المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

نهاية الجغرافيا أم نظرية المؤامرة؟

بواسطة | مارس 17, 2016 | مقالات

مقدمة:

في‭ ‬مؤتمر‭ ‬للاستخبارات‭ ‬نظمته‭ ‬جامعة‭ ‬جورج‭ ‬تاون‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي؛‭ ‬قال‭ ‬‮«‬برنار‭ ‬باجوليه‮»‬‭ ‬مدير‭ ‬الأمن‭ ‬الخارجي‭ ‬الفرنسي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‮»‬‭ ‬جازمًا‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬لن‭ ‬يستعيدا‭ ‬حدودهما‭ ‬السابقة‮»‬‭ ‬ووافقه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬جون‭ ‬برينان‮»‬‭ ‬مدير‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأميركية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬صعوبة‭ ‬عودة‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭ ‬إلى‭ ‬حدودهما‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

والمراقب‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬يجدها‭ ‬تغيَّرت‭ ‬فعلًا‭ ‬تغيُّرًا‭ ‬جغرافيًّا،‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬تغيُّر‭ ‬حُسم‭ ‬باستفتاء‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬انفصال‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مناطق‭ ‬مشتعلة‭ ‬أخرى،‭ ‬فدولة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ (‬داعش‭) ‬ألغت‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الرقة‭ ‬والموصل،‭ ‬وهي‭ ‬تتمدد‭ ‬وتنكمش‭ ‬وفقًا‭ ‬لمتغيرات‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬يومية،‭ ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬تعلن‭ ‬ولايات‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سيناء،‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬درنة‭ ‬إلى‭ ‬سرت‭. ‬

هناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الدولة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق،‭ ‬وتتشكل‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬أما‭ ‬اليمن‭ ‬فلا‭ ‬يُعرَف‭ ‬هل‭ ‬ستفضي‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬يمن‭ ‬موحَّد‭ ‬أم‭ ‬مقسَّم‭ ‬شطرين‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬استعادة‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬اتفاقية‭ ‬‮«‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1916م‭ ‬مادة‭ ‬مفضلة‭ ‬للمحللين‭ ‬الإستراتيجيين،‭ ‬وكان‭ ‬مثقفون‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬بوصفه‭ ‬ضربًا‭ ‬من‭ ‬التكلف‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬لمعطيات‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬استقرت‭ ‬عليه‭ ‬الدول‭ ‬وحدودها‭.‬

واليوم‭ ‬يمر‭ ‬قرابة‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬‮«‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭ ‬ومازال‭ ‬الجدل‭ ‬يتجدد‭ ‬حول‭ ‬الحدود‭ ‬العربية‭ ‬وجغرافيا‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تستقر؛‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الفيصل‮»‬‭ ‬طرحت‭ ‬على‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والكتاب‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭: ‬

‮ ‬هل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بصدد‭ ‬تحول‭ ‬جغرافي‭ ‬كبير؛‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬الحدود،‭ ‬وتذوب‭ ‬فيه‭ ‬دول،‭ ‬وتنشأ‭ ‬أخرى؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية‭ ‬ستأخذ‭ ‬زمنها‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تخلف‭ ‬أثرًا؟‭ ‬أحقًّا‭ ‬تغيرت‭ ‬خارطة‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬للأبد؟‭ ‬ما‭ ‬دور‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والقوى‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬وما‭ ‬دور‭ ‬التنظيمات‭ ‬والميليشيات؟


تغيير الحدود لن يتوقف عند حدود

 A.alrashid

منذ‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬والموضوع‭ ‬المفضَّل‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬هو‭ ‬التنبُّؤ‭ ‬بمؤامرات‭ ‬حول‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬الحدود،‭ ‬وتغيير‭ ‬أنظمة‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وقد‭ ‬غذاها‭ ‬تغير‭ ‬الأحلاف‭ ‬الدولية؛‭ ‬بسقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتيّ،‭ ‬وتوحُّد‭ ‬أوربا،‭ ‬وظهور‭ ‬مفهوم‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬لدى‭ ‬مُنَظّري‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرِّف‭ ‬الأميركيّ. ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬الفريق‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬برنامج‭ ‬تغيير‭ ‬خريطة‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبدأ‭ ‬فعليًّا‭ ‬في‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬هو‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش؛‭ ‬ففي‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬إبريل‭ ‬عام ‭‬2013م‭ ‬أعلن‭ ‬أبو بكر‭ ‬البغداديُّ‭ ‬توسيعَ‭ ‬مملكته‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محصورةً‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬العراق،‭ ‬وضَمَّ‭ ‬إليها‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬جبهة‭ ‬النصرة‮»‬‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وأعاد‭ ‬تسمية‭ ‬منظَّمته‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الخُطبة‭ ‬نفسها‭ ‬رفض‭ ‬ما‭ ‬سمَّاه‭ ‬بالحدود‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية. ‬ولاحقًا‭ ‬نصَّبَ‭ ‬البغداديُّ‭ ‬نفسَه‭ ‬خليفةً،‭ ‬وأعلن‭ ‬قيام‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حدودَ‭ ‬لها،‭ ‬واستولى‭ ‬مقاتِلوه‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬حدودية‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا؛‭ ‬لهذه‭ ‬الأسباب؛‭ ‬أي: ‬كَشْف‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬عن‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬والغزو،‭ ‬وإلغاء‭ ‬الحدود‭ ‬المرسومة،‭ ‬ومهاجمة‭ ‬الغرب؛‭ ‬صار‭ ‬التنظيمُ‭ ‬مستهدَفًا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬تحالفيْنِ‭ ‬عسكريينِ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة: ‬الأميركيّ‭ ‬والروسيّ‭.‬

‮«‬داعش‮»‬‭ ‬حركة‭ ‬تدمير‭ ‬لا‭ ‬بناء،‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬تغيير‭ ‬منطقتها. ‬دَعُوا عنكم قُدرتها‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬العالم. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬لو‭ ‬هُزمت‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬وقُضِيَ‭ ‬عليها،‮ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نجزم‭ ‬بأن‭ ‬المشهد‭ ‬القديم‭ ‬لمنطقتنا‭ ‬سيظلُّ‭ ‬كما‭ ‬هو‭.‬

بوصفي‭ ‬أحد‭ ‬المهتمين‭ ‬بشؤون‭ ‬المنطقة‭ ‬وتحوُّلاتها،‭ ‬أُتابِع‭ ‬منذ‭ ‬زمنٍ‮ ‬أطروحاتِ‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المنطقة. ‬ومع‭ ‬أني‭ ‬أنبذ‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬تُفسّر‭ ‬الأحداث‭ ‬وَفْقَ‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬فإنني‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬جوهر‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هو‭ ‬الرغبة‭ ‬في‮ ‬التغيير،‭ ‬بالتوسع‭ ‬والهيمنة. ‬وقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬درجة‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مؤامرة‭ ‬دولية‭ ‬تُحَاكُ‭ ‬لإعادة‭ ‬تقسيم‭ ‬المنطقة؛‭ ‬بسبب حروب‭ ‬العراق،‭ ‬وسوريا،‭ ‬واليمن،‭ ‬وليبيا. ‬لكن‭ ‬تفكيك هذه‭ ‬الدول‭ ‬المضطربة‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مؤامرة؛‭ ‬لأنها شبه‭ ‬منهارة‭ ‬ومفككة‭.‬

جغرافيًّا،‭ ‬تتجاوز‭ ‬نظرية‭ ‬تغيير‭ ‬الحدود‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬حزام‭ ‬دُوَل‭ ‬الثَّوْرات،‭ ‬إلى‭ ‬الدُّوَل‭ ‬المستقرَّة؛‭ ‬مثل: ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ومصر. ‬وهذه‭ ‬الأطروحات‭ ‬التي‭ ‬شاعت‭ ‬مؤخَّرًا،‭ ‬في‭ ‬رأيي،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬محضَ‭ ‬مخاوِفَ‭ ‬بواعثُها‭ ‬الفوضى‭ ‬المنتشرة،‭ ‬وتزايد‭ ‬تدخُّلات‭ ‬قوتيْنِ‭ ‬إقليميتيْنِ؛‭ ‬هما: ‬إيران‭ ‬وتركيا. ‬وربما‭ ‬الشائعات‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬أجهزة الدعاية‭ ‬المعادية‭ ‬المنتشرة،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬سهولة‭ ‬استخدام‭ ‬ميديا‭ ‬التواصل،‭ ‬تقوم‭ ‬بتدوير‭ ‬أحاديث‭ ‬المؤامرة؛‭ ‬لهدف‭ ‬بثّ‭ ‬الشكوك‭ ‬والمخاوف. ‬الحقيقة‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬ليست‭ ‬نتاج‭ ‬مؤامرات؛‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬الأنظمة‭ ‬للأزمات؛‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬عندما‭ ‬لجأ‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬القسوة‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مظاهرة‭ ‬صغيرة،‭ ‬التي‭ ‬تحوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬تمرُّد‭ ‬واسع،‭ ‬ثم‭ ‬ثورة‭ ‬ضدّ‭ ‬نظام‭ ‬الحكم. ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الكويت‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬جوهريًّا‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬نظامه‭ ‬وغزو‭ ‬العراق‭ ‬لاحقًا‭.‬‮ ‬

لسنوات،‭ ‬حرصتُ‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬الدراسات‭ ‬الجادَّة‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬التحولات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وكثير‭ ‬منها‭ ‬تَنبَّأ بأن‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لن‭ ‬تبقى‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬حدودها‭ ‬اليوم،‭ ‬لكنَّ‭ ‬قليلًا‭ ‬صار‭ ‬وتغيَّرَ‭.‬

state-of-unionالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬البترولية‭ ‬السعودية

لعلَّ‭ ‬أقرب‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬واشنطن في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬عام ‭‬2002م،‭ ‬بعد تسعة‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬التي‭ ‬عُدَّتْ‭ ‬أكبرَ‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأميركية‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬عُقِدَ‭ ‬اجتماع‭ ‬مُغلَق‭ ‬لمجلس‭ ‬السياسة‭ ‬الدفاعية‭ ‬The Defense Policy Board‭ ‬في‭ ‬البنتاغون،‭ ‬شاركت‭ ‬فيه‭ ‬24‭ ‬شخصيةً‭ ‬مهمةً‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش،‭ ‬ومكتب‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬ديك‭ ‬تشيني،‭ ‬وجَمْع‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭ ‬والاستخبارات‭ ‬السابقين‭ ‬أيضًا. ‬الاجتماع‭ ‬خُصِّص‭ ‬لتدارس‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بعد‭ ‬تورُّط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬واتُّهمت‭ ‬بأنها‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬فِكْر‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬وتمويله‭ ‬والدعاية‭ ‬له‭. ‬وتولَّى‭ ‬محلل‭ ‬فرنسيّ‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬راند‮»‬،‭ ‬يُدعَى‭ ‬لوران‭ ‬موراويك ‭ ‬Laurent Murawiec،‭ ‬ تقديم‭ ‬دراسة‭ ‬ومشروع‭ ‬ضدّ‭ ‬السعودية. ‬العرض‭ ‬المُقترَح‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬البترولية‭ ‬السعودية،‭ ‬بوصفها‭ ‬دولةً‭ ‬عَدُوًّا‭ ‬تُهدِّد‭ ‬أمْن‭ ‬أميركا‭ ‬والعالم. ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬أحدًا‭ ‬لم‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬والفكرة‭ ‬سوى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق،‭ ‬هنري‭ ‬كيسنغر،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬للمجتمعين: ‬صحيح‭ ‬لدينا‭ ‬مشكلة‭ ‬مع‭ ‬السعودية،‭ ‬لكن‭ ‬السعودية‭ ‬دولة‭ ‬صديقة،‭ ‬وليست‭ ‬عدوًّا‭.‬‮ ‬

لم‭ ‬يعرف‭ ‬أحدٌ‭ ‬خارج‭ ‬الدائرة‭ ‬الخاصة‭ ‬حقيقةَ‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬إلَّا‭ ‬بعد‭ ‬شهر،‭ ‬عندما‭ ‬نُشِر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الجادة. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬للسفارة‭ ‬السعودية،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬العصيبة،‭ ‬دورًا‭ ‬مُهمًّا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجناح‭ ‬المتطرِّف‭ ‬المُعادِي‭ ‬المملكة‭ ‬داخل‭ ‬إدارة‭ ‬بوش،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الرئيس‭ ‬بوجهة‭ ‬نظرها،‭ ‬وللأمير‭ ‬بندر‭ ‬بن‭ ‬سلطان،‭ ‬سفير‭ ‬المملكة‭ ‬حينها،‭ ‬تعليق‭ ‬معبّر‭ ‬عندما‭ ‬سألتْه‭ ‬الصحافة‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬بلاده‭ ‬مما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬الاجتماع؛‭ ‬إذ‭ ‬أجاب: ‬‮«‬ترديد‭ ‬الأكاذيب‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬حقائق‮»‬‭.‬‮ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬بوش‭ ‬ظلَّت‭ ‬صديقةً‭ ‬للسعودية،‭ ‬لكن‭ ‬استمرَّت‭ ‬الحملة‭ ‬المعادية‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬وازدادت‭ ‬الشكوك‭ ‬داخل‭ ‬السعودية‭ ‬من‭ ‬النوايا‭ ‬الأميركية‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬عام‭‬2003م. ‬

الحديث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬يتمحور‭ ‬في‭ ‬بلدين: ‬العراق‭ ‬وسوريا؛‭ ‬إذ‭ ‬صار‭ ‬كثيرون‭ ‬مقتنعين‭ ‬أن‭ ‬الجَرَّةَ‭ ‬قد‭ ‬كُسِرتْ،‭ ‬وأننا‭ ‬لن‭ ‬نشهد‭ ‬عودة‭ ‬البلدين‭ ‬إلى‭ ‬حدودهما‭ ‬على‭ ‬الخريطة. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬فَتَحَ‭ ‬موضوعَ‭ ‬تبدُّل‭ ‬الحدود‭ ‬والخرائط،‭ ‬مراسلُ‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬حينها‭ ‬روبرت‭ ‬وورث،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يونيو‭ ‬عام ‭‬2014م. ‬وقد‭ ‬أثارت‭ ‬الخريطة‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬تقريره‭ ‬انتباهًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬منطقتنا،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬وورث‭ ‬لم‭ ‬ينقل‭ ‬شيئًا‭ ‬رسميًّا‭ ‬يؤكّد‭ ‬تفكيك‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬سوريا،‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قناعةً‭ ‬بأن‭ ‬الانفصال‭ ‬حاصل‭ ‬كأمر‭ ‬واقع،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق. ‬وقد‭ ‬اتصلتُ‭ ‬بوورث‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬واستطلعتُ‭ ‬رأيَه،‭ ‬فقال: ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الإقليم‭ ‬الكُرديَّ‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أكثر‭ ‬حظًّا‭ ‬في‭ ‬الانفصال،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬تفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬أمر‭ ‬صعب‭ ‬ومعقَّد‭ ‬جدًّا،‭ ‬وأن‭ ‬الخيارات‭ ‬المقبولة‭ ‬والبديلة‭ ‬هي‭ ‬منح‭ ‬الأقاليم‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬الإدارية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المركز‭.‬‮ ‬

كيف‭ ‬سيبدو‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟

سبق‭ ‬لمجلة‭ ‬أتلانتيك‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬اختارت‭ ‬لغلافها‭ ‬موضوعًا‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬خرائط‭ ‬أغلبية‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006م‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬بَرَّاق: ‬‮«‬بعد‭ ‬العراق‭: ‬كيف‭ ‬سيبدو‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محض‭ ‬اجتهاد‭ ‬شخصيّ‭ ‬من‭ ‬الكاتب‭ ‬جيفري‭ ‬غولدبيرغ،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬وكرر‭ ‬الحديث‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬عن‭ ‬الخريطة‭ ‬التي‭ ‬رُسِمتْ‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تبقى‭.‬‮ ‬

وقد‭ ‬كتب‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬خاصة،‭ ‬بإعادة‭ ‬رسم‭ ‬خريطته‭ ‬وتفكيكه،‭ ‬وهذه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬نظرية‭ ‬مؤامرة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬طَرْح‭ ‬علنيٌّ،‭ ‬سبق‭ ‬أن قُدِّمَ‭ ‬مشروعًا‭ ‬من‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬سيناتورًا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬عام ‭‬2006م‭. ‬بايدن‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬دول: ‬كُردية،‭ ‬وسُنِّيَّة،‭ ‬وشيعية؛‭ ‬ليكون‭ ‬مثل‭ ‬يوغسلافيا،‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬تفكيكُها؛‭ ‬لوقف‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬إثنياتها‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬دايتون. ‬إنما‭ ‬كل‭ ‬الإدارات‭ ‬الأميركية‭ ‬السابقة‭ ‬والمتعاقبة: ‬بيل‭ ‬كلينتون،‭ ‬ودبليو‭ ‬بوش،‭ ‬والحالية‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬الْتزمتْ‭ ‬بعراق‭ ‬موحَّد. ‬والسبب‭ ‬الأول‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬تأسيس‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وثانيًا‭ ‬هناك‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬تغيير‭ ‬الخرائط‭ ‬وعواقبها‭ ‬على‭ ‬المنطقة. ‬وعند‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬إيران،‭ ‬ليست‭ ‬متحمسةً،‭ ‬بخلاف‭ ‬بعض‭ ‬قيادات‭ ‬العراق‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬التقسيم؛‭ ‬لأنه‭ ‬يعطيها‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬بثروة‭ ‬كبيرة،‭ ‬إلَّا‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬مثل‭ ‬تركيا،‭ ‬تخاف‭ ‬تبعاتِ‭ ‬مَنْح‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ ‬استقلالَه؛‭ ‬خشيةَ‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لأكراد‭ ‬إيران،‭ ‬وتعدادهم‭ ‬ثمانية‭ ‬ملايين،‭ ‬فيطالبوا‭ ‬لاحقًا‭ ‬باستقلالهم،‭ ‬ويهدّد‭ ‬وَحْدَة‭ ‬إيران‭ ‬المكوّنة‭ ‬من‭ ‬إثنيات‭ ‬ستطالب‭ ‬بالحقّ‭ ‬نفسه‭. ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬إيران  -‬أيضًا- ‬دولةً‭ ‬سُنية‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬العراق؛‭ ‬لأنها‭ ‬ستظلّ‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد‭ ‬لبغداد‭ ‬وبقية‭ ‬الجنوب. ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬فإن‭ ‬مصلحة‭ ‬الجميع،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬نواياهم،‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬ربما‭ ‬باستثناء‭ ‬كردستان‭ ‬العراق،‭ ‬وقد‭ ‬عبَّر‭ ‬الرئيس‭ ‬الكرديّ‭ ‬مسعود‭ ‬بارزاني‭ ‬عن‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان‭.‬‮ ‬

ولنتذكر‭ ‬أن‭ ‬الحدود‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ليست‭ ‬محلَّ‭ ‬رضا‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬لكنها‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬جرى‭ ‬تثبيته. ‬ومهم‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدوليّ،‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬ترسيخها،‭ ‬ورفض‭ ‬تغييرها؛‭ ‬لتجنُّب‭ ‬الفوضى‭ ‬والحروب. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السياسة،‭ ‬فإن‭ ‬العالَم‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬مطابقًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬عام ‭‬1945م؛‭ ‬إذ‭ ‬انفصلت‭ ‬باكستان‭ ‬عن‭ ‬الهند،‭ ‬ثم‭ ‬انفصلت‭ ‬بنغلاديش‭ ‬عن‭ ‬باكستان،‭ ‬وقُسِّمت‭ ‬إثيوبيا‭ ‬ويوغسلافيا‭ ‬والسودان،‭ ‬وبالطبع‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتيّ‭ ‬التي‭ ‬استقلّت،‭ ‬وبقيت‭ ‬معظم‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬مثلما‭ ‬رُسمتْ‭ ‬من‭ ‬قبلُ‭. ‬

أشهر‭ ‬اتفاقية‭ ‬سِرية

لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحدُّث‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬والخرائط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أُدلي،‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬الزملاء،‭ ‬برأيي‭ ‬في‭ ‬أَشْهَر‭ ‬اتفاقية‭ ‬سرية‭ ‬رَسمتْ‭ ‬خطوطَ‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر؛‭ ‬أعني‭ ‬اتفاق‭ ‬الدبلوماسييْنِ‭ ‬البريطانيّ‭ ‬والفرنسيّ: ‬سايكس‭ ‬وبيكو‭. ‬فالاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬وقّعت‭ ‬قبل‭ ‬مئة‭ ‬عام،‭ ‬رسمت‭ ‬حدود‭ ‬منطقة‭ ‬الشمال‭ ‬العربيّ. ‬ومع‭ ‬احترامي‭ ‬مَن‭ ‬يُعلّق‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتعرَّفَ‭ ‬العالَمَ‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬تقسيم‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بالمعنى‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬اليوم. ‬وخريطة‭ ‬عراق‭ ‬الأمس‭ ‬ليست‭ ‬مثل‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬الآن،‭ ‬ولا‭ ‬سوريا. ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الضحية؛‭ ‬لأنها‭ ‬مُنِحتْ‭ ‬اليهودَ‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭.‬‮ ‬

middle-eastلا‭ ‬يَعْني‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ظُلم‭ ‬لَحِق‭ ‬عربَ‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين،‭ ‬إنما‭ ‬أَتحدَّث‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬الحدود. ‬فالعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬كانا‭ ‬يخضعان‭ ‬لحكم‭ ‬الأتراك،‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬البلدان‭ ‬يخضعان‭ ‬لحكم‭ ‬التاج‭ ‬البريطانيّ‭ ‬وفرنسا. ‬والبريطانيون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أَسَّسوا‭ ‬دولة‭ ‬العراق‭ ‬الحديثة،‭ ‬بتوسيع‭ ‬حدودها،‭ ‬وضمُّوا‭ ‬إليها‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الأكراد‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬العربية. ‬والبريطانيون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬وسَّعُوا‭ ‬مساحة‭ ‬السودان‭ ‬العربيّ،‭ ‬بضم‭ ‬الجنوب‭ ‬إليه،‭ ‬بإثنياته‭ ‬المختلفة‭ ‬عرقيًّا‭ ‬ودينيًّا‭.‬A.alrashid3

وعندما‭ ‬نضع‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬في‭ ‬منظورها‭ ‬التاريخيّ؛‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬العالَم‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬ننظر‭ ‬إليه‭ ‬اليوم،‭ ‬فالفرنسيون‭ ‬والبريطانيون‭ ‬تقاسَموا‭ ‬تركة‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬مثلما‭ ‬تقاسموا‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى؛‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬حتى‭ ‬المغرب‭ ‬وبقية‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭.‬ وتصارعت‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية؛‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬الصدام‭ ‬بينها‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية‭ ‬نفسها،‭ ‬وانفجر‭ ‬لاحقًا‭ ‬كحرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثانية،‭ ‬وتسبَّب‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل‭ ‬والدماء‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬أوربا،‭ ‬ومعها‭ ‬انتهى‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستعماريّ،‭ ‬وتحوَّل‭ ‬معظم‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬بحدود‭ ‬مرسومة‭ ‬ودائمة. ‬واتفقت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬المحافظة،‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬القديمة‭ ‬مثلما‭ ‬هي،‭ ‬بعد‭ ‬حسم‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬خلافات‭ ‬الحدود‭ ‬كثيرة،‭ ‬فإن‭ ‬حروبها‭ ‬قليلة،‭ ‬وقد‭ ‬تعايشت‭ ‬معظم‭ ‬الأمم‭ ‬معها؛‭ ‬طلبًا‭ ‬للسلم‭ ‬والاستقرار. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدعوات‭ ‬الانفصالية‭ ‬لم‭ ‬تَجدْ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬التعاطف،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مسوَّغةً؛‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬عَدْوَاها؛‭ ‬إذ‭ ‬توجد‭ ‬ميول‭ ‬انفصالية‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬أغلبية‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬مثلما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وغيرهما‭.‬‮ ‬


تصدّع العراق وسوريا  خطر مرشَّح للتعميم عربيًّا

Bdrkhanطرحت‭ ‬الأحداث‭ ‬المتلاحقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬جملة‭ ‬إشكاليات‭ ‬تتعلَّق‭ ‬أولًا‭ ‬بتعايش‭ ‬مكوِّنات‭ ‬المجتمعات‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬بلدانها،‭ ‬وثانيًا‭ ‬باستهدافات‭ ‬القُوى‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وطبيعة‭ ‬روابطها‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المكوّنات. ‬وما‭ ‬بدأ‭ ‬كحراكات‭ ‬داخلية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬أوضاع‭ ‬الحكم‭ ‬وحقوق‭ ‬الجماعات،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انزلق؛‭ ‬إمّا‭ ‬بصراعات‭ ‬دامية،‭ ‬أو‭ ‬بانقسامات‭ ‬عمودية. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬شهد‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬تمزُّقات‭ ‬عميقة؛‭ ‬أظهرت‭ ‬بدورها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنه‭ ‬تعايش‭ ‬سلميّ‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هُدنة‭ ‬انتظار‭ ‬أيّ‭ ‬فرصة‭ ‬تسنح‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع،‭ ‬ليس‭ ‬سياسيًّا‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬جغرافيًّا‭ ‬أيضًا‭.‬

إن‭ ‬الإخفاق‭ ‬التاريخيّ‭ ‬الكبير‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬هذا‭ ‬التعايش‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة،‭ ‬دولة‭ ‬لجميع‭ ‬أبنائها،‭ ‬تعاملهم‭ ‬بمعايير‭ ‬مُواطَنة‭ ‬واحدة،‭ ‬وتعترف‭ ‬بمساواتهم‭ ‬بموجب‭ ‬القوانين. ‬أدَّى‭ ‬هذا‭ ‬الإخفاق‭ ‬إلى‭ ‬هشاشة‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬والولاء،‭ ‬وإلى‭ ‬داء‭ ‬عُضَال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أوصال‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬يَكُن‭ ‬العامل‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الدور‭ ‬الأميركيّ،‭ ‬عنصرًا‭ ‬مساعدًا‭ ‬في‭ ‬تدعيم‭ ‬السلم‭ ‬الأهليّ،‭ ‬إنما‭ ‬اشتغل‭ ‬كالعادة‭ ‬على‭ ‬التناقضات‭ ‬الداخلية‭ ‬لأيّ‭ ‬بلد،‭ ‬داعمًا‭ ‬الأنظمة؛‭ ‬لأنها‭ ‬تلبّي‭ ‬مصالحه،‭ ‬ومخاطبًا‭ ‬المجتمعات؛‭ ‬لتحريضها‭ ‬على‭ ‬التحرُّك‭ ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‮»‬. ‬وعندما‭ ‬فعلت‭ ‬أخيرًا،‭ ‬أو‭ ‬خُيّل‭ ‬إليها‭ ‬أنها‭ ‬تفعل،‭ ‬أخفق‭ ‬الدور‭ ‬الأميركيّ‭ ‬إخفاقًا‭ ‬ذريعًا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬حركاتها‭ ‬وملاقاة‭ ‬طموحاتها،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬‮«‬إدارة‮»‬‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭.‬

أثبتت‭ ‬الوقائع‭ ‬أنه‭ ‬حيثما‭ ‬توافرت‭ ‬عناصر‭ ‬داخلية ‭)‬مؤسسة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدنيّ‭ ‬في‭ ‬تونس) ‬أمكن‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الفوضى،‭ ‬ووضع‭ ‬أُسُس‭ ‬لاستعادة‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ومقاومة‭ ‬الأجندات‭ ‬الخارجية. ‬أما‭ ‬البُؤَرُ‭ ‬الثلاثُ‭ ‬الأخرى: ‬(سوريا،‭ ‬واليمن،‭ ‬وليبيا)‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬فخّ‭ ‬الاقتتال‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬فعانت‭ ‬زمنًا‭ ‬طويلًا‭ ‬هيمنةَ‭ ‬فئة‭ ‬واحدة‭ ‬أقلّية؛‭ ‬قَبَلية‭ ‬أو‭ ‬مذهبية،‭ ‬صادرت‭ ‬الجيش‭ ‬والأمن،‭ ‬واستخدمتهما‭ ‬ضد‭ ‬أغلبية‭ ‬الشعب؛‭ ‬لذلك‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬نهج‭ ‬التغيير‭ ‬الجراحيّ،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬طرح‭ ‬الكيان‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬للبلد. ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬يدٌ‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر (‬معاهدة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬عام ‭‬1916م،‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بسوريا. ‬ضغوط‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإيطاليّ‭ ‬لترسيخ‭ ‬الأقاليم‭ ‬الثلاثة‭ ‬الليبية. ‬ترجيح‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطانيّ‭ ‬وجود‭ ‬يمنيْنِ: ‬شماليّ‭ ‬وجنوبيّ)‬‭.‬

عدا‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬شملتها‭ ‬خريطة‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬الاسم‭ ‬الجميل‭ ‬لحقبة‭ ‬بائسة،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬بلغه‭ ‬‮«‬الربيع‮»‬‭ ‬الدمويّ‭ ‬عبر‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأميركيين‭ ‬عام ‭ ‬2003م‭. ‬وسواء‭ ‬أكانت‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬خطوة‭ ‬أميركية‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬واضحًا‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬دقّت‭ ‬المسمار‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬‮«‬استقرار‮»‬‭ ‬إقليميّ‭ ‬هُلاميّ؛‭ ‬إذ‭ ‬حرّكت‭ ‬كل‭ ‬الرواسب‭ ‬الطائفية‭ ‬والقومية‭ ‬والإثنية،‭ ‬ووضعت‭ ‬كل‭ ‬الخرائط‭ ‬تحت‭ ‬المراجعة،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الحدود‭.‬

وأتاحت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬للحلفاء‭ ‬المنتصرين‭ ‬التصرُّف‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‮»‬‭ ‬العربية‭ – ‬العثمانية،‭ ‬بوساطة‭ ‬فرضها‭ ‬الانتدابيْنِ‭ ‬البريطانيّ‭ ‬والفرنسيّ،‭ ‬ورسْم‭ ‬خرائط‭ ‬الدول،‭ ‬ومنها‭ ‬العراق،‭ ‬وكذلك‭ ‬تركيا،‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأكراد‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬دول،‭ ‬وإصدار‭ ‬‮«‬وعد‭ ‬بلفور‮»‬‭ ‬بوطن‭ ‬قوميّ‭ ‬لليهود،‭ ‬فإن‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬أدَّت‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى: ‬زرْعها‭ ‬جسمًا‭ ‬غريبًا‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربيّ؛‭ ‬مما‭ ‬أفسد‭ ‬عمليًّا‭ ‬انطلاقة‭ ‬الدول‭ ‬‮«‬المستقلّة‮»‬‭ ‬حديثًا،‭ ‬وشغلها‭ ‬بالحروب‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬انكبابها‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسات،‭ ‬والتنمية،‭ ‬وبلورة‭ ‬عقودها‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وأسهمت‭ ‬الحروب‭ ‬الخمسة‭ ‬ضدّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬بَلْبَلة‭ ‬التماسك‭ ‬داخليًّا‭ ‬وعربيًّا،‭ ‬فإن‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تطمس‭ ‬التباينات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بصدد‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬وئام‭ ‬وسلام؛‭ ‬لا‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬والمكوّنات. ‬لكن‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬فجّرت‭ ‬الألغام،‭ ‬بل‭ ‬أضافت‭ ‬إليها،‭ ‬وإذا‭ ‬بأبرز‭ ‬نتائجها‭ ‬يتمثّل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬نواة‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬كُردية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬الأميركيّ‭ ‬الاستثنائيّ‭ ‬لـ«إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق»؛‭ ‬مما‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬تشظّ‭ ‬واقعيّ‭ ‬لوَحْدَة‭ ‬العراق‭ ‬شعبًا‭ ‬وأرضًا‭ ‬ودولةً،‭ ‬لتتولّى‭ ‬إيران‭ ‬إدارة‭ ‬هذا‭ ‬التشظّي،‭ ‬سواء‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السوريّ‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬الإرهاب‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬وجود‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أم‭ ‬بتعميمه‭ ‬بعد‭ ‬انسحابهم‭ ‬بوساطة‭ ‬دفع‭ ‬حكومة‭ ‬بغداد‭ ‬إلى‭ ‬نهج‭ ‬‮«‬إرهاب‭ ‬الدولة‮»‬‭.‬

map5شكّلت‭ ‬الواقعتان‭ ‬التاريخيتان‭: ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬غيرها‭ ‬بالقوة،‭ ‬وضرب‭ ‬الكيان‭ ‬العراقيّ‭ ‬وخلخلته‭ ‬بالغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬نموذجيْنِ‭ ‬كارثيين‭ ‬للسعي‭ ‬الخارجيّ‭ ‬لاستثناء‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬ثبات‭ ‬أو‭ ‬استقرار. ‬فالأُولى‭ ‬رسَّخت‭ ‬‮«‬وفاقًا‭ ‬دوليًّا‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مراحل‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬سخونةً،‭ ‬قوامُه‭ ‬عدمُ‭ ‬سريان‭ ‬القانون‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬وضعية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتأمين‭ ‬تفوُّقها‭ ‬العسكريّ‭ )‬بما‭ ‬فيه‭ ‬النوويّ)‬؛‭ ‬مما‭ ‬أسّس‭ ‬علاقة‭ ‬مبتورة‭ ‬وغير‭ ‬سليمة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الدوليّ،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬وداخل‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربيّ. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬الدوليّ‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬أبواب‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويحصّن‭ ‬الظلم‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فكيف‭ ‬لـ«ثقافته‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تَجِد‭ ‬لها‭ ‬مكانًا‭ ‬في‭ ‬محيطها. ‬

أما‭ ‬الواقعة‭ ‬الثانية،‭ ‬فجعلت‭ ‬من‭ ‬‮«‬إقامة‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬بوصفها‭ ‬مشروعًا‭ ‬أميركيًّا‭ ‬معلنًا‭ ‬للعراق‭ ‬بعد‭ ‬تخليصه‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الدكتاتوريّ،‭ ‬جسرًا‭ ‬إلى‭ ‬حلّ‭ ‬الدولة‭ ‬وتفكيكها،‭ ‬وإلى‭ ‬زعزعة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتفتيته،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬إيقاظ‭ ‬فيروسات‭ ‬الانقسام‭ ‬والتقسيم‭ ‬وتنشيطها،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عامة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُبقي‭ ‬أيّ‭ ‬بيت‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬المخاطر،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬موجات‭ ‬لاجئين،‭ ‬أم‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أم‭ ‬تدخُّلات‭ ‬لتحريك‭ ‬الضغائن‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬الموبوءة‭ ‬بكل‭ ‬أنماط‭ ‬السياسات‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وغير‭ ‬الإنسانية؛‭ ‬انطلقت‭ ‬الحَرَاكاتُ‭ ‬الشعبيةُ‭ ‬باحثةً‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬تستثمره‭ ‬في‭ ‬مستقبلها،‭ ‬لكنها‭ ‬وقعت‭ ‬سريعًا‭ ‬في‭ ‬المستنقعات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتهيّأ‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬واصطدمت‭ ‬بنقص‭ ‬مناعة‭ ‬المجتمعات‭ ‬إزاء‭ ‬الأمراض‭ ‬الكامنة‭ ‬أساسًا‭ ‬في‭ ‬داخلها. ‬وفي‭ ‬اللحظة‭ ‬الحالكة‭ ‬اكتشفت‭ ‬‮«‬الأمة‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تَعُدّ‭ ‬نفسَها‭ ‬لهذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تُعِيد‭ ‬المنطقةَ‭ ‬مئةَ‭ ‬عام ‭-‬بل‭ ‬أكثر- ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬وإِذِ‭ ‬احتاجتْ‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬إقليمية‭ ‬عربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صَوْن‭ ‬كياناتها‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬كافةً،‭ ‬فقد‭ ‬اصطدمت‭ ‬أولًا‭ ‬بحقيقة‭ ‬ضياع‭ ‬عقود‭ ‬عِدَّة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تضامن‭ ‬عربيّ‮»‬‭ ‬مستحيل،‭ ‬وثانيًا‭ ‬بواقع‭ ‬الْتِقاء‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬والأجندات‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬والإيرانية‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الضعف‭ ‬والضياع‭ ‬العربييْنِ. ‬حتى‭ ‬قاعدة‭ ‬‮«‬المصالح‭ ‬الدائمة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬الصداقات،‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬لم‭ ‬تستقم‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وأميركا،‭ ‬بدليل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬حاليًا‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عامة،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬ابتزازات‭ ‬أميركية،‭ ‬تتعلّق‭ ‬بمتطلبات‭ ‬أَمْنها‭ ‬الإقليميّ. ‬ولولا‭ ‬‮«‬عاصفة‭ ‬الحزم‮»‬‭ ‬التي‭) ‬فرملت) ‬التسلُّل‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬لمحاصرة‭ ‬المملكة؛‭ ‬لَكانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بوصفها‭ ‬مُعْطًى‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬مُقبِلة‭ ‬على‭ ‬تغييرات‭ ‬شتّى‭ ‬في‭ ‬خريطتها؛‭ ‬فالإقليم‭ ‬الكرديّ‭ ‬أَحْدَث‭ ‬الصدعَ‭ ‬الأولَ‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والإقليم‭ ‬الكرديّ‭ ‬المرشَّح‭ ‬لتطوير‭ ‬الصدع‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬قد‭ ‬يتخذه‭ ‬النظام‭ ‬وحليفه‭ ‬الإيرانيّ (‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬الدولية) ‬ركيزةً‭ ‬للتقسيم‭ ‬ولإنشاء‭ ‬أقاليم‭ ‬عِدَّة. ‬ولا‭ ‬يَعْني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬التقسيم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تَجْرِي‭ ‬بسهولة‭ ‬وسلاسة،‭ ‬بصفقات‭ ‬أو‭ ‬تفاهمات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قرارات‭ ‬دولية،‭ ‬إنما‭ ‬بإدامة‭ ‬الصراعات‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬كأنه‭ ‬علاج‭ ‬مقبول. ‬لأجل‭ ‬ذلك‭ ‬يُستخدَم‭ ‬وباء‭ ‬الإرهاب‭ ‬‮«‬الداعشيّ‮»‬‭ ‬ضدّ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬مشاريع‭ ‬التقسيم‭ ‬لتهديدها‭ ‬وإقلاقها؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬اللاحقةَ‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التفكيك‭ ‬والتفتيت؛‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعميم‭ ‬الحزم‭ ‬ليصبح‭ ‬نهجًا‭ ‬عربيًّا؛‭ ‬لأن‭ ‬السكوت‭ ‬والاستكانة‭ ‬لا‭ ‬يُبعِدانِ‭ ‬المخاطرَ،‭ ‬إنما‭ ‬يُفَعّلانها‭.‬


 هل تتغير  خريطة العالم العربي؟

waheed-1كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الشواهد‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬إثارة‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬تغير‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ؛‭ ‬نتيجة‭ ‬الصراعات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تُمزق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬بلاده،‭ ‬وبخاصة‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا. ‬ويحظى‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬باهتمام‭ ‬واسع‭ ‬كلما‭ ‬حدثت‭ ‬تطورات‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬ملامح‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كثافة‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬ديموغرافيّ،‭ ‬واقترانها‭ ‬بتحركات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬العراق. ‬فقد‭ ‬ازدادت‭ ‬وتيرة‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬ميليشيا‭ ‬‮«‬الحشد‭ ‬الشعبيّ‮»‬؛‭ ‬لإفراغ‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ديالى‭ ‬من‭ ‬قاطنيها‭ ‬السُّنَّة،‭ ‬ومَنْع‭ ‬عودة‭ ‬المهجّرين‭ ‬إليها. ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬شروع‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬في‭ ‬حفر‭ ‬خندق‭ ‬يمتدّ‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬ربيعة‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬خانقين. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬الكردية‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬يظل‭ ‬مثارًا‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬غرضه‭ ‬الحقيقيّ‭ ‬هو‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كرَّر‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬مسعود‭ ‬بارزاني‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬استفتاء؛‭ ‬لتقرير‭ ‬مصير‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭.‬

إن‭ ‬المصاعب‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬السعي‭ ‬لحلّ‭ ‬سلميّ‭ ‬للصراع‭ ‬الذي‭ ‬تحوَّل‭ ‬حربًا‭ ‬أهلية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬والمشاكل‭ ‬المتعاقبة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬محاولات‭ ‬التوصُّل‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحلّ،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعثُّره‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬ليبيا؛‭ ‬تجعل‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬وفي‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬مطروحًا. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬دلائل‭ ‬كافية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشواهد‭ ‬وغيرها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬لتغير‭ ‬نهائيّ‭ ‬في‭ ‬الخريطة. ‬والمقصود‭ ‬بالتغيّر‭ ‬النهائيّ‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬قبولًا‭ ‬إقليميًّا‭ ‬ودوليًّا،‭ ‬ويحظى‭ ‬برضا‭ ‬قاطني‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬ستُرسم‭ ‬فيها‭ ‬حدود‭ ‬جديدة‭. ‬

ويصعب‭ ‬منهجيًّا‭ ‬توقُّع‭ ‬حدوث‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التغيُّر،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬حالة‭ ‬سيولة‭ ‬تتَّسم‭ ‬بها‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدِّي‭ ‬إليه. ‬فلا‭ ‬يتيسَّر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬السيولة‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالمواقع‭ ‬التي‭ ‬ينتزعها‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬طوال‭ ‬الوقت. ‬ولا‭ ‬يُسلّم‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬بسيطرة‭ ‬غيره‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬‮«‬مناطق‭ ‬التَّماسّ‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬معظم‭ ‬المعارك،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬السيطرة‭ ‬مُدَّة. ‬والنمط‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أو‭ ‬عليها،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬طرف‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬يظلّ‭ ‬هدفًا‭ ‬يسعى‭ ‬غيره‭ ‬لانتزاعه‭ ‬منه،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬اختلاف‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬إلى‭ ‬آخر. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يبدو‭ ‬مختلفًا؛‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬تمركز‭ ‬مذهبيّ‭ ‬وعرقيّ‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬محددة‭ ‬ومعروفة،‭ ‬فقد‭ ‬خلطت‭ ‬هجمة‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬بعضَ‭ ‬الأوراق،‭ ‬وأدَّت‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬أوراق‭ ‬غيرها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصراعات‭ ‬المتفاوتة‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭ ‬الثلاثة ‭)‬الشيعية،‭ ‬والكردية،‭ ‬والسُّنية) ‬التي‭ ‬تَقُوم‭ ‬أطروحةُ‭ ‬تغيير‭ ‬خريطة‭ ‬العراق‭ ‬عليها. ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬قدر‭ ‬معقول‭ ‬من‭ ‬الاتفاق،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التوافق‭ ‬العامّ،‭ ‬داخل‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬المقسَّمة‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬أحزاب‭ ‬وحركات‭ ‬وجماعات‭ ‬وعشائر‭ ‬وغيرها‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمدُّد‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬الكردية‭ ‬خارج‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تصدَّت‭ ‬لهجمات‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام ‭‬2014م؛‭ ‬يجعل‭ ‬انفصال‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬أقلّ‭ ‬–وليس‭ ‬أكثر–‭ ‬احتمالًا؛‭ ‬لأنه‭ ‬سيثير‭ ‬صراعًا‭ ‬أشدّ‭ ‬حِدَّة‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬

Map2

waheed-2هبوب‭ ‬ريح‭ ‬عاتية

وقُلْ‭ ‬مثلَ‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬الذي‭ ‬يؤدِّي‭ ‬اختزاله‭ ‬في‭ ‬طرفين‭ ‬متصارعين‭ ‬إلى‭ ‬تبسيط‭ ‬مُخِلّ‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مكونات‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬موحَّدة،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬متنافسة‭. ‬هكذا‭ ‬يبدو‭ ‬الطابع‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬هبوب‭ ‬ريح‭ ‬عاتية‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬وسرعتها‭ ‬أنها‭ ‬ستعصف‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬بالفعل،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬مما‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬أيّ‭ ‬تغير‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬واستقراره‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يسمح‭ ‬بتقنينه،‭ ‬وستظل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬سنواتٍ‭ ‬قادمةً‭.‬

إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬توافر‭ ‬مقومات‭ ‬داخلية‭ ‬حاسمة‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬سيظل‭ ‬صعبًا‭ ‬تصور‭ ‬حدوث‭ ‬توافق‭ ‬إقليميّ‭ ‬عليه‭. ‬

فمن‭ ‬الصعب‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬تغييرًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخرائط‭ ‬يحقّق‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الرئيسة‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شهية‭ ‬إيران‭ ‬المفتوحة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬النفوذ؛‭ ‬سعيًا‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭. ‬ولا‭ ‬يَعْني‭ ‬ذلك‭ ‬استبعاد‭ ‬احتمال‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬زمنيّ‭ ‬بعيد‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬السيولة‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬المنطقة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬توقّع‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬وثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬حين‭ ‬نتمسك‭ ‬بمناهج‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ونبتعد‭ ‬من‭ ‬التكهّن‭ ‬والتخمين‭ ‬والتنجيم‭. ‬


 النظام الإقليميّ واستقرار دول الخليج – ابتسام الكتبي

ibtisam-1لقد كشفت ثورات «الربيع العربي» عن هشاشة الدولة الوطنية العربية الحديثة وأزماتها البنيوية؛ وعلى الرغم من أن بعض دول «الربيع العربي» يعيش اضطرابات سياسية واجتماعية حادّة في المرحلة الانتقالية، فإن دولًا أخرى تشهد صراعات أهلية دموية، وبخاصة سوريا واليمن وليبيا، والعراق إلى حد ما. وفي الآونة الأخيرة زادت المؤشرات التي تبعث على القلق لمصير هذه الدول الذي يَشي باحتمال انهيارها وتفككها إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس الهوية (الإثنية، والطائفية، والجهوية). والخشية الكبرى أن أيَّ تفكُّك لدولة من هذه الدول سيقود إلى ما يعرف في علم السياسة بظاهرة «الدومينو»؛ أي جرّ الدول العربية الأخرى إلى حافة الانهيار؛ مما يعني تغير نظام «سايكس بيكو» الموروث من الحرب العالمية الأُولى، إضافة إلى أن هذه النزاعات ستعيد التركيبة الديمغرافية للدول والمجتمعات، وتؤسِّس لتدمير التنوُّع الحضاريّ والثقافيّ والمذهبيّ والإثنيّ الذي ميَّز المنطقة على مدى قرون، وهذا التغيير القسريّ، الذي يجري تحت وطأة الحروب والصراعات، ينمّي نزعة الانتقام لدى الأفراد والمجموعات، ويجعل مصادر التهديد في مجتمعات دول المنطقة كامنة، ومن الممكن أن تنفجر في أي وقت، ويُعدّ هذا مُصادَرة لمستقبل الأجيال القادمة في منطقتنا، فمن حقهم علينا أن نورثهم أمنًا وسلامًا وتنمية وازدهارًا.

إن‭ ‬تغيّر‭ ‬الخرائط‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وانتشار‭ ‬خطر‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وتشظيها،‭ ‬وإقامة‭ ‬حواجز‭ ‬الشكّ‭ ‬والكراهية‭ ‬واللاثقة‭ ‬بين‭ ‬أبنائها،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تمزيق‭ ‬وَحْدة‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ويزيد‭ ‬تعداد‭ ‬الدول‭ ‬المخفقة‭ ‬في‭ ‬منطقتنا؛‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬تبنّي‭ ‬بدائل‭ ‬إقليمية‭ ‬ووطنية‭ ‬لمجابهة‭ ‬حالة‭ ‬إخفاق‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬واحتمالات‭ ‬تفكك‭ ‬بعضها. ‬وينبغي‭ ‬للقوى‭ ‬العربية‭ ‬الفاعلة‭ ‬إقليميًّا،‭ ‬ومنها‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات؛‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بتوحيد‭ ‬جهودها،‭ ‬وتعزيزها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصُّل‭ ‬إلى‭ ‬تسويات‭ ‬للصراعات‭ ‬المشتعلة؛‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬تلك‭ ‬الكيانات‭ ‬ووحدتها،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬تحييد‭ ‬تأثير‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬والقوى‭ ‬الدولية؛‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬مطالَبة‭ ‬باستجماع‭ ‬أكبر‭ ‬ثقل‭ ‬إقليميّ‭ ‬ممكن؛‭ ‬لرسم‭ ‬حدود‭ ‬الدور‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬لإقامة‭ ‬توازن‭ ‬رادع،‭ ‬يسمح‭ ‬لأنْ‭ ‬يكون‭ ‬النظام‭ ‬الإقليميّ‭ ‬الجديد‭ ‬المزمع‭ ‬تشكّله‭ ‬وصياغته‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬غير‭ ‬مُهَدِّد‭ ‬استقرار‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ومصالحها‭.‬

من‭ ‬حق‭ ‬أميركا‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬المنطقة

من‭ ‬حق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وَفْق‭ ‬تقديرها‭ ‬مصالحها‭ ‬وتأكيدها‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬خوض‭ ‬أيّ‭ ‬حروب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تجربة‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا؛‭ ‬أن‭ ‬تنسحب‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬لكنّ‭ ‬منطق‭ ‬التشابك‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وتداخل‭ ‬مصادر‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬العابرة‭ ‬للدول،‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭. ‬

تحالف‭ ‬أميركا‭ ‬التاريخيّ‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬مصادر‭ ‬نشر‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬الإيجابية‭ ‬لأميركا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وترسيخ‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أجيال‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬والفراغ‭ ‬الذي‭ ‬ستتركه‭ ‬أميركا‭ ‬سيملؤه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬الصينيون‭ ‬والهنود‭ ‬والروس،‭ ‬وستنقلب‭ ‬الصورة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬الحليف‭ ‬غير‭ ‬الموثوق‭ ‬فيه‭.‬

منذ‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر ‭‬2001م‭ ‬بدأت‭ ‬عملية‭ ‬مراجعة‭ ‬لطبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬الأميركية‭ ‬الخليجية،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬مسألة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتشدُّد‭ ‬الدينيّ. ‬وقد‭ ‬تنامى‭ ‬التعاون‭ ‬الأمنيّ‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وطهران‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬،‭ ‬وتنظيم‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬

وكان‭ ‬الغزو‭ ‬الأميركيّ‭ ‬للعراق‭ ‬عام ‭‬2003م‭ ‬خطوةً‭ ‬نوعيةً‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المراجعة‭ ‬التي‭ ‬لازمت‭ ‬تعاونًا‭ ‬أميركيًّا‭ ‬إيرانيًّا‭ ‬جوهريًّا‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬صَدَّام‭ ‬حسين،‭ ‬تمكَّنت‭ ‬على‭ ‬إثره‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬ملء‭ ‬الفراغيْنِ‭ ‬السياسيّ‭ ‬والأمنيّ‭ ‬الناشئين‭ ‬في‭ ‬العراق؛‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬حلفاء‭ ‬إيران‭ ‬حُكَّامه‭ ‬الجُدد. ‬وبسقوط‭ ‬نظامَيْ‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬وصَدَّام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تكون‭ ‬واشنطن‭ ‬قد‭ ‬خدمت‭ ‬إيران،‭ ‬بشكل‭ ‬مجاني‭ ‬عبر‭ ‬إسقاط‭ ‬أبرز‭ ‬عدويْنِ‭ ‬لَدُوديْنِ‭ ‬لها؛‭ ‬مما‭ ‬نجم‭ ‬عنه‭ ‬تمددٌ‭ ‬في‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وصعود‭ ‬وتيرة‭ ‬النزاع‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬الخليجيّ،‭ ‬وما‭ ‬انضوى‭ ‬تحته‭ ‬من‭ ‬توترات‭ ‬مذهبية‭ ‬وطائفية‭ ‬سُنية‭ ‬شيعية. ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬الانفتاح‭ ‬الأميركيّ‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أمريْنِ؛‭ ‬أولهما‭ ‬الاتفاق‭ ‬النوويّ‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬الذي‭ ‬عَدَّته‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬أحدَ‭ ‬أهم‭ ‬إنجازاتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وثانيهما‭ ‬تقديم‭ ‬إيران‭ ‬بوصفها‭ ‬بلدًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وعلى‭ ‬تنظيمات‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬و«القاعدة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬الغربُ‭ ‬تلكُّؤًا‭ ‬وارتيابًا‭ ‬وتردُّدًا‭ ‬سُنيًّا‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬القويّ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

gcc

الحملات‭ ‬المغرضة‭ ‬على‭ ‬السعودية

الحملات‭ ‬المغرضة‭ ‬على‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركيّ‭ ‬والبريطانيّ‭ ‬تعزِّز‭ ‬الطائفية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وترسّخ‭ ‬التطرُّف،‭ ‬وتنمّي‭ ‬الانقسامات‭ ‬المذهبية. ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬انتباه‭ ‬الخليجيين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ينشر،‭ ‬بشكل‭ ‬سلبيّ،‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركيّ‭ ‬والبريطانيّ‭ ‬عن‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج،‭ ‬يجري‭ ‬ترجمته‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بلغات‭ ‬عِدَّة. ‬

والسؤال: ‬ألا‭ ‬يُعزِّز‭ ‬هذا‭ ‬الوضعُ‭ ‬الطائفيةَ‭ ‬والنزاعاتِ‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويثير‭ ‬الشكوك‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الغربية؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المُهَدِّدات‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬مكتسباتها‭ ‬وفرصها‭ ‬الثمينة‭ ‬والإستراتيجية؛‭ ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تتصرّف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مستقلّ‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬وبشكل‭ ‬متزايد،‭ ‬عن‭ ‬رغبات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية؛‭ ‬لاعتقاد‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإيرانيين،‭ ‬أو‭ ‬مخاطر‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسيّ،‭ ‬والحركات‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرّفة. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬واشنطن‭ ‬ذلك‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬ومصر‭ ‬والبحرين،‭ ‬وهي‭ ‬المرة‭ ‬الأُولى‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬فيها‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬خليجية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاصطفاف‭ ‬خلف‭ ‬قوة‭ ‬كبرى،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬ربع‭ ‬قرن. ‬

هذا‭ ‬تحوّل‭ ‬أساسيّ‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الأميركية‭ ‬الخليجية‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬تراجع‭ ‬الحضور‭ ‬الأميركيّ‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتبدّل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والتقارب‭ ‬الأميركيّ‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وتمادي‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬تدخُّلاتها‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية. ‬وهذا‭ ‬التحوّل،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كلفته‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬فإنه‭ ‬مَنَحَها‭ ‬فرصةً‭ ‬إستراتيجية‭ ‬مهمةً‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬سياسات‭ ‬أمنية‭ ‬ودفاعية‭ ‬مستقلّة‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تُوضع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رؤية‭ ‬متماسكة‭ ‬وشاملة؛‭ ‬لمنع‭ ‬الفوضى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬ومصالحها‭ ‬العليا،‭ ‬وتطوير‭ ‬مبدأ‭ ‬الردع،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬محلِّلون‭ ‬منهج‭ ‬‮«‬التطمينات‭ ‬لا‭ ‬الضمانات‮»‬‭ ‬الأميركية. ‬فهذا‭ ‬المنهج‭ ‬قدَّم‭ ‬فرصًا‭ ‬للسعودية‭ ‬والإمارات؛‭ ‬لإقامة‭ ‬تحالف‭ ‬إستراتيجيّ‭ ‬بينهما‭ ‬هو‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬علاقتهما،‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬مصالحهما‭ ‬الوطنية‭ ‬تقتضي‭ ‬عدم‭ ‬وضع‭ ‬ثقلهما‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬الإستراتيجيّ‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬فقط،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬لهما،‭ ‬وهما‭ ‬لذلك‭ ‬أعادتا‭ ‬ترتيب‭ ‬تحالفاتهما‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وحدَّدتا‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬وبعيدًا‭ ‬من‭ ‬المواربة‭ ‬والالتباس‭ ‬لائحة‭ ‬الحلفاء‭ ‬والخصوم‭ ‬والأعداء‭ ‬والمنافسين‭ ‬الإقليميين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبدّى‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬لهجتهما‭ ‬وسلوكهما‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬


 الحدود  في العالم العربي.. المتغيِّر والثابت

AbdulAziz-Saqrحدود‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬لازمت‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكّم‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ. ‬فالخلافة‭ ‬العثمانية‭ ‬لم‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬باسم‭ ‬الاستعمار‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬إنما‭ ‬باسم‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬إطار‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أسّست‭ ‬أصلًا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬واستمرّت‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬بصيغ‭ ‬وأسماء‭ ‬مختلفة. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقسيم‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬ومنها‭ ‬الخلافة‭ ‬الأموية‭ ‬والعباسية‭ ‬والعثمانية‭ ‬وغيرها،‭ ‬كان‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬أُسُس‭ ‬الولايات،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الولايات‭ ‬مثَّلت‭ ‬كيانات‭ ‬جغرافية‭ ‬وسياسية‭ ‬وحضارية‭ ‬مختلفة‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض؛‭ ‬فالعراق‭ ‬والشام‭ ‬ومصر‭ ‬والحجاز‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬ولايات‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعروفة‭ ‬كانت‭ ‬تُمثِّل‭ ‬ولايات‭ ‬تطوَّرت‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬سياسية‭ ‬مستقلَّة‭ ‬مثلما‭ ‬نعرفها‭ ‬اليوم،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬جغرافية‭ ‬تقارب‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬لاحقًا‭.‬

بدأت‭ ‬قضايا‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مايو ‭‬1917م،‭ ‬يوم‭ ‬توقيع‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬Sykes–Picot Agreement‭ ‬(أو‭ ‬اتفاقية‭ ‬آسيا‭ ‬الصغرى‭ (‬Asia‭ ‬Minor Agreement‭ ‬كما‭ ‬تُعرَف‭ ‬رسميًّا،‭ ‬ومثلت‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬لتقسيم‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وليس‭ ‬اتفاقية‭ ‬لرسم‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لكيانات‭ ‬سياسية‭ ‬ناشئة. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬وضعت‭ ‬بذور‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬سياسية‭ ‬متميزة‭ ‬من‭ ‬بعضها. ‬وجاءت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام ‭‬1918م،‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطانيّ‭ ‬لويد‭ ‬جورج‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬جورج‭ ‬كليمنصو؛‭ ‬لِتُنهِي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬حُلم‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬موحَّدة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة. ‬وتجاوزت‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الأخيرة‭ ‬جميع‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬قطعت‭ ‬للعرب‭ ‬بإنشاء‭ ‬كيان‭ ‬سياسيّ‭ ‬عربيّ‭ ‬موحَّد‭ ‬في‭ ‬مراسلات‭ ‬سابقة،‭ ‬جَرَتْ‭ ‬بين‭ ‬قيادات‭ ‬عربية‭ ‬والقوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مراسلات‭ ‬الشريف‭ ‬حسين‭ ‬واللورد‭ ‬مكماهون‭ ‬بين‭ ‬عامَيْ (‭ (م‬1915‭ – ‬1916‬التي‭ ‬تضمّنت‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭.‬

منذ‭ ‬عام ‭‬1920م،‭ ‬بدأت‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬المستقلة‭ ‬بالظهور‭ ‬والتبلور‭ ‬التدريجيّ،‭ ‬ومعها‭ ‬ظهرت‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لكل‭ ‬كيان‭ ‬عربيّ‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحدود‭ ‬لا‭ ‬تمثّل‭ ‬الواقع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬بشكل‭ ‬أساسيّ‭ ‬حدود‭ ‬نفوذ‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬المتصارعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬ترسَّخت‭ ‬خطوط‭ ‬هذه‭ ‬الحدود،‭ ‬وتحوَّلت‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬رسمتها‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬قانونية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلال‭.‬

تحدٍّ‭ ‬‭ ‬فِعليّ‭ ‬لحدود‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ

كان‭ ‬أول‭ ‬تحدّ‭ ‬فعليّ‭ ‬لحدود‭ ‬وخارطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬طبيعة‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭. ‬فقيام‭ ‬أنظمة‭ ‬عربية‭ ‬تتبنّى‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الثورية‭ ‬والانقلابية‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ. ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬الوحدة‭ ‬الاندماجية‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬رسميًّا‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬عام ‭‬1958م؛‭ ‬ليزيل‭ ‬الحدود‭ ‬القائمة‭ ‬والمعترف‭ ‬بها‭ ‬لدولتي‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬ويعلن‭ ‬قيام‭ ‬كيان‭ ‬سياسيّ‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬بحدود‭ ‬سياسية‭ ‬تضمّ‭ ‬أراضي‭ ‬الدولتيْنِ. ‬وبالتزامن‭ ‬جرى‭ ‬إعلان‭ ‬قيام‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬العربيّ‭ ‬الهاشميّ‮»‬؛‭ ‬ليضمّ‭ ‬أراضي‭ ‬دولتَي‭ ‬العراق‭ ‬والأردن،‭ ‬ويزيل‭ ‬خط‭ ‬الحدود‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائمًا‭ ‬بينهما. ‬لكنَّ‭ ‬الكيانيْنِ‭ ‬الجديديْنِ‭ ‬لم‭ ‬يتمكَّنا‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحياة. ‬فقد‭ ‬انهارت‭ ‬الوَحْدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام ‭‬1961م،‭ ‬وقبلها‭ ‬انهار‭ ‬كيان‭ ‬الاتحاد‭ ‬العربيّ‭ ‬العراقيّ‭ ‬الأردنيّ‭ ‬في‭ ‬يوليو ‭‬1958م،‭ ‬وعادت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬السابقة،‭ ‬وعاد‭ ‬خط‭ ‬الحدود‭ ‬السابق‭ ‬يمثل‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭.‬

في‭ ‬عام ‭‬1990م،‭ ‬جاءت‭ ‬أهم‭ ‬محاولة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ؛‭ ‬لتغيير‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬باستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬القوة‭. ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬عام ‭‬1990م،‭ ‬بغزو‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬المستقلة‭ ‬وضمّها‭ ‬إليه‭ ‬بالقوة. ‬وهذه‭ ‬المحاولة‭ ‬لم‭ ‬تَدُمْ‭ ‬طويلًا؛‭ ‬إذ‭ ‬جرى‭ ‬تحرير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬عام ‭‬1991م،‭ ‬وعودتها‭ ‬دولةً‭ ‬مستقلةً،‭ ‬بحدودها‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬قبل‭ ‬عملية‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬والضمّ‭. ‬

هنا‭ ‬يمكننا‭ ‬القول: ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬هدفت‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬طبيعة‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬القيادات‭ ‬العربية‭ ‬أخفقت،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تعمر‭ ‬زمنًا‭ ‬طويلًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنهار،‭ ‬ويعود‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬القول: ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تطوَّر‭ ‬منذ‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ولم‭ ‬تشهد‭ ‬قضية‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬تغيرات‭ ‬وقتية،‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬الحدود‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الذي‭ ‬أمسى‭ ‬مبدأً‭ ‬راسخًا‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬العربية‭ ‬والدولية. ‬

اللاعبون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول

خلال‭ ‬العقود‭ ‬الزمنية‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬حدث‭ ‬تطور‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬امتلاك‭ ‬القوة،‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭. ‬فنتيجة‭ ‬لتطورات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬برزت‭ ‬قوى‭ ‬جديدة،‭ ‬أَنْهَت‭ ‬احتكار‭ ‬الدولةِ‭ ‬التقليديةِ‭ ‬القوةَ،‭ ‬حين‭ ‬تبلورت‭ ‬ظاهرة‭ ‬التنظيمات‭ ‬والميليشيات‭ ‬السياسية‭ ‬والعَقَدية‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تُنازِع‭ ‬الدولةَ‭ ‬والسلطة‭ ‬التقليدية‭ ‬السيطرةَ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والمواطنين‭ ‬والموارد. ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬ظاهرةَ‭ ‬بروز‭ ‬دور‭ ‬‮«‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬ويشمل‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬جميع‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الدولة‭ ‬الرسميّ،‭ ‬ومنها‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬المسلحة،‭ ‬وجماعات‭ ‬المقاومة‭ ‬للاحتلال،‭ ‬والجماعات‭ ‬المدافعة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭… ‬وغيرها‭.‬

حرب‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التقليدية

‮«‬اللاعبون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬وجميع‭ ‬أصنافهم‭ ‬وانتماءاتهم‭ ‬يقودون‭ ‬اليوم‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬وينجحون‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬القائمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أَخْفقت‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬الرسمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬بجميع‭ ‬الوسائل‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية. ‬والتغيير‭ ‬المُهم‭ ‬للحدود‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬انتصار‭ ‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وعبر‭ ‬توظيف‭ ‬ميليشياتها‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬حدود‭ ‬دولة‭ ‬السودان،‭ ‬والإعلان‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يوليو ‭‬2011م،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدوليّ‭ ‬بأمر‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭.‬

الحركة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬خُطَا‭ ‬حركة‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬فالميليشيات‭ ‬الكردية‭ ‬المسلحة‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬تمكَّنت‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬يُجرّد‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬في‭ ‬الشمال ‭)‬كردستان‭ ‬العراق). ‬والتطورات‭ ‬سائرة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬خارطة‭ ‬العراق،‭ ‬وخط‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬الدوليّ‭. ‬

في‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أغسطس ‭‬2014م،‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‮»‬‭ ‬أو‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬اصطلاحًا،‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬بُثَّ‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬إلى‭ ‬الأبد. ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬إزالةِ‭ ‬التنظيمِ‭ ‬الإرهابيّ‭ ‬حواجزَ‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬دولتَيِ‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭. ‬

وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬قيادة‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابيّ‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬أهداف‭ ‬التنظيم‭ ‬هو‭ ‬إلغاء‭ ‬آثار‭ ‬ونتائج‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬وإلغاء‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬الاتفاقية‭. ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬عام ‭‬2014م،‭ ‬كان‭ ‬زعيم‭ ‬داعش‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬البغداديّ‭ ‬قد‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬خُطبته‭ ‬المشهورة‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬النور‭ ‬بمدينة‭ ‬الموصل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬زحف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬حتى‭ ‬يضع‭ ‬المسمار‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬مؤامرة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭. ‬

خلاصة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬وقدراتهم‭ ‬ستكون‭ ‬المعوّل‭ ‬الذي‭ ‬يهدم‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربيّ،‭ ‬ويُغيِّر‭ ‬خارطة‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عقد‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬فهذه‭ ‬القوى‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والقدرات‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُهدّد‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬القائم‮»‬‭ ‬بالزوال‭ ‬السريع،‭ ‬ومنها‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬بشكلها‭ ‬التقليديّ‭ ‬الذي‭ ‬اعتدناه. ‬


 تقسيم العراق..  صخب الإعلام وعقبات الأرض

amarينقسم‭ ‬العراقيون‭ ‬بشكل‭ ‬حادّ‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬تصوُّرات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الحُكم‭ ‬المركزيّ‭ ‬أو‭ ‬وَحْدَة‭ ‬بلادهم. ‬الدستور‭ ‬ينصُّ‭ ‬على‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬لكن‭ ‬يُتَّهَم‭ ‬الكُردُ‭ ‬بأنهم‭ ‬يمارسون‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭. ‬وتتجه‭ ‬أطراف‭ ‬من‭ ‬السُّنة ‭-‬أيضًا- ‬إلى‭ ‬الفيدرالية. ‬أما‭ ‬الشيعة‭ ‬فإنهم‭ ‬الطرف‭ ‬الأقل‭ ‬حديثًا‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬هيمنتهم‭ ‬على‭ ‬النسبة‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬الحكم‭. ‬مشروع‭ ‬إقامة‭ ‬الأقاليم‭ ‬يوصف‭ ‬بأنه‭ ‬المُمهّد‭ ‬للانفصال،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬تجربة‭ ‬كردستان‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬الترويج‭ ‬لها؛‭ ‬للانفصال‭ ‬وتقرير‭ ‬المصير‭ ‬بشكل‭ ‬مستمرّ. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬واضحة،‭ ‬فإن‭ ‬التعقيد‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

‮«‬لو‭ ‬انفصل‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الداخلية‭ ‬ستعود،‭ ‬ولن‭ ‬تنطفئ،‭ ‬فقيادات‭ ‬الكرد‭ ‬موحَّدة؛‭ ‬لأن‭ ‬مصلحتها‭ ‬ضد‭ ‬المركز‭ ‬تحتم‭ ‬ذلك‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬لي‭ ‬سياسيّ‭ ‬مخضرم‭ ‬من‭ ‬كردستان‭. ‬

الكلام‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يدفع‭ ‬رئيس‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وَفْق‭ ‬الصيغة‭ ‬الراهنة؛‭ ‬لأن‭ ‬طموحات‭ ‬الزعامة‭ ‬تحجب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬ومخاطر‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الانفصال. ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يستدعي‭ ‬إجماعًا‭ ‬مفقودًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فصوت‭ ‬الانفصال‭ ‬لا‭ ‬يعلو‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬السليمانية‭ ‬حيث‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطنيّ‭ ‬الكردستانيّ،‭ ‬وحركة‭ ‬التغيير؛‭ ‬هذان‭ ‬الحزبان‭ ‬هما‭ ‬العقبة‭ ‬الداخلية‭ ‬الرئيسة‭ ‬أمام‭ ‬انفراد‭ ‬البارزاني‭ ‬بقرار‭ ‬مصير‭ ‬الإقليم. ‬

يلاحظ‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الاتحاد،‭ ‬عدم‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الاستفتاء‭ ‬أو‭ ‬الانفصال،‭ ‬فهناك‭ ‬تأكيد‭ ‬متتابع‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬لخيارات‭ ‬بديلة. ‬القياديّ‭ ‬‮«‬الاتحاديّ‮»‬‭ ‬برهم‭ ‬صالح ‭-‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل- ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬تحدَّث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اللجوء‭ ‬للنظام‭ ‬الكونفدراليّ‭.‬ هذا‭ ‬الحديث‭ ‬سابقة‭ ‬سياسية،‭ ‬وهو‭ ‬الحلّ‭ ‬الوسط‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الفيدراليّ‭ ‬الراهن‭ ‬والانفصال‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬بارزاني. ‬أما‭ ‬حركة‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬تشكَّلت‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬فهي‭ ‬الأخرى‭ ‬تبدو‭ ‬متحفّظة،‭ ‬أو‭ ‬باردة‭ ‬تجاه‭ ‬الانفصال‭.‬ وهذا‭ ‬التصوُّر‭ ‬ليس‭ ‬جديدًا‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬اليساريّ‭ ‬المخضرم‭ ‬نوشيروان‭ ‬مصطفى،‭ ‬إنما‭ ‬سبقه‭ ‬تصريح‭ ‬لزعيمها‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬قال‭ ‬فيه‭:‬ ‮«‬الحركة‭ ‬تساند‭ ‬قرار‭ ‬بارزاني‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مشاكل‭ ‬وضرر‭ ‬للشعب‭ ‬الكرديّ،‭ ‬لكنها‭ ‬تقف‭ ‬ضده‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬

السُّنة‭..‬ بديل‭ ‬حكم‭ ‬العراق‭ ‬المستحيل‭!‬

الطموح‭ ‬الكرديُّ‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬وتكوين‭ ‬دولة‭ ‬كردستان‭ ‬الجنوبية‭ ‬أو‭ ‬الكبرى،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬سُنيًّا‭. ‬سُنة‭ ‬العراق‭ ‬يُصنَّفون‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬بالمدافعين‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬بنسخته‭ ‬العربية‭ ‬الموحدة؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يسجِّل‭ ‬أيُّ‭ ‬تصريح‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬علنيّ‭ ‬عن‭ ‬الانفصال‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬وحتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬فالمشروع‭ ‬المطروح‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬إقليم‭ ‬سُنيّ‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الكرديّ،‭ ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬جدليّ‭ ‬تبلور‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭.‬ وقد‭ ‬تبنّاه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬رسميّ‭ ‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬‮«‬إخوان‭ ‬العراق‮»‬،‭ ‬وجرى‭ ‬الترويج‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الأنبار‭.‬ وعمليًّا‭ ‬ظهرتْ‭ ‬أُولى‭ ‬الخطوات‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬محافظة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬مشروعًا‭ ‬للتحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬إقليم‭…‬ لكنه‭ ‬أُجهِض‭.‬

Iraq-map-2وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬السُّنية،‭ ‬والتفكير‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وسط،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يشهد‭ ‬بعض‭ ‬المعارضة؛‭ ‬إذ‭ ‬تَرَى‭ ‬بعضُ‭ ‬القوى‭ ‬فيه‭ ‬تهديدًا‭ ‬لوَحْدة‭ ‬العراق‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭ ‬ظل‭ ‬صالح‭ ‬المطلك‭ ‬يعارض‭ ‬إقامة‭ ‬الأقاليم،‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬اللامركزية‭ ‬بصيغة‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الفيدرالية‭.‬ عبدالرحمن‭ ‬اللويزي،‭ ‬وهو‭ ‬نائب‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى،‭ ‬يُعَدّ‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناوئين‭ ‬لإقامة‭ ‬مشروع‭ ‬الإقليم،‭ ‬وهدفُه‭ ‬الرئيسُ‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬السياسية‭ ‬مواجهةُ‭ ‬ما‭ ‬يسمِّيه‭ ‬التغييرَ‭ ‬الديمُوغرافيّ‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬وَحَدَات‭ ‬كردية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬المُحرَّرة‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬الموصل‭.‬ بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬يُعارِضُ‭ ‬مشروعَ‭ ‬توسيع‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة‭.‬

الحزب‭ ‬الإسلامي‭ ‬يمثّل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬المتناثرة‭ ‬الأخرى؛‭ ‬مثل‭:‬ القوميّ‭ ‬التكريتيّ‭ ‬ناجح‭ ‬الميزان،‭ ‬الطرف‭ ‬الأكثر‭ ‬دفعًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬ الباحث‭ ‬والنائب‭ ‬العلمانيّ‭ ‬السابق‭ ‬حسن‭ ‬العلوي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زيارات‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬والقياديّ‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬سليم‭ ‬الجبوري‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭.‬ ويشير‭ ‬العلوي‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬صحفية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬هو‭ ‬الطرف‭ ‬الأقوى‭ ‬والأكثر‭ ‬حماسًا‭ ‬لإقامة‭ ‬الإقليم‮»‬‭.‬ النائب‭ ‬السُّنيّ‭ ‬عن‭ ‬محافظة‭ ‬ديالى‭ ‬رعد‭ ‬الدهلكي،‭ ‬أشار ‭-‬أيضًا- ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خيار‭ ‬الإقليم‭ ‬أحد‭ ‬الخيارات‭ ‬المطروحة‭.‬

المفارقة‭ ‬الأهمّ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشروعًا‭ ‬بديلًا،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أطرافًا‭ ‬سُنية‭ ‬تدعمه،‭ ‬وهو‭ ‬مقترح‭ ‬أثيل‭ ‬النجيفي،‭ ‬محافظ‭ ‬نينوى‭ ‬السابق،‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬المنصرم،‭ ‬وهو‭ ‬إقامة‭ ‬أقاليم‭ ‬جغرافية؛‭ ‬أي‭:‬ لا‭ ‬تعتمد‭ ‬الطائفية‭ ‬إنما‭ ‬التشابه‭ ‬الجغرافيّ‭.‬ ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬سعي‭ ‬آل‭ ‬النجيفي‭ ‬لزعامة‭ ‬الموصل؛‭ ‬لصعوبة‭ ‬الطموح‭ ‬إلى‭ ‬تزعُّم‭ ‬السُّنة‭.‬

أول‭ ‬مشروع‭ ‬لإقامة‭ ‬الأقاليم‭ ‬خارج‭ ‬كردستان،‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬الزعيم‭ ‬الشيعيّ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الحكيم،‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الإٍسلاميّ‭ ‬الأعلى؛‭ ‬إذ‭ ‬طالب‭ ‬الحكيم‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بإقامة‭ ‬إقليم‭ ‬الوسط‭ ‬والجنوب،‭ ‬حيث‭ ‬يضم‭ ‬تسع‭ ‬محافظات‭ ‬شيعية‭ ‬سوى‭ ‬بغداد‭ ‬التي‭ ‬يحظر‭ ‬الدستور‭ ‬العراقيّ‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬إقليم‭.‬ الانقسام‭ ‬الشيعيّ‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬منع‭ ‬تطبيقه‭ ‬آنذاك،‭ ‬فحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬والزعيم‭ ‬المناوئ‭ ‬الآخر‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬يعارض‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭.‬ الأخير‭ ‬عُرِف‭ ‬عنه‭ ‬ميوله‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬غير‭ ‬الفيدرالي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬العربيّ‭.‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التوجّه‭ ‬الشيعيّ‭ ‬معارِض‭ ‬لأيّ‭ ‬أقاليم‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭.‬ لكن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الشيعية‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأقاليم‭ ‬بعين‭ ‬الريبة،‭ ‬وتعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تُمهّد‭ ‬للانفصال‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬رفضِ‭ ‬الأطراف‭ ‬كافة‭ ‬الحكمَ‭ ‬الشيعيَّ‭.‬ وليس‭ ‬واضحًا‭ ‬ماذا‭ ‬حل‭ ‬بمشروع‭ ‬الحكيم،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المصادر‭ ‬المطلعة‭ ‬تقول‭:‬ إن‭ ‬وريث‭ ‬زعامة‭ ‬المجلس‭ ‬عمار‭ ‬الحكيم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬بوصفه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬منهاج‭ ‬حزبه‭.‬


 التقسيم موجود في  الذهنية الغربية

 aymanلا‭ ‬يمكن‭ ‬الأخذ‭ ‬بكلام‭ ‬رجل‭ ‬الاستخبارات‭ ‬السابق‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬برنارد‭ ‬باجوليه‭ ‬بالقطعية‭ ‬الحدّية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الباع‭ ‬الاستعماريّ‭ ‬الطويل‭ ‬لفرنسا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬الدبلوماسيّ‭ ‬فرانسوا‭ ‬بيكو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ونظيره‭ ‬مارك‭ ‬سايكس،‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬اختَطَّ‭ ‬الحدود‭ ‬الجديدة‭ ‬لعالَمنا‭ ‬العربيّ،‭ ‬وعدم‭ ‬الأخذ‭ ‬بالقطعية‭ ‬مآله‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬لاعِبِينَ‭ ‬غير‭ ‬نِظامِيِّين‭ ‬في‭ ‬مَشْهَد‭ ‬الصراع،‭ ‬ونَعْني‭ ‬الجماعاتِ‭ ‬الإرهابيةَ،‭ ‬من‭ ‬ميليشيات‭ ‬وتنظيمات،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أيّ‭ ‬تسوية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مؤامرة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحاصل‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تماسك‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تَشهَد‭ ‬فوضى‭ ‬كبيرة؛‭ ‬تخوفًا‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭.‬ وعلى‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬فإن‭ ‬مشاريع‭ ‬التقسيم‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬الغربية‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬سُمِّي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربيّ،‭ ‬وإن‭ ‬إسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬كان‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المحافظين‭ ‬الجُدُد‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬مُدَّتَيِ‭ ‬الرئاسة‭ ‬لجورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن،‭ ‬وتُخبرنا‭ ‬بعضُ‭ ‬السّيَر‭ ‬الذاتية،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يحكيه‭ ‬الوزير‭ ‬السابق‭ ‬أحمد‭ ‬أبو الغيط،‭ ‬وما‭ ‬ينقله‭ ‬عن‭ ‬انطباعات‭ ‬مبارك‭ ‬الرئيس‭ ‬المصريّ‭ ‬الأسبق،‭ ‬وشعوره‭ ‬برغبة‭ ‬أميركية‭ ‬في‭ ‬تغييره،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬سَمِعها‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬ستيف‭ ‬هادلي‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القوميّ‭ ‬الأميركيّ‭ ‬السابق،‭ ‬بضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا؛‭ ‬تُوضِّح‭ ‬لنا‭ ‬مثلُ‭ ‬تلك‭ ‬الإشارات‭ ‬الرغبة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الأنظمة،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يرادف‭ ‬ذلك‭ ‬تغيرٌ‭ ‬جغرافيّ؟‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬إن‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تَظلُّ‭ ‬مسألة‭ ‬رخوة‭ ‬وحسَّاسة،‭ ‬ولم‭ ‬تُحسَم‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعايشت‭ ‬بفعل‭ ‬المصالح‭ ‬والظروف‭ ‬مع‭ ‬أزمات‭ ‬حدودية،‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬إلى‭ ‬العَلن‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نشوب‭ ‬الأزمات،‭ ‬وفي‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬تظلُّ‭ ‬حبيسة‭ ‬الأدراج‭ ‬والأرفف‭.‬

إن‭ ‬فرضية‭ ‬إعادة‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المسوغ‭ ‬لها‭ ‬استغلال‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬هشاشة‭ ‬دولتَيِ‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬واكتساح‭ ‬الحدود‭ ‬بينهما،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬يقول‭:‬ إن‭ ‬الجغرافيا‭ ‬ترسمها‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تتبنَّى‭ ‬اليوم‭ ‬شكلًا‭ ‬جديدًا‭ ‬في‭ ‬الاستعمار‭ ‬بوساطة‭ ‬تبنِّي‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬تشييد‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬حضور‭ ‬الدولة‭ ‬ذات‭ ‬النفوذ‭ ‬واستمرار‭ ‬مصالحها،‭ ‬وفي‭ ‬حالتنا‭ ‬هذه‭ ‬نَعْني‭ ‬أميركا‭ ‬وروسيا‭ ‬المعنية‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس‭ ‬بسوريا،‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬الأُولَى‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

إن‭ ‬حجم‭ ‬تأثير‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بالأرض،‭ ‬وحجم‭ ‬الترهيب ‭-‬لا‭ ‬شك- ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬هياج‭ ‬اجتماعيّ،‭ ‬وتغيير‭ ‬ديموغرافيّ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه،‭ ‬لقد‭ ‬بلغت‭ ‬تلك‭ ‬الحال‭ ‬أوربا،‭ ‬وبلغت‭ ‬عَنْوةً‭ ‬العواصمَ‭ ‬الأوربية،‭ ‬وأَلْقَت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬أشكال‭ ‬التعاطي‭ ‬السياسيّ‭ ‬والاقتصاديّ‭ ‬والثقافيّ‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬أوربا ‭-‬أيضًا- ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬مثلما‭ ‬كانت،‭ ‬وليس‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فحسب،‭ ‬فتأثير‭ ‬موجات‭ ‬الهجرة‭ ‬على‭ ‬التكوين‭ ‬الديموغرافيّ‭ ‬والإثني،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يلحقه‭ ‬من‭ ‬تبعات،‭ ‬يُهدِّد‭ ‬Arab-Cفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬معاهدة‭ ‬‮«‬شنغن‮»‬،‭ ‬وظهور‭ ‬الأسلاك‭ ‬الشائكة‭ ‬بين‭ ‬حدود‭ ‬أوربا‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬حقيقةً‭ ‬إلى‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬البشر‭ ‬الفارّين‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأتون‭ ‬الفوضى‭.‬

إذًا‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬والتقسيمات‭ ‬الإثنية‭ ‬يعاد‭ ‬توزيعهما‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يَعْني‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يَعْني‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية؛‭ ‬لذلك‭ ‬فترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬وتغييرها‭ ‬نراه‭ ‬أمرًا‭ ‬مستحيلًا،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬وارد‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭.‬ لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬غزارة‭ ‬المكونات‭ ‬وتنوعها،‭ ‬وتعدد‭ ‬المذاهب‭ ‬والأديان‭ ‬والثقافات‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬النزاع‭ ‬الحاصل‭ ‬اليوم،‭ ‬والتدخل‭ ‬الدوليّ‭ ‬بين‭ ‬الناتو‭ ‬وروسيا،‭ ‬سيفضي‭ ‬لا‭ ‬محالةَ‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬يمكن‭ ‬بوساطتها‭ ‬تقاسم‭ ‬المصالح،‭ ‬لا‭ ‬تقسيم‭ ‬الأرض،‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬تفتيتها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رواج‭ ‬مسألة‭ ‬تقسيم‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭:‬ لماذا‭ ‬التقسيم؟‭ ‬وهل‭ ‬التقسيم‭ ‬سيُضعف‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أكثرَ‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬الراهنة،‭ ‬أم‭ ‬قد‭ ‬يجلب‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬فوضويته‭ ‬مجموعاتٍ‭ ‬قد‭ ‬تُشكّل‭ ‬خطرًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬للغرب‭ ‬وحضارته‭ ‬ومنجزه‭.‬ إن‭ ‬قلنا‭:‬ إن‭ ‬التناحر‭ ‬المذهبيّ‭ ‬أو‭ ‬الإثني‭ ‬يبلغ‭ ‬اليوم‭ ‬حالًا‭ ‬من‭ ‬الخطورة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬سيفضي‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬الدول،‭ ‬فعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليميّ‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬تركيا‭ ‬نشوء‭ ‬دولة‭ ‬كردية‭ ‬جنوب‭ ‬حدودها‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬مسوّغ،‭ ‬ولن‭ ‬تسمح‭ ‬إيران‭ ‬بميلاد‭ ‬دولة‭ ‬سُنية‭ ‬شَرْق‭ ‬العراق،‭ ‬ويمكن‭ ‬القياس‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬تقسيم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬هو‭ ‬حصيلة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وليس‭ ‬نتيجة‭ ‬صراع‭ ‬أهليّ،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬بصدد‭ ‬تقاسُم‭ ‬الأرض‭ ‬لَفَعَلَتْ‭ ‬بعد‭ ‬جلاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬عنها‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬لكنها‭ ‬ظلَّت‭ ‬متماسكةً،‭ ‬واستطاعت‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬وطنية‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬إن‭ ‬الصراعات‭ ‬حتى‭ ‬الأهلية‭ ‬لا‭ ‬تتسبَّب‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬دول،‭ ‬مثل‭ ‬الحال‭ ‬الأفغانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُسفر‭ ‬عن‭ ‬ميلاد‭ ‬أيّ‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إخفاق‭ ‬دولة‭ ‬أفغانستان‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬لكنها‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الجيوسياسيّ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدوليّ؛‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬يُقَسَّم‭ ‬السودان؟‭ ‬عمليًّا‭ ‬لم‭ ‬يُقسَّم‭ ‬إنما‭ ‬حدث‭ ‬الانفصال‭ ‬نتيجة‭ ‬استفتاء،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬وقع‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬رسَّخت‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الولاء‭ ‬للدولة‭ ‬السودانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬الغربيّ‭ ‬لا‭ ‬شكَّ‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬والحالة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬أسكتلندا‭ ‬التي‭ ‬نظَّمت‭ ‬استفتاء‭ ‬على‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وصوَّت‭ ‬الأسكتلنديون‭ ‬برفض‭ ‬الانفصال‭.‬

إننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نُقلّل‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأثيرات‭ ‬الواسعة‭ ‬النطاق‭ ‬والمتعددة‭ ‬المجالات،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬ميلاد‭ ‬دول‭ ‬جديدة،‭ ‬فنشكّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬


كيف نوقف تفكيك العالم العربيّ؟

1لم‭ ‬يَعُدِ‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬عقد‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬فعوامل‭ ‬التعرية‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬رانت‭ ‬على‭ ‬مكوّنات‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تشكله‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬المحيط،‭ ‬بعضها‭ ‬بفعل‭ ‬خلل‭ ‬بنيويّ‭ ‬داخليّ،‭ ‬وبعضها‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬تدخُّلات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية،‭ ‬طامعة‭ ‬فيما‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬إمكانيات،‭ ‬وطامحة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بوسع‭ ‬الخارج‭ ‬أن‭ ‬يعبث‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬العربيّ‭ ‬لولا‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬قابليةً‭ ‬لهذا،‭ ‬وهشاشةً‭ ‬ظاهرةً،‭ ‬تُغريه‭ ‬بالتدخُّل،‭ ‬وتُصَوِّر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬العرب‭ ‬ستكون‭ ‬يسيرةً‭.‬

إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭ ‬جديدةٍ‭ ‬لم‭ ‬يَعُدْ‭ ‬ترفًا،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الشعور‭ ‬المفرط‭ ‬بالمؤامرة،‭ ‬لكنه‭ ‬بات‭ ‬حقيقةً‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬آلَتْ‭ ‬إليها‭ ‬أوضاعُ‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬الذي‭ ‬تآكلت‭ ‬أطرافه‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬وتفتّت‭ ‬الصومال،‭ ‬واضطراب‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬ثم‭ ‬انفجر‭ ‬قلبُه‭ ‬بفعل‭ ‬ثَوْرَات‭ ‬وانتفاضات،‭ ‬جَرَّتْ‭ ‬بعضَ‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية؛‭ ‬مثل‭: ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬واستقطاب‭ ‬سياسيّ‭ ‬حادّ؛‭ ‬مثل‭: ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬وجعلت‭ ‬بعضه‭ ‬مطمعًا‭ ‬لإيران‭ ‬وتركيا؛‭ ‬مثل‭: ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭. ‬وتضغط‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬انقسامها‭ ‬وتفتُّتها،‭ ‬وبخاصة‭ ‬بعد‭ ‬توحُّش‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرّفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬التي‭ ‬توظِّف‭ ‬القراءة‭ ‬المشوَّهة‭ ‬والمُغرضة‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الأوطان‭.‬

وقف‭ ‬السيناريو‭ ‬البائس

كي‭ ‬يمكن‭ ‬وقف‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬البائس‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الشروع،‭ ‬الآن‭ ‬قبل‭ ‬الغد،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬إنجاز‭ ‬الانصهار‭ ‬أو‭ ‬الاندماج‭ ‬الوطنيّ،‭ ‬الذي‭ ‬غاب‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬المستعمر،‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬سياسية،‭ ‬تُوقِف‭ ‬النزاعات‭ ‬والصراعات‭ ‬المُسلّحة‭ ‬والفوضى‭ ‬المجتمعية،‭ ‬والاحتقانات‭ ‬النفسية‭. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬عملية‭ ‬الاندماج‭ ‬على‭ ‬خير‭ ‬وجه،‭ ‬وتؤدِّي‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الجماعة‭ ‬ودفع‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬الإمام؛‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬توافر‭ ‬عدة‭ ‬شروط‭ ‬يمكن‭ ‬ذكرها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الآتي‭:‬

أولًا‭- ‬الطواعية‭:‬‭ ‬فالاندماجات‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬قسرًا‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬طويلًا‭… ‬والمثال‭ ‬الناصع‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬التي‭ ‬تلاحقت‭ ‬على‭ ‬حُكم‭ ‬البشرية‭ ‬طوال‭ ‬القرون‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬قيام‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬القومية‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬توسُّعها‭ ‬ضمَّت‭ ‬أجناسًا‭ ‬وأتباعَ‭ ‬أديانٍ‭ ‬ومذاهبَ‭ ‬ولغات‭ ‬وأعراقًا‭ ‬عديدة،‭ ‬ودمجتهم‭ ‬عَنْوةً،‭ ‬وظل‭ ‬هذا‭ ‬الدَّمْجُ‭ ‬القَسْريُّ‭ ‬قائمًا‭ ‬رَدَحًا‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬والمناطق‭ ‬إلى‭ ‬انصهار‭ ‬اجتماعيّ‭ ‬كامل؛‭ ‬لهذا‭ ‬ما‭ ‬إنْ‭ ‬فَلَتَتْ‭ ‬قبضةُ‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬حتى‭ ‬تمرَّدَتْ‭ ‬عليها‭ ‬الجماعاتُ‭ ‬المُجبَرة‭ ‬على‭ ‬الانضواء‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الإمبراطور،‭ ‬وانفصلت‭ ‬تباعًا‭ ‬في‭ ‬كيانات‭ ‬مستقلَّة‭. ‬أما‭ ‬المثال‭ ‬الناصع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الحديث‭ ‬فهو‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتيّ‭ ‬السابق،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬ضمّ‭ ‬قوميات،‭ ‬وعرقيات،‭ ‬وأصحاب‭ ‬ثقافات‭ ‬وديانات‭ ‬بالقوة‭ ‬المسلَّحة‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الإمبراطوريّ‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬إنْ‭ ‬تراخَتْ‭ ‬قوَّتُه،‭ ‬حتى‭ ‬تفكَّك‭ ‬إلى‭ ‬دُوَيْلات‭ ‬عِدَّة‭. ‬وهناك‭ -‬أيضًا‭- ‬الاتحاد‭ ‬اليوغسلافيّ‭ ‬الذي‭ ‬راح‭ ‬يتفكَّك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تَطْوي‭ ‬الألفيةُ‭ ‬الثانيةُ‭ ‬سنواتِها‭. ‬

ghr1ثانيًا‭- ‬الخصائص‭ ‬البنيوية‭ ‬المشتركة‭: ‬وهي‭ ‬تتوزَّع‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬متعددة،‭ ‬يؤدِّي‭ ‬جميعُها‭ ‬إلى‭ ‬تماسك‭ ‬‮«‬التيار‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬العريض‮»‬،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالقيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة‭ ‬والمتوارثة‭ ‬التي‭ ‬إنْ‭ ‬تجدَّدتْ‭ ‬لا‭ ‬تُخلّ‭ ‬بهذا‭ ‬التماسك،‭ ‬ولا‭ ‬تهُزّه‭ ‬فجأةً،‭ ‬فتنتج‭ ‬تصدُّعات‭ ‬وتشققات‭ ‬تضرُّ‭ ‬به‭. ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالثقافة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الأذهان‭ ‬والأفهام‭ ‬وتصقلها،‭ ‬وتحدِّد‭ ‬السلوك‭ ‬وتعيِّنه،‭ ‬فهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬بما‭ ‬ينضوي‭ ‬تحتها‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬وقيم‭ ‬وتوجُّهات‭ ‬يُمكنها‭ ‬أن‭ ‬توظف‭ ‬لبناء‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬يؤسّس‭ ‬للتعايش،‭ ‬وقَبُول‭ ‬الآخَر‭ ‬من‭ ‬حيثُ‭ ‬المنشأُ،‭ ‬ثم‭ ‬يفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬البحث‭ ‬الدائم‭ ‬والدائب‭ ‬عن‭ ‬الانصهار‭ ‬الوطنيّ‭. ‬ومنها‭ ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالجوانب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومقتضيات‭ ‬السُّوق‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬والشرائح‭ ‬والطوائف؛‭ ‬تجعلها‭ ‬حريصةً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُبقِي‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬جيدةً‭ ‬مع‭ ‬الكُتَل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المختلفة‭. ‬

ثالثًا‭- ‬الإطار‭ ‬العادل‭:‬‭ ‬فالدستور‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬التصوُّرات‭ ‬والممارسات‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُفرّق‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬وَفْق‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬الاختلافات‭ ‬القائمة‭ ‬بينهم،‭ ‬إنما‭ ‬تُسوِّي‭ ‬نصوصُه‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭. ‬ولو‭ ‬حمل‭ ‬دستور‭ ‬بلد‭ ‬أو‭ ‬قوانينه‭ ‬ما‭ ‬يميِّز‭ ‬بين‭ ‬مواطنيه‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬أُسُس‭ ‬الاختلاف،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬جدٌّ‭ ‬خطير،‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬أمام‭ ‬ظهور‭ ‬أفعال‭ ‬اضطهاد؛‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬أم‭ ‬المؤسسات‭. ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالنصوص‭ ‬التي‭ ‬تقيم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التساوي‭ ‬والتماثل،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬الضروريّ‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الواقع،‭ ‬فتتحوّل‭ ‬من‭ ‬محض‭ ‬سطور‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬وتدابير‭. ‬

رابعًا‭- ‬الرابطة‭ ‬العاطفية‭:‬‭ ‬من‭ ‬الضروريّ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬موحّدة،‭ ‬تنجذب‭ ‬إليها‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير،‭ ‬وتكون‭ ‬أكثر‭ ‬سطوعًا‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬نقاط‭ ‬أخرى‭ ‬جاذبة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُشتّت‭ ‬ولاءهم‭ ‬الجمعيّ‭. ‬وهذه‭ ‬النقطة‭ ‬لا‭ ‬تخلقها‭ ‬الادّعاءات،‭ ‬ولا‭ ‬يصنعها‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالخطابات‭ ‬والكلمات‭ ‬الرنَّانة‭ ‬الطنانة‭ ‬التي‭ ‬تدغدغ‭ ‬المشاعر،‭ ‬إنما‭ ‬تتطلّب‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تغذي‭ ‬الانتماء‭. ‬

خامسًا‭- ‬المشروع‭ ‬السياسيّ‭ ‬والحضاريّ‭ ‬المشترك‭: ‬فغياب‭ ‬المشروع‭ ‬السياسيّ‭ ‬الذي‭ ‬يَتحلَّقُ‭ ‬حوله‭ ‬الجميعُ،‭ ‬ويعملون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نجاحه،‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬انتماءاتها‭ ‬الأَوَّلية‭ ‬وبخاصة‭ ‬الدينية‭. ‬أما‭ ‬حضور‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بشكل‭ ‬طوعيّ،‭ ‬واشتماله‭ ‬على‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬والمصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬طوائف‭ ‬المجتمع‭ ‬وطبقاته‭ ‬وشرائحه‭ ‬وفئاته‭ ‬المختلفة؛‭ ‬يؤدّي‭ ‬بهؤلاء‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬التوحُّد‭ ‬والانصهار‭.‬

إن‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬بات‭ ‬ضرورة‭ ‬الآن؛‭ ‬كي‭ ‬نوقف‭ ‬تفكيك‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬وعلى‭ ‬السلطات‭ ‬الحاكمة‭ ‬والنُّخَب‭ ‬البارزة،‭ ‬والصفوات‭ ‬والطبقات‭ ‬الممكنة،‭ ‬والقوى‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفِكْر،‭ ‬وقادة‭ ‬الرأي؛‭ ‬أن‭ ‬يتكاتفوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صناعة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬


تقسيم المُقسَّم

Abdulla-Alawadiبمراجعة‭ ‬خارطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬ومعها‭ ‬الإسلاميّ،‭ ‬فإن‭ ‬الفروقات‭ ‬السبعة‭ ‬واضحة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬ولدينا‭ ‬أمثلة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الأغبر،‭ ‬فأين‭ ‬الشام‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وقد‭ ‬انقسمت‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وهناك‭ ‬خُطَط‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التقسيم‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬واضعي‭ ‬السياسات‭ ‬الافتراضية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬أصحابها‭ ‬جاهدين‭ ‬لفرضها‭ ‬واقعيةً‭. ‬فاليمن‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقديْنِ‭ ‬كان‭ ‬يمنيْنِ،‭ ‬والسودان‭ ‬صار‭ ‬سودانيْنِ‭ ‬أمام‭ ‬العيان،‭ ‬وشبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭ ‬صار‭ ‬هندًا‭ ‬وباكستانَ‭ ‬وبنغلاديشَ‭.‬
وعندما‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬تحت‭ ‬أقدامنا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أشواك‭ ‬تقسيم‭ ‬المُقسَّم‭ ‬وتشتيت‭ ‬المُشتَّت،‭ ‬نلاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإحداثيات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬اندلاع‭ ‬‮«‬الربيع‮»‬‭ ‬المحروق‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يسعى‭ ‬لاستغلال‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬‮«‬الرايسية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬المستقبلية‭ ‬خَلْق‭ ‬تسع‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تَقُمْ‭ ‬لها‭ ‬قائمة‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬حريق‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربيّ‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬‮«‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الجرار‮»‬‭.‬
المساحات‭ ‬الجغرافية‭ ‬والأعداد‭ ‬البشرية‭ ‬الهائلة‭ ‬ليستا‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬السياسيّ‭ ‬دائمًا‭ ‬عندما‭ ‬تُدار‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالحنا،‭ ‬فأيرلندا‭ ‬أصغر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربيّ،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أوقفت‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربيّ،‭ ‬ونالت‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬الخانقة‭ ‬قبل‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬وهذا‭ ‬المثال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬له‭ ‬أثرًا‭ ‬في‭ ‬الفعل‭ ‬ورد‭ ‬الفعل‭ ‬العربيّ‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬كافة‭ ‬التي‭ ‬تُسطّر‭ ‬بالبيانات‭ ‬الرسمية‭ ‬والإدانات‭ ‬الفارغة،‭ ‬ونحن‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نمارس‭ ‬مشي‭ ‬السلحفاة‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬الشائكة‭.‬

سيناريو‭ ‬مستقبليّ

العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬وارِد‭ ‬ذِكرها‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬التقسيم‭ ‬الحالية؛‭ ‬بوصفها‭ ‬أحد‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬العاجل،‭ ‬فتقسيم‭ ‬السودان‭ ‬أخذ‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬قرابة‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬وقد‭ ‬وقع،‭ ‬ولم‭ ‬يعترض‭ ‬عليه‭ ‬أحد،‭ ‬بل‭ ‬جرى‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬فورًا‭ ‬من‭ ‬سودان‭ ‬الشمال‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى؛‭ ‬لإظهار‭ ‬حسن‭ ‬النوايا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬أَكَلتْ‭ ‬من‭ ‬يابس‭ ‬السودان‭ ‬وأخضره‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فعليًّا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬من‭ ‬اختلاط‭ ‬قوى‭ ‬الصراع‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬حلّ‭ ‬فوريّ‭ ‬للأزمة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬طوق‭ ‬كلّ‭ ‬القوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية،‭ ‬في‭ ‬مطحنة‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سالف‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬المعاصرة‭.‬
فهذه‭ ‬البيئة‭ ‬السياسية‭ ‬الخانقة‭ ‬لأيّ‭ ‬حلّ‭ ‬سلميّ‭ ‬مِن‭ ‬الطَّبَعيّ‭ ‬أن‭ ‬تُولِّد‭ ‬روائحَ‭ ‬للانقسام‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالرِّضا‭ ‬فبفرض‭ ‬واقع‭ ‬مرير؛‭ ‬للهرب‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬أَمَرُّ،‭ ‬فبعض‭ ‬مما‭ ‬تَضرَّر‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬المذابح‭ ‬والانفجارات‭ ‬اليومية‭ ‬يقبل‭ ‬بقشة‭ ‬التقسيم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مُرًّا‭ ‬أو‭ ‬علقمًا‭. ‬فيكفي‭ ‬إذا‭ ‬حالف‭ ‬الحظّ‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مستقلّة‭ ‬بين‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وتركيا‭ ‬أن‭ ‬يعاد‭ ‬رسم‭ ‬الخارطة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬جديد؛‭ ‬لاحتضان‭ ‬هذا‭ ‬الوليد‭ ‬المختلط‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التقسيم‭ ‬الأقرب‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬وبوادر‭ ‬قَبُوله‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬إقليم‭ ‬كرديّ‭ ‬شبه‭ ‬مستقرّ‭ ‬مقارَنة‭ ‬بما‭ ‬يَحدُث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وعراق‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يُشْفَ‭ ‬من‭ ‬داء‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬المستمرَّة‭ ‬منذ‭ ‬حِين‭ ‬حتى‭ ‬مشروع‭ ‬تقسيم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يَحُدُّه‭ ‬حِين‭.‬

دور‭ ‬الميليشيات‭ ‬قاتل

دور‭ ‬التنظيمات‭ ‬والميليشيات‭ ‬قاتل‭ ‬للأوطان‭ ‬المستقرة،‭ ‬وهي‭ ‬الواقع‭ ‬البديل‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬القَوْل‭ ‬الفَصْل‭ ‬في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بيد‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عُقْر‭ ‬دارها‭. ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬يعطل‭ ‬حزب،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬دَوْر‭ ‬دولة‭ ‬وأعمالها‭ ‬التي‭ ‬أصابها‭ ‬الشلل‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تطلب‭ ‬العمار‭ ‬والبناء‭ ‬لأسس‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬المعروفة‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬أنها،‭ ‬وبأمر‭ ‬من‭ ‬الميليشيات،‭ ‬صارت‭ ‬عاجزةً‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬أيّ‭ ‬دَوْر‭ ‬سياسيّ‭ ‬وسياديّ‭ ‬يُعِيد‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬والنماء‭. ‬وقِسْ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬تنظيمات‭ ‬وميليشيات‭ ‬سَمَّتْ‭ ‬نفسَها‭ ‬باسم الله‭ ‬وأنصار‭ ‬الحق،‭ ‬والإسلام‭ ‬براء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؛‭ ‬لهدم‭ ‬أركان‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬والأمان‭ ‬في‭ ‬الأوطان‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أحوج‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم‭. ‬فعندما‭ ‬يُختَزل‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬ميليشيا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬حجمه‭ ‬أو‭ ‬وزنه‭ ‬السياسيّ‭ ‬وفقًا‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬فإن‭ ‬النصاب‭ ‬هنا‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬نصاب‭ ‬سياسيّ،‭ ‬وتتحوَّل‭ ‬العدالة‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬شبيه‭ ‬بالظلمات‭ ‬الثلاث،‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مُثلَّث‭ ‬برمودا‭ ‬المرعب‭ ‬سياسيًّا،‭ ‬ويختفي‭ ‬فيه‭ ‬الحقُّ‭ ‬ومِن‭ ‬ورائِه‭ ‬كلُّ‭ ‬المعاني‭ ‬السامية‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مكانه‭ ‬الصحيح‭. ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬صارت‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬والميليشيات‭ ‬جزءًا‭ ‬لصيقًا‭ ‬بالكيان‭ ‬السياسيّ‭ ‬للدولة‭ ‬الوطنية؛‭ ‬فانظر‭ ‬ماذا‭ ‬نرى؟‭! ‬


التقسيم في الأنفس

Khalidتشير‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬الراهنة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العربيّ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬القطرية‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التقسيم‭ ‬المنتظَر؛‭ ‬نتيجة‭ ‬عوامل‭ ‬عدّة،‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬المحليُّ‭ ‬الخارجيَّ؛‭ ‬إذ‭ ‬يأتي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬خاطئ‭ ‬للدِّين،‭ ‬تَحوَّل‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬دعم‭ ‬ماليّ‭ ‬وعسكريّ‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أطراف‭ ‬فاعلة‭ ‬إلى‭ ‬وَثَنِيَّة‭ ‬جديدة،‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬يأتي‭ ‬الثاني‭ ‬مِن‭ ‬تكالُب‭ ‬أُمَم‭ ‬بعيدة،‭ ‬وأخرى‭ ‬جارة؛‭ ‬منها‭: ‬مَا‭ ‬يُمثِّل‭ ‬عدوًّا‭ ‬تقليديًّا‭ ‬للعرب،‭ ‬ومنها‭: ‬ما‭ ‬يُعَدّ‭ ‬عدوًّا‭ ‬جديدًا،‭ ‬ومنها‭: ‬ما‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬شريكًا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإيمانيّ،‭ ‬لكنه‭ ‬يُصنَّف‭ ‬ضمن‭ ‬سلطة‭ ‬باغية،‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬فئة‭ ‬باغية‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬التأسيس‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مسوغًا‭ ‬للتقسيم،‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجغرافيا‭ ‬وخيرات‭ ‬الأرض،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬ضِيق‭ ‬في‭ ‬الأنفس‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رحابة‭ ‬الأرض،‭ ‬وهو‭ -‬أيضًا‭- ‬توظيف‭ ‬لميراث‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬المسوغة‭ ‬وغير‭ ‬المسوغة،‭ ‬يظهر‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬المذهبيّ‭ ‬في‭ ‬العراق؛‭ ‬إذ‭ ‬انطَلَتْ‭ ‬على‭ ‬العراقيين‭ ‬الشيعةِ‭ ‬إستراتيجيةُ‭ ‬الجار‭ ‬العدوّ،‭ ‬فتَخلَّوْا‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المذهب،‭ ‬ووقع‭ ‬العراقيون‭ ‬السُّنة‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬نفسه‭ ‬حين‭ ‬طالبوا‭ ‬بالتدويل؛‭ ‬حماية‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬الشيعة،‭ ‬هكذا‭ ‬فعل‭ ‬الأكراد‭ ‬حين‭ ‬غرقوا‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬القومية‭ ‬الكردية،‭ ‬والاستقلال‭ ‬بالدولة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عراقٍ‭ ‬مُوحَّد‭ ‬وكبير‭.‬

يظهر‭ ‬ميراث‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن،‭ ‬لكن‭ ‬بتباينات‭ ‬واختلافات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬السابقة‭ ‬الذكر،‭ ‬ويظهر‭ ‬بدرجة‭ ‬أخرى‭ ‬أقلّ‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولبنان‭ ‬وتونس،‭ ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬وستتسع‭ ‬دائرته‭ ‬لِتشمل‭ ‬كلّ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬اختيار‭ ‬لأطراف‭ ‬سياسية،‭ ‬ونُخَب‭ ‬ثقافية‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬الحلّ،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1955م،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬طرحت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬القضية‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ -‬وكانت‭ ‬هي‭ ‬السبَّاقة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالميّ‭- ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬انطلاق‭ ‬الثورة‭ ‬ضد‭ ‬فرنسا،‭ ‬عندها‭ ‬ظهرت‭ ‬عبارة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثَّلت‭ ‬تصنيفًا‭ ‬وتوصيفًا‭ ‬جغرافيًّا‭ ‬للعرب،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭: ‬‮«‬عرب‭ ‬آسيا،‭ ‬وعرب‭ ‬إفريقيا‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬حفرت‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬أُخدُودًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬العربية‭ ‬لمَنْ‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يذكر‭ ‬ويُؤصِّل‭ ‬لرؤية‭ ‬دول‭ ‬العالَمِ‭ ‬العربَ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬واقعهم‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬والقوميّ،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أدبيَّات‭ ‬الفكر‭ ‬القوميّ‭ ‬أو‭ ‬الدرس‭ ‬السياسيّ؛‭ ‬تكشَّف‭ ‬لنا‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستقلّ‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كُنّا‭ ‬نواجه‭ ‬خطر‭ ‬التقسيم‭.‬

منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬لم‭ ‬يُنظَر‭ ‬لنا‭ ‬كأُمَّة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬واشتراكنا‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬عِدَّة‭ ‬حروب‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُعرَف‭ ‬اليوم‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ودول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.. ‬تُرى‭ ‬أين‭ ‬اختفت‭ ‬العروبة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الانتماء‭ ‬والثقافة‭ ‬والحيز‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الستة‭ ‬الماضية؟

globalالدفاع‭ ‬الشرس

الإجابة‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬الشرس؛‭ ‬كي‭ ‬تحافظ‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدَّى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إضرار‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬والأشكال‭ ‬الوَحْدوية‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أُسِّست‭ ‬بنوايا‭ ‬صادقة،‭ ‬ولم‭ ‬يَبْقَ‭ ‬منها‭ ‬صامدًا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العواصف‭ ‬إلا‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬الشكل‭ ‬الوحدويّ،‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬عربية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإقليميّ،‭ ‬بل‭ ‬–أحيانًا‭- ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬عدوها‭ ‬المشترك‭.‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬قبلنا‭ ‬بالغرق‭ ‬في‭ ‬شيفونية‭ ‬وطنية؛‭ ‬بسبب‭ ‬تربية‭ ‬وتعليم‭ ‬لم‭ ‬يُعمِّقَا‭ ‬البُعد‭ ‬الوطنيّ‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬قوميّ،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اخترْنا‭ ‬بوعي‭ ‬أن‭ ‬نُصنَّف‭ ‬ضمن‭ ‬فريق‭ ‬تَحكُمُه‭ ‬السياسةُ‭ ‬أَكْثر‭ ‬مما‭ ‬تحكمه‭ ‬المعرفة‭ ‬والثقافة،‭ ‬فإننا‭ ‬انتهينا‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التقسيم؛‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬لا‭ ‬يُخِيفنا‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اتِّساع‭ ‬مساحة‭ ‬الدم،‭ ‬واللعب‭ ‬بالخرائط؛‭ ‬لأننا‭ ‬مُقسَّمون‭ ‬بالفعل،‭ ‬وبأْسُنا‭ ‬بيننا‭ ‬شديد،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أمة‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬هو‭ ‬قَدَرُنا،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مُنطَلَق‭ ‬زرع‭ ‬الأمل،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬واجبًا‭ ‬علينا‭ ‬الآن؛‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬عبر‭ ‬تاريخنا‭ ‬الطويل‭ ‬أكَّدت‭ ‬عودتنا،‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬العودة،‭ ‬ومنها‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الحال‭ ‬الراهنة،‭ ‬ليست‭ ‬مشروعًا‭ ‬مؤجَّلًا،‭ ‬تتحمَّل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬عبء‭ ‬تكلفته‭ ‬التاريخية،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬فَرْضُ‭ ‬عين‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا؛‭ ‬لأن‭ ‬حماية‭ ‬الأُمم‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬عالَم‭ ‬الأفكار،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬شارَكتْ‭ ‬فيه‭ ‬مؤسساتُ‭ ‬الدولة‭.. ‬هنا‭ ‬وَجَبَ‭ ‬التذكير‭ ‬بدور‭ ‬الدولة‭ ‬القطرية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬واقعًا،‭ ‬وبحمايتها‭ ‬من‭ ‬التقسيم،‭ ‬ومن‭ ‬انهيار‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬نحمي‭ ‬الأمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيه‭ ‬صُنَّاع‭ ‬القرار؛‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مَدّ‭ ‬جسور‭ ‬نحوهم؛‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬أُمَّتنا‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬نتصوره‭.‬

مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لقد‭ ‬تَأصَّلَ‭ ‬التقسيم‭ ‬داخل‭ ‬الأنفُس،‭ ‬وتَحَوَّل‭ ‬إلى‭ ‬تعصُّب‭ ‬مذهبيّ،‭ ‬وموقف‭ ‬أيديولوجيّ،‭ ‬ومصلحة‭ ‬براغماتية،‭ ‬يُضاف‭ ‬إليها‭ ‬جغرافيا‭ ‬عربية‭ ‬مُقسَّمة،‭ ‬ولتفكيك‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استنهاض‭ ‬الهمم؛‭ ‬لتجاوز‭ ‬المحنة‭ ‬الراهنة،‭ ‬وواضح‭ ‬أن‭ ‬النقاشات‭ ‬الدائرة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬العربية‭ ‬تُمثِّل‭ ‬بداية‭ ‬لتغيير‭ ‬حقيقيّ،‭ ‬قد‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬السقوط،‭ ‬أو‭ ‬يُعِيد‭ ‬الأمةَ‭ ‬إلى‭ ‬رُشْدها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تَصِلَ‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬التقسيم‭. ‬


طبوغرافية للفوضى

najiظروف‭ ‬متعددة‭ ‬أتاحت‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬استمرارية‭ ‬البقاء‭ ‬والتوسع‭ ‬والتواصل،‭ ‬لعل‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬ما‭ ‬ارتبط‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬ونظامها‭ ‬السياسيّ،‭ ‬والطبيعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للأطراف‭ ‬الحدودية،‭ ‬ومتى‭ ‬تَوافَقَا‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية؛‭ ‬اتَّسَع‭ ‬نطاق‭ ‬عملياتها،‭ ‬ونمت‭ ‬مواردها،‭ ‬وتصاعدت‭ ‬قوتها‭ ‬البشرية‭.‬

اتَّخذَت‭ ‬حركات‭ ‬التمرُّد‭ ‬والإرهاب‭ ‬من‭ ‬كيانات‭ ‬جغرافية‭ ‬مواقعَ‭ ‬لتأسيس‭ ‬قواعدها،‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬أشباه‭ ‬دول‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬متمردة‭. ‬تُعرِّف‭ ‬الأدبيات‭ ‬السياسية‭ ‬أشباهَ‭ ‬الدول‭ ‬بالسلطات‭ ‬التي‭ ‬شغَلَت‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬والمحلية‭ ‬عقب‭ ‬جلاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬واستخدام‭ ‬أغلبية‭ ‬عائدات‭ ‬السلطة‭ ‬لصالح‭ ‬أفراد‭ ‬مُحدَّدِين،‭ ‬وتسريب‭ ‬الفائض‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭. ‬بينما‭ ‬نجد‭ ‬الدولة‭ ‬المتمردة‭ ‬دولة‭ ‬مركزية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مقدرتها‭ ‬على‭ ‬سيطرة‭ ‬الأطراف،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تنميتها،‭ ‬أم‭ ‬إتاحة‭ ‬فرص‭ ‬للمشاركة،‭ ‬أم‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬وترسيخ‭ ‬الأمن،‭ ‬متأرجحة‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومتى‭ ‬انحسر‭ ‬اهتمامها،‭ ‬وتلاشت‭ ‬سلطتها‭ ‬عن‭ ‬الأطراف،‭ ‬برزت‭ ‬جماعات‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب؛‭ ‬للقيام‭ ‬بملء‭ ‬الفراغ،‭ ‬وفرض‭ ‬الأمن،‭ ‬وتقديم‭ ‬بعض‭ ‬الخِدمات،‭ ‬وترسيخ‭ ‬ثقافات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬محددة‭. ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬الأعمّ‭ ‬تميّزت‭ ‬الأطراف‭ ‬بعوائقها‭ ‬الجغرافية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وصعوبة‭ ‬الوصول‭ ‬إليها،‭ ‬وتباينها‭ ‬العرقيّ‭ ‬والثقافيّ‭ ‬عن‭ ‬المركز‭. ‬

عوامل‭ ‬متعددة‭ ‬أدَّت‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬الدول‭ ‬المتمردة؛‭ ‬منها‭: ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسيّ،‭ ‬وتنازُع‭ ‬أراضيها‭ ‬سلطة‭ ‬مركزية‭ ‬وفصائل‭ ‬سياسية‭ ‬مناوئة‭ ‬لسلطة‭ ‬الحكم‭ ‬المركزيّ،‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬تُدافع‭ ‬عن‭ ‬سلطتها‭ ‬المركزية‭ ‬قواتٌ‭ ‬مسلحة،‭ ‬تسعى‭ ‬دائمًا‭ ‬للخلط‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬والاختصاص،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأطراف‭ ‬الجغرافية‭ ‬مثّلت‭ ‬موئلًا‭ ‬مناسبًا‭ ‬لنمو‭ ‬وتطوّر‭ ‬التطرُّف‭ ‬والإرهاب‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭. ‬ولتجاور‭ ‬الأطراف‭ ‬الجغرافية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المتمردة؛‭ ‬أصبح‭ ‬لحركات‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬مجال‭ ‬جغرافيّ‭ ‬أوسع‭ ‬للحركة‭ ‬والنشاط،‭ ‬متجاوزة‭ ‬الحدود،‭ ‬ومُشَكِّلة‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬كياناتٍ‭ ‬متسعةً،‭ ‬ومتجاوزة‭ ‬مساحةَ‭ ‬الدولة‭ ‬المتمردة‭. ‬لعل‭ ‬أوضح‭ ‬مثال‭ ‬هو‭ ‬حجم‭ ‬المجال‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬للحركات‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬والسورية،‭ ‬ومناطق‭ ‬القبائل‭ ‬بين‭ ‬باكستان‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬والأطراف‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬ليبيا‭ ‬وتونس،‭ ‬وأطراف‭ ‬أراضي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تُمثِّل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬حركات‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬وإلَّا‭ ‬لَتَجاوزَتْ‭ ‬حدودُ‭ ‬حركات‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬حدودَ‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة؛‭ ‬لتُشكِّل‭ ‬نطاقًا‭ ‬جغرافيًّا‭ ‬ممتدًا‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عمان،‭ ‬والأطراف‭ ‬الجغرافية‭ ‬لليمن،‭ ‬أو‭ ‬يتجاوز‭ ‬متمرِّدو‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬الأطراف‭ ‬الأفغانية‭ ‬والباكستانية‭ ‬حدودَهم‭ ‬الجغرافية،‭ ‬باجتيازهم‭ ‬الحدودَ‭ ‬الصينيةَ‭ ‬بُغْية‭ ‬التوسع‭ ‬الجغرافيّ‭. ‬

شروط‭ ‬عدة‭ ‬تتحكّم‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬امتداد‭ ‬المجال‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬إلى‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬لكونه‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬المكونات‭ ‬الجغرافية،‭ ‬والشروط‭ ‬المُثْلَى‭ ‬لإقامة‭ ‬الملاذ‭ ‬الآمن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فهو‭ ‬امتداد‭ ‬هلاميّ‭ ‬غير‭ ‬مستقرّ،‭ ‬وقابل‭ ‬للتعديل‭ ‬والتغيير،‭ ‬ونطاق‭ ‬تنازع‭ ‬بين‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كليهما‭ ‬يسعى‭ ‬لعدم‭ ‬التعرُّض‭ ‬للتخوم‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬المجاليْنِ‭ ‬الجغرافيين؛‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬استخباراتية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ولعدم‭ ‬تأليب‭ ‬قاطنيه،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬تأييده‭ ‬الخصمَ‭. ‬

تضم‭ ‬الأطرافُ‭ ‬مكوناتٍ‭ ‬معقدةَ‭ ‬التفاعلِ‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭: ‬طبوغرافية‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬وموارد‭ ‬لوجستية،‭ ‬وبِنَى‭ ‬تحتية‭ ‬يمكن‭ ‬بوساطتها‭ ‬خلْق‭ ‬فضاء‭ ‬للتواصل‭ ‬العالميّ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬سماته‭ ‬نتاج‭ ‬لأوضاع‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وترسيخ‭ ‬لعدم‭ ‬المساواة،‭ ‬وإن‭ ‬عزلتها‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬أفرزتها‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬والركود‭ ‬الاقتصاديّ‭ ‬أو‭ ‬التراجع،‭ ‬وإن‭ ‬تراكم‭ ‬الجهل‭ ‬وانتشار‭ ‬الأُمية‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬مجتمع‭ ‬الأطراف؛‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬الجهل‭ ‬بطبائع‭ ‬العالَم‭ ‬الحديث،‭ ‬والاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬ترسيخ‭ ‬فكرة‭ ‬الاستياء‭ ‬من‭ ‬تعدِّي‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭ ‬الموروثة،‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬الأيديولوجيّ،‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬النِّقْمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مورد‭ ‬بشريّ‭ ‬لرفد‭ ‬احتياجات‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬أو‭ ‬أقلّه،‭ ‬خَلْق‭ ‬نطاق‭ ‬اجتماعيّ‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبيّ‭.‬


هل أصبح التفتيت واقعًا؟

njلم‭ ‬يَعُدْ‭ ‬تقسيم‭ ‬بلد‭ ‬عربيّ‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬محض‭ ‬شبح‭ ‬أو‭ ‬هاجس‭. ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬التقسيم‭ ‬خطرًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬يبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬عاصفة‭ ‬تهبّ‭ ‬علينا‭. ‬ولم‭ ‬يَعُدْ‭ ‬يقتصر‭ ‬الخطرُ‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭. ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام،‭ ‬وعرفناه‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬خَلَقَ‭ ‬واقعًا‭ ‬سياسيًّا‭ ‬جديدًا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬سياقات‭ ‬الأحداث‭ ‬وتطوُّراتها‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬أزمة‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬،‭ ‬ووصل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مخططات‭ ‬التقسيم‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل؛‭ ‬نشرتْ‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬2013م،‭ ‬صورةً‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬خريطة‭ ‬جديدة‭ ‬للمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬تقضي‭ ‬بتقسيم‭ ‬السعودية‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬14‭ ‬دويلةً‭ ‬صغيرةً‭ ‬وممزقةً‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفيّ‭ ‬ومذهبيّ‭.‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬التفتيت‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التفكك‮»‬‭ ‬هو‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربيّ،‭ ‬فعلى‭ ‬حين‭ ‬تبدو‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مرشَّحة‭ ‬للانقسام،‭ ‬ولفقدان‭ ‬تكاملها‭ ‬الإقليميّ،‭ ‬وفي‭ ‬الصدارة‭ ‬منها‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا؛‭ ‬تبدو‭ ‬دُول‭ ‬أخرى‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وَحْدَتها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وبينهما‭ ‬مجموعة‭ ‬ثالثة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ستواصل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وَحْدتها،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬قادرةً‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬فَرْض‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬ترابها‭ ‬الوطنيّ؛‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬بظهور‭ ‬سلطات‭ ‬جزئية‭ ‬موازية‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬الشباب‮»‬‭ ‬وسوريا‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬خرائط‭ ‬المنطقة‭ ‬قديم‭ ‬قِدَم‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬التي‭ ‬تُكمل‭ ‬مئويتها‭ ‬الأُولى‭ ‬عام‭ ‬2018م؛‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬قَسَّمت‭ ‬تركةَ‭ ‬الرجل‭ ‬العثمانيّ‭ ‬المريض‭ ‬عبر‭ ‬إنشاء‭ ‬كيانات‭ ‬اصطنعت،‭ ‬ربما‭ ‬عشوائيًّا،‭ ‬أو‭ ‬وَفْق‭ ‬مصالح‭ ‬استعمارية‭ ‬خاصة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬خرائط‭ ‬ومشاريع‭ ‬التقسيم‭ ‬يتصاعد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬بقوة‭.‬

والحال‭ ‬أن‭ ‬عوامل‭ ‬التفكك‭ ‬صارت‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬مقوّمات‭ ‬الاندماج‭ ‬وآليات‭ ‬الإدماج‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬وتجلَّى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العراق؛‭ ‬بمنح‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬حكمًا‭ ‬ذاتيًّا،‭ ‬وإدارة‭ ‬قطاع‭ ‬من‭ ‬شؤونه‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬طموحات‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بالانفصال،‭ ‬أو‭ ‬تأسيس‭ ‬حكم‭ ‬ذاتيّ‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحوثيون‭ ‬في‭ ‬اليمن‭. ‬السودان‭ ‬كانت‭ ‬النموذج‭ ‬الميدانيّ‭ ‬الأكثر‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬التفتت‮»‬،‭ ‬فعقب‭ ‬انفصال‭ ‬الجنوب،‭ ‬ثمة‭ ‬طموحات‭ ‬لمواطني‭ ‬دارفور‭ ‬وكردفان‭ ‬إلى‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬الأُم،‭ ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬هُوِية‭ ‬السودان‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مثارًا‭ ‬للجدل،‭ ‬وهي‭ ‬أم‭ ‬المشكلات‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬يموج‭ ‬بالعرقيات‭ ‬واللغات‭. ‬

أدَّت‭ ‬التفاعلات‭ ‬والعمليات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والتغيُّرات‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬حلحلة‭ ‬المنطقة‭ ‬وبنيتها‭ ‬الجيوبوليتيكية،‭ ‬وكان‭ ‬بارزًا‭ ‬هنا‭ ‬تقسيم‭ ‬السودان،‭ ‬وإقامة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتيّ‭ ‬للأكراد‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مطالبة‭ ‬الحراك‭ ‬الجنوبيّ‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬بفكّ‭ ‬الارتباط،‭ ‬واستعادة‭ ‬الدولة‭ ‬الجنوبية؛‭ ‬لذلك‭ ‬ربما‭ ‬يتعذّر‭ ‬وضع‭ ‬حدّ‭ ‬لحالة‭ ‬التفتُّت‭ ‬المتزايدة،‭ ‬والآخذة‭ ‬في‭ ‬الاتساع‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬تُمثِّل‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التقسيم،‭ ‬ولعل‭ ‬استحالة‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬الهُوِيات‭ ‬والأعراق‭ ‬السورية‭ ‬المتحاربة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬ترشح‭ ‬سيناريو‭ ‬تقسيم‭ ‬سوريا،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬نُخبة‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬وطنية،‭ ‬تتمتّع‭ ‬بقدر‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬الشرعية،‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بممارسة‭ ‬السلطة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬المرشّحة؛‭ ‬للحلول‭ ‬مَحَلّ‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬الراهنة،‭ ‬فلا‭ ‬نظام‭ ‬الأسد،‭ ‬ولا‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬السوريّ،‭ ‬لديهما‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭.‬

القصد‭ ‬أن‭ ‬خطر‭ ‬الانفصال‭ ‬والتفتيت‭ ‬الذي‭ ‬يقترب‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يُنذِر‭ ‬بتحوُّل‭ ‬جغرافيّ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتغيير‭ ‬شكل‭ ‬العالَم‭ ‬العربيّ‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬التقسيم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مُهدِّدًا‭ ‬العالَمَ‭ ‬العربيَّ‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الآن‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬ثمة‭ ‬جهود‭ ‬إقليمية‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تفتيت‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬الجهد‭ ‬السعوديّ‭ ‬الذي‭ ‬كشفه‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬التحالف‭ ‬الإسلاميّ‮»‬‭ ‬لمقاومة‭ ‬الجماعات‭ ‬الراديكالية،‭ ‬و«عاصفة‭ ‬الحزم‮»‬‭ ‬لمنع‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬اليمنية‭ ‬بجوار‭ ‬تنسيق‭ ‬إقليميّ‭ ‬مع‭ ‬تركيا؛‭ ‬لدعم‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬المعتدلة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تفتيت‭ ‬المنطقة‭ ‬وتحوُّلها‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬ضعيفة‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ماثلًا‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬الغربية،‭ ‬ودلّل‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأميركيّ‭ ‬عام‭ ‬1983م‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬حدود‭ ‬الدم‮»‬‭ ‬Blood Borders‭ ‬الذي‭ ‬طرحه‭ ‬المستشرق‭ ‬البريطانيّ‭ ‬برنارد‭ ‬لويس،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وتفتيتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دينيّ‭ ‬ومذهبيّ‭ ‬وطائفيّ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬ما‭ ‬عُرِف‭ ‬بنظرية‭ ‬‮«‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‮»‬‭ ‬Creative Chaos‭ ‬التي‭ ‬صاغها‭ ‬عام‭ ‬2003م‭ ‬‮«‬مايكل‭ ‬ليدين‮»‬‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬‮«‬أميركا‭ ‬إنتربرايز‮»‬‭ ‬وتعتمد‭ ‬أفكار‭ ‬التفكيك؛‭ ‬لإدارة‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬المناطق‭ ‬حساسية‭ ‬في‭ ‬العالَم‭.‬

لعل‭ ‬دعم‭ ‬الغربِ‭ ‬الاستفتاءَ‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬2011م‭ ‬كان‭ ‬فاتحة‭ ‬مرحلة‭ ‬التفكيك‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬أزماتٍ‭ ‬داخليةً‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الازدياد‭.‬


المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *