كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
قصيدتان
العجوز الأعمى٭
الذي أفنى عمره بالمكتبة الوطنية
في «ريو دي جانيرو»
يقلب أوراقه الصفراء
بحثًا عن فساتين ورد الأكمام
وعن إخوتها
الذين أغلقت شواربهم بوابات المحيط
وعندما صادفه القصر
الذي زينته عشرات الأقفال
أصر على تحطيم غرفته السرية
فوجد منحوتات هائلة لطيور خرافية
تسقط على رأس ملوك توليدو
وخيولاً مطهمة يسرجها الفرسان
مقاليع ومضارب ومجانيق
أساور ذهبية نقشت على متونها
أسماء ملوك غابرين
وكتبًا سوداء لا تحصى
ثم تعثر في كتب العرافين الأوائل
الذين بشروا من يفتح غرفة السر
بالموت على يد الغزاة
ولم تمض أيام
حتى داس طارق بن زياد
سهول أيبيريا
هنا
سقط العجوز مغشيًّا عليه
وبين يديه الكتاب
فاستيقظت ورد الأكمام مذعورة
مسحت على جبين الرجل
بعد أن حُمَّ لثلاث ليال
وبعد أن أفاق قالت له:
يا والد المتاهة
احذر الحلم
وأعد الأقفال
عندئذ أنزل الأعمى ريشته
تنهد طويلًا
حاول إعادة الأقفال إلى موضعها
لكن أشياء كثيرة في أيبيريا
كان قد طالها الصدأ.
٭ المقصود هنا خورخي لويس بورخيس .
انفجارٌ في الرأس
لم يذكر «أورهان ولي»٭
أنه كان حزينًا
عندما قطَعَتْ ثُركيا لِسَانه
فصارَ يكتبُ بالحروف اللاتينية
ولا ينطقُ العربيةَ
إلا في الحَمَّام .
فقط، يذكرُ أنه نسيَ الأمرَ
وكتبَ قصائدَ لا بأسَ بها
عن الحاناتِ والسفر
والنجومِ التي تودعُ الراحلين
كانت إسطنبولُ
تَخْرِقُ قَاربَها
وتسيرُ مترنحةً
على مقاهي جنوةَ وبرلين وباريس
بعدَ أن سَلَّم «آلُ عثمانَ»
عِمَامةَ الإمبراطوريةَ
لجنود «أتاتورك»
كان «أورهان» يَغْرُبُ مع الغاربين
يتحدثُ بأسًى
عن الاستسلامِ اللذيذ
للأفرانِ التي تطبخُ مقالاتِ الثورة
وعن الحريةِ
التي نالتها تركيا
فأمكنها – دونَ جهدٍ –
أن تمتلئَ بـ(…)
وأنْ تغنّي:
«ملا الكاسات..»
و «آمااان .. يا لا لا للي ..»
ولكن بالإيقاعاتِ اللاتينية
كذلك أَمْكَنَها
أنْ تُكَرِّمَ وُلاتَها في الأقاليم
فَتُعَيّنَ رئيس الطباخينَ
حاكمًا عليهم .
«أورهان ولي»
الذي غنَّى لتركيا
واعتبرَ نفسه ضالعًا في حبها
صعدَ على أكتافِه
الأوباشُ وتجارُ العبيد
فماتَ دون السادسة والثلاثين
بانفجارٍ في الرأس
«مسكين أورهان أفندي».
٭ شاعر تركي ولد عام 1914م ورحل عام 1950م .
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق