كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الوعد الليبرالي.. أخلاقيًّا!
في الاستخدام الجاري، في حياتنا العربية اليوم، يَشي مصطلح «الليبرالي» بجملة من المعاني والصفات التي تلحق بمن يشار إليه بهذا النعت. فالليبرالي هو ذاك الفرد أو الشخص «المتحرر» من علائق المجتمع التقليدية، ومن القيم «البالية» ومن التراث والتاريخ السالفين، ومن الشكل الدينيّ «المحافظ» ورسومه الجامدة. وهو إنسانٌ متجذّرٌ في الوضعيّ الآنيّ العابر، منفتحٌ على المستقبل، يؤثِر حياة بلا قيود اجتماعية ضاغطة، ويجنح إلى حياة المرح والمتعة العارضة والسعادة المشخصة المباشرة، ويألف التعدد والتحوّل والخفة في العلاقات العاطفية، والسيولة والسعة في العيش وفي الفراغ. وذلك في الغالب الأعم. ثم إنه في شخوصه الاجتماعيّ، وإذ ينأى بنفسه عن «العامة» ويلتحق بجماعة «المثقفين»، يُبدي ذاتًا تطلب الفرادة والتميّز وتسبغ على نفسها مزايا ليست هي ما يغلب على «القطيع»، وفي حالات كثيرة تُظهر قُبالةَ الآخر لا معاني الاختلاف والتميّز فقط، وإنما أيضًا معاني الإنكار والاحتقار والاستعلاء. وذلك في الغالب الأعم أيضًا.
لكن الليبراليّ، في الاستخدام الاصطلاحيّ، لا يعني إلا أشياء يسيرة من هذا كله وسواه؛ لأن المصطلح هنا يصبح قرينًا لمذهب رئيس من مذاهب الفلسفة الاجتماعية – السياسية المعيارية الحديثة، مذهب تبلور على وجه الخصوص واشتد عوده في القرن الثامن عشر، واقترن بالحداثة وفلسفة الأنوار والفلسفة النفعية، هو المذهب الليبراليّ أو الليبرالية.
في حقل القيم الأخلاقية
ينتمي المذهب ابتداءً إلى الفضاء الحضاريّ الغربيّ، لكن الظفر الغربيّ الكوني حمل المذهب إلى كل الفضاءات الأخرى. ومن ذلك ما ظهر في ثقافتنا العربية منذ ما يدعى «عصر النهضة» في القرن التاسع عشر وامتد إلى أيامنا. وما ظهر منه عندنا يشبه، على وجه التقريب، جملة ما تشكل عليه في الغرب، أي الأشكال الرئيسية الثلاثة: الليبرالية الاقتصادية، والليبرالية السياسية، والليبرالية الاجتماعية.
لا أقصد في قولي هنا الخوض في هذه الأشكال على سبيل الإبانة والعرض والتحليل، فذلك مطلب يمكن إدراكه، في حدود نَظَر آخر، بالرجوع إلى مصادره ومظانّه وأدبياته المتوافرة في غير مكان. وما أقصد إليه هنا قضية تتعلق، على وجه التحديد، بما يحمله «الوعد الليبراليّ» للإنسان، على وجه العموم، ولجماعتنا العربية على وجه الخصوص، لا في الحقلين الاقتصادي والسياسيّ، وإنما في حقل القيم الأخلاقية حيث يندر القول والنظر والمراجعة؛ ذلك أن ما يتقدم القول فيه، في أمر الليبرالية، هما المجالان الاقتصاديّ والسياسيّ اللذان يتوخيان، في الدعوى الليبرالية، إسباغ الحرية والمتعة والفائدة على حياة الفرد والمجتمع. وذلك هو «الوعد الليبراليّ» وَعْد «نهاية التاريخ».
هذا الوعد الذي أخصه بالقول هنا، هو وعد الليبرالية في أشكالها الكلاسيكية لا في شكلها «الليبرتاريّ»، أي الليبرالية الجديدة، أو الـ«نيو ليبرالية»، التي مثّلها فلاسفة سياسيون أميركيون على شاكلة فريدريك فون هايك، وميلتون فريدمان، روبرت نوزيك، وهي ليبرالية تقطع وتخرق الليبرالية الكلاسيكية التي تقلب فيها الفلاسفة: جون لوك، وهوبز، وكانْط، وهيغل، ومونتسكيو، وآدم سميث، وكارل بوبر، وبنديتو كروتشه، وريمون أرون، وجون رولز وآخرون.
يمثّل هؤلاء الفلاسفة ومن يلحق بهم ممن ينتمون إلى المذهب على نحو من الأنحاء، تيارًا فكريًّا ينافح عن جملة من الحقوق الفردية كالمساواة المدنيّة والحرية والأمن والملكية الشخصية، ترتد إلى رؤية خاصة في الفرد وفي العلاقات الإنسانية، وفق منظور شامل حدده على وجه الخصوص (جون لوك) وعززه (إيمانويل كانْط) بنزعة أخلاقية مثالية ضاربة في مبدأ «الكرامة الإنسانية»، وما يتعلق بها من معنى الاستقلال الذاتيّ والمسؤولية، أي في منظور أنطولوجيّ ممتد في فلسفة الأنوار ومتجذر في مبدأ المسؤولية الأخلاقية والحرية الإنسانية، مضادٍ للنظريات المادية والنفعية و«العلمية المسرفة» ولمبدأ اللذة على وجه الخصوص.
يعتقد الليبراليون أن الكائنات الإنسانية كائناتُ عقلية، مستعدة لـ«للتخلُّق»، حرّة، مالكة لحقوق أساسية لا يحق لأية سلطة قاهرة أن تجور عليها وتخرقها. وذلك يعني أنه ينبغي أن يكون لسلطة الدولة والمجتمع حدود، بحيث يقوم النظام الاجتماعيّ على مبدأ تمتُّع الفرد بأعظم قدرٍ من الحرية، وفي ذلك الحقلين الرئيسين: الاقتصاديّ والسياسيّ.
تُطلق الليبرالية الحرية في الحقل الاقتصاديّ إذ تشجع المبادرة الشخصية أو الفردية، والمنافسة، واقتصاد السوق، والملكية الخاصة. وفي تطوراتها المختلفة تنتهي إلى نظرية في المساواة دافع عنها مؤخرًا (جون رولز) و(دوركين) وتمثلت، عند (رولز)، في نظرية العدالة تستند إلى التصور التالي: «إن جميع الخيرات الاجتماعية الأولية: الحريات والفرص والدخل والغنى والقواعد الاجتماعية لاحترام الذات، ينبغي أن يتم توزيعها على وجه المساواة، اللهم إلا أن يكون توزيعٌ غير متساوٍ لمجمل هذه الخيرات أو لواحد منها مفيدًا للأقل حظًّا. في إطار هذه النظرية يربط (رولز) فكرة العدالة بالتوزيع المتساوي للخيرات الاجتماعية، بتعديل مهم. فنحن نعامل الأفراد على قدم المساواة لا بإلغاء جميع التفاوتات، لكن بإلغاء تلك التي تُلحق حَيْفًا ببعض الأفراد. فإذا كان بعض التفاوتات مفيدًا لكل الناس من حيث إنها تثمر مهارات وقدرات مجدية اجتماعيًّا، فإنها ستكون حينذاك مقبولة لدى الجميع.
المبادئ الحاكمة للنظرية
إن التفاوتات مقبولة إذا كانت تزيد من حصتي الأولية العادلة، لكنها ليست كذلك إذا كانت تجور على هذه الحصة، مثلما هي الحال في المذهب النفعيّ. إن المبادئ التي تحكم هذه النظرية هي التالية: المبدأ الأول: لكل شخص، من جملة الحريات الأساسية المتساوية، حق مساوٍ بأوسع قدر لِما يحق لجميع الآخرين من هذه الحريات.
المبدأ الثاني: ينبغي للتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية أن تنظَّم على النحو التالي:
أ- تحقيق أعظم النفع للأفراد الأقل حظًّا.
ب – أن تكون متحلقة بوظائف وأوضاع ميسورة للجميع، في أوضاع سِمتها المساواة العادلة في الفرص. وعند (رولز) فإن للمساواة في الحرية الأسبقية على المساواة في الفرص، التي هي بدورها ذات أسبقية على المساواة في المصادر والموارد، والمساواة ليست مقبولة إلا إذا كانت مفيدة للأقل حظًّا. ثم إن توزيع الموارد يظل ضروريًّا للانتقال من المذهب النفعيّ إلى المساواة الليبرالية (كتابي: معنى الأشياء- رسالة في الجوهريّ من وجودنا المباشر، 2023م). هذه هي الصورة العليا لما يمكن أن أدعوه «الوعد الليبراليّ» في المجال الاقتصاديّ.
قبالة هذه الصورة يشخص «الوعد الليبراليّ» في المجال السياسي، حيث تدافع الليبرالية عن مجتمع «حر» يلتزم بحرية التعبير الفرديّ في حدود احترام القانون، ويدافع عن التعددية والتبادل الحر للأفكار، وعن حرية الضمير والاعتقاد والانتقال وتشكيل الجماعات المدنية والأحزاب السياسية واحترام الأقليات العرقية والإثنية، والحرية الدينية، حيث يمكن لليبرالية أن تذهب إلى حدود تحطيم «التقليد الدينيّ» أو «الاجتماعيّ» الذي يمثل «ضغطًا» على المجتمع أو الأفراد، أو الذي لا يروق لـ«الذوق الليبراليّ»، مثلما يحدث، منذ زمن، في عدد من دول الغرب الليبراليّ قبالة «المقدس الدينيّ الإسلاميّ».
في هذا الحقل، حقل الحرية والحريات، تشخص الليبرالية بما هي، بإطلاق، دين الحرية، فيها يمكن أن تطرد فكرةُ الحرية، متضافرةً مع العلمانية الراديكالية، وعلى المحور السياسيّ، محور اليمين واليسار، تتموضع الليبرالية بما هي أيديولوجية في الحرية ضاربة في «اليمين» قبالةَ أيديولوجية ضاربة في «اليسار» هي الأيديولوجية الاجتماعية التي قوامها العدالة. وفي حدود هذا التموضع تتقابل، بتضاد، الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية، ويُلقي ذلك كله بظلاله على جملة من الأسس القاعدية والقيم التي تمد جذورها في النظام الأخلاقيّ والاجتماعيّ المعياريّ.
في العلاقة مع الآخر
يهمني من المُسْتَصْعَبات التي تثيرها هذه المسائل ما يطول على نحو مباشر اجتماعنا العربيّ الراهن، بموروثاته الثقافية والاجتماعية التقليدية وبمطامحه المستقبلية الضاربة في الرغبات وفي الأماني. ولا يهمني ما يتعلق منها بالغرب الليبراليّ إلا بالقدر الذي يلقي منها بظلاله على حال هذه المستصعبات لدينا. وبتعبير آخر، أُصرح وأُوضح، أريد أن أذهب إلى الكشف عن الوجوه «الأخلاقية» أو «اللاأخلاقية» التي «تَعِدُنا» -أو «تتوعدنا»- بها الليبرالية الغربية في شكلها الشاخص في الديموقراطية الليبرالية.
أول ذلك ما يطول فِعال الليبرالية بما هي «روح الغرب الحديث» ومقوّم نظامه السياسيّ والاجتماعيّ؛ لأن قادة «الغرب السياسيّ» في بروكسل وبون وباريس وواشنطن، حين يتكلمون عل العلاقات بين الغرب وبين العوالم الأخرى، «المختلفة»، يقدّمون دومًا في دعاواهم، أنهم يمثّلون: «النظام الليبراليّ» وأنهم، في أحوال الصراع، يدافعون عن الحرية وعن الليبرالية.
لكن ممثل السياسة الخارجية الأورُبية في بروكسل، حين يتكلم على البلدان الأخرى غير الأورُبية، ينعتها بـ«الأدغال»! وفي الوقت الذي يُنفذون مبادئ الحرية ومظاهرها في بلدانهم ويروّجون للديمقراطية يتنكرون لها خارج بلدانهم. أما العدالة فتغيب من مخططاتهم ومن أفعالهم، وقضية عادلة كالقضية الفلسطينية تظل خارج منطقهم في العدالة. ومطلب «الديمقراطية الساحرة» يتبدد حين يتعلق الأمر بالنظم «الحليفة» وبممارساتها القمعية. بكل تأكيد، لا ينبغي أن ننكر ذلك على النظام الليبرالي الغربيّ؛ لأنه في طبيعته الماهويّة يقدم الحرية والمصلحة على العدالة، لكن «التنكّر» للعدالة ينحل في «أخلاق» غير أخلاقية.
وحين تتنكر الليبرالية للعدالة، خارج حدودها الجغرافية – السياسية، فإنها تتنكر لقيمة أخلاقية كبرى هي قيمة «الكرامة الإنسانية» التي هي في ماهيتها العميقة احترام الذات والاعتراف بقيمتها الكونية على نحو غير مشروط وبشكل مستقل عن الوضع الاجتماعيّ أو الدين أو العرق أو الجنس أو العمر؛ هي ذات معنى مقترن بنبل المشاعر ورفض الإهانة والإذلال والاستغلال والعبودية والامتهان بإطلاق، وأن يعامل الشخص الإنسانيّ بما هو غاية في ذاته لا بما هو وسيلة، أو شيء، أو أداة، أي بما هو ذاتية قائمة بذاتها لا يجوز أن يلحق به الضرر والأذى والإساءة والامتهان.
يثور ههنا سؤال جوهريّ: ما المدى الذي يحق للحرية فيه أن تذهب إليه حين يتعلق فعلها بالإساءة أو الضرر الذي يطول الذات أو الشخص؟
المسلم الليبرالي
يطلق الليبراليون العنان للحرية حين لا تتعارض مع القانون. وذلك ما جروا عليه في تقييم «الإساءات» التي لحقت بالمقدس الدينيّ الإسلامي، منذ الرسوم التي تهجو نبيّ الإسلام إلى الفِعال التي تمّ فيها حرق (المصحف)، مرورًا بإساءات (شارلي إبدو) وتخرّصات (الآيات الشيطانية)، وغير ذلك. وهم يتعللون دومًا بأن القانون لا يمنع من ذلك، وبأن أفعال الحرية «المسيئة» لا تطول الشخص في وجوده «الماديّ» المشخص، أي أن « الشخص» لم يتعرض لأي أذى حقيقيّ، وطالما أنه لم يتعرض لأي ضرر ماديّ أو جسديّ فلا حرج ولا جُناح، فلا النبيّ طاله شر ماديّ، ولا زوجاته، ولا أي مسلم لحقه الضرر الماديّ بسبب دينه أو عقيدته؛ لذا لا وجه لتحديد الحرية أو للحجر عليها. تبدو الحِجَاجُ سَدِيدةً. لكنها في حقيقة الأمر قياس مُغالطيّ مضلل؛ لأن ما هو دقيق وحسّاس وحقيقيّ في علاقة المؤمن بالمقدّس الدينيّ ليس هو الرّجْع الماديّ، أو العقلانيّ المجرّد «البارد»، وإنما هو قبل أي شيء آخر الرجْع الوجداني الحيوي للإصابة التي تُلحقها الإساءة بصاحب الاعتقاد؛ إذ هي تصيب منه وجدانه الإيمانيّ ورُوحه أو نفسه وحياته العميقة، وذلك وجهٌ بنيويّ أو أساس جوهريّ في كينونة المؤمن، لا يجوز ولا يحق التهوين من شأنه أو احتقاره.
ثم إنه –وهذا أمر جوهريّ بإطلاق- ذو رابط وشيج بموقع قيمة «الكرامة» في كينونة المؤمن الأنطولوجية والأخلاقية، مما لا يدخل في تقديرات الليبراليّ ولا في حسابات من ينتحل زي «المسلم الليبراليّ»، على شاكلة السوداني عبدالوهاب الأفندي، فلا يتلفت إطلاقًا إلى المعنى الجارح وإلى الأذى العميق الذي يقترن بإصابة قيمة «الكرامة» في ذات المؤمن العميقة حين تُوجّه إصابات السب والشتم والسخرية والتحقير والإهانة إلى شخص النبي ومتعلقاته، أو في فعل الاستفزاز المهين بحرق (المصحف)، وما يحمله من معنى الإزالة في لوح الوجود، حيث إن «فعل الحرق» لا يعني مجرد السبّ أو الشتم أو الاحتقار، وإنما يعني رغبة الذي يقوم بفعل الحرق في أن يُلغي بإطلاق وجود هذا «الشيء»، ووجود كل الذين يؤمنون به أو يدينون له بالولاء.
وهذا ما لم يدركه (الأفندي) في مقالة تنضح مهانةً ويندى لها الجبين.
جعل لها هذا الوسم الجائر: (مساهمة المسلمين في تأجيج الإسلاموفوبيا)! يَنْعَى «هذا السياسيّ» على المسلمين أنهم روّجوا لمقاطع من (الآيات الشيطانية) تنضح بالبذاءة والإساءة إلى الذوق السليم والحس الدينيّ، وتستهزئ بشخص النبيّ وبأمهات المؤمنين وأبطال الإسلام، فكان ذلك سببًا في تفجّر المظاهرات الصاخبة، وإدانة الكاتب وانتشار اسمه ورسمه، والإفتاء بقتله، ومن ثمّ نجوم الكراهية للإسلام والمسلمين، و«إعطاء الكاتب ما كان يريده! مثل ذلك، عنده، حدث أيضًا غداة أقدمت إحدى الصحف الدانماركية على نشر «الرسوم» التي تهجو النبيّ وتحقّره إذ، في زعمه، لو ترك الأمر «لوضعه الطبيعيّ» لَمَا سمع أحد بذلك ولَمَا كان لهذه الرسوم رواج! وكذلك الحال في «حرق شخص نكرة نسخًا من المصحف الكريم في العاصمة السويدية» وتكرار الجَرِيرة نفسها ليؤدي ذلك إلى مظاهرات في السويد وفي بلدان الإسلامية عدة! وفي إقدام آخرين على الفِعْلة نفسها في الدانمارك، والعودة إلى السيناريو نفسه: المظاهرات والإدانة والتشهير وتأجيج الإسلاموفبيا دون تنكّب الفاعلين عن فِعالهم المسيئة! ما يخلص إليه (الأفندي) هو أن كل ما سبق يشير إلى أن مساعي تدنيس المصاحف وحرقها والإساءة اللفظية –وأضع خطًّا تحت «اللفظية»- إلى المقدسات الإسلامية عمومًا لا تؤدي أغراضها من دون تعاوُن المسلمين في التهويل منها وانتهاج ردود أفعال عنيفة ضدها –وأضع خطًّا ثانيًا تحت عنيفة!– من شأنها تنفيذ السيناريوهات التي يخطط لها المغامرون الذين يلوذون بالقوانين الحامية لحرية التعبير. والرأي عنده هو «الإهمال التامّ لهذه الألاعيب»؛ حتى يموت المتطرفون بغيظهم ويخسروا الدعاية المجانية! وأن يتوقف المسلمون عن الإساءة لأنفسهم ودينهم بهذه التصرفات غير المدروسة! (العربي الجديد).
مقالة (الأفندي) هذه ذات دلالة، فيها مغالطات وألاعيب، وفيها مهانة. بيد أن ما يهمني منها يذهب إلى أمر واحد، هو أن صاحبها –بما يظهر من أنه «مسلم» يتعلق بذيول الدين- يتخلى فيها عن قيمة رُكنية أساسية هي قيمة «الكرامة»؛ لماذا؟ لأنه يطلب إلى المسلمين أن يلزموا الصمت قبالة الأذى والإساءة اللذين يلحقان بهم وبنبيهم وبمقدساتهم؛ كي «لا يسيؤووا إلى أنفسهم» عِلمًا أنّ «التأجج» الذي يأخذه عليهم يتقلب في «المظاهرات الغاضبة» التي تنضح بها الديمقراطية، ولا ينحل في «العنف»، ولأنه من وجه آخر، من حيث إنه رجل «سياسيّ» يفتقر إلى نباهة (حسن الترابي) وإلى المعرفة الكافية بطبيعة الكينونة الإنسانية، لا يعلم أن الإنسان ليس «عقلًا محضًا» تستطيع أن تطلب إليه أن يلوذ بالصمت ويجمُدَ ويتبلد عند اختراقك لذاته العميقة، وإنما هو أيضًا ذات وجدانية تطلب «الكرامة»، أي تطلب التقدير والاحترام وألّا يساء إليها بالهَجْو أو بالذم أو القدح أو السبّ والتحقير للذات ومتعلقاتها، وأنه يحق لهذه الذات أن تحتج وتغضب وتثير وتؤجج في الأحوال التي يُلحَق فيها الإساءة أو الأذى الوجدانيّ الأقصى بها، وذلك على وجه التحديد هو ما حدث في جملة الإساءات التي لحقت «المقدسَ الدينيَّ»، الذي هو موضع تقدير أسمى واحترام أقصى لدى المسلم الطبيعيّ أو العاديّ المتسق (كتابي: المقدس والحرية).
أما «المسلم الليبراليّ» الذي يُرخي الليبراليّ المتعصب والعِلمانيّ الراديكاليّ الحبل على غاربه وعلى إساءاته ويطلب من المسلم العاديّ أن يتخلى عن معاني الكرامة والاحترام والتقدير «حتى يموت المسيؤوون بغيظهم»! فلا يصدق عليه إلا قول من يقول: إنه يخلع عن نفسه كل معاني الكرامة واحترام الذات، وأن يُنَبّه على أن النهج الذي يختاره قبالة «محنة الضمير» القصوى التي يحياها المؤمن في تجربة الإساءة القصوى والمَهانة، سيفضي إلى أن المسلم «المَهِين» لا سواه، هو الذي سيموت بغيظه!
تنكر الليبرالية لوعودها
ويلحق بليبرالية الحداثة خيانتها للقيم التي قامت عليها في مطلع نجومها، أي قيم الحرية والمساواة والأخوة. وأنا أعني بالطبع قيم الثورة الفرنسية التي ألحقت بهذه القيم مبدأ «اللائكية» الصادمة في بعض وجوها لهذه القيم، وفرنسا، مبتدعة هذه القيم الليبرالية، هي أفظع من تنكّر لها في تاريخها الاستعماريّ الأسود في إفريقيا وفي العالم العربيّ منذ احتلالها الشمالَ العربيّ الإفريقيّ إلى إنفاذ أحكامها الجائرة وقمعها لحرية المرأة ولكرامتها وحقها في التصرف بمتعلقات مظهرها ولباسها، وإرسال ذلك إلى فضاء المدرسة والزيّ الثقافي الذي لا ينطق بأي معنى دينيّ، فضاءِ العباءة وقمصان التلاميذ. تدافع الليبرالية عن حق المرأة في التصرّف بدينها، لكنها لا تجيز لها التصرف بلباسها. وهي بذلك، مدمّجةً بالعلمانية، لا تشخص بما هي قمع واستبداد واعتداء على الحرية فقط، وإنما تصبح مثيرة للسخرية والتفاهة والعدمية والحمق.
تلك وجوه جوهرية تتنكر فيها الليبرالية لوعودها الطيبة وتخرق المبادئ المؤسِّسة لها. لكن ثمة ما هو، اليوم، أفدح من ذلك وأطغى. وذلك على وجه التحديد، ودومًا، فيما يمتد في النظام الأخلاقيّ – الاجتماعيّ.
كانت الحرية في مطابع التعهد الليبراليّ وفي تطوراتها «الوسطية» تتقلب بين معاني تحرير المرأة من سيطرة الرجل، وإرساء قواعد المساواة، بأقدار متفاوتة، أدركت فيها المرأة جل الحقوق التي ناضلت من أجلها، حتى احتلت أرفع المواقع والامتيازات، وعبرت حدودًا فذّة وجدت في النزعة النِّسوية مظانها وطلباتها. أما الليبرالية نفسها، بما هي مذهبٌ ذو طبيعة أيديولوجية، فقد أصبحت ذات معدن «سيّال»، متغير، متجدّد، لا يقف عند حال. وذلك في حدود الإهاب «الديمقراطيّ الليبراليّ» الذي تسيّجت به. لحق بذلك تطوّر جذري في التصورات الاجتماعية والقانونية التي تتعلق بالأسرة والجنس والعلاقات الإنسانية. ههنا يطول الليبراليةَ انقلابٌ عميق تخرج به عن كل ما جرت عليه الإنسانية في تاريخها «الطبيعيّ» وتفرض بِدَعَها المستحدثة على المجتمع وأعرافه وقوانينه، وتُجري أحكام نظام أخلاقي راديكاليّ قسريّ.
ترجع جذور هذا التطور الجاري إلى (جيريمي بنتام) ومذهبة النفعيّ الراديكاليّ الذي يمتد في منظور ثوريّ للنشاط الجنسيّ «الحر» وللأخلاق الجنسية الخارجة عن الطوق، أطلقه في العقد الأول من القرن التاسع عشر. يقترن هذا المنظور بالخروج على سلطة الكنيسة وبالضلوع في تيار صارخ ضارب في إطلاق الحريات الفردية وفي خرق قواعد النظام الاجتماعيّ التقليدي، وما جرى عليه في نظام العلاقات الجنسية، حيث دعا إلى التحرر من شبكة العلاقات الجنسية «المحرّمة». أو «الدنسة»، وشجَب التقاليد الدينية الخاصة بالزواج بين الجنسين، وأدانَ القيود المتعلقة بذلك وبالإنجاب، ونافح عن الحرية الجنسية وقدّم مبدأ «الإشباع الجنسيّ» والمتعة على الإنجاب وعلى العائلة.
سوّغ العلاقات الجنسية في إطار الجنس الواحد، ودعا إلى إلغاء تجريم الشذوذ الجنسيّ، وزعم أن ثورته الجنسية تساعد على تعزيز التوازن الاجتماعيّ. تقلبت ثورية (بنتام) الجنسية في الفضاء الليبراليّ الغربيّ، وبات بعض وجوهها الأخلاقية والاجتماعية الرئيسة، في الولايات المتحدة وأوربا الغربية، أَمَاراتٍ وأعلامًا ودعاوى مقترنة اقترانًا حيويًّا بالنظام الأخلاقيّ الاجتماعيّ في الغرب، وأصبحت الديمقراطية؟ الليبرالية تعني، في جملة ما تعينه، الدفاع عن البدع «الثورية» للنشاط الجنسيّ الحر. وقُرِنَت وعُلِّقَت على «حقوق الإنسان»، حتى باتت أحيانًا تعلو سُدَّة هذه الحقوق.
ولم تنحصر هذه الثورة في تقنين المثلية الجنسية، وإنما تجاوزت وتتجاوز ذلك بلا حدود. (جمعية الأطباء الأميركيين) ومؤسسات طبية أميركية أخرى تدعو إلى التنكب عن الإشارة إلى جنس الوليد في الوثائق الرسمية الخاصة به، وإلى أن تترك له حرية اختيار الجنس لما بعد البلوغ. الاقتران الزواجيّ بين أطراف الجنس الواحد بات قانونيًّا. رئيس جمهورية فرنسا، إيمانويل ماكرون، «يطبّع» العلاقة الزواجية وغير الزوجية بين أطراف الجنس الواحد لدى التلميذات الصغيرات في إحدى المدارس الفرنسية الابتدائية. التحوّل الجنسيّ الإراديّ! بات مألوفًا. التعليم الجنسيّ بات جزءًا من التعليم الأساسيّ الأوّليّ ولحق بذلك الترخص في الدعوة إلى ممارسة الجنس قبل سن البلوغ كي يكتشف الصبية والفتيات حقيقة أجسامهم وإشباع رغباتهم.
العائلة لم تعد مؤسسة اجتماعية قوامها رجل وامرأة، أو ذكر وأنثى. الشرطة الكندية تلقي القبض على فتى يصرح بإنكار شرعية الروابط المثلية. إحدى المُدَرِّسات في إحدى المَدارس الإعدادية تغلظ القول في الطالبات المسلمات اللواتي يصرحن بعدم رغبتهن في المشاركة في احتفالات (جماعة الميم) وتنذرهن بأشد العقاب وبالطرد من المدرسة. مجلس النواب التشريعي لولاية كاليفورنيا الأميركية ومجلس شيوخها يُقِرّان تشريعًا اقترحته الديمقراطية لوري د. ويلسون يُلزم الآباء بالاعتراف بحق الأطفال في التحوّل الجنسيّ أو تحمّل عواقب رفضهم، التي قد تصل إلى فقدان حقوق الحضانة لوالد آخر أو للدولة نفسها، وبموجب هذا التشريع يمكن للطفل أن «يبلّغ» عن والديه من خلال المنظمات الداعمة لحقوق المثلية والتحوّل الجنسي أو من خلال مدرسته، بحيث يمكن توجيه تهمة الإساءة للطفل وملاحقة أحد الوالدين أو كليهما؛ أي أن حقوق العائلة أو الوالدين في تربية أولادهم ورعايتهم واستقلالهم تُجَرَّد منهم وتذهب إلى الدولة.
تلك هي السياسة التي ينتهجها الليبراليون الديمقراطيون، وهي سياسة تقابلها قطاعات مدنية وشعبية واسعة بالإنكار والاعتراض. لكن الدولة الليبرالية تمعن فيها وتستخدم التعليم الرسمي الأساسيّ لإنفاذها. في نطاق النظام الديمقراطيّ الليبراليّ لن يقف هذا النظام عند هذه الحدود؛ لأن الحرية «سياّلة»، و«التجاوزُ» دَيْدَنُها. وهي أيديولوجية منفتحة بتجذّر ومن دون ضوابط حاكمة ثابتة، والقانون الذي يحكمها مرتبط بحبل سُرّيّ بالديمقراطية، وهذه معلقة برغائب وأهواء وأذواق وخيارات صانعيها، الممتدة جذورهم في الليبرالية الاقتصادية الرأسمالية والنفعية.
بين السياسة والأخلاق
ولأن الليبرالية تقيم فصلًا قاطعًا بين السياسة وبين الأخلاق، ولأنها تَجري مع العلمانية في الفصل بين الدين والدولة، بحيث إن كلًّا منها يستخدم الآخر ويتضافر معه، فإنني أجنح إلى الاعتقاد بأن «الوعد الليبراليّ»، الذي بات في حقيقة الأمر «وعيدًا» لا وعدًا، سيستجيب لقانون «السيولة» و«يقنّن» في مدى زمنيّ غير بعيد العلاقات الزواجية وغير الزواجية بين من ينعتون في المجتمعات «المحافظة» التي يحتل فيها الدين مكانة جليلة بـ«المحارم» أي بين الأب وابنته والأخ وأخته والأم وابنها، وغير ذلك.
لماذا؟ لأن إطلاق الحرية، خارج حدود الدين، وفي غياب أي إلزام أخلاقيّ، عقليّ أو طبيعيّ، لن يمنع النظام الديمقراطيّ السيّال من ذلك أبدًا. و«المسلم الليبراليّ» كالمسيحيّ الليبراليّ أو اليهوديّ الليبراليّ، سيكون عليه في «النظام الديمقراطيّ الليبراليّ» أن يلزم الصمت وأن يطلب السلامة ويتخلى عن مبدأ ومعنى «الكرامة»، وذلك «حتى لا يسيء إلى نفسه وإلى دينه»! أو حتى لا يتعرض للعقاب! يَنتظر الاجتماعَ العربيّ في المدى القابل المتفاوت زمنيًّا -ومن ذلك ما يعرض له اليوم، بل منذ زمن– أن «يستقبل» ضغوطًا مختلفة قادمة من أنحاء مختلفة من فضاءات الديمقراطية الليبرالية، سواءٌ أظهر ذلك في الاختراقات الميدانية أم في التدخلات السياسية، أم في التأثيرات الثقافية والفنية، أم في المطالب المباشرة الممتدة في دعوى «حقوق الإنسان»، أم تحت ستار الدعوة «المرسلة» إلى الديمقراطية والتحول الديمقراطيّ، أم غير ذلك. ويَرجح الظن أو الاعتقاد أن تتردد «الإصابات» المتوقعة في ثلاثة نظم أساسية: النظام الاجتماعيّ الثقافيّ، والنظام التشريعي الضارب في الدين، والنظام السياسيّ.
أما النظام الاجتماعيّ الثقافيّ فسيلقى العنت في قطاعي العائلة والعلاقات الجنسية. وسيلقي ذلك بظلاله على المدونة الفقهية الإسلامية. وأما النظام السياسيّ فسيكون مطالبًا على الدوام بالتحول الديمقراطيّ. لكن أية ديمقراطية؟
هي الديمقراطية بما هي نظام تمثيليّ بلا إرادة شعبية، بكل تأكيد. لكن ذلك لا يكفي؛ إذ هي إما أن تكون، في الأغلب الأعم، الديمقراطية الليبرالية أو الديمقراطية الاجتماعية. أما الأولى فقد أبان القول الذي سلف عن متعلقاتها، وأما الثانية، الاجتماعية، فإنها تجنح إلى تقديم قيم الخير العام والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية والرفاهية والرعاية الاجتماعية والحريات الأساسية في حدود القانون. ما نشهده في السياق العربيّ هو أن القول في الديمقراطية، بما هي طريق الخلاص، وفي التشديد عليها وعلى ما يُنعت بـ«الانتقال الديمقراطيّ»، يجري دون أي تحديد لطبيعة الديمقراطية التي يعظم اللهج بها، وذلك على الرغم من أن التعويل على هذه الدعوى يُطلب لخير الجماعات العربية أو الوطن العربيّ.
بيد أن الظاهر لكل بصر وبصيرة هو أن هذه الجماعات تشقى على وجه العموم، وأحيانًا على وجه الخصوص، بالفاقة والعوز والفساد والمظالم الاجتماعية والاقتصادية، وتطلب، قبل أي شيء آخر، «الخيرات الاجتماعية» الأساسية، وأنها تريد من النظام السياسيّ الذي يقوم عليها أو يستبد بها أو يسهر على شؤونها أن يرعى ويحفظ «كرامتها» بالعيش الطيب، وأن ينشر في أعطافها وثناياها الخير العام والعدالة الاجتماعية والاقتصادية التوزيعية، من دون أن يتنكر للحريات الأساسية ولمطالب الحياة الكريمة وفتح أبواب الأمل.
وليس ينبغي أبدًا أن يُتَوَهَّم أن الجنوح إلى الديمقراطية الاجتماعية يمكن أن يعني جنوحًا إلى نظام الاستبداد أو إلى نظام المستبد العادل، لما أن خِيار الديمقراطية الاجتماعية يمثل عزوفًا عن الديمقراطية الليبرالية وعن مجتمع الحرية والحريات السادرة؛ لأن ما ينبغي أن يستقر في الخاطر هو أن الخيار الاجتماعيّ، هو خيار لطريق في العدالة، التي هي قرين وشرط للسعادة، وأن السعادة دون التمتع بالحريات الأساسية لن تكون منقوصة فقط وإنما ستكون شقية بائسة.
ولأن جماعاتنا العربية، وَلْأقُلْ أوطاننا، بل وطننا العربيّ يمتد ويقوم على تراث أصيل وعلى ثقافة مؤسِّسة وتاريخ داعم وآمال عريضة مشتركة، يحتل فيه «المنظور الروحيّ الدينيّ» مكانة رئيسة حيّة، فإن أي شكل من أشكال الديمقراطية التمثيلية المتوخاة مدعوّ لأن «يحترم» هذه المعطيات والحقائق، بألّا يخرقها أو يسيء إليها، أو أن يجنح إلى نظام ديمقراطيّ غير اجتماعيّ يستبدل بالحريات الأساسية الطبيعية أشكالًا «سيالةً» ضاربةً في تحطيم بنى المجتمع الطبيعية، وفي إنتاج نظم «ثورية» شاردة لا قرار لها، ليس إطلاق الحريات الجنسية التي تتلبسها الديمقراطية الليبرالية اليوم إلا بعض وجوهها الآيلة إلى التغير والتجاوز على الدوام.
مُحَصّل القول عندي هو أن الليبرالية التي مثّلت منذ نجومها «وعدًا» لراكبيها في القطاعين الاقتصاديّ والسياسيّ، باتت تمثّل في القطاع الأخلاقيّ وفي نظام القيم «وعيدًا»، أي شرًّا. وإذا كانت الحضارة الغربية قد قطعت الحبل السريَّ الذي يربطها بالمسيحية، إذ جنحت إلى هجر قيمها والذهاب إلى قيم مضادة تحاول (الكنيسة) أن «تتكيف» معها بمرارة، فإن هذه القيم التي تروّج لها الديمقراطية الليبرالية تمثّل للاجتماع العربيّ، الذي يحتل فيه الاعتقاد الدينيّ مكانة مركزية، «محنةً» شاخصة، وبؤرة مفجِّرة لشكل «عصابيّ» من أشكال الصراع. وحيثما تكون «الدولة التابعة» عاجزةً عن الدفاع عن المجتمع وقيمه، فإن هذه الوظيفة تؤول حتمًا إلى مؤسسات المجتمع الوطنية ومنظماته المدنية الفاعلة. واعتقادي، في حدود ما أراه من أمر «الدولة العربية» ومن تَغَوُّل النظام الليبراليّ الغربيّ وجراءته واستعلائه، هو أن الخَطْب شاخص.
مونتريال 4 سبتمر 2023م
المنشورات ذات الصلة
محنة التقدم بين شرط الإلحاد وبين لاهوت التحرير
هذه المقالة ليست، قصدًا، دفاعًا عن الدين، مثلما أنها ليست، قصدًا، دفاعًا عن آمِر النهضة أو التقدم، أو مرافعةً مضادة...
في مديح البريكولاج
استنبات لا يتعلق الأمر، هذه المرة، بما عودتنا عليه أفلام الكارثة، تلك التي تنحو منحًى عنيفًا في رسم نهاية العالم بالدم...
سيمون فايل.. وروحانية الفعل السياسي
ظهرت في السنوات الأخيرة الحاجة إلى الاهتمام وإعادة الاعتبار لشخصية وفكر الفيلسوفة والمناضلة الفرنسية سيمون فايل Simone...
0 تعليق