كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الرحيل
لم يبق لي مقام هنا.
أصبح التراب المطيع نثار بارود تحت قدمي. الأكف التي حملت جمرات «مداعتي»
تتمرد على حرقة الخزي ولسعة الهوان. أرى في عيونهم الشماتة تنطق بلغة مبينة. انزاحت سحابات الانكسار من الحدقات الذليلة.. الزنود التابعة التي بخلت على الأرض بدوس قدمي استطالت فوق رأسي حتى أصبحتُ قزمًا أمامها. أنا الآن لا شيء بعد أن كنت كل شيء. أتذكر عندما دعيت… كانت الدعوة فاتحة تقزمي… خرجت من بحري الأليف. كانت الأمواج تعزف لحنًا متشفيًا، كانت تغني بحماس… كنت أسمعها رصاصات مدوية في أذني. مت غريبًا مثلما غربتني. استمرت الأمواج تصفع مركبي… أحس صفعاتها على وجهي نارًا… أطعمها علقمًا في حلقي.
قلت لنفسي: في زمن الصراعات يجب أن تحسن الاختيار… مسكين أنا. اخترت… لكني سرت في درب أسلمني إلى زرب من الأسئلة. كانت العيون اللاهبة تحرق كبريائي فأتقشر أمامهم. رائحة احتراق سطوتي أشمها نفاذة.. نفس رائحة الأكف التي كانت تحمل جمر مداعتي.
قلت في نفسي « دارت الدائرة».
أسلمني السؤال إلى السؤال إلى السؤال إلى الحديد.. حتى صدئت.
صرت لا شيء بعد أن كنت كل شيء. وحين تيقنوا من حالتي تلك أطلقوني سجينًا في نفسي… مقيدًا بذلي. عدت منخورًا… كل من كان ترابيًّا صار وبائيًّا.. كل الوجوه التي تلذذت برؤية عذاباتها ها هي تنظر إليّ وعلى صفحاتها نضارة تعذبني. حتى الدار التي أسكنها… الدار التي كانت حصني وعريني أصبحت شقوتي. زواياها التي شهدت نار عزي ها هي تروي حكايات ترمدي.
زوجتي الشامخة بي أعطت نفسها للصغار والصغيرات تغرسهم تحت شجرة التين الكبيرة في فناء الدار ترويهم بالآيات، وتنقش حناء الحروف الخضراء في أكف الذاكرات. زوجتي هي الأخرى أراها بلا بريق.. لا أدري هل طفئت أم انطفأت أنا؟
كل ما حولي باهت، بارد. شامت. الناس، حجارة المنزل، الأشجار في فناء الدار… تمرّ بها عيناي فلا أرى فيها شيئًا ما هذا؟ موت حي… أوه لم يعد لي مكان هنا. ابتلعت القرار الصعب. قدمت كأس قهوة الفراق لزوجتي… ذرفت دموعها في الكأس حتى فارت.
قلت: اصبري إن أدهر النأي.
وسرت بلا زنود تحملني… كانت الطرقات تنبسط دهشة تحت قدمي حتى أسلمني استغرابها إلى الميناء. وضعت فتات عزي في مركبي الكئيب وأبحرت… كانت الشواطئ تهتف بي بلغة فصيحة: مت غريبًا مثلما غربتني.
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق