كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الصحافة الورقية في زمن متغير موت غير معلن
تنشغل أروقة الصحافة منذ سنوات بنقاشات معلنة وأخرى خفية، يدور معظمها حول مستقبل المؤسسات الصحافية كبيرها وصغيرها، ومع انبلاج فجر الهواتف الذكية والإعلام الاجتماعي ووقوع أولى الضحايا الصحافية بدأت القصص في المكاتب المغلقة تتحول إلى مقالات وتقارير، ثم صارت نداءات واستغاثات، أعقبها إغلاق مؤسسات صحافية أبوابها، ثم توقف مطابع صحافية عريقة عن الهدير، حيث لم تعد رائحة الحبر تُشَمّ، ولا أحد ينتظر مانشيت صفحةٍ أولى، أو يفكر بعمود في الأخيرة.
هكذا فجأة انتهت الحوارات الخجولة حول المستقبل المهني وتحولت التنبؤات الشعرية في الغد المجهول ومغامرات الصحافيين في الميادين؛ إلى حقيقة مُرة…
الصحيفة لم يعد لديها معلن ولا قراء.. والمموّل والداعم رحل إلى وسائل أخرى، وقرار الاستغناء عن الصحافي والصحيفة لم تستغرق كتابته سوى ثوانٍ عبر هاتف محمول.
هذه حقيقة دهمت صحفًا دولية وصحفًا عربية. ارتبكت لأول وهلة. ارتدت زيًّا ورقيًّا جديدًا. تعثّرت.صدرت إلكترونية. عادت ورقية وإلكترونية. راهنت على الموقع. ثم غابت إلى الأبد.
واليومَ للقارئ الذي كانت الصحف تخطب ودّه أن يختار أو يحتار. أن يؤكد أو ينفي، له أن يقول: إنه يحب صحيفته اليومية مع فنجان الصباح كما تعوّد، وله أن يقول: إن صحيفته أو صحفه وأخباره العاجلة في جيبه، له أن يشارك الصحافيين الأمل بعمر مديد، وله أيضًا أن يكبّر على الصحافة أربعًا.
ولك أيها القارئ أن تختار معسكرك بين الورقيين أو الإلكترونيين، أن تتفاءل بتجربة الواشنطن بوست الأميركية التي جددت نفسها، وما زالت تهدد الرؤساء منذ ووترغيت/ نيكسون حتى روسيا/ ترمب، أو تلتفت إلى صحيفة السفير اللبنانية ووداعها المرير بعد أكثر من أربعة عقود صاخبة.
أهو احتضار بطيء سرعان ما سيتكشّف عن حقيقة الموت المؤجل؟ أم هو «قصة موت معلن» كما يختار صحافي من روايات ماركيز، أم أن الصحافة تبدو آفلة لكن بانتظار تجددها وانبعاثها بشكل جديد، أم هي «عقلية الورق» التي يجب القفز فوقها إلى عصر الشاشات الصغيرة؟
هذا ما تضعه «الفيصل» بين أيدي قرائها في ملف هذا العدد، وبأقلام الصحافيين العرب أنفسهم.. ستطالع في هذا الملف آراء متنوعة، وكثيرًا ما ستجد بعضها ينقض بعضًا، هذا هو واقع الصحافة العربية اليوم، إنه مفترق طرق، بين عهد السيادة والمانشيتات والزوايا والأعمدة وتحريك الشارع، وواقع البوست المؤثر والتغريدة الصاخبة والخبر العاجل الذي لا يحتاج صياغة ولا تدقيقًا ولا حبرًا ولا مطبعة.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق