كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
شيخ المؤرخين والنقاد الموسيقيين زين نصار: الاستخدام العشوائي للتقنية دمر الموسيقا وأفسد الذوق العام
يعد الدكتور زين نصار شيخ المؤرخين الموسيقيين في مصر وربما في العالم العربي، فقد شغل منصب أول رئيس لقسم النقد الموسيقي في المعهد العالي للنقد الفني مدة سبع سنوات، وأشرف وشارك في مناقشة (147) رسالة ماجستير ودكتوراه في مجالات الموسيقا والغناء والنقد في كل من (أكاديمية الفنون، وجامعة حلوان، وجامعة القاهرة، وجامعة عين شمس، وجامعة الإسكندرية)، وكتب المادة العلمية على مدار 37 عامًا لكثير من البرامج الموسيقية في الإذاعة المصرية ومن بينها: عالم الموسيقا (استمر مدة 26 عامًا)، وفن الباليه، وسؤال موسيقي، والموسيقا المصرية المتطورة، وإيقاعات ونغمات، وسهرة مع الموسيقا، ومع الموسيقا العالمية، وأوتار موسيقية، والموسيقا عبر العصور.
اهتم بشكل خاص بالتأريخ للموسيقا والغناء في مصر في القرن العشرين، وأجرى كثيرًا من الأحاديث المسجلة مع كبار الموسيقيين المصريين؛ لتوثيق المعلومات عن حياتهم ومؤلفاتهم، وصدر له كثير من المؤلفات في مقدمتها «موسوعة الموسيقا والغناء في مصر في القرن العشرين». الفيصل حاورته حول هذه الموسوعة وموضوعات أخرى.
ما الذي دفعك إلى إعداد موسوعة عن الموسيقا والغناء المصري، وما الذي قدمته على مدار أجزائها الثلاثة؟
في عام 1977م كنت أعد دراستي للماجستير، ولم يكن هناك تاريخ مكتوب للموسيقا بشكل يفي بالغرض لدي كباحث، ومن هنا بدأت الفكرة وأنا أعمل على المؤلفين المصريين ومؤلفات الأوركسترا السيمفوني، وقد نشرت هذا الكتاب عام 1990م تحت عنوان: «الموسيقا المصرية المتطورة»، بعد ذلك بدأت في تسجيل حوارات حية مع كبار الملحنين، وصدرت الموسوعة عام 2003م، كان جزؤها الأول عن الملحنين، وقد رتبتهم فيها حسب أسبقية تواريخ الميلاد بداية من عبده الحامولي إلى عمار الشريعي المولود عام 1948م. وفي الجزء الثاني من الموسوعة أضفت ملحنين آخرين، فقد اشتمل الجزء الأول على نحو 48 ملحنًا، أما الجزء الثاني فقد ضم أسماء لم تكن أدرجت، من بينها: محمد رشدي، وكمال الطويل، وسيد إسماعيل، وسيد مكاوي وغيرهم، وأجريت حوارات مع الجميع بالكاسيت، وقمت بتفريغ الحوارات وإعادة تحريرها وحدي وبنفسي، وبلغ تعداد الملحنين في الجزء الثالث نحو 150 ملحنًا، وأسعى الآن لإنجاز جزء جديد عن المؤلفين وقادة الفرق والنقاد.
لماذا لم تلجأ إلى الدولة لتقديم العون في هذا الشأن؟
لأنه لن يساعدني أحد، ولدي خبرة كبيرة الآن في مسألة الجمع والتسجيل والتفريغ، وكنت كلما أنجزت رصدي لحياة وتاريخ وأعمال ملحن أو مؤلف أقوم بنشر ما أنجزت في مجلة الفنون التابعة للنقابات الفنية التي صدرت عام 1977م، وبدأت مشاركتي فيها من العدد الخامس.
هل تسعى لإعداد موسوعة موازية عن الموسيقا والغناء في العالم العربي؟
هذه خطة طموحة أتمنى أن يوفقني الله لها، وإن كنت أرى أنني لم أنته بعد من رصد وتسجيل كامل الموسيقا والغناء المصري، إضافة إلى أن الأشقاء في البلدان العربية لديهم من يؤرخ لموسيقاهم، وقد التقيت كثيرين منهم في إطار سفرياتي أو عملي الأكاديمي، وأشرفت في بعض الأوقات على رسائل ماجستير ودكتوراه لبعضهم في هذا المجال، وفي حال توافر الطاقة والجهد الملائم فإنني سأشرع في ذلك.
في رأيك كيف يمكن الحفاظ على تراثنا الموسيقي المتنوع؟
عبر كتابة تاريخه بشكل صحيح ودقيق، وتسجيله على تسجيلات صوتية ومرئية للأجيال المقبلة، ونشره الآن في الصحف والمجلات ومختلف تقنيات الإعلام الحديثة، مع تعريف بأهم الفنانين والملحنين والتعليق على أعمالهم وما حدث في أثناء إنجازهم لها وكل ما يعن من تفصيلات مفيدة في الرصد والتأريخ.
كيف أثرت فكرة السعي المتزايد خلف الربح في المنتج الموسيقي الآن؟
طيلة الوقت والفنان يفكر في الربح بشكل ما، ربما من أجل استمرار الحياة، لكن الآن أصبح التفكير في هذا الاتجاه متزايدًا، ومع تدهور الذوق العام ضُمِّنت الأغاني المصرية ألفاظًا خارجة وبذيئة وسوقية، وصاحب ذلك تركيبها على أعمال فنية تلفزيونية تدعو إلى البلطجة وتجعل الشباب يتصورون أن هذه هي الحياة الحقيقية، وقد لعب عامل الربح بشكل واضح على دفع الفنانين من شعراء وملحنين وموزعين إلى السير في ركاب الموج العالي للمادة، وهذا أسهم بشكل واضح في تزييف كل شيء بدءًا من الموسيقا وصولًا إلى القيم التي يتغنون بها.
حدثنا عن المحطات الأساسية في تاريخ الموسيقا والغناء المصري في العصر الحديث؟
أول محطة أساسية في تقديري هي صناعة الأسطوانات عام 1904م، حيث سُجِّل للشيخ سلامة حجازي وغيره. المحطة الثانية هي ظهور المسرح الغناني لسلامة حجازي وسيد درويش وزكريا أحمد وكامل الخلعي وغيرهم. والمحطة الثالثة كانت ظهور الإذاعة المصرية عام 1934م، فقد كانت من قبل إذاعات أهلية يقوم كل صاحب محطة بإذاعة وقول ما يريده من خلالها، حتى قررت الحكومة إلغاء هذه الإذاعات وإنشاء الإذاعة المصرية فقط، وكانت تقدم المؤلفات المصرية والعالمية من خلال أوركسترا الإذاعة المصرية، وظل هذا الأوركسترا موجودًا في الإذاعة حتى عام 1959م إذ انتقل إلى دار الأوبرا. لكن المحطة الرابعة في نظري هي ثورة يوليو التي تعاملت بسخاء مع الفن، كما أنشأت أكاديمية الفنون عام 1959م وما بها من معاهد فنية. والمحطة الخامسة كانت ظهور شرائط الكاسيت، وهي تضافرت مع مجيء عصر الانفتاح الذي أضر بكل شيء؛ إذ إن المهنيين كانوا يعودون من بلدان الخليج بما معهم من أموال، فيقومون بالاستثمار في المجال الفني، كل حسب ذوقه ودرايته بالفن، فظهرت شرائط الكاسيت خارج نطاق لجان الإذاعة المصرية، وهذا عاد بنتائج سيئة جدًّا على الذوق العام، ولنا أن نتخيل أن فريد الأطرش توفي عام 1974م، وتوفيت أم كلثوم عام 1975م، وتوفي عبدالحليم حافظ عام 1977م، هكذا خسر العالم العربي أهم وأشهر ثلاث قامات في الغناء على مدار ثلاث أو أربع سنوات، لنفتح المجال لكل من أراد أن يغني، وكل من أراد أن يملأ شريطًا ويطرحه في الأسواق.
ما أثر التقنية الحديثة في الغناء في مصر والعالم العربي؟
لقد زيفت كل شيء، يكفي أن نعرف أن هناك جهازًا لتحسين الصوت وضبطه من غير إعادة الغناء من جديد، هذا الجهاز أسيء استخدامه بشكل أنتج أصواتًا لا علاقة لها بالواقع، كما أسيء استخدام الأورغ الكهربائي وقدرات الحاسب الآلي وضبطها لأصوات الآلات الصناعية. لقد صرنا نعيش في عالم زائف لا وجود له، عالم من الخداع والبرامج الجاهزة التي تستخدم من دون فهم، إضافة إلى أن الحس الإنساني في الغناء والموسيقا لم يعد موجودًا. وللأسف لا أحد يعرف أن الموسيقا العربية أساسها العود، وأن كل هذه الآلات غربية. الموسيقا العربية هي العود وليس الغيتار، وأهم أساس لإنتاج موسيقي جيد هو فهم الآلات وطبيعتها إضافة إلى الموهبة والدراسة، أما الاستخدام العشوائي للآلات توفيرًا لتكاليف الفِرَق أو عدم معرفة بالفن والموسيقا فقد أدى ذلك كله إلى قتل المواهب وإفساد الذوق العام وجعل الفن كتمثال من نحاس، ضجيج بلا روح. وهو ما أضر بالبناء الموسيقي كله، كما فتح المجال على مصراعيه للسرقة من الأعمال العالمية أو التراث الشرقي، وكذلك فتح المجال للاستسهال واستخدام الألحان القديمة بتوزيعات جديدة، حتى إن كل الإعلانات الآن تقوم على سرقة ألحان مهمة مثل الليلة الكبيرة وغيره، وللأسف قانون جمعية المؤلفين والملحنين حسبما علمت مؤخرًا يسمح بأن يدفع أي شخص رسوم استغلال أي لحن ويقوم بإعادة إنتاجه، وهذا الأمر كارثة لأنه يفقد المرجع أهميته، وقد يزيحه ولا يتذكر الناس سوى شكل الإعلان، كما أنه لا يدفع الشباب إلى الابتكار والمغامرة وتقديم طرح موسيقي جديد بقدر ما يجعلنا ندور في حسبة عدد معين من الألحان نعيد إنتاجها بشكل مبتذل ومتكرر.
المنشورات ذات الصلة
الترانيم العربية- اليهودية… عن مكانة الموسيقا العربية في الكُنُس الشرقية
تقوم الثقافة اليهودية الشرقية على الموسيقا بدرجة لا تقل أهمية عن النص أو التقاليد؛ لذا دخلت الموسيقا العربية...
موديست بتروفيتش موسورسكي.. اضطراب المآلات وخلود التجربة
المؤلِّف الموسيقي الروسي موديست بتروفيتش موسورسكي حالة فريدة لا من حيث مستوى منجزه الفني فحسب، ولكن عبر مراحل سيرته...
تشاو جي بينغ: يجب أن يكون لموسيقانا صوتها الوطني
تشاو جي بينغ مؤلف موسيقي، وأستاذ جامعي. يشغل في الوقت الحالي منصب الرئيس الفخري لرابطة الموسيقيين الصينيين، ورئيس...
0 تعليق