كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الآثار في السعودية… منذ أول بعثة أجنبية للتنقيب إلى قائمة التراث العالمي
بدأت أنشطة البعثات الأثرية الأجنبية على أرض المملكة العربية السعودية في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، وكان لشركة أرامكو -في ذلك الوقت- دور ملحوظ من خلال بحوثها الجيولوجية للتنقيب عن النفط ومد الأنابيب، حيث سعى العاملون الأجانب بالشركة، مع من انضم إليهم من المهتمين بالآثار، إلى البحث والتنقيب وتسجيل وتوثيق الآثار التي وجدوها، فكانت البعثة الرسمية الأولى هي البعثة البلجيكية التي كان يرأسها المستشرقان ريكمانس، وفيليب ليبنز، ورافقهما فيها المستشرق البريطاني جون فيلبي الذي اشتهر باسم «عبدالله فيلبي».
أسهمت هذه البعثة في الكشف عن عدد من المواقع الأثرية في جنوب غرب المملكة ما بين عامي 1951-1952م، وتمكنت من اكتشاف وتسجيل وتصوير العديد من النقوش والرسوم الصخرية في تلك المنطقة. تلتها البعثة الدنماركية، بإشراف الجيولوجي جفري بيبي، وقد امتدت مسوحاتها إلى مناطق واسعة في المملكة؛ من موقع «ثاج» بالمنطقة الشرقية إلى موقع «الفاو» في وادي الدواسر بالمنطقة الوسطى. وخلال الأعوام من 1962م حتى عام 1967م أجرت البعثة الكندية التابعة لجامعة تورنتو، برئاسة فريدريك وينيت ومساعده ويليام ريد، أعمال تنقيب ومسوحات أثرية في شمال المملكة وشمالها الغربي. تلتها البعثة الإنجليزية من معهد الآثار بجامعة لندن بمشاركة بيتر بار وجون دايتون ولانكستر هاردينغ، وأجرت هي الأخرى مسوحات أثرية في شمال غرب المملكة.
وعلى الرغم من أن البعثات الأجنبية كانت قليلة في تلك المرحلة، فإنها كانت حجر الأساس في كثير من الكشوفات الأثرية التي سُجلت في دائرة الآثار لاحقًا، وبعضها أُدرجت في قوائم التراث العالمي باليونسكو. ومع توسع عمليات التنقيب للبعثات الأجنبية، كانت هناك بعض الجهود المحلية التي قام بها المختصون السعوديون الموجودون آنذاك، والذين سعوا بكل ما يحملون من علم ومعرفة لإرساء أسس البحث الأثري السعودي. وكان الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، والدكتور سعد الراشد، والدكتور أحمد الزيلعي في طليعة هؤلاء المتخصصين في مجال الآثار. وقد عمل الدكتور الأنصاري على تطوير الدراسات الأثرية في جامعة الملك سعود، وإنشاء جمعية التاريخ والآثار التي شجعت الطلبة على دراسة تاريخ الجزيرة العربية، ونشر الوعي بثقافة الآثار بينهم، ودفع المهتمين منهم لإكمال تعليمهم العالي في هذا المجال الجديد. ومن أهم البعثات التي قام بها الدكتور الأنصاري رحلة التنقيب عن الحفريات الأثرية في قرية «الفاو».
البداية الفعلية للعناية بالآثار
حتى منتصف الستينيات تقريبًا، لم تكن هناك جهة رسمية في المملكة مختصة بالآثار، وكانت وزارة الداخلية هي الجهة الرسمية التي تلجأ لها أجهزة الدولة وكذلك الأفراد؛ للحصول على التراخيص اللازمة لزيارة المواقع الأثرية التي لم تكن إدارات المناطق تسمح بالتجول فيها دون إذن رسمي. وفي عام 1964م صدر الأمر السامي بإنشاء إدارة خاصة بالآثار والمتاحف تتبع وزارة المعارف. وقد مرت هذه الإدارة بالعديد من التطورات: تحولت إلى مديرية عامة للآثار، ثم وكالة مساعدة، ثم تحولت إلى وكالة الآثار. وتعد بداية السبعينيات الميلادية البداية الفعلية للعناية بقطاع الآثار في المملكة، فقد صدر مرسوم ملكي في عام 1972م بتأسيس المجلس الأعلى للآثار، وكان يهدف إلى جمع الخبرات اللازمة تحت مظلة واحدة لتحقق وكالة الآثار الأهداف التي أنشئت من أجلها. وقد صدرت النسخة الأولى من نظام الآثار في العام نفسه 1972م، ومع أن هذا النظام الذي اشتمل حينها على عدد من المواد المتعلقة بالآثار الثابتة أو المنقولة داخل المملكة جاء بسيطًا في مواده، إلا أنه كان خطوة أساسية لتنظيم الجهود المتعلقة بتطوير هذا القطاع، وإصدار القرارات التي تسهم في تحسين عمله، والتوسع في أعمال المسح الأثري التي شملت معظم مناطق المملكة مع بداية خطة التنمية الخمسية عام 1975م.
مراحل تطوير قطاع الآثار
في عام 2003م صدر الأمر السامي بنقل مهام وكالة الآثار إلى الهيئة العليا للسياحة، ثم تغير اسم الهيئة في عام 2008م ليستوعب الأنشطة المتعلقة بالآثار، فأصبح اسمها الهيئة العامة للسياحة والآثار. وبعد إصدار نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الجديد في عام 2014م؛ تغير اسمها إلى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. وقد عاصرت تلك المرحلة في أثناء عملي في إدارة الإعلام السياحي بالهيئة لنحو ثلاثة عشر عامًا، أعددتُ وأسهمت مع فريق العمل في إعداد عشرات الكتب والكتيبات ومئات التقارير الصحفية التي أصبحت مرجعًا لعدد كبير من الكتَّاب المهتمين بالآثار والمشتغلين بالإعلام السياحي؛ لكونها صادرة عن الهيئة كجهة اختصاص رسمية. وقد ظلت الهيئة تعمل على تنمية وتطوير قطاع الآثار إلى أن تحولت إلى وزارة للسياحة، وانتقل القطاع كاملًا إلى هيئة التراث في وزارة الثقافة عام 2020م، لتواصل هيئة التراث جهودها في تطوير القطاع، وتوسيع نطاق البحث والتنقيب من خلال الفرق العلمية المحلية والدولية التي بلغت في بعض الأعوام 40 فريقًا يضم إلى جانب العلماء السعوديين مجموعات من كبار العلماء المنتمين لأكثر من عشر دول، وعشرات الجامعات والجهات المعنية بالآثار حول العالم.
وقد كشفت نتائج المسوحات والتنقيبات الأثرية -التي شهدت توسعًا ملحوظًا في الأعوام الماضية- عن مكونات العمق الحضاري للجزيرة العربية، وتعاقب الحضارات التي عاشت وتكونت على أرضها، وطبيعة اتصالها بالحضارات المجاورة التي عاصرتها خلال حركة التجارة القديمة وطرقها الممتدة، والمدن التي نشأت عليها، ودلائل العلاقات التجارية التي ربطت الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. وكانت نتيجة التوسع الكبير الذي قامت به المملكة في مجال الآثار: حصر وتسجيل (8176) موقعًا تشمل كل المراحل والفترات الحضارية والتاريخية التي شهدتها مختلف المناطق السعودية التي تمثل الجزء الأكبر من مساحة الجزيرة العربية. ويعد تأسيس السجل الوطني للآثار من أهم الإنجازات التي أسهمت بشكل كبير في توثيق المواقع الأثرية السعودية الثابتة، وكذلك الآثار المنقولة، حيث استثمرت هيئة التراث معطيات التقنية الرقمية الحديثة لحفظ التراث الأثري، وإدارته بأساليب علمية متطورة من خلال التحول الكامل إلى البيئة الرقمية في تسجيل وتوثيق وإدارة المواقع الأثرية والتاريخية.
مواقع التراث العالمي
إن تسجيل التراث الإنساني للأمم يختزن في جوهره اعترافًا ضمنيًّا بإسهامات شعوب تلك الأمم في مسيرة الحضارات البشرية عبر العصور. وهو إلى جانب المكاسب الحضارية الكبيرة التي ينطوي عليها يعني أن تلك المواقع الأثرية والتاريخية ترقى لأن تكون تراثًا إنسانيًّا عالميًّا يتوجب تسجيله، وحمايته، والمحافظة عليه. وعلى الرغم من أن رحلة التنقيب عن الآثار في المملكة العربية السعودية بدأت أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، فإن رحلتها لتسجيل تراثها الوطني في قوائم التراث العالمي باليونسكو لم تبدأ عمليًّا إلا في 19/7/1427هـ الموافق 13/8/2006م، مع صدور الأمر السامي بالموافقة على تسجيل ثلاثة مواقع سعودية كمرحلة أولية، وهي: مدائن صالح، والدرعية التاريخية، وجدة التاريخية. وقُدِّم الملف الخاص بترشيح «مدائن صالح» كأول موقع سعودي يُرشَّحُ للتسجيل في 11/1/1428هـ، ثم توالت جهود المملكة في هذا الجانب حتى سجلت ستة مواقع منها ثلاثة مواقع أثرية هي: «مدائن صالح بمنطقة المدينة المنورة، والرسوم الصخرية بمنطقة حائل، وموقع حِمى الأثري بمنطقة نجران»، وثلاثة مواقع تاريخية هي: «الدرعية التاريخية بمنطقة الرياض، وجدة التاريخية بالمنطقة الغربية، وواحة الأحساء بالمنطقة الشرقية».
الحِجر.. مدائن صالح
تقع مدينة «الحِجر» أو مدائن صالح؛ على بعد 22كم إلى الشمال الشرقي من محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، عند دائرة عرض 4726 شمالًا، وخط طول 5337 شرقًا، وتحتل موقعًا إستراتيجيًّا على طريق التجارة القديم الذي يربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، ويتفرع طريق الحِجر القديم إلى فرعين: أحدهما يتجه شمالًا إلى (البتراء) -وهي العاصمة السياسية لدولة الأنباط- مرورًا بمنطقة تبوك شمال غرب المملكة، والفرع الآخر يتجه إلى بلاد الرافدين عبر مدينة تيماء، وهو ما أهَّل مدائن صالح قديمًا لتُصبح عاصمة اقتصادية لدولة الأنباط.
تحتوي المنطقة (851) موقعًا ثقافيًّا وطبيعيًّا وصفتها اليونسكو بأنها ذات قيمة استثنائية للتراث الإنساني، بالإضافة إلى أعداد هائلة من النقوش المعينية واللحيانية التي تحتاج لدراسة رموزها وفكها. وتعد مناطق العلا وديدان والخريبة من الآثار اللحيانية التي يعود أقدمها إلى 1700 ق.م، وقد سُكنت مدائن صالح من قِبل المعينيين والثموديين في الألفية الثالثة ق.م، ومن قَبْلهم سُكنت من اللحيانيين في القرن التاسع ق.م، وفي القرن الثاني ق.م احتل الأنباط المدينة، وأسقطوا دولة بني لحيان، واتخذوا من بيوتها معابد ومقابر لهم. ومن المعلوم أن الأنباط قد أسسوا مملكة ضخمة امتدت من عاصمتهم البتراء شمالًا إلى الحِجر أو مدائن صالح جنوبًا. ويرجع أقدم دليل يشير لوجود الأنباط فيها إلى القرن التاسع الميلادي، حيث كانت بداية نشأة مملكتهم في مدينة «سلع» المسماة حاليًّا «البتراء»، ولكنهم قرروا السيطرة على طريق التجارة القديم، فأسسوا عاصمتهم التجارية في مدائن صالح.
والأنباط هم شعب قديم استقر في شمال غرب الجزيرة العربية، وكانت لغتهم شكلًا من أشكال الآرامية المتأخرة، مما يظهر تأثرًا كبيرًا بالعربية. وقبل الإسلام بأكثر من سبع مئة سنة امتدت مملكة الأنباط من دمشق إلى البحر الأحمر، وفي عام 63م ضمتها روما، وحولها الإمبراطور تراجان إلى مقاطعة رومانية في عام 106م. وقد استطاع الأنباط توظيف مصادر المياه في المنطقة من خلال شبكة من الخنادق والقنوات والآبار التي لا يزال بعضها يستخدم إلى اليوم. وتُظهر آثار مدائن صالح دقة الأعمال الهندسية الرائعة التي اشتهروا بها. ومن الشواهد على ذلك وجود (131) قبرًا ضخمًا نُحتت كلها على الصخور المنفردة التي تبدو كجُزرٍ وسط بحر من الرمال.
تبلغ مساحة موقع الحِجر الأثري «16.21 كيلو مترًا مربعًا»، وتتوزع المقابر الأثرية الموجودة فيه إلى مجموعات، حيث توجد في الجهة الجنوبية مجموعة من المقابر تتكون من كتلتين صخريتين: الغربية: مقبرة تسمى «قصر الصانع» عليها نقش مؤرخ بشهر إبريل من السنة السابعة عشر من حكم الحارثة الرابع ملك الأنباط، والشرقية: تضم ست مقابر بسيطة في نحتها وليس لها واجهات. وتقع مجموعة مقابر المنطقة (ج) جنوب المنطقة السكنية، وهي تتكون من كتلتين صخريتين: الأولى: تضم 18 مقبرة تحمل واجهاتها عناصر زخرفية متنوعة، والثانية: تضم مقبرة واحدة.
أما مجموعة مقابر «قصر البنت» التي تقع غرب جبل إثلب، فهي تتكون من صخرتين: الأولى ضخمة وممتدة بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب وتضم 29 مقبرة، والثانية: تقع إلى الشمال الغربي من الصخرة الأولى، وتضم مقبرتين في جهتها الشرقية.
وفي الشمال الغربي لـ«قصر البنت» تقع مجموعة مقابر جبل المحجر، وهي تتوزع على ثلاثة جبال أحدها جبل المحجر ويضم 14 مقبرة، بالإضافة إلى البئر النبطية المنحوتة في الصخر، بينما تقع منطقة الخريمات إلى الغرب من خط سكة حديد الحجاز في وسط الموقع، وتتميز بكثرة واجهات المقابر فيها؛ إذ يبلغ عددها 53 مقبرة موزعة على مجموعة من الكتل الصخرية التي تتميز بتنوع الواجهات وتعدد العناصر الزخرفية. وقد سُجّل الموقع كأول موقع أثري سعودي يُدرَج في قائمة التراث العالمي باليونسكو خلال اجتماع لجنة التراث العالمي التي انعقدت في مدينة كيبيك الكندية يوم الإثنين 4 رجب 1429هـ/ 7 يوليو 2008م.
الرسوم والنقوش الصخرية
تقع مواقع النقوش الصخرية في (جبة والشويمس) بمنطقة حائل؛ وهي من أهم وأكبر المواقع الأثرية في المملكة، حيث تمثل هذه النقوش أو الرسوم التي نُفّذت على الواجهات الصخرية عن طريق الحز والحفر الغائر؛ مظهرًا حضاريًّا عبّر من خلاله السكان المحليون منذ عصور ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية التالية عن أنشطتهم المعيشية، وحياتهم اليومية، وممارساتهم الدينية، وتفاعلهم مع البيئة المحيطة. كما يعتبر الموقع متحفًا مفتوحًا يتميز بالتفرد، ليس فقط من حيث القيمة الأثرية والتاريخية، بل من حيث القيمة الفنية والجمالية أيضًا. وقد أكدت الدراسات الأثرية التي تناولت هذه الرسوم الصخرية أن معظمها يرجع إلى فترة العصر الحجري الحديث (أربعة عشر ألف سنة قبل الوقت الحاضر). وتصور هذه الرسوم أشكالًا آدمية في أنشطة مختلفة، كالاحتفالات الجماعية، أو الممارسات الدينية، أو المعارك الحربية والمبارزات الثنائية، وأنواعًا من الحيوانات التي كان يستخدمها الإنسان في الجزيرة العربية أو يصطادها، ومنها الأبقار الوحشية، والوعول، والغزلان، والنعام، والماعز الجبلي، والحيوانات الوحشية كالأسود والنمور وغيرها، بالإضافة إلى رسوم أخرى تعود إلى فترات تاريخية قبل الإسلام، وتكثر فيها صور الجِمال، ورسوم القبائل، ومناظر الغزو، ومبارزات الأفراد، وتجاورها أحيانًا كتابات بخط المسند الشمالي، وتتكون هذه المنطقة من موقعين هما: «جبة والشويمس».
موقع جبة: مدينة أثرية تقع على بُعد 100كم إلى الشمال الغربي من مدينة حائل في وسط صحراء النفود الكبير، وتبلغ مساحتها نحو 12500 كيلو متر مربع، وتتميز بكثرة الرسومات، وتنوع موضوعاتها التي تنتشر على الواجهات الصخرية، وتعود لفترات حضارية مختلفة يمكن تقسيمها إلى أربع فترات:
الفترة الأولى: عُرفت رسومها باسم (نمط جبة المبكر)، ويعود هذا النمط لأكثر مِن 10 آلاف عام، وأبرز رسوماتها لأشكال آدمية وحيوانية مكتملة ومرسومة بحجمها الطبيعي.
الفترة الثانية: عُرفت بالفترة الثمودية، ويعود هذا النمط إلى ما بين 1500 و 2500 عام، وتتميز تلك الفترة برسم الإنسان والحيوان، وبخاصة الجياد والجِمال، ومناظر صيد النعام، وبعض شجر النخيل، وعدد من النقوش الكتابية الثمودية.
الفترة الثالثة: عُرفت بالفترة العربية، وتميزت برسم الإنسان والوعول والخيول بأحجام تقل عن حجمها الطبيعي كثيرًا.
الفترة الرابعة، «والمكتشفة حديثًا»: هي آخر فترات الاستيطان القديم في تلك المنطقة، وتُعرف بـ«الفترة الإسلامية»، وقد تميزت بالكتابات الكوفية الإسلامية غير المُنقطة وغير الممدودة، وهي في مجملها آيات قرآنية، وأدعية، وأحد تلك الكتابات يرجع تاريخ كتابته لشهر رجب من عام 147هـ، وتنتشر الرسوم الصخرية في تلك المنطقة على عدد من الجبال أهمها جبل «أم سنمان» الذي نُقش عليه 5431 نقشًا ثموديًّا، و1944 رسمًا لحيوانات مختلفة منها 1378 رسمًا لجِمال بأحجام وأشكال مختلفة، و262 رسمًا للإنسان.
موقع الشويمس: هو الموقع الثاني من حيث كثرة الرسوم الصخرية في منطقة حائل، ويقع في الجنوب الغربي من مدينة حائل على بعد 290 كم، وإلى الغرب من قرية الشويمس الحالية بنحو 35 كم، وهو مرتفعات من الحجر الرملي قد نُقشت عليها لوحات فنية شديدة الدقة، والروعة، وتشمل رسومات لجماعات وأفراد، كما تشمل حيوانات كالكلاب، والحمير، والفهود، والأسود، والأبقار الوحشية، وتتميز النقوش الصخرية في موقع الشويمس عن غيرها من المواقع بالدقة في تنفيذ الرسم على الحجارة، ويُعتقد أن تلك الرسوم تعود لثلاث فترات مختلفة:
الفترة الأولى: فترة نهاية العصر الحجري ما بين 12 و14 ألف سنة، وتتميز رسوماتها للإنسان أو الحيوان أنها بالحجم الطبيعي، ويصل طول بعضها إلى 12 مترًا تقريبًا.
الفترة الثانية: الرسومات فيها شبيهة للفترة الأولى، والفارق هو ما يُسمى بطبقة العتق في الرسومات الأقل كثافة.
الفترة الثالثة: وهي الفترة الأحدث، تعود للفترة الثمودية، وقد تميزت برسوم طائر النعام والإبل، حيث يحتوي الجزء الشرقي لأحد الأودية في هذه المنطقة على لوحة من الإبل يعود تاريخها لفترة لاحقة من العصر الحجري الحديث، وكذلك يحتوي على نصوص كتابية ثمودية عبارة عن أسماء أشخاص، أو آلهة، أو عبارات تذكارية.
كما تتميز تلك المنطقة بالحرات البركانية، ويبلغ عددها 12 فوهة بركانية، وكذلك بالكهوف التي يبلغ عددها 10 كهوف، وتعد «حرة نار» من أكبر الحرات بالمنطقة، كما يُعد كهف «شعفان» من أكبر الكهوف الأثرية في المملكة، حيث يتجاوز طوله تقريبًا 1500 متر تحت الأرض، وعرضه يُراوِح ما بين 10 إلى 12 مترًا. ومن خلال الدراسات الميدانية التي شارك فيها باحثون سعوديون ودوليون؛ اكتُشِفت القيمة الاستثنائية العالمية لهذا الموقع الذي سُجِّلَ في قائمة التراث العالمي باليونسكو يوم الجمعة 16 رمضان 1436هـ الموافق 3 يوليو 2015م، في اجتماع لجنة التراث العالمي التاسع والثلاثين الذي انعقد في مدينة بون الألمانية.
الفنون الصخرية بموقع حِمى الأثري
تُعَدّ منطقة الفنون الصخرية في موقع حِمى الأثري بمنطقة نجران واحدة من أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم. تقع على مساحة 557 كيلو مترًا مربعًا، وتضم 550 لوحة من الفن الصخري، وتحوي مئات الآلاف من النقوش والرسوم الصخرية، وعشرات الآلاف من النقوش الصخرية المكتوبة بالقلم الثمودي، والنبطي، والمسند الجنوبي، والسريانية، واليونانية، بالإضافة إلى النقوش العربية المبكرة (من فترة ما قبل الإسلام). ويرى عدد من الباحثين أنها تمثل بدايات الخط العربي الحديث. كما يمثل الموقع محطة مهمة على طرق القوافل القديمة وطرق التجارة التي كانت تعبر الأجزاء الجنوبية من الجزيرة العربية، ويُعتقد أنها كانت إحدى الأسواق الرئيسة في الجزيرة العربية القديمة، وتعتبر الآبار الموجودة فيها آخر نقطة لإمدادات الماء على طريق الشمال، والأولى بعد عبور الصحارى على طريق الجنوب.
وتشير نتائج الدراسات العلمية التي تناولت الموقع إلى أن الفنون والنقوش الصخرية التي يضمها تعد مصدرًا مهمًّا للتوثيق الكتابي والفني والتاريخي حتى الإثنوغرافي لأحداث التغير المناخي وتأثيرها في حيوات البشر، ويتضح ذلك من خلال البقايا الأثرية الشاسعة التي عُثر عليها في الموقع على شكل مذيلات، ومنشآت، ومقابر ركامية، وورش لتصنيع الأدوات الحجرية مثل الفؤوس، والمدقّات، ورؤوس السهام الحجرية، بالإضافة إلى الآبار القديمة التي تُستعمل حتى اليوم، وقد سُجّل الموقع في قائمة التراث العالمي باليونسكو خلال اجتماعات الدورة الرابعة والأربعين للجنة التراث العالمي التي انعقدت في مدينة فوزهو بجمهورية الصين الشعبية يوم 14 ذي الحجة 1442هـ/ 24 يوليو 2021م.
المراجع:
– الآثار السعودية.. التوعية والحماية وإعادة الاعتبار/ الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني 2015م.
– التراث العالمي بالمملكة العربية السعودية.. مواقع مسجلة وأخرى مرشحة للتسجيل/ الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني 2017م.
– هيئة التراث/ قطاع الآثار/ المواقع السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي، 2020م.
المنشورات ذات الصلة
مواقع أثرية في شمال غرب شبه الجزيرة العربية في ضوء الاكتشافات الأثرية
شهدت شبه الجزيرة العربية في بدايات الألف الأول ق. م. دلائل على وجود مجتمعات بشرية، في شمالها الغربي، مرتبطة بنشأة...
باحث سعودي يعيد بني إسرائيل إلى جنوب غرب الجزيرة العربية كتابه لا يخلو من ملاحظات ويقينية غرائبية
فاتحة بين يدينا كتاب جديد، يطرح موضوعات قد استقر الأمر عليها دهرًا، حتى حرك مياهها كمال الصليبي بأطروحته «التوراة جاءت...
0 تعليق