المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

محمد العلي على طريق الحداثة وداخل خنادقها

بواسطة | ديسمبر 27, 2016 | دراسات

قطيعة وتجاوز

علي الدميني

علي الدميني

منذ أن غادر محمد العلي طريق متابعته لدراسة المنهج الديني، وسلك طريق التعليم المدني – رمزيًّا وثقافيًّا – فقد خلع عباءة «رجل الدين» وعمامته، واختار طريق «طالب المعرفة»، متخليًا عن مسار «العقل التقليدي» ومنحازًا إلى فضاء بناء «العقل النقدي»، وإلى فكر السؤال والنقد والعقلانية، وإلى حلم التقدم الإنساني الذي يتغيا حرية الإنسان وسعادته، وذلك من خلال الإسهام في إنتاج القيم الحديثة المرتبطة بضرورات العصر، والانخراط في الممارسة الفاعلة لصياغة رؤية مختلفة لحياةٍ جديدة. وهنا نراه وقد انتقل منذ مطلع ستينيات القرن المنصرم من ضفة سيادة سلطة النمط والتقليد والأنساق التراثية المهيمنة على الفكر والإبداع والحياة، إلى ضفاف تيارات التنوير والتقدم الحضاري في العالم العربي، وهي العلامات البارزة للسير على الطريق إلى الحداثة.

في حوار لمحطة (LBC) اللبنانية مع محمد العلي قال: «إن شهادة السطوع التي حصلت عليها حين تخرجت من المعاهد الدينية في النجف، قد خلقت مني متمردًا! مضيفًا، أن النجف مدينة إما أن تدفعك إلى الخمول والاستسلام الذي ليس بعده صحو، أو تدفعك إلى التمرد»(1).

وفي عام 1963م عاد العلي مع عائلته إلى الدمام التي كانت تنمو كحاضرة للمنطقة الشرقية، وعبر أربعة أعوام فيها، تجاوز العلي محاضرته الأولى التي قدمها في الرياض عام 1964م، باشتغاله على تطوير رؤيته وتعميق مرتكزاتها الفكرية والأدبية والاجتماعية، وتوّج ذلك بكتابة مقالة أسبوعية في جريدة اليوم أضحت مع الزمن مضمارًا ومنبرًا لصوته وأجراس حراكه الثقافي، وقدم خلال عقد السبعينيات عددًا من المحاضرات المهتمة بحقل الأدب والفكر الاجتماعي، كما انحاز إلى كتابة شعر التفعيلة وفق رؤية إبداعية وفكرية متميزة، تطورت خلال مرحلة قصيرة لتتجاوز ما أبدعه شعراء المملكة في تلك المرحلة وما قبلها، من العواد إلى حسن القرشي، وسعد البواردي، وغازي القصيبي، ومحمد المنصور، والرميح، وناصر أبوحيمد، ومحمد العثيمين وسواهم، وما قدمه الشعراء الشباب الذين جعلوا الشعر الحر خيارهم الشعري منذ البدء، مثل سعد الحميدين، وأحمد الصالح، وعلي الدميني، وغيرهم.

وقد غدت قصائده مثل «العيد والخليج، لا ماء في الماء، آهٍ متى أتغزّل، وغيرها»، كمرتكزات للقصيدة الحداثية في المملكة في أبعادها الجمالية والدلالية، في عقد السبعينيات من تلك المرحلة.

وبالموقف الحاسم والقاطع نفسه مع الرؤية التقليدية، شكّل كيانًا شخصيًّا مستقلًّا على مستوى البعد الثقافي الواقعي والرمزي، للمثقف الحر والصادق مع ذاته، ومع قراء كتاباته الصحفية منذ بدأها في جريدة اليوم حتى هذه اللحظة، فلم يرضخ لضرورات السير مع القطيع، أو ينحني لجني صفقات الأرباح بالتكيف مع أدوات أو مغريات التهجين المؤسساتية، مثلما لم يكتب مجاملًا مؤسسة أو مسؤولًا أو صديقًا أو كاتبًا، وأخلص فقط لتدوين ما يؤمن به تمامًا، وضمن أفق رؤيته النقدية، على رغم ضيق الحيز المتاح للتعبير الثقافي الحرّ في صحافتنا، وإكراهاته المستبدة.

وطيلة عمره المكلل بالعطاء المستمر، لم يشأ العلي جمع قصائده ومقالاته في كتاب، لأسباب كثيرة، وقف عليها الناقد أحمد بوقري حين قال: «أشار علي الدميني في كتابه (أمام مرآة محمد العلي) إلى أسباب متفرقة أو مجتمعة كالزهد في الأضواء، أو القناعة الناقصة لأهمية ما كتب، أو السأم الوجودي… أو لعطالة المناخ الثقافي القادر على الاستقبال والحوار والتحريض، وقد أزيد عليه وأقول: إنها ربما راجعة إلى الحس السقراطي الفلسفي، الذي انطوت عليه شخصية محمد العلي. فهذه الشخصية في إهابها تهوى طرح الأسئلة ولا تبحث عن الأجوبة الآنية، بل تحث الآخرين على المشاركة الدؤوبة في البحث عن المعنى، وخلق الدلالات والتأويلات. إنها الشخصية السقراطية التي لا تجد نفسها بين دفتي كتاب، قدر ما تجدها في حضورها الفيزيقي والصوتي والحركي، وكأنه «المشّاء» في غياب فاعل، لا يتحقق حضوره إلا في الأثر الذي يتركه ويطبع بميسمه أفق التحول، وصيرورة التجدّد الإبداعي»(2).

عتبات المشروع الثقافي

ghazi

غازي القصيبي

مهمومًا بسؤال المعنى.. معنى الوجود الإنساني، وبدأب متواصل، يمضي العلي باحثًا عن أفق الحياة التي تنعم بمثالات العدالة والكرامة والحرية، خارج أثقال الأساطير والتراكمات الثقافية وسلطاتها الكثيرة، ليقود خطواته نحو تشييد معمار مشروع ثقافي، فكرًا وإبداعًا، تساؤلًا ونقضًا، هدمًا وبناءً.

وعلى رغم أنه لم يشر في أي كتابة أو حوار إلى أنه صاحب مشروع، ولا سيما وهو لم يعمد إلى نشر نتاجاته في كتب، إلا أننا وقد تجمعت بين أيدينا معظم كتاباته في مجلدات عديدة قام بها محبوه، لن نعدو طريق الصواب حين نقول: إننا أمام عتبات مشروع ثقافي لافت ينهض على المقومات الآتية: عدة معرفية، وعين نقدية قارئة للتراث العربي والثقافة المعاصرة، ومنفتحة على الحداثة. رؤية جدلية لتحليل الواقع، ورؤيا متشوفة لآفاق المستقبل. ملكة ثقافية نقدية تنطوي على قدرٍ كبير من فاعلية الشك المعرفي، وعلى الشجاعة الكافية للتعبير عنها، مثلما تستطيع موضعة ذاتها بقدر من الحيادية «الإبستمولوجية»، حيال الإشكاليات التي تتناولها.

وفي عجالة يقتضيها مقام هذه المقالة، سأقف على بعض تجليات مشروعه وفق المحاور الآتية:

أولًا: المنحى الإبستمولوجي

وهو منحى نقدي يروم الوقوف على الأسس المعرفية المكرسة بفعل السلطات المختلفة عبر الزمن، والحوار مع مرتكزاتها، إما لتأكيد مصداقيتها، أو لطرح الأسئلة حولها ونقضها، وهو ما يصب في موضوعة «نسبية الحقيقة». ولذا نقف في كتاباته على اهتمام عميق ومستمر بتحديد «المفاهيم» وتطورها عبر الزمن، سواء في مقالاته القصيرة أو الطويلة أو في محاضراته، وقد خصص الشاعر أحمد العلي القائم على نشر نتاجه كتابًا ضخمًا بعنوان «نمو المفاهيم»، وقف فيه على موضوعات ومفاهيم كثيرة منها: الشك واليقين، مفهوم التراث، نمو المفاهيم، ما هو التاريخ، الفرق بين الرؤية والموقف، عن الثقافة ومكوناتها، المثقف والأيديولوجيا، مفهوم الوطن».

كما نقرأ في كتابه الآخر «درس البحر» مقاربات معرفية معمقة أيضًا عن إشكالات وظواهر ثقافية واجتماعية قارب فيها كثيرًا من الاهتمامات مثل: «ما هو المجتمع، ما هو المفهوم، التفكير الحضاري، كيف نقرأ الماضي، كيف نقرأ الحاضر، التخلف، ثقوب الوعي، قتل العرب، العدالة، وسواها من عشرات العناوين المختلفة في النقد والشعر والفكر والاجتماع».

ولعل هذه الفقرة من كتابه «نمو المفاهيم» تأخذنا بكل وضوح صوب الجوهر الثقافي المحرك لفاعلية مشاغل العلي وضميره، المنبثة في كل كتاباته وقصائده، حيث يقول: «إن أول اشتياقات الإنسان الروحية هو البحث عن المعنى… إن الوصول إلى معنى الوجود الإنساني وإلى معارفه وتصوراته وقيمه ومواقفه وحاجاته الروحية والبدنية، هو هدف الإنسان الأول.. لأنه بهذا الوصول إلى بلورة معنى الأشياء يصل إلى الاطمئنان الروحي، ويتخلص من كلام المجهول والتخبط في التفسير»(3).

ثانيًا: منحى النقد الثقافي

2%d8%b3%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%86

سعد الحميدين

تنحو قراءات العلي في الحقل الثقافي لاستخدام مكوناته المعرفية المتصلة بحقول علوم الاجتماع والفلسفة والتاريخ والأدب، لمقاربة العديد من الظواهر وأنساقها المضمرة في مكونات الثقافة والواقع الاجتماعي، كما يقف في مقارباته النقدية للأدب على التشكيل الجمالي للنص، وعلى دلالاته كقيمة ومحرك اجتماعي، مثلما يشير أيضًا إلى جماليات الثقافة الشفوية وتمثلاتها في الشعر والمثل والنكتة واللعب والضحك.

ولذا نراه يشتغل على الثقافة لكونها «كل طريقة للحياة يعيشها الناس»، وبما قال عنها غرامشي وإدوارد سعيد من أن «الثقافة تعد مسرحًا تشتبك فيه قضايا سياسية وعقائدية مختلفة، وأن كل ثقافة تولد ثقافة مغايرة ومضادة»(4).

وإذا كانت جهوده الكتابية في محاضراته ومقالاته المتسلسلة الطويلة، قد اعتنت بجوانب فكرية وفلسفية وأدبية واجتماعية، فإننا سنكتفي هنا بأن نعرض لبعض مقالاته التي يمكن أن يغلب عليها طابع التفاعل اليومي مع الأحداث أو الآراء التي يناقشها كجزء من الانشغال بالنقد الثقافي:

أ- كتب عن لعبة «البلوت»، والأسهم، وذهنية التحريم، وقارب لعبة كرة القدم في مباريات كأس العالم في عام 1996م في عدة مقالات نختصر هنا بعض مرئياتها:

– «بعض الأقدام تجاوزت صراع الأفكار بين الروح والجسد.. لأنها متأكدة من أن الروح والجسد شيء واحد.. فالهدف لا يحرزه الجسد وحده ولا الروح وحدها.. يحرزه الإنسان بلا أجزاء» (ولنلحظ التورية الكامنة في كلمة الهدف).

– «أحبُّ كرة القدم؛ لأنها لا تحمل أحكامًا مسبقة، فالأحكام المسبقة هي التي أعاقت وتعيق البشر، أو معظمهم عن رؤية الواقع، وعن قراءة التاريخ قراءة ناقدة وموضوعية».

– «حكام المباريات يشغلون مهنة من أصعب المهن وأعسرها.. يركضون ويتابعون ويحكمون بالقانون، ومع هذا تلاحقهم لعنات النقاد والجماهير! أما (حكّام الدول).. فإنهم يمشون حتى في المدرجات كالطواويس».

– «إنها لغة لا يمكنك فيها أن تكذب مثل لغة الأفكار.. إنها عارية تمامًا من الأقنعة والرموز وضباب الماضي».

– «إنك (وهذا هو الجوهر) تستطيع التعبير فيها عن نفسك، أما لغة الأفكار فهناك سيوف صقيلة تمنعك من هذا الحق البسيط في التعبير عن النفس»(5).

ب- وضمن هذا المحور، تحتفي إحدى سلسلة مقالاته بحالة «الضحك»، ذاهبًا في البحث عن جذورها الإنسانية كتعبير عفوي وكحاجة نفسية، وكحكاية دالة في مدوناتها، من الجاحظ إلى هنري برجسون، ومن الماضي إلى لحظة انتظار شاعر لشاعرة في مقهى لتقرأ عليه قصيدتها الجديدة، حيث خصص لها مقعدًا بجواره، ولكن صديقًا آخر ثقيل الوزن والدم يهبط عليه فجأة ويحتل ذلك الكرسي!!

ويستمر في التنقيب عن حالات «الضحك» ودلالاته، بالإشارة إلى ما أورده الفقيه ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين، من قيام معلم بإدخال سورة على سورة، وهو يعلّم أحد الصبيان الفقراء، لأن والد الصبي لا يفكّ الحرف ولا يملك مالًا لدفعه للمعلم، بقوله: «حين سكنت موجة الضحك في داخلي بعد قراءة هذه النكتة، أخذني عجبٌ من نوع آخر، هو أن راويها رجل فقيه يوصف بأنه إمام، وكان عجبي عن مدى التسامح الذي يملكه هذا الرجل»(6).

ج- يأخذ حديثه عن النظام العالمي الجديد شكلًا من أشكال النقد الثقافي، حيث يحضر ذلك الشبح المرعب الذي تشكّل كأنساق ثقافية وسياسية وأخلاقية مهيمنة منذ تم تداوله في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، وغدا كأطياف لا تفارق مقاربات العلي، للمثقف ودوره، وللتكوين الثقافي والتغير في القيم، حيث يقول: «منذ زمن وأنا أكتب عن المثقف، ما هو تعريفه؟…. الموضوع يؤرقني فعلًا …. لماذا؟ لأن المثقف مثل أي شيء في ظل النظام العالمي الجديد، دخل في متاهة اللاتحديد، وتخلى عن أن يكون ضميرًا»(7).

ثالثًا: منحى القراءة الحوارية

ينتظم البعد الحواري جل نتاجات العلي، حيث تأخذ أقوال أو آراء أو تصريحات أطراف متعددة ومتناقضة حول الموضوع نفسه موقعها في القراءة أو البحث. وبذلك تصبح عناصر المقابلة والمقارنة والتضاد والمفارقة شديدة الحضور، فتفتح أبواب الشك والتساؤل مساراتها من أجل تعميق مضمار الأسئلة المستفزة والمحفزة على التأمل والتفكير، قبل أن يضع رأيه أو يلمّح إليه،كأحد الآراء الممكنة، ضمن هذا الأفق الحواري الخصب.

وتنبني معظم محاضراته ومقالاته الطويلة على هذا النسق. انظر كتبه: نمو المفاهيم، درس البحر، هموم الضوء، البئر المستحيلة. ويمكننا في هذا المجال أن نشير إلى محاضرته الموسومة بـ «مفهوم التراث» لنرى تبديات تلك الحوارية المتعددة الأصوات، سواء في تعدد محاورها أو تعدد آراء الكتاب الذين استشهدت بهم، مثلما نجده في ابتعاد الكاتب عن اليقينية أو الإطلاقية أو الوعظية الدوغمائية.

ولنقف معه على المحور الذي تحدث فيه عن النقد الأدبي لكونه أحد مكونات التراث الأدبي العربي، فنراه يورد تعريف محمد مندور للنقد الأدبي في كتابه النقد المنهجي عند العرب، وما تبعه – كما قال – من تعاريف لا حصر لها، حتى يأتي إلى ضرورة نقد تلك التعريفات، متكئًا على محاضرة المسدي في هذا الصدد، والتي ركّزت على أهمية نقد النقد. وبعد تفتيق الأسئلة حول «كيف يولد النص؟ وما هي قسماته؟ هل هي فردية أم اجتماعية؟ ما هي علاقته بسياقه؟ ما هي إضافته؟ على أي منهج يمكن قراءته؟» يذهب إلى الإشكاليات التي تطرحها هذه الأسئلة في ضوء استحضار كلام الجابري عن تداخل الأزمنة الثقافية في تراثنا العربي وحاضرنا اليوم، ويأتي بما يعضدها عند إحسان عباس في كتابه تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ليستحضر بعد ذلك الناقد حازم القرطاجني مثبتًا ما قاله عن الشعر والشعرية، حتى يطرح التساؤل العريض الآتي: «هذه الرؤية المشرقة لحازم القرطاجني، الذي تفصلنا عنه عدة قرون، أليست أكثر حداثةً من رؤوس لفيف يتربّع على كراسي الجامعات عندنا الآن؟». وهنا، وبعد تلك الرحلة الحوارية الطويلة بين العديد من الآراء والرؤى يقول: نعم إنها لكذلك، يقصد رؤية حازم، ومن ثم يقوم بمحاورة زكي نجيب محمود وأدونيس حول مفهوم التراث(8). ويمكن لنا أيضًا أن نتأمل البعد الحواري في متون مقالاته المتسلسلة والتي خصصها لقراءة عدد كبير من الكتب التي عنيت بتطور الفلسفة أو الحضارة عند ديوارنت، وتلك التي اهتمت بقراءة ثقافة الماضي، أو غيرها من الكتب التي بحثت في نقد ثقافة الحاضر والرنو صوب ملامح المستقبل، حيث يعرض للأفكار والآراء ويعارضها أو ينقضها أو يوسع من مدى رؤيتها، من خلال ما كتبه آخرون عن الإشكالية أو الفكرة نفسها، ثم يطرح بعد ذلك آراءه وملحوظاته حولها. انظر كتابه: هموم الضوء.

أما مقالاته القصيرة، فإنها تتشكل على هيئة كبسولات صغيرة، مكثفة لغةً ودلالة، اعتصر فيها جوهر الفكرة وشكّلها بطريقة تنبني على المفارقة الكامنة في اختلاف رؤيتين أو هدفين، ويعمقها، للتلميح إلى رؤيته، بفاعلية السخرية الضمنية وحرقة الأسئلة، حيث إنه غالبًا ما يطرح على قارئه تساؤلًا في آخر المقالة، ليبقي أفق الحوارية مفتوحًا ومنطلقًا من القارئ نفسه إلى ذاته وإلى واقعه وفكره ومواقفه هو!!

رابعًا: مفهوم الحداثة عند محمد العلي

la-ahadالعقل الديناميكي والعقلانية النقدية يشكلان رافعة فاعلية الإنسان في واقعه، من أجل تجاوز حمولات الاستبداد الثقافية والسياسية المتعاضدة عبر الأزمنة؛ لكي يبلغ زمن الحرية وإعلاء قيمة الإنسان وذاته، وهي الرافعة الرئيسة لثقافة عصور النهضة والتنوير التي دشّنت في الغرب زمن الحداثة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تمثل -في نسبيتها– أفضل تجليات تحقق النزوع التاريخي للبشرية صوب حياة جديدة ومختلفة.

بيد أن هذه الديناميكية العقلانية والنقدية مشروطة بظروفها الزمانية والمكانية، التي تجعل من مفهوم الحداثة مفهومًا نسبيًّا، في تشكّل مقدماته وأولوياته، وفي تحقيق مستوياته المختلفة في الواقع. ولذلك فإن العلي يأخذ كغيره من المفكرين العرب بمفهوم الحداثة التاريخانية، حيث يرى محمد عابد الجابري بأن الحداثة «ظاهرة تاريخية، وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها، محدودة بحدود زمنية ترسمها الصيرورة على خط التطور»(9). أو كما يرى الباحث التونسي الدكتور حمادي بن جاء بالله «بأن حداثة عصرنا نتاج مطاف تاريخي فكري حلمت به الإنسانية منذ أقدم العهود، وعبّرت عنه الأساطير والأديان والفنون؛ إذ ليس من ثقافة إنسانية مهما كانت درجة وعيها بذاتها إلا وحلم الحرية ثاوٍ في أعماقها. وما أنجزه العصر الحديث حقق جوانب من ذلك الحلم لا يستهان بها بعد أن تهيأ، بتوسط العقلانية اليونانية – العربية – الأوربية -اللاتينية، وبفضلها»(10)؛ فالحداثة عند محمد العلي تنبثق من تلك الرؤية التاريخانية التي ترى أنها رؤية للكون والحياة وللإنسان وللمستقبل؛ وأنها تعني «ألا يسبقك الزمن»، وأن عمادها العقلانية والحرية، حيث يقول عن الأولى: «يقوم التحضّر على دعائم كثيرة من أهمها العقلانية… والعقلانية هي الاستناد إلى الترابط السببي في تفسير الظواهر المادية والاجتماعية والنفسية والأدبية والفنية جميعًا…»(11). كما يقول عن الحرية: «هناك أحلام تشترك فيها الإنسانية جمعاء… حددتها الفلسفة القديمة بثلاث قيم هي: الحق والخير والجمال. أما الفكر الحديث فيحددها في ثلاث قيم هي: الحرية والعدل والسلام. ونقصد بالحرية هنا معناها الفلسفي لا السياسي؛ فالتخلص من الفقر حرية، والخروج من الجهل حرية، والشفاء من الأمراض حرية، وكل أنواع الانفكاك من القيود التي تكبّل وصول الإنسان إلى السعادة، تسمى: حرية»(12). وفي حوار ثقافي مع العلي في النادي الأدبي بجدة يقول أيضًا: إن «الحداثة مفهوم يتغير، بمعنى أنها صيرورة تتطور، والمعنى الآخر للحداثة هو تجدّد المعنى، فحينما يتجدد المعنى لأي شيء… يتجدّد المفهوم… وهذا يعني أن يكون ما في أذهاننا مستعدًّا لأن يهبط ليحلّ غيره محله، و تلك هي الحداثة»(13).

ويوضح ذلك في كتابه «هموم الضوء» حين يقول: «والخروج من نظام تفكيرنا الراهن – ليصبح تفكيرًا في العقل وليس بالعقل وحسب – إلى نظام آخر يستوعب ثمار العصر ومنعطفاته… ليس سهلًا، فهو يستلزم شيئًا يسمونه (الحداثة) التي هي ليست شكلًا بل مضمونًا»(14). ويؤكد في كتاب جديد يصدر قريبًا عن دار الساقي، على هذا المعنى للحداثة بقوله: «الحداثة قفزة في القيم والمفاهيم. قفزة في تبلور الذهنيات وكل ما يتميز به الحاضر عن الماضي. الحداثة هي انتقال المجتمع، لا الأفراد من مستوى ذهني إلى مستوى أرفع منه».

خامسًا: الموقف من التراث والحداثة

لا يتفق العلي – ضمن رؤيته التاريخانية للحداثة – مع من يرى في الحداثة قطيعة كلية مع التراث، حيث يرى في التراث ما يبقى وما لا بد أن يموت، فيقول في هذا السياق: «يحتاج الماضي إلى قراءة، لنعرف ما غرسه فينا من أشجار مثمرة، ومن أشواك أيضًا، ويحتاج الحاضر إلى قراءة لنعرف إلى أين نتجه»(15). أما في تعقيبه على ما قاله الدكتور برهان غليون حول التراث والحداثة، من أنه «ليس من الممكن التخلي عن هذه الثقافة لغيرها»، فإنه يؤيد الرؤية، ويعدد أسباب قناعته بها، بقوله: «لأن طرق السلوك والتفكير وتحرك الوجدان مصاغة حسب هذه الثقافة، فهي البنيان الداخلي بكامله، وحين نلغيها نكون قد ألغينا في الوقت نفسه الذاكرة والوجدان»(16). وفي حوار مجلة النص الجديد معه قال: «الحداثة، كما أفهمها، مصطلح عربي تليد قبل أن يكون غربيًّا. الغرب ابتكر أسلوب حداثته وفق مقاييسه ومسار تطوره وحدودها. ولكننا نحن ورثنا مقاييسها، وأدخلنا عليها مفهومًا غريبًا أحالها إلى شبح مخيف بالنسبة للغالبية من مثقفينا وقرائنا. هذا المفهوم هو أن كل حداثة تبدأ من القطيعة مع التراث! هذا المفهوم خاطئ ومضلّل. إن الحداثة ليست شيئًا سوى (التطور والارتقاء على الذات، وانتقاء الإيجابيات في التراث وتعميقها لإغناء الحاضر»(17).

سادسًا: حداثة القصيدة عند العلي(18)

تجربة العلي تعد إحدى التجارب المؤسسة للحداثة الشعرية في المملكة، بما توافرت عليه من رؤية تنويرية وموقف تقدمي، وبما نهضت عليه من عدة إبداعية تميزت: بالعذوبة اللغوية، وأناقة بناء الصورة وتفردها، وكثافة التعبير في بناء الجملة الشعرية، والنص الذي يجمع بين البساطة والعمق، والوضوح والغموض الشفاف، وكذلك بالإفادة من معرفته الموسوعية بالتراث الشعري والإبداع المعاصر، لإنتاج نص خاص ومتفرد في رؤيته وتعبيره، بكل المقاييس النقدية وبكل ممكنات الاستقبال الجمالي.

كسر الغنائية في نصه الشعري

al-bearقد يذهب النقد الحداثي إلى توصيف العلي بالشاعر الغنائي، نظرًا لحضور ذات الشاعر في كليّة النص، لكونها بؤرة انعكاس التجربة ومنبعها في نصه الإبداعي، كذاتٍ رومانسية تنشد الحرية الفردية، وتتمرد على جميع الأنظمة والقوانين الاجتماعية، وتتولّع بالتغرّب والتغريب، والفرار إلى عوالم جديدة متخيلة، متدثرة بالكآبة والحزن. لكن قارئ قصائد العلي سيقف حتمًا أمام روحه المتشبثة بالحرية، وإعلاء قيمة الفرد، مثلما سيرى غابة من الحزن الشفيف تطبع كثيرًا من نتاجه الشعري، لابتعاد الأحلام عن التحقق، ولكن جدل هذين المكونين سيتضافران في تشكيل جمالية بنية نصيّة، تخرج القصيدة من غنائيتها التقليدية أو نزوعها الرومانسي، إلى أفق مغاير ينبني على امتزاج الخاص بالعام، والذاتي بالموضوعي، والفردي بالاجتماعي، والداخل بالخارج.

ويمكن أن نلخص أبرز خصائص شعرية العلي في النقاط الآتية:

– الحساسية اللغوية العالية وتجليها في رهافة وأناقة الصورة الشعرية (في صياغة الجملة، وفي تشكيل البنية الكلية للنص).

– المفارقة الحاملة لأبعاد تراجيدية السخرية، (عبر توظيف الدوال المتباعدة لإنتاج دال آخر)، بحسب الدكتور محمد الشنطي.

– تعد قصائده من النماذج البارزة على مفهوم الانزياح التي نظر لها نقاد الحداثة (جان كوهين مثلًا)، والتي تقوم على فاعلية الانتقال من مجاز المفردة إلى مجاز القصيدة، وتحويل كنائية الكلمات والجمل إلى فضاء استعاري كلي للنص، ينهض بمهمة التعبير المنتج لدواله الجديدة خارج الحمولات الجاهزة أو المرجعيات التقريرية المباشرة.

– استثمار فاعلية التناص مع التراث، وتوظيفه بشكل خلاق في إثراء جماليات النص وبؤره الدلالية.

– العلي شاعر تجربة غنية بمذخورها المعرفي والفني والحياتي، فكرًا وموقفًا، ويتبدى فيها صراعه الحضاري من أجل استيلاد الجديد، لذلك تغدو تجربته الشعرية أنموذجًا لتجادل المعرفي والجمالي مع الواقع، من أجل إنتاج بنية نص حداثي متجاوز، يقوم على فاعلية ما أسماه الدكتور كمال أبو ديب «الفجوة مسافة التوتر» في جل قصائده.

– يعمل على إخراج نصه من السمة الغنائية إلى التأملية الدرامية، عبر تشكيل حالة النموذج الفني التي لا يستخدم فيها تقنية القناع أو التوظيف الرمزي الأسطوري أو التاريخي، إنما يقوم بإنتاج رموزه الخاصة وأساطيره الصغيرة المختلفة، وتفتيق ثنايا النص بالأسئلة والحوار.

nomouwولعل أجمل ما قيل عن ملامح النموذج الفني، وتشكيل الصورة الشعرية في تجربة العلي ما كتبه الدكتور محمد الشنطي(19)، إذ يرى أن بنية النص الشعري عند شاعرنا، تنهض غالبًا على المزاوجة بين خصوصية الدلالة وعمومية التجربة، واستخدام الثنائيات لتفجير المفارقة، وفي تجاوز المستوى الغنائي والتقرير الحسي، إلى توظيف فاعلية التداخل النصوصي، أو التضمين بالاستعارة، واستدعاء النماذج التراثية، والإفادة من آليات السرد والتحول، وبناء درامية النص حول الجدل والحوار والاستهلال بالسؤال والافتراض، ليبتعد النص عن الموقف الرومانسي والنبرة الغنائية.

– يتميز بالقدرة على الإيجاز والاختزال، والعمل على إبراء الشعر من اللغو، حيث يبدو كمن يجر اللغة إلى ما هو أبعد من اللغة، بحسب تعبير صبحي حديدي عن أحد الشعراء. لذلك نلحظ قصر نصه الشعري وكثافته، حتى وإن تعددت مقاطعه وبؤره الدلالية، وغالبًا ما يتكون العنوان من كلمة واحدة تحمل أبعادها الإيحائية الشاسعة، مشحونة بمقدرتها على التجادل مع الجملة الأولى في النص والتي تحمل بؤرة النص وإمكانيات تنميته.

– يتكئ على ذاته في ابتكار أساطيره ورموزه الخاصة، حيث لا يعتمد في شعره على توظيف أي معطى جاهز يتمثل في الأساطير المعروفة، أو الرموز الأسطورية أو التاريخية، أو تلك التي ترمّزها الحياة.

الصوت‭… ‬والأجراس

في الختام، هدفت هذه القراءات «الصوت … والأجراس» إلى القول بأن النزوع إلى الحداثة ظاهرة تاريخية تعمقت عبر مراحل النهضة والتنوير في أوربا التي وضعت العالم على بوابة الواقع المنبني على العقلانية والتجريب العلمي والحرية وحقوق الإنسان، والمتحققة في نسبيتها في الحداثة كمفهوم متعدد الأبعاد في مختلف الحقول الاجتماعية والثقافية والسياسية، وليس في الإبداع وحده. وقد حاولتُ إلقاء الضوء على مقومات وفواعل ذلك النزوع والتشوف الحارق للحداثة لدى بعض آبائنا من الأدباء في المملكة، عبر ما أنتجوه، من محمد حسن عواد إلى محمد العلي.

وإذا كانت الأجراس التي دقوا نواقيسها، وأحدثوا أصواتها في فضائنا الاجتماعي والثقافي، لم تكن مؤثرة بالشكل الذي حلموا به، أو لم تعمل كما ينبغي على ترابط الأجيال، وتكامل الفعل الثقافي المؤثر في الطريق إلى الحداثة، التي نشهد اليوم خصوبة عطائها وبخاصة في الحقل الأدبي في المملكة، إلا أن تلك الأصوات قد أسهمت في تعميق الجرأة لدى الكتاب والمبدعين على اجتراح التعبير عن تطلعاتهم نحو التقدم والحداثة. كما أنها قد هيأت المناخ – وإن بشكل جنيني- لخوض المغامرة الفردية مثلما فعل هؤلاء الآباء، على رغم إكراهات الأنساق الثقافية والاجتماعية والمؤسسية المحافظة. ولعلنا لن نجاوز الحق والحقيقة إن ذهبنا إلى أن محمد العلي – بحكم الزمن والمتغيرات – يعد اليوم أكثرهم فاعلية وحضورًا وتأثيرًا في حياتنا الثقافية، عبر كتاباته المستمرة، وإبداعه ومواقفه الثقافية والنضالية خلال ما يقارب الخمسين عامًا، وأنه هو الأكثر قربًا إلى الفاعلية الأعمق لمفهوم الحداثة من كل رصفائه الشيوخ، ومن أدبائنا الشباب في المملكة.

—————————————-

المراجع:

(1) حوار على محطة LBC أجراه معه أحمد عدنان www.youtube.com

(2) الطريق إلى أبواب القصيدة – كتاب عن تجربة علي الدميني الثقافية والإبداعية – النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية – 2014م – ص 165، 166.

(3) نمو المفاهيم – دار الانتشار العربي والنادي الأدبي بالرياض – 2012م – ص 10.

(4) سحر كاظم حمزة الشحيري – مجلة جامعة بابل – مجلد 122 – العدد 1 – 2014م.

(5) كلمات مائية – دار الانتشار العربي – 2009م – ص 163-171.

(6) درس البحر – دار الجمل ودار طوى – 2012- ص 346.

(7) حلقات أولمبية – دار مدارك ونادي تبوك الأدبي 2013م – ص58.

(8) انظر محاضرة «مفهوم التراث» – ص 73 و ما بعدها، في كتاب «نمو المفاهيم» -مصدر سابق

(9) نحن والتراث- المركز الثقافي العربي-1991م- ص 17.

(10) الحداثة – جدل الكونية والخصوصية – المركز الثقافي العربي – بيروت 2014م – حوار مع د.حمادي جاء بالله.

(11) درس البحر – مصدر سابق – ص 203.

(12) درس البحر – مصدر سابق – ص 168.

(13) نشرت جريدة الجزيرة ملخصًا للحوار أعده صالح الخزمري – العدد 13203 – 21\11\2008م).

(14) هموم الضوء – دار الجمل ودار طوى – 2013م – ص340.

( 15) درس البحر – 234 – مصدر سابق.

(16) هموم الضوء – ص 338 – مصدر سابق.

(17  مجلة النص الجديد – العدد الأول – 1993م ص44-45.

(18) (اتكأت في هذه الفقرة على كتابي « أمام مرآة محمد العلي» دار الانتشار العربي- 2012م- ص 132 وما بعدها).

(19) من كتاب عزيزة فتح الله – محمد العلي / دراسات وشهادات – دار المريخ 2005 م- ص 140.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *