيد الكرة من جديد سوى من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية التي أصبحت ضرورة، وأصبح القارئ المستفيد هو الذي يتحكم في القبول من عدمه. الآن لا تستطيع أن تطور صحيفة وتجعلها كما كانت قبل خمسة عشر عامًا. معظم ما نراه الآن هو أن الصحف تتجه إلى وسائل الاتصال الاجتماعي وإلى تطوير نفسها بشكل جذري، كما نرى في واشنطن بوست التي ألغت طبعتها الورقية لكنها ناجحة في استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك عدد من الصحف في العالم اتجهت إلى هذا الاتجاه. وأعتقد أنه في المستقبل سيبدأ الإعلان نفسه بالعودة إلى الصحف من خلال اهتمامها بوسائل الاتصال الاجتماعي.
أتصور أن ليس هناك اختلاف كبير بالنسبة لما يحدث في الصحافة العربية أو الخليجية والسعودية، بالطبع هناك اختلاف في موضوع الإمكانات المادية، فصحف الخليج تتمتع بإمكانات مادية، ولكنها كثيرة جدًّا أكثر من اللازم، فيجب اختصارها بشكل كبير. وعندما تذهب إلى الصحف العربية تجد الشيء نفسه، هناك صحف تصدر بلا هدف، ومن دون قارئ؛ لأنها إما مملوكة لشخص يقول: إن عنده جريدة أو مملوكة لبعض الأجهزة التي تريد أن تعبر عن نفسها، ولكنها في الوقت نفسه ليست قادرة على تقديم محتوى جيد.
الصحف العربية متشابهة بصرف النظر عن قدراتها المادية، والتشابه موجود في رئيس تحريرها وفي مراقبها وفي السياسة التي توجهها كما تريد. ويصدق ما قلته عن الصحف السعودية على صحف دول الخليج، وهي أن هناك كثرة في أسماء الصحف والصحافيين، لكنها تحتاج إلى الكيفية والنوعية، لدينا أكثر من عشر صحف يومية لقراء لا يتجاوز عددهم مئتي ألف، في حين تجد أن القراء في بريطانيا بالملايين، وتجد صحفهم اليومية الوطنية قليلة جدًّا قياسًا بعدد الصحف الموجودة سواء في العالم العربي أو في الخليج والسعودية.
المعضلة الكبرى أن معظم الصحف الخليجية والسعودية، ومعظم المشاريع الإعلامية لا تقوم على قواعد اقتصادية، أو على استطلاع حقيقي للقراء. إنها تصدر بقرار، ولذلك فإن هذا القرار قد لا يستطيع أن يصل إلى السوق.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق