كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الجوائز الأدبية في العالم العربي.. شراء ولاءات أم بحث عن فعل ثقافي حقيقي؟
لم تكن الثقافة العربية تعرف غير عدد محدود من الجوائز التي يتنافس عليها المبدعون العرب، فلكل دولة جوائزها القومية التي تمنحها لمبدعيها، ولا يوجد غير جائزتي العويس والشيخ زايد اللتين كانتا في عداد مكافأة نهاية الخدمة، إذ تمنح للشيوخ على مشروعاتهم الثقافية التي استنفدت أعمارهم، سواء في الشعر أو الرواية أو الفكر بشكل عام، حتى إن «العويس» كانت تسمى نوبل العرب، أما جائزة الملك فيصل العالمية فكان الكثيرون يعدونها جائزة التيار المحافظ، أما «زايد» فقد كان الرهان عليها قليلًا، ونادرًا ما كانت التغطيات الإعلامية توفر مادة جيدة عن الفائز بها.
كانت جائزة نجيب محفوظ التي تمنح مرة لفائز مصري وأخرى لفائز عربي هي أولى الجوائز التي خرجت عن الإقليمية، فقد قررت ترجمة النص الفائز إلى اللغة الإنجليزية، ومنح الفائز مبلغًا رمزيًّا قيمته ألف دولار تخصم من عائد مبيعات أعمال نجيب محفوظ المترجمة، وفي يوم ميلاد صاحب نوبل تقيم الجامعة الأميركية حفلًا ومؤتمرًا صحفيًّا بحضور أمانة الجائزة وأعضاء تحكيمها وكبار المثقفين المصريين ليتم الإعلان عن اسم الفائز ومنحه ميدالية نجيب محفوظ. ظلت هذه الجائزة رغم صغر قيمتها المالية هي الجائزة الأبرز والأهم حتى ظهرت جائزة البوكر في نسختها العربية، لتخطف الأضواء والمبدعين أنفسهم، ففي حفل إعلامي كبير تتم تسمية الفائز ومنحه ستين ألف دولار، ويمنح إلى جانبه كل من وصلوا إلى القائمة القصيرة عشرة آلاف دولار. هكذا عرف العالم العربي القائمة الطويلة والقائمة القصيرة، وأخذ الجميع يترقب إعلان القوائم واسم الفائز.
من جانبها حاولت القاهرة البقاء في المنافسة كمركز ثقافي كبير وقديم عبر منحها ثلاث جوائز تخص ثلاثة ملتقيات دولية للشعر والرواية والقصة القصيرة، لكن جوائزها ظلت محكومة بأدائها الحكومي ورغبتها في مراعاة أبعاد سياسية وجغرافية، ما أفقدها البريق المطلوب للجوائز الكبرى. ثم ظهرت جائزة كتارا عبر سخاء غير مسبوق لتغطي على الجميع، فلأول مرة في تاريخ الجوائز الثقافية في العالم العربي نجد عملًا روائيًّا يفوز بنحو ربع مليون دولار، إضافة إلى ترجمته وتحويله إلى عمل سينمائي. الملحوظ أن كل هذه الجوائز للنثر وليست للشعر، بما فيها جائزة الملتقى التي خصصتها الجامعة الأميركية بالكويت للقصة القصيرة. والملحوظ أيضًا أن التنافس بين الجوائز أصبح على مستوى العواصم والمدن، فالعويس والشيخ زايد والبوكر من أبو ظبي، ونجيب محفوظ وجوائز ملتقيات الشعر والرواية من القاهرة، وكتارا من الدوحة، والملك فيصل من الرياض، والملتقى من الكويت، والطيب صالح من الخرطوم.
والمدهش أن دول الخليج أصبحت قبلة المبدعين العرب عبر ما أطلقته من جوائز كبرى ماليًّا وإعلاميًّا، وخرجت من المنافسة العديد من المراكز الثقافية القديمة، كدمشق وبغداد والرباط وتونس، على حين ما زالت القاهرة تصارع للبقاء في مكانها عبر آلياتها القديمة. ويتضح أنه منذ بداية الألفية لم تعد الجوائز تمنح بأسماء أمراء ولا شيوخ، فقد حرصت كل جائزة على أن يكون لها مجلس أمناء ولجان تحكيم مستقلة، كما حرصت على عقد مؤتمر صحفي تحضره قنوات الإعلام ومشاهير الثقافة والفن لتدشين اسم الفائز أمامهم جميعًا، وعلى الرغم من أن جوائز مثل البوكر وكتارا تقوم بترجمة الأعمال الفائزة فإن أحدًا لا يهتم ولا يشعر بمردود لهذه الترجمات.
في ظل هذا السياق كان لا بد لـ«الفيصل» أن تتوقف أمام ظاهرة الجوائز الثقافية العربية لنعرف ما لها وما عليها، وكيف تعامل النقاد والمبدعون معها، وكيف تركت آثارها بالسلب أو الإيجاب على إبداعنا العربي، وهل الأموال التي تغدق عليها من أجل شراء الولاءات السياسية للمثقف العربي، أم رغبة في خلق فعل ثقافي حقيقي؟ أسئلة طرحتها «الفيصل» على عدد من أدباء وكتاب من مختلف البلدان العربية، سواء ممن فازوا بالجوائز أو تنافسوا ولم يحصلوا على شيء، أو شاركوا في تحكيم بعضها، أو اكتفوا بالنقد والتعليق، سواء من الشباب أو الشيوخ، بقصد تعرف رؤية كل منهم وكيف يمكن الدفع بعجلة التطوير إلى الأمام.
أمير تاج السر: كثير من الأعمال المقدمة للجوائز نيئة
كما هو متوقع، فإن من المفترض أن يبدع الناس في كل المجالات الفنية والإنسانية، من دون أن ينتظروا جوائز أو تكريمًا معينًا من أي جهة، وقد كان هذا التقليد، أي الإبداع بلا تطلعات مادية، سائدًا في الوطن العربي حتى عهد قريب، إذ فجأة ظهرت الجوائز الأدبية، ظهرت في البداية على استحياء ثم تكاثر عددها، وهكذا أصبح للكتاب أمل جديد في الاعتماد على كتابتهم، حين تصيب جائزة ما، كتعويض بالنسبة للكتاب الكبار، وكبداية تساعد على المضي في سكة الكتابة، بالنسبة للمبتدئين.
وفي المقابل، سلبت كثيرًا من القناعة، وأوجدت لهفة جديدة لدى كل من يكتب، ومن يحاول أن يكتب، في الركض للحصول على جائزة، ولذلك قد تجد كثيرًا من الأعمال المقدمة للجوائز الأدبية، حتى من كتاب كبار، نيئة، وبحاجة لتنضج، لكن نُشرت لتركض في سباق الجائزة. أيضًا نتجت كثير من الغيرة التي لم تكن موجودة حين كان الأدب مجرد تميز طفيف، لا عائد ماديًّا له. بالنسبة للقيمة المادية للجوائز الأدبية، فأنا لا أراها مبالغًا فيها، وهناك جوائز لأنشطة كثيرة في الرياضة، والغناء، والموسيقا أعلى كثيرًا من أعلى قيمة جائزة لدينا، وما دامت هناك مؤسسات تقوم بالتمويل فلماذا نقول بأن القيمة مبالغ فيها؟ نأتي لمسألة الأعمال التي قد تفوز في تلك الجوائز، وهي مسألة معقدة خاصة للذي يعمل محكمًا فيها. لذلك لن نقول بأن أي عمل حصل على جائزة، هو بالضرورة عمل جيد وينبغي اتخاذه مرجعًا، وأي عمل طرد من الجائزة هو بالضرورة عمل سيئ وينبغي الحطّ من قدره. ودائمًا عندي رأي أردده وهو أن الجوائز مكسب في النهاية، ينبغي الحفاظ عليه، مهما كانت السلبيات.
يحيى يخلف: الجائزة توفر للمبدع حياة كريمة
الجوائز نظام معمول به في الدول والمؤسسات الأهلية. الجوائز تكريم للمبدعين في مجالات الآداب والفنون والعلوم. الدول ممثلة بوزارات الثقافة تمنح جوائز لأدباء وفنانين عن مجمل أعمالهم أو مسيرتهم اعترافًا بجهودهم وعطائهم. كما تمنح لأدباء وفنانين شباب جوائز تشجيعية لتحفيزهم وتشجيعهم. يحدث ذلك في دول عربية وفي دول العالم. الجوائز العربية الأكثر أهمية هي الجوائز التي تمنحها مؤسسات غير حكومية أو مستقلة ممولة من حكومات أو رجال أعمال مثل جوائز البوكر، وكتارا، والشيخ زايد، والعويس، والملك فيصل، ومؤسسه الفكر العربي… إلخ، وهي جوائز تستحق التقدير وتلعب دورًا في تكريم القامات العالية، وتحفيز إبداع الشباب. الجوائز بشكل عام تفيد ولا تضر. إنها تكريم وتحفيز وقيمتها المادية توفر للمبدع حياة كريمة. لنتذكر الشعر والشعراء في تراثنا الذين كانوا يضطرون للتكسب في بلاط الحكام على حساب كرامتهم. التكسب قبيح لكن الجوائز مختلفة. للجوائز لجان تحكيم ونظم داخلية ومعايير لا تمنح إلا إذا توافرت لها عناصر فنية. وبالتالي تحفظ للمبدع كرامته. صحيح أننا أحيانًا نختلف مع لجان التحكيم؛ إما لأن بعض أعضائها ليسوا على مستوى من ناحية القدرات أو الكفاءة، لكن معظم لجان التحكيم يتوافر بها حد معقول من النزاهة. باختصار يستحق المبدع التكريم ويستحق أن يمنح جوائز كما هو معمول به في كل دول العالم.
هيثم حسين: البيئة الثقافية الفاسدة لا تنتج إلا جوائز فاسدة
حسن النيّة يفترض التعاطي مع الجوائز لكونها مخصّصة للاحتفاء بالفنون التي تقوم بتتويج المبدعين فيها، وتركيز الاهتمام على أعمالهم وعليهم، وتسليط الأضواء على مجالاتهم وتسويقهم وتقديمهم لشرائح عريضة من المتلقين، لكن كما يقال: إنّ سوء الظنّ من حسن الفطن، فإنّ التعاطي لا يخلو دومًا من تأويلات وبحث عن مقاصد خفيّة تكمن في مضمون اختيار الفائزين وآليات التتويج المتّبعة التي لا تنجو من انتقادات تصل حدّ الاتّهامات بالفساد والإفساد. لا يمكن الإغفال عن أنّ الجوائز المخصّصة للفنون الإبداعيّة (شعر، رواية، قصة، رسم..) في العالم العربيّ على قلّتها تدار في مناخ فاسد، ولا أقصد إدارة أيّة جائزة بعينها، بقدر ما أشير إلى البيئة الثقافيّة الفاسدة التي تنخر بنية المؤسّسات الثقافيّة العربيّة، البيئة التي هي جزء من بيئة أشمل تنتعش فسادًا وإفسادًا، ذلك أنّ هناك من كرّس نفسه للشلليّة والتنفيع، يكون إمّا هنا في لجنة تحكيم أو هناك في لائحة قصيرة أو طويلة، يمنح هنا تتويجًا أو تصديرًا ليتسلم من هناك المقابل المطلوب. وقد لا يخلو التتويج من إقحام اسم ما على سبيل التنويع وتبديد الشكوك والتأكيد على الاستقلالية والنزاهة والبراءة من التنفيعات والفساد. الفائزون بالجوائز يسبغون عليها نزاهة مطلقة، أمّا بعض المرشحين لها ممّن لم يحالفهم الحظّ فيبالغون في اتّهامهم لها بالإقصاء والتهميش وتصدير أسماء بعينها. بالطبع لا توجد وثائق تدين الفاسدين في الجوائز، لكن لدى المتابعين ما يمكن توصيفه بحدس بما بين السطور.
ناصر عراق: لم تسلم جائزة من غمز
حسب علمي لم تسلم جائزة من الغمز واللمز من الذين لم يحالفهم الحظ وينالوا فواكهها، حتى نجيب محفوظ نفسه تلقى هجومًا شرسًا من يوسف إدريس وآخرين واتهموه بأن مهادنته وتأييده للسلام مع إسرائيل هي التي فرشت له طريق الورد إلى قطف نوبل… ويبدو لي أن غضب الخاسرين يتصاعد كلما كانت قيمة الجائزة المالية مرتفعة. بسبب الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعيش في كنفه أغلب المبدعين العرب بكل أسف. فالجوائز السخية توفر قدرًا من الأمان المالي لمن يظفر بها. فإذا خاصمتهم الجائزة هذه الدورة صبوا عليها اللعنات واتهموها بعدم النزاهة. لكن سرعان ما يهرعون إلى تقديم رواياتهم للمشاركة في الدورة المقبلة وهكذا. وأنا أتفهم هذا الأمر جيدًا. وأتمنى لجميع زملائي من الروائيين والكتاب الفوز بجوائز مهمة. أما هل كانت هناك أعمال تستحق الفوز فلا أستطيع التأكيد. لأَنِّي لا أعرف الروايات التي تقدمت للمشاركة، ولكني موقن أن المبدع العربي يتمتع بإمكانيات مدهشة تجعله قادرًا على كتابة رواية مهمة وجديرة بثقة القارئ والناقد. أعتقد أن آليات جائزتَيْ كتارا والبوكر معقولة جدًّا وفقًا لما أعلنته إدارة كل جائزة عن طريقة التحكيم وآلياته. وحبّذا لو أُصدِرت ورقة تشرح حيثيات الفوز موقَّعة من لجنة التحكيم. هذا باختصار فيما أعتقد بشأن الجوائز.
مكاوي سعيد: مرحى بالجوائز وإن جانبها الصواب
في اعتقادي أن الجوائز التي تمنح لأشكال الإبداع الثقافي كافة لها فوائد ومزايا جمة مهما اتفق أو اختلف بعض المهتمين عليها، وبخاصة في واقعنا العربي النامي، فالمبدعون يعانون تردِّي الرواتب وقلة ساعات الفراغ التي يستقطعون منها بصعوبة وقتًا يخصصونه للإبداع، إضافة إلى رحلة البحث المضنية عن ناشر يتحمس لإبداعهم ويوافق على نشره، كما أنهم لا يحصلون على مقابل لإبداعهم إلا نسبة قليلة يمنحهم الناشر مقابلها بعض النسخ. هذه الجوائز سواء ممنوحة من دول أو مؤسسات خاصة أو رجال أعمال، فهي أمر حسن جدًّا يدافع عن وجوه الإبداع ضد خطر التقزم والاندثار. الجوائز في غاية الأهمية لدفع عملية الإبداع ومساعدة الشباب الموهوب في تكملة طريقه الإبداعي، وأيضًا مساعدتهم في اقتحام مجالات باتت مهجورة؛ لأن أغلب الجوائز صارت تعطى للترجمات والأعمال الروائية (وهذا جانب سلبي من الجوائز؛ لأنه يدفع بالمتبارين لاقتحام مجالات غير موهوبين فيها. كبعض الشعراء الذين يتجهون للرواية من أجل القيمة المالية) وقد انتبه بعض المهتمين لذلك فظهرت بعض الجوائز التي تمنح للقصة القصيرة، وأتمنى أن تكثر هذه الجوائز بالنسبة للقصة والشعر والكتابة المسرحية حتى نضخ دماء جديدة في هذه الشرايين الإبداعية. وبعض الذين يهاجمون هذه الجوائز (وبخاصة الكبرى منها) يتقدم لها سنويًّا ويثير اللغط نفسه بغية الضغط على لجان التحكيم كي تمنحهم الجائزة في العام التالي. وبعضهم قد يكون محقًّا لأن عدد المحكمين المعلن عنهم لا يكفي لفحص كل الأعمال المقدمة. وهذا جانب سلبي أيضًا في الجوائز يجب معالجته. المهم في هذا الصراع في رأيي أن من ارتضى أن يدخل إلى هذه السباقات لا بد أن يرضخ لنتائجها.
هويدا صالح: معيارية التحكيم في الجوائز العربية
كلما قرأت نصًّا يحصل على جائزة عربية وأجده أقل فنيًّا وجماليًّا من أن يصل إلى مستوى جائزة كبرى كنت أتساءل عن معيارية التحكيم في الجوائز العربية، ثم جاءت جائزة نوبل التي منحت جائزتها لمغنٍّ، عاودني التساؤل أليس ثمة معيارية أدبية يتمثلها مانحو الجوائز وهم يمنحونها؟
ومن خلال تجربتي في تحكيم جوائز مصرية وعربية أتحدث عن طريقتي مع النص الذي يجب تحكيمه، أنا شخصيًّا عند قراءة نص ما من أجل تحكيمه، وتبيان مدى استحقاقه لجائزة أم لا، أضع لنفسي معيارين أساسيين لا يمكن أن أحيد عنهما: المعيار الأول هو الخطاب الجمالي ومدى تحقق الأدبية والجمالية في النص، والمعيار الثاني هو الخطاب الثقافي الذي يتضمنه النص، ومدى قبول هذا الخطاب من منطلق وعيي الفكري والأيديولوجي، فإن تحقق للنص مستوى أدبي يرضي قناعاتي الأدبية ومقولاتي النقدية لكنه يحمل خطابًا ثقافيًّا لا يليق بما نتمنى أن نجده في مجتمعنا من خطاب يكرس لقيم المدنية والمواطنة، ويتوافق مع منظومة القيم الإنسانية العالمية أرفض هذا النص فورًا.
شريف صالح: نوبل نفسها لم يحصل عليها مبدعون كبار
من المؤكد أن أي أديب يفوز بجائزة مشفوعة بحفنة من الدولارات لن يشعر أن ثمة ضررًا، بل سيكون سعيدًا للغاية، وسيتلقى التهاني بأريحية وسيظل يشيد بنزاهة المانحين. حتى الجوائز التي «على قد حالها» يتكالب عليها الكثيرون؛ لتأكيد جدارتهم واستكمال وجاهتهم الاجتماعية بتعليق شهادات التقدير على الفيسبوك. لا أقول ذلك زاعمًا أنني لا أشارك في الجوائز. إنني بالفعل أشارك وأدرك أن «الكاتب العربي» في وضع مادي بالغ البؤس. فالجائزة هي تعويض مادي ومعنوي من الصعب الاستغناء عنه. لكن إذا أعدنا صياغة السؤال «هل تفيد الجائزة الأدب نفسه؟» الإجابة: ليس بالضرورة. بل ربما تضرّ أكثر مما تفيد. إذا عممت نموذجًا متوسطًا على حساب النموذج الأكثر أصالة. ولكي تفيد جائزة الأدب لا بد أن تتحلى بمصداقية وشفافية عالية جدًّا. وهو ما لا يتوافر في معظم الجوائز العربية، والنتائج والكواليس معروفة للجميع.
إعتدال عثمان: الجوائز إما تتويج لمشروع أو تبشير بموهبة
لا شك أن تعدد الجوائز الثقافية في الساحة العربية مؤشر دالّ على حراك ثقافي يسهم في توجيه الثقافة، وتزويد المجتمع بالزاد الفكري والإبداعي المطلوب. إننا نستطيع أن نحصي أكثر من عشر جوائز لمؤسسات وهيئات مانحة، اكتسب معظمها شهرة واسعة ومصداقية عالية؛ لكونها تجمع بين التكريم المادي والمعنوي لأسماء لهم إسهاماتهم البارزة في الإضافة إلى مجالات تخصصهم، لذلك فإن فوزهم يعدّ تتويجًا لرحلتهم، وحفزًا لهم على مزيد من الإبداع والتطوير والتأثير في الساحة الثقافية. كذلك تُسلِّط الجوائز الضوء على أصحاب مواهب مغمورة، يمنحها الفوز بالجائزة فرصة الحضور والاعتراف بمواهبهم وتقديرها حق قدرها، وهذا مكسب كبير يضاف إلى تشجيع المبدعين الجدد لتطوير أدواتهم، والانطلاق إلى آفاق واسعة، تتيح لهم الدخول بكفاءة في حلبة المنافسة.
ولكن الملحوظ أيضًا تواري بعض الأسماء الفائزة بعد انطفاء أنوار الاحتفال. ترجع بعض أسباب هذه الظاهرة السلبية إلى أن الجهة المانحة غالبًا ما تنصرف عن مواصلة رعاية المشروع الأدبي أو الفكري الفائز، وتهيئة المجال لنوع من الاستمرارية والمتابعة التي تفتح آفاقًا أرحب في الواقع الثقافي عن طريق عقد المؤتمرات، ونشر الدراسات حول الأعمال الفائزة، وتنظيم ندوات ومناقشات مفتوحة على نطاق واسع، تحقق تواصل الأجيال، وجذب شباب الأدباء والمبدعين، إلى جانب الجمهور العادي من مختلف الأعمار؛ لذلك يظل هذا الحراك الثقافي محدود الأثر في الواقع الفعلي، كما لا يحدث التراكم المطلوب لنقلة نوعية على مستوى زيادة أعداد القراء، وبالتالي التفاعل المجتمعي المأمول، فيما تبقى الجوائز مناسبات احتفائية مرموقة، لكنها معزولة في إطار موسمي.
من السلبيات التي لا بد من تداركها افتقاد تخطيط منظم على مستوى العالم العربي، ينظر إلى الأعمال الفائزة بوصفها منتجًا حضاريًّا عربيًّا يقتضي نوعًا من التنسيق بين الجهات المانحة لتدارس ما تكشف عنه الأعمال الفائزة من توجهات ومسارات واستشرافات فكرية وإبداعية، وارتباطها بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. ومن الضروري أن يمتد هذا التنسيق مع دور النشر لتسهيل زيادة مراكز التوزيع على نطاق أكثر اتساعًا وتنظيمًا. أيضًا ينبغي ألا ننسى دور الإعلام الثقافي في التعريف بالأعمال الفائزة، وتقريبها للجمهور العادي، وعدم اقتصار هذا الدور على إبراز الحدث في تغطيات صحفية سريعة، تهتم بالإخبار والاحتفاء أكثر من اهتمامها بالقيمة الأدبية الحقيقية للأعمال الفائزة.
أحمد المديني: فقر المبدعين يدفعهم للتهافت على الجوائز
على رغم تكرار الحديث عن قضية الجوائز في حقل الثقافة والإبداع العربيين في السنوات الأخيرة، فإنه حديث يعبر عن حاجة فعلية يتبادلها المانحون والفائزون والناشرون، أعني السوق. فالمانحون، أغلبهم اليوم من بلدان الخليج، لما يتمتعون به من ريع مالي، اهتدوا إلى هذا السبيل، بين سُبُل أخرى، للفت نظر وترويج صيت ثقافي لبلدان ناشئة، لا بأس، وللإحسان، على غرار سلوك معهود في حواضر وأزمنة، لا بأس كذلك.
والفائزون، بين روائيين وشعراء وفنانين، أغلبهم من المعوزين، ممن وجدوا ضالتهم في هذا الأعطيات والإكراميات، فتهافتوا عليها إما لسدِّ العوَز أو لنيل شهرة يغفلون أن رأسمالها هو النصوص قبل صكوك المانحين، فيختلط الحابل بالنابل، وتختل المقاييس، وقد اختلَّت.
وأما الناشرون فهم أكبر الكاسبين، يجنون من البضاعة الكثير، ويروِّجون ويزايدون بالرخيص والنفيس، على حد سواء، سيكبر في أعينهم أردأ كاتب غدًا، شأن القراء تقريبًا؛ لأن البَرَكة حلّت به، وسيباع، ومنهم من يتطاوسون كأنهم في بورصة، سيرشحون هذا العمل لوليمة الجوائز أو هم لا يفعلون، والكتاب والمفكرون الجياع كُثر عليهم يتهافتون، وبأعتابهم يتمسّحون، وفوق هذا بعضهم لكُتبهم مموِّلون، حتى إنه لا ثقافة عربية الآن، ولا إبداع، إن لم تتوَّج بجائزة! حسن. ليُعلم، بعد هذا، أن ما العيب في الجائزة، ولا للغط أن يقوم عنها لذاتها مجردة. إنه حول إطارها وشروطها وسياقها… أهلًا بالجوائز، شريطة أن تكون لغرض نبيل، ولها مُحكِّمون أكْفاء، ويقتحمها النبغاء، لا سقط المتاع من كل قول، كأغلب روايات هذا الزمن الأعور، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
شوقي عبدالأمير: الجوائز أساءت للرواية وأسهمت في ابتذالها
لقد أساءت الجوائز إساءة بالغة للرواية، وأسهمت في ابتذال قيمها؛ بسبب تحويلها إلى سوق رخيصة، ويكفي قراءة النصوص ومقارنتها مع الجوائز العالمية التي أعطيت لروائيين عرب كما حدث مؤخرًا في باريس بجائزة الغونكور للرواية، وهي أرقى الجوائز؛ إذ منحت ثلاثة من العرب هم: الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، وأخيرًا هذا العام للمغربية ليلى سليماني، والمؤكد أنه لا يمكن رعاية الرواية الحديثة، إنما فقط محاولة شراء الروائيين، كمن يتسوق بضائعه في المولات…
ولا يمكن اعتبار أن القيمة المالية المرصودة للجائزة هي مال سياسي أكثر منه ثقافي، فالأمر يعتمد على طريقة التوظيف، لا على القيمة المالية مهما كانت مرتفعة، ومن ثم فأمر الجوائز يحتاج إلى ترفُّع وإيمان بدور الأدب والفكر، لا باستغلاله مباشرة. وعلى البلدان المانحة للجوائز الكبرى والمهمة أن تختار الأسماء في شكل حيادي، وتشكل لجنة تحكيم متوازنة، وتمنح الجائزة لمن يستحقها، حتى إن كان معارضًا لسياستها، عند ذلك يبدأ العمل الجدي والتأسيس الصحيح. الظاهرة في الجوائز العربية هو أن الفائز لا يذكر إلا ساعة الجائزة، ثم يختفي… لأنه حصل عليها بترتيب ما لا علاقة له بالدور والحضور، ظروف مالية لشراء الولاءات.
ثم إن هناك عملًا في الخطاب الإعلامي للجائزة، الجائزة ليست مكافأة مالية فقط، إنها خطاب إعلامي للعالم، هذا الجانب لا تفكِّر فيه الجوائز العربية كلها؛ لأنها تجهل مفردات وفلسفة الخطاب، كيف نوصل صوت الفائز واسمه إلى العالم؟ هل فكروا بهذا؟
كل الجوائز العربية تتهشم أمام صخرة الخطاب العالمي، هذا الجانب مهم جدًّا، ولم يشتغلوا عليه. يعملون حفل عشاء وخطبًا إنشائية ومجاملات ويطبعون كتبًا بورق «أملة»، يصرفون عليها آلاف الدولارات، وتبقى مكدسة في السراديب، ويعيدون الكرة كل عام من دون نقد ذاتي أو دراسة جدوى…، هدر أموال وجهل مع سبق الإصرار. وبالطبع يختلف فوز بوب ديلان عما يحدث في جوائزنا الثقافية في العالم العربي، ففوز بوب ديلان تطوير لنوبل؛ ذلك لأنها المرة الأولى التي تكِّرم فيها مغنيًا وهي جائزة أدبية… يمكنك المقارنة عندما تضع اسم بيكت إلى جانب ديلان لفهم القفزة التي حققتها نوبل، والرسالة من وراء ذلك موضوع يطول الحديث عنه بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له.
عزت القمحاوي: لجان التحكيم قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا
الأصل في الجائزة الأدبية أنها تقدير من المجتمع لكاتب مجتهد. قد تنوب الحكومة عن المجتمع في تقديم هذه الجائزة، وقد تفعلها شركة أو يقدمها شخص يقدر الثقافة. المهم أنها نوع من التقدير، نوع من المديح الذي يرتدّ في جزء منه على الجهة المتبنية للجائزة. لكن لجان التحكيم قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا على الأدب والكتابة، عندما تتخلى عن الاشتراطات الأدبية لصالح اشتراطات أخرى، سياسية كانت أو شخصية. هذا الانحراف يصيب العدالة في مقتل ويؤثر على الكتابة سلبًا؛ لأنه يغالط في ترتيب أقدار الأدباء. عندما نتأمل الساحة العربية حاليًّا نجد أنواعًا من الجوائز، قليلها ينتصر للأدب، والكثير منها ينتصر لقيم أخرى، مثل قيمة الاحتفالية مثلًا، وكأن أهم ما في الجائزة هي الإشارة إلى الجهة المانحة لا التنويه بالعمل الفائز وصاحبه. بعض الجوائز دأبت في الترويج للكتابة الخفيفة «الأكثر مبيعًا» وأصبح هذا مستقرًّا فيها. ولذلك، قد أخالفك، في أن بعض الجوائز تبدأ قوية ثم تضعف؛ فكل جائزة تقف من البداية في المكان الذي يريده لها مطلقها.
وإذا كانت لجان التحكيم تتغير في كل عام، فإن هذا التغيير بلا جدوى؛ لأن مجالس الأمناء أو مجالس إدارات الجوائز ثابتة. وهذه المجالس لا تصوّت على الأعمال، لكنها قد تختار لجنة التحكيم التي ستخرج بنتائج تُرضي المجلس ولا تحرجه مع مطلق الجائزة. يختارون من يرونهم أقرب فكريًّا منهم، أو المتمرسين في معرفة سقف الجائزة ومحظوراتها. وهناك الكثير من المحظورات في الدول العربية، ولا يمكن الاحتفاء بكتاب يخترق حدود الحرية المعروفة سلفًا، سواء المتعلقة بقيود السياسة أو بما يـسـمـى أعراف وتقاليد المجتمع والذوق العام.
المنشورات ذات الصلة
تلوين الترجمة… الخلفية العرقية للمترجم، وسياسات الترجمة الأدبية
في يناير 2021م، وقفت الشاعرة الأميركية «أماندا جورمان» لتلقي قصيدتها «التل الذي نصعده» في حفل تنصيب الرئيس الأميركي جو...
النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة
في 30 سبتمبر 2019م، شاركت في مؤتمر (Voiced: الترجمة من أجل المساواة) الذي ناقش نقص منظور النوع في دراسات الترجمة...
ألمانيا الشرقية: ماذا كسبت وماذا خسرت بعد ثلث قرن من الوحدة؟
تقترن نهاية جمهورية ألمانيا الشرقية في أذهان الأوربيين بصورة حشد من الناس الذين يهدمون جدار برلين بابتهاج، وتُعَدّ...
في الحقيقة ان الجوائز الأدبية تعد اضافة مهمة للمشهد الثقافي والابداعي لذلك يجب ان تستمر شريطة ان يتم تحسين شروطها اولا والتركيز على منحيين مهمين الثقافي الإنساني اولا والجمالي الإبداعي ثانيا وضروري الاهتمام بلجان التحكيم بحيث يتم اختيارها ضمن شروط صارمة وتغيير هذه اللجان باستمرار لئلا تدخل عوامل مشبوهة عند المنح
الجوائز صناعة لنخبة مزيفة، و لأدب هش، ولأسماء لا رؤية لها ولا مشروع مجتمعي، انظروا إلى أعضاء اللجان ، هم أنفسهم يتنقلون من دولة إلى دولة، ومن إمارة إلى إمارة ومن جنس أدبي إلى آخر، وأكثر الرويات التي توجت.. إما مقرصنة من أدب غابر أو كتبت بأقلام خفية… عدا القلة…
انظروا للروايات التي تطبع هذه الجوائز…
أحبائي
ليس العيب في الجوائز الأدبية
هذه الجوائز في مضمونها حوافز تشجيعية
وفي جوانب أخرى تعد للبعض مظاهر تكريمية
لكن المشكلة في عالمنا العربي هو افتقاد الموضوعية
عالمنا العربي يعني بحق بحق من سيطرة العصابات الثقافية
ولقد قلت ذلك في الندوات الخاصة والعامة وعلى الشاشة التليفزيونية
التحكيم في الغالبية العظمى من الأوقات يتم بالهوى وليس برؤية نقدية
ولقد كنت رئيسا للجان التحكيم لعشرات السنين للمسابقات الثقافية للمنظمات المدنية
وكانت هذه اللجان تضم كبار الكتاب كمصطفى القاضي وسمير المدني وأحمد المرسي وغيرهم من النخبة الثقافية
وهؤلاء لم يتقاضوا أي أجر بناء على رغبتي وكذلك أنا وكان الهدف فقط هو انصاف من يتمتع بحق بموهبة ابداعية حقيقية
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه…واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات…مركز ثقافة الألفية الثالثة