كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
حازت جائزة الغونكور .. ليلى سليماني: مجرد كوننا نساء يجعلنا ضحايا محتملات (محمد الإدريسي)
مع صدور روايتها الطويلة الثانية المستوحاة من الأحداث المأساوية لمدينة نيويورك، تشرح الكاتبة المغربية ليلى سليماني للقراء النسق الشرطي لعلاقات الأبوة- المربية. في هذا الحوار الذي أجراه معها موقع «هفنغتون بوست» قبل تتويجها بجائزة الغونكور بأيام قليلة ونشر يوم التتويج، تتحدث عن روايتها «المخيفة» أحيانًا و«المثيرة» أحيانًا أخرى «أغنية هادئة» التي حازت الجائزة.
• كيف استطعت الدخول إلى رأس مربية قاتلة وأم في الوقت نفسه؟ أليس الأمر أشبه بحالة فصامية؟
– عندما نكتب، فإننا نحاول استثمار ما نملك وما يرتبط بخبراتنا، وفي الوقت نفسه نستدعي مخيالنا واستيهاماتنا؛ لذلك لا أعتقد أن الأمر يتعلق بفصام، بل مجرد تماهٍ مع شخصية معينة حينما نقرأ رواية أو نشاهد فلمًا. أود أن أقول بأن سحر الخيال هو ما يسمح لنا بالخروج من ذواتنا واستثمار حقائق أخرى، وسبر أغوار نفوس أخرى غير أنفسنا.
• أليست هناك مفارقة في أن نأتمن ما هو غالٍ بالنسبة لنا إلى شخص غريب كلية؟
– بدلًا من القول بالتناقض، أعدّ الأمر شكلًا من أشكال اللاوعي، والجنون. حينما نفكر في الأمر، نجده يبعث على الدوار! وفي الوقت نفسه، نجده قائمًا منذ قرون خلت. لقد وقفت منظماتنا الاجتماعية، منذ مئات السنين، على حقيقة أن النساء البورجوازيات يأتمن نساء أخريات، أقل فضلًا، على أبنائهن، من أجل تكريس أنفسهن لشيء أخر غير الأمومة. أضحت العلاقة مع المربية، أكثر تنظيمًا، وأكثر برودة، وأكثر رأسمالية وأقل حميمية. لذلك، قد يبدو ضربًا من الجنون أن يتركن طفلهن لشخص بالكاد يعرفنه. إن هذا «الإرهاب» وهذه اللاعقلانية هي ما يعطي الإثارة للرواية.
• أن تصبحي ربة بيت هي غاية غير مدركة؟
– لا، أبدًا! لن أكون قادرة على ذلك، لن أستطيع الصبر أو المخاطرة بأن أتحول إلى «وحش»، لا بد لي أن أقول بأنني سأشعر بملل فضيع جدًّا. أحب العمل، وأحب أن أكون مستقلة، وألتقي الناس، وأحتفظ بلحظات خاصة. إنه أمر ضروري، ولا مفرّ منه، لعيشي الكريم، كما هو بالنسبة للعديد من النساء الأخريات. لكن، لماذا لا نطرح هذا السؤال على الرجال؟
• بشكل عام، ما هي وجهة نظرك حول دور الأمهات العاملات في المجتمع الحديث؟
– أجد أن المجتمع ما زال محكًّا صعبًا وغير متكيف بشكل كبير مع عمل المرأة. أنا أفكر في النساء اللواتي تمكّن من الاشتغال على مختلف الجبهات. أجد أن الأمر لافت للنظر، وأعرف إلى أي حد هن مرهقات! لأنه، شئنا أم أبينا، لا تزال الأحكام المسبقة منتشرة والمرأة وحدها من يتحمل مزيدًا من الأعباء؛ لكونها أول من يُستدعى في حالة مرض طفل ما، وأكثر من يلجأ إلى التقليل من زمن العمل لرعايته.
• نجد في روايتك سردًا لحياة عائلة نيويوركية تعيش في الجانب الغربي، في حين أن المربية ذات أصول دومينيكانية. يبدو أن الأمر يتعلق أيضًا برواية عن الصراع الطبقي؟
– هنا ألمس إحالة إلى الأخبار (المنوعات) التي أعطتني الفكرة الأولى حول الرواية، لكنني مع ذلك لم أستلهم منها أي شيء على الإطلاق أثناء عملية بناء شخصياتي. ومع ذلك، بالطبع، تظل مسألة الصراع الطبقي حاضرة بقوة في الكتاب. سيجد هذين الزوجين، بشكل بوهيمي قليلًا، أنفسهم لأول مرة وجهًا لوجه إزاء قيم التسامح، والانفتاح… على الواقع. إنهم عينة من أناس لا يعيشون ضمن مزيج اجتماعي، ولم يعيشوا أي نوع من الهرمية. للمرة الأولى في حياتهم سيصبحون زعماء، وسينقلب البؤس عليهم. وهذا كله بسبب الاحتكاك الاجتماعي الرهيب.
• كيف سينظر إلى هذه المأساة إذا وقعت في المغرب؟
– في المغرب، يحدث أن نصادف كون «المربيات» يعشن وينمن في بيوت رؤسائهن في العمل وليس لديهن حياة أخرى إلى جانب هذه الحياة. إضافة إلى ذلك، ما زالت اللامساواة الاجتماعية والثقافية واضحة بشكل كبير مقارنة بباريس. أعتقد أن هذه الدراما مبالغ فيها، وأكثر عنفًا، ربما. لكن من المؤكد أنه سيكون من المفيد جدًّا حدوث تغير في الواقع المغربي.
• ستصدرين في مطلع عام 2017م دراسة حول «الجنس والأكاذيب المرتبطة به» في المغرب، وفي روايتك الأولى «حديقة الغول» وقفت عند صورة امرأة شابة مدمنة على الجنس. نجدك لا تترددين في مناقشة المواضيع الحساسة على ضفتي المتوسط، لماذا؟
– عندما أكتب، لا أفكر في مثل هذه الشروط. أكتب حول ما يهمني، كل شيء في الحقيقة. وحقيقة أن تكون موضوعات كتبي حساسة أو لا، هي بالأساس محط تأويل وتفسير من قبل العموم أو وسائل الإعلام. إنني أنقاد وراء أمنياتي أو التزاماتي.
• هل تعترفين بأنك نسوية؟
– نعم، بطبيعة الحال، كليًّا وبشكل غريزي. إن مجرد كوننا نساء يجعلنا ضحايا محتملات للاعتداءات الجنسية، والتحرش والعنف. النساء هن الأقل أجرًا، والأقل اعترافًا، والأقل تمثيلًا في المجالات السياسية أو الاقتصادية العليا. في معظم دول العالم، تنتهك حقوقهن بشكل كبير! إنهن ضحايا للفصل والعزل في العديد من الدول: في أفغانستان… وغيرها. إذًا نعم، أنا نسوية وسأظل دومًا معارضة لاستمرار هذا الوضع.
• هل تفكرين في العودة للاستقرار في المغرب؟
– أنا أعيش في باريس منذ 17 سنة. هذا هو المكان الذي بنيت فيه عائلتي، حيث يعيش أصدقائي وحيث أعمل. أنا متعلقة جدًّا بباريس ولا أستطيع أن أتخيل نفسي خارج هذه المدينة. ولكنني لم أقل إنني لا أفكر أبدًا في المغرب!
• ما الرسالة التي تريدين تمريرها للمغاربة؟
– آه، سيكون ضربًا من الغرور، من جانبي، إذا أردت أن أمرر رسالة إلى المغاربة! الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أقوله، وكان دومًا شعاري الأساس: كونوا أحرارًا.
روايتها الأولى رفضتها «سوي» وقبلتها «غاليمار».. وفوزها يواجه بالانتقاد
ولدت ليلى سليماني بمدينة الرباط سنة 1981م من أب مغربي وأم فرنسية- جزائرية، وتعد ثالث روائية عربية تحصل على جائزة غونكور، بعد الروائي المغربي الطاهر بن جلون (1987م) واللبناني أمين معلوف (1993م). لم تكن الطريق نحو الغونكور مفروشة بالورد؛ إذ سبق لـ«دار سوي» الشهيرة أن رفضت مخطوطة عملها الأول «في حديقة الغول»، وهو ما جعلها تحبط إلى حد كبير، قبل أن تقبل «دار غاليمار» نشرها فيما بعد. أسهمت الأحداث العنيفة التي عرفتها فرنسا خلال السنتين الماضيتين بشكل كبير في التعريف بالشخصية الصحفية والمناضلة والحقوقية لليلى سليماني في المشهد الإعلامي الباريسي خاصة، والفرنسي عامة؛ مما جعلها تمهد الطريق لروايتها الثانية «أغنية هادئة» المستقاة من قصة شائعة حول جريمة قتل مربية لطفلين بمدينة نيويورك.
ولم يمر فوز سليماني بجائزة الغونكور بسلام؛ إذ انتقد بعض المنابر الإعلامية الفرنسية حصول ليلى سليماني على الجائزة، أولًا، لأنها «ولدت خارج فرنسا»، الأمر الذي يحيل إلى الحضور الدائم للإرث الكولونيالي في المشهد الأدبي والفني الفرنسي. ثانيًا، لكونها «كاتبة شابة» ولا تحمل في رصيد أعمالها السابقة سوى رواية واحدة، في حين أن «أكاديمية غونكور» اعتادت منح الجائزة للكتاب المتقدمين في السن، أو بلغة أخرى للكتاب الذين ينتمون إلى الماضي، وليس إلى الحاضر، ويكتبون عنه. لكنّ عددًا من النقاد يرى أن السر وراء فوز الروائية الشابة بجائزة غونكور يكمن في استلهامها شخصيات الرواية –وكذلك روايتها الأولى- من الفضاء «الغربي» وليس العربي أو المغاربي، كما هو شأن جُلّ الكتاب المغاربيين الذين يكتبون باللغة الفرنسية، إضافة إلى جعلها من المشكلات المعيشة وإيقاع الحياة اليومية ميكانيزمًا أساسيًّا لبناء حبكتها الدرامية، وهو الأمر الذي «سيجعل القارئ يطالع ذاته ويتعرف إليها من خلال هذه الرواية» بحسب تصريح رئيس أكاديمية غونكور بعد الإعلان عن فوز الروائية المغربية الشابة.
حظيت رواية «أغنية هادئة» بعد صدورها بإقبال كبير من القراء واستحسنها النقاد، نظرًا للانطباع الجيد الذي خلفه صدور روايتها الأولى لدى الجمهور الفرنسي. طبعًا، هنا لا نتحدث عن الشروط الموضوعية المتحكمة في استحسان المقومات الفنية والأدبية للعمل الروائي، بقدر ما نتحدث عن الأثر الذي تركته شخصية «أديل» (الشخصية الرئيسة في رواية «في حديقة الغول») لدى القراء الفرنسيين، وعموم النقاد، وجعلها تحصل على جائزة المامونية الفرانكفونية المغربية. ولقد أسهمت الموهبة الفنية للروائية، وقدرتها على الوصف وربط خيوط الحبكة الدرامية لروايتها –بشكل يقارب الروايات البوليسية- وزجها بالقارئ داخل الرواية وجعله يتذوق بؤس الحياة ورعب الرواية، على اختراق الروح الإنسانية بـ«قسوة» و«برود» شديدين.
المنشورات ذات الصلة
«جوامع الكمد» للشاعر عيد الحجيلي… عوالم شعرية بسيطة
يثير ديوان «جوامع الكمد» (الدار العربية ناشرون) للشاعر السعودي عيد الحجيلي مجموعة من الأسئلة القصيرة المتعلقة بالذات...
«حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس التخييل المرجعي للذاكرة
تأخذ رواية «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس -منشورات المتوسط- أذهاننا إلى زمن الحرب، إنها إحالة إلى الزمن، ولم...
السيد الجزايرلي في ديوانه الجديد بصير يتلمس عبر التصوف حنينه إلى الوطن
العلاقة بين التنبؤ والشعر قديمة ووطيدة منذ قصة وادي عبقر، والقول بأن لكل شاعر عفريتًا من الجن يلهمه أشعاره، مرورًا...
0 تعليق