كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
دانية الخطيب: تفاعل العرب الأميركيين أساس نجاح اللوبي العربي
بدأت الباحثة حديثها بتقديم الشكر إلى الأمير تركي الفيصل الذي قدم لها الدعم والتشجيع في أثناء إعدادها رسالة الدكتوراه، وإلى مركز الملك فيصل الذي يولي الاهتمام بالدراسات والبحوث الجادة، مقدرة استضافته إياها لنقاش موضوع اللوبي العربي في أميركا.
وتطرقت إلى تعريف مفهوم «اللوبي»، مشيرة إلى الوصف الذي وضعه كل من «والـت» و«مارشينمر» في تعريف اللوبي الإسرائيلي؛ فقد عرَّفاه بأنه تحالف أفراد وجماعات؛ للتأثير في السياسة الأميركية لمصلحة إسرائيل، ومن ثَمَّ يمكن تعريف اللوبي –وفق رأيها- بـوجـود مجموعة تربطها فكرة أو مصلحة معينة، ومحاولة تلك المجموعة التأثير فـي السياسة الأميركية في اتجاه معين.
وأوضحت الباحثة أن الإشكالية في أن العرب ينظرون إلى اللوبي على أنه مؤامرة، إلى حد أن الرئيس المصري جمال عبدالناصر سأل في الخمسينيات الميلادية عما إذا كان اللوبي شرعيًّا، على حين أن «اللوبي» هو حـق دسـتـوريّ في الـولايـات المتحدة الأميركية، وهـو يعني حـق المواطنين في التظلم للحكومة من دون خشية أي عـواقـب، وأضافت أن النظام العام -منذ إنشاء أميركا- اعتمد على المجتمعات المختلفة، وهذا ما شرحه عالم الاجتماع الفرنسيّ أليكسي دي توكفيل في كتابه عن «الديمقراطية في أميركا»، فالنظام الأميركي يكفل للمواطنين إيصال أفكارهم إلى الحكومة، والمشاركة في صنع القرار.
وأشارت إلى أن ما يهم صانع القرار هو المال والإعلام والأصوات، فالمال مهم في الحملات الانتخابية لأنها مكلفة جدًّا، ففي عام 2012م، كانت تكلفة تلك الحملات 2.6 مليار دولار. وأوضحت الباحثة أن النظام الأميركيّ الذي يعتمد مبدأ الفصل بين السلطات يشجع اللوبي، ووجود عدة مداخل للأمر الواحد، فالأمن له مجلس وطني، وهناك وكالات معنية به؛ مثل: وكالة المخابرات المركزية CIA، وغيرها، إضافة إلى الكونغرس الذي يعد هدفًا رئيسًا في التأثير، وغيره من الوكالات الأميركية، فالوضع شائك للغاية، والتأثير متبادل، ويصعب علينا نحن العرب فهم مستويات التأثير في أميركا؛ لأن صناعة القرار لدينا مركزية.
وأوضحت الباحثة أن العرب لا يستفيدون من النظام الأميركيّ، ودلَّلت على ذلك بإخفاق صفقة شركة موانئ دبـي، التي بدأت صفقة تجارية خالصة تدير بموجبها الشركة ستة موانئ أميركية، لكن سيّستها شركة تعارضت مصلحتها مع الصفقة، مستغلةً الأجواء السائدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م، ومن المفارقة أن الرئيس الأميركيّ الأسبق كلينتون كان ممثِّلًا الإمارات في الدفاع عن موقفها، على حين أن هيلاري كلينتون كانت ضد الصفقة بكل قوة؛ لأنه -في رأيها- لا يمكن تسليم أمن أميركا إلى العرب.
وأشارت دانية الخطيب إلى أن الاستثمارات العربية في أميركا كبيرة، وإذا نشأت جماعة ضغط من الشركات المستثمرة، فإنها تستطيع ممارسة التأثير، وما كان لشركة موانئ دبي أن تكون وحيدة في مواجهة هجوم شرس شارك فيه صُناع القرار، ولم يُجدِ الاعتماد على الرئيس بوش، وعلاقته بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وما كان لعضو الكونغرس الذي قاد الحملة ضد الشركة الإماراتية أن يقوم بذلك إذا عرف حجم الاستثمارات الإماراتية في واشنطن، وعدد الأميركيين الذين يعملون في الشركات المستثمرة؛ لأن مِن هؤلاء الأميركيين من يدعمه بالمال.
وأشارت الباحثة إلى أن كثيرًا من الأميركيين من أصول عربية يتبرعون بالأموال لأمور إنسانية من غير استغلالها في تحقيق أهداف سياسية؛ لأن النشاط السياسيّ ليس جزءًا من ثقافتنا، كما أن هناك عدم ثقة في السياسيين.
وعابت الدكتورة دانية الخطيب على الدول التي تحاول تقديم نفسها بوصفها الأجدر بعلاقة متميزة مع أميركا، فهي تلعب على هذه النقطة التي أضعفت العرب، مشيرة إلى أن علينا أن نتأكد أن أميركا يمكن أن تتخلَّى عن أي صديق، ولا أدَلّ على ذلك من التقارب مع إيران، وإبرام اتفاق لم يتضمن أي شقّ سياسي يخدم العرب؛ مثل: وقف دعم الأسد، ووقف دعم حزب الله، فهي تخلَّت تمامًا عن العرب، وفي ظنها أن العرب وخصوصًا الخليجيين أدركوا هذا الجانب، وعليهم أن يحوّلوا المجلس الذي يجمعهم إلى اتحاد، كما ينادى الأمير تركي الفيصل.
وانتهت دانية الخطيب إلى أن اللوبي الفعَّال هو الذي تقوم به المجموعات داخل أميركا كما قال فيليب أونيل -عضو مجلس النواب- في المدة 1977 – 1978م؛ لأن أي نائب لا يمكنه القيام بأي عمل يُفقده شعبيته أو مقعده.
وعن تصريحات ترامب المعادية للعرب، أوضحت أنها جاءت بعد الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في باريس، وهناك 31 حاكم ولاية قالوا: إنهم لا يريدون استقبال مهاجرين سوريين؛ مشيرة إلى أن أسهل شيء هو استخدام التخويف، وسبق للرئيس الأميركيّ بوش أن استخدمه.
وتناولت الباحثة وضع المنظمات العربية في أميركا بعد أن تطرق الحوار إلى جوانب أخرى غير اللوبي، وأشارت إلى أن تلك المنظمات كان اهتمامها في البدء بالقضايا السياسية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، ولم يكن لها قاعدة شعبية، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م واجه العرب الأميركيون كثيرًا من التمييز والعنصرية لجريمة لم يرتكبوها؛ مما زاد الإحساس لديهم بأهمية التحرك لتثبيت أنفسهم في المجتمع الأميركيّ، فتنامت الجمعيات التي تُعنَى بتقديم الخِدمات الاجتماعية، وهي تستحق الدعم، وتمثل الجواد الرابح في هذا الوقت.
وعن اللوبي الخليجي في أميركا، قالت الباحثة: على الرغم من الأصول العربية لبعض الأميركيين فإنه ليس للعرب الأميركيين أي انتماء إلى الخليج، كما أنهم بطبعهم وثقافتهم ليسوا مسيَّسين؛ مثل: الأرمن أو اليهود. وعلى الرغم من أنَّ العرب الأميركيين فخورون بتراثهم، فإن لديهم رؤى مختلفة للأحداث في المنطقة.
وأضافت أن الضغط الخليجي الذي يُمارَس يَجري بشكل تكتيكي؛ لحاجات معينة ولقضايا ضيقة؛ مثل: شراء صفقة سلاح، وهذا لا يهم العرب الأميركيين، ومن ثَم لا يمكنهم التفاعل معه.
وأوردت الباحثة فارقًا رئيسًا بين اللوبي العربيّ واللوبي الإسرائيليّ، يتمثل في أن الجالية العربية لا تُبدي حماسةً مماثلةً للحماسة التي تبديها الجالية اليهودية لقضايا إسرائيل. وسوَّغت ذلك بأنَّ اليهود ينظرون إلى وجود إسرائيل بوصفه أساسًا لوجودهم أنفسهم، وأساسًا لهُويتهم بوصفهم يهودًا، أما عرب أميركا فليس لديهم هذا النوع من التعلق بالوطن العربيّ، والسياسة الخارجية تهمهم من باب أن نظرة أفضل إلى الوطن العربي في أميركا ستنعكس إيجابيًّا عليهم بوصفهم مجموعة داخل المجتمع الأميركيّ.
وفي ختام الندوة شكر الدكتور سعود السرحان -مدير إدارة البحوث بمركز الملك فيصل- الباحثة، مشيرًا إلى أن المركز سينشر لها قريبًا ورقة عن كيفية إنشاء لوبي عربيّ خليجيّ فعَّال في الولايات المتحدة الأميركية.
المنشورات ذات الصلة
رحلة الكتابة والخط والبحث عن الجوهر
تتناول النسخة الثانية من معرض «رحلة الكتابة والخط» الذي يقام في مدينة الرياض وينتقل لاحقًا إلى المدينة المنورة، البُعد...
مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي: نسعى لكسر الحواجز بين الأدب والفرد وبين الأديب وجمهوره
أوضح مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي، فيما يخص آلية عمل الشركاء الأدبيين، أن الهيئة...
تركي الفيصل يستقبل المبعوث الخاص الصيني للقضية السورية
استقبل الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في مكتبه بالمركز في سبتمبر...
0 تعليق