كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
صناعة الكتاب العربي في أزمة
تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي صعوبات جمة منذ عام 2011م حتى الآن؛ لذا فقد أُعِد هذا الموضوع لكي يكون كاشفًا ومناقشًا لمشكلات صناعة الكتاب في الوطن العربي، التي وإن كانت قد شهدت نموًّا مطردًا في دولة كالجزائر نتيجة برنامج وزارة الثقافة الجزائرية الذي يدفع بحركة النشر بصورة كبيرة، وبخاصة عند الاحتفاء بمدن كالجزائر وتلمسان وقسنطينة كعواصم ثقافية أو عبر تحفيز القراءة على الصعيد الوطني أو من الجامعات الجزائرية التي باتت معنية بحركة التزويد.
لكن المذهل هو أنه أثناء قيامي بمسح لحركة النشر في الوطن العربي وجدت دولة مثل الصومال تنتج سنويًّا 300 عنوان، لكن ما يحزن هو غياب الوطن العربي بصورة غير كاملة من التقرير السنوي لاتحاد الناشرين الدولي. إن عدم وجود سياسات في الدول العربية لتزويد المكتبات بالكتب وبخاصة العامة منها أدى إلى تحجيم حركة النشر في الوطن العربي، وبخاصة الكتب العلمية والدراسات الإنسانية. الحقيقة المذهلة أيضًا في صناعة النشر العربية هي افتقاد دور النشر العربية لمدير النشر الذي هو من يقيم الكتاب ويعدّ دراسة جدوى له وخطة تسويقية، بل ويبحث عن مؤلفين في موضوعات محددة يراها مهمة وناقصة في حركة النشر، وبالتالي لدينا في الوطن العربي طباعون للكتب وموزعون، هذا ما يجعل النشر في الوطن بلا سياسات محددة إلا ما ندر في مؤسسات رسمية.
أرقام غير واقعية
في محاولة لتتبع أرقام جادة وتحليلية لحركة النشر في الوطن العربي، تؤدي بنا كافة الدروب والمسالك إلى أرقام غير حقيقية؛ فحجم النشر في الوطن العربي يراوح بين 50 و75 ألف عنوان، ما بين مجلة وكتاب ودورية وسلسلة… إلخ، لكن تقف عقبة أمام تحديد الرقم بدقة هي عدم دقة أرقام الإيداع وعدم اكتراث عدد من المؤسسات بفكرة الإيداع الوطني؛ فالمنشور رسميًّا في الوطن العربي خلال عام 2012م يراوح بين 30 و40 ألف عنوان، ونفس الرقم عام 2013م، والرقم ذاته أو يزيد قليلًا عام 2014م. نستدل على ذلك من أن مصر وحدها في عام 2014م سُجل لديها 22 ألف عنوان طبقًا لأرقام الإيداع بدار الكتب المصرية، بينما بلغ عدد الكتب والمجلات التي لم تحصل على أرقام إيداع 4 آلاف، هذا يعني أن مجمل النشر في مصر وحدها 26 ألف عنوان. وعليه، فإن هناك فارقًا كبيرًا بين الرسمي وغير الرسمي، وهذا الاستنتاج نستطيع أن نبنيه من ملاحظات عدة أبرزها:
– حجم النشر في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة التي شهدت نموًّا في حجم الكتب المنشورة بين عامي 2010 -2014م، وتكشف النظرة الفاحصة لحركة النشر هذه عن عدم دقة تقديرات حجم النشر في الإمارات العربية، ونعود إلى تقسيم النشر إلى نشر حكومي تتولاه مؤسسات داعمة للنشر على النحو الآتي:
– هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث.
– مركز الإمارات للدراسات السياسية والإستراتيجية.
– دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة.
– مؤسسات الأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة.
– المؤسسات الصحفية؛ كالبيان والاتحاد والخليج.
تنتج هذه المؤسسات الثلاث مع غيرها من دور النشر ومؤسسات الأوقاف إضافة إلى النشر باللغة الإنجليزية وبخاصة في دبي وأبو ظبي ما لا يقل عن 500 عنوان، وهو رقم أكبر مما هو مقدر لإنتاج دولة الإمارات من الكتب. وإذا أضفنا لهذا الرقم ما تنتجه دور النشر ومؤسسات المجتمع المدني، ودعم رجال الأعمال إلى حركة النشر، سنجد أن هناك مؤسسات فاعلة في حركة النشر بقوة على النحو الآتي:
– ندوة الثقافة والعلوم (دبي).
– مؤسسة سلطان العويس (دبي).
– مركز جمعة الماجد (دبي).
– مركز زايد للتراث (العين).
– دار مدارك (دبي).
تكمن أكبر المشكلات هنا في أن عددًا لا بأس به من هذه الكتب يطبع خارج الإمارات العربية المتحدة، وبخاصة في بيروت، بل نرى اتجاهًا للطبع في الهند، ولكننا نرصد نموًّا مطردًا للطباعة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتسمت مطبوعاتها بالجودة والدقة، وتأخذ في بعض الأحيان أرقام إيداع لبنانية، وهو ما يمثل حالة من حالات الرصد غير الدقيق لحجم المنشور من كتب في الإمارات العربية.
– حجم النشر في قطر: تعددت في العشرين عامًا الماضية المؤسسات المنتجة للكتب في دولة قطر، وكانت وزارتا الثقافة والأوقاف هما أكبر مؤسستين ناشرتين للكتب في قطر، يليهما نادي الجرة، لكن برز في السنوات العشر الأخيرة المزيد من المؤسسات المعنية بالنشر، ومنها:
– مؤسسة قطر التي أسست دار نشر مع بلومزبري، إضافة إلى النشر الذي تقوم به كليات ومراكز المؤسسة.
– هيئة المتاحف والآثار التي بدأت برنامجًا للنشر باللغتين العربية والإنجليزية.
– مؤسسة كتارا التي تنشر بالعربية والإنجليزية.
– المركز العربي لدراسات وأبحاث السياسات الذي شكلت مطبوعاته نقلة في حركة النشر في قطر.
ويقدر وفقًا لما سبق عدد العناوين المنشورة في قطر سنويًّا ما لا يقل عن 300 عنوان، وهو أيضًا رقم أكبر من الحجم المقدر للمطبوعات الصادرة في دولة قطر.
من ناحية أخرى تمثل المملكة المغربية الجانب الآخر في رصد حركة النشر في الوطن العربي. هنا نتحدث عن حجم أكبر من النشر؛ إذ لا يقل عدد المطبوع في المملكة المغربية سنويًّا عن 4 آلاف عنوان، لكن هناك مشكلات في هذا النشر وحركته والتعريف به، منها:
– ضعف التوزيع خارج التراب الوطني المغربي.
– قلة عناوين النسخ المطبوعة؛ إذ تراوح النسخ ما بين 200 و1000 نسخة من العنوان الواحد.
– ارتفاع سعر الكتاب المغربي.
ترتكز حركة النشر في المملكة المغربية على المجتمع المدني العلمي الذي يتم التغاضي عن دوره في كثير من التقارير، فمجتمعات المؤرخين والتراث في الجمعيات الدينية والأكاديمية تلعب دورًا غير منظور خارج النطاق الأكاديمي، فيما يتعلق بحركة النشر في المملكة المغربية، ولكن خلال الأعوام من 2010 إلى 2014م، برزت الرابطة المحمدية للعلماء كناشر بدأ ينشر بكثافة ما لا يقل عن 100 عنوان سنويًّا، إضافة إلى ثلاث مجلات دورية، وهذه الأرقام آخذة في التزايد. وتتميز الرابطة المحمدية بأن مطبوعاتها أكبر من حيث عدد المطبوع في كل طبعة، وأكثر توزيعًا على الصعيد المغاربي، واكتسبت مصداقية من حيث جودة المضمون والدقة وجودة الطباعة. ولكن إذا عدتَ إلى ركائز النشر في المغرب ستجد أنها من:
– وزارة الثقافة (دار المناهل ودائرة الكتاب).
– وزارة الأوقاف.
– الأكاديمية المغربية.
– مكتبة الملك عبدالعزيز (الدار البيضاء).
– الجامعات.
إن العديد من دور النشر المغربية نجحت في تثبيت أقدامها في حركة النشر المغاربية، وأبرزها دار توبقال التي احتفلت عام 2015م بمرور 30 عامًا على إنشائها، وتعددت مطبوعاتها بين المعرفة التاريخية والفلسفة والروايات والنشر العام. وقد أسسها عدد من الكتاب وأساتذة الجامعات؛ لدعم حركة النشر في المملكة المغربية.
النشر العابر للحدود
تبرز هنا قضية النشر العابر للحدود، وهل يمكن احتسابه ضمن النشر الوطني، أم يجب إدماجه داخل تقارير النشر ضمن النشر الوطني للدولة المقر؟ وهنا نقصد بصورة محددة المنظمات الإقليمية، ومنها:
– المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو ومقرها تونس).
– المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإسيسكو ومقرها المغرب).
– معهد المخطوطات العربية، مصر.
– رابطة العالم الإسلامي، السعودية.
– منظمة المدن العربية ومقرها الكويت.
ينشر بعض هذه المنظمات الإقليمية بصورة موسعة؛ فعدد العناوين الصادرة عن الإسيسكو لا يقل سنويًّا عن 150 عنوانًا، فهل تحسب ضمن النشر الوطني المغاربي؟ أم أنه من الواجب إفراد رقم مستقل للنشر العابر للحدود في مثل هذه التقارير، باعتبار أن هذه المنظمات هي منظمات إقليمية عابرة للحدود.
إن الرأي الأصوب هو قياس النشر العابر للحدود في الدول العربية برقم مستقل؛ ويكشف مثل هذا الرقم عن حجم التمويل العربي المشترك للنشر، واتجاهات حركة النشر المشترك، وقد يساهم هذا التعاون كرافد في نمو حركة المعرفة والنشر في العالم العربي، كما أنه يحسب ضمن النشر الوطني في دولة المقر باعتباره منجزًا على التراب الوطني لهذه الدولة.
ويرتبط بهذا وجود مؤسسات مجتمع مدني أنشئت في السنوات الأخيرة، كمؤسسة الفكر العربي التي تتخذ من بيروت مقرًّا لها، فهل نحتسب إنتاجها ضمن النشر العابر لحدود العالم العربي، أم يحسب على النشر اللبناني؟ وهل يمكن أن ينطبق عليها المعيار السابق، أي إدراجها ضمن الرقم العابر للدول واعتباره جزءًا من النشر الوطني؟ مع أخذ ملاحظة على كل دولة بشأن النشر العابر المنشور بها.
وهنا لا بد من مراجعة النشر في لبنان كأحد أكبر الدول العربية المنتجة للكتاب؛ فلبنان تقوم بدور الطابع بشكل أساسي بحكم جودة الطباعة ورخصها في ذات الوقت؛ لذا تلجأ العديد من المؤسسات العربية للنشر عبر بيروت؛ فالسعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والمغرب تطبع في بيروت، وبالتالي فإن أرقام الإيداع في بعض الأحيان لا تعكس الحجم الحقيقي للنشر في لبنان. وهذه ملاحظة لا بد من أخذها في الحسبان. لذا على الناشر من هذه الدول أن يحرص على النشر بأرقام إيداع تعود إلى بلده حتى مع طباعة الأعمال في بيروت؛ لأن هذه المسألة تخلق اضطرابًا في احتساب طبيعة حركة النشر في كل دولة.
الكتاب الديني والرواية
إن أكثر الأمور التي جرى بحثها مضمون النشر ومدى تقديمه خدمات للباحثين والقراء، بل مدى امتداده إلى نقل وترويج المعرفة. وفي حقيقة الأمر، إن قوائم دور النشر العربية التي توزع في المعارض، كانت هي محل التحليل للوصول إلى نتائج محددة في هذا الاتجاه.
هناك نسبة محددة هي 60% من حجم ما ينشر في الوطن العربي، ينحصر بين 40% للكتاب الديني، و20% للروايات الأدبية. ويعني هذا أن الكتب الدينية خلال الأعوام 2012 و2013 و2014م احتلت المرتبة الأولى في مضمون النشر العربي. وهذه النسبة ليست ثابتة بل كانت في عام 2012م 43%، وفي عام 2013م 40%، وفي عام 2014م 44%.
ويعود تصاعد هذه النسبة ليس فقط إلى وزارات الأوقاف العربية والمؤسسات الدينية التي تمتلك برامج نشر وميزانيات كبيرة، بل إلى ظهور رغبة عربية عارمة لفهم ظاهرة الإسلام السياسي والتيارات الدينية المتطرفة، والفكر الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والصراعات السياسية الإسلامية، والتصوف، والحركات الإسلامية وغيرها من الموضوعات؛ كالجدل السني الشيعي، كل هذه الموضوعات كانت سببًا في زيادة عدد الكتب الدينية وحجم ما يطبع على الصعيد العربي.
وحققت دور نشر مثل الشبكة العربية للأبحاث، ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، والمركز العربي في الدوحة، وسلسلة مراصد التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية وغيرها إقبالًا من القراء العرب، وبخاصة في ظل حالة التقاذف الإعلامي بين أنصار الحركات الإسلامية ومناوئيها، وانعكس ذلك أيضًا على نشاط كتب محددة لاقت إقبالًا لدى القراء على غرار مؤلفات الدكتور رضوان السيد، وعبدالجواد ياسين، وطه عبدالرحمن، ومحمد الحداد، والطاهر سعود، وعبدالغني عماد، وهشام جعيط وغيرهم.
المنشورات ذات الصلة
تلوين الترجمة… الخلفية العرقية للمترجم، وسياسات الترجمة الأدبية
في يناير 2021م، وقفت الشاعرة الأميركية «أماندا جورمان» لتلقي قصيدتها «التل الذي نصعده» في حفل تنصيب الرئيس الأميركي جو...
النسوية والترجمة.. أبعد من مجرد لغة شاملة
في 30 سبتمبر 2019م، شاركت في مؤتمر (Voiced: الترجمة من أجل المساواة) الذي ناقش نقص منظور النوع في دراسات الترجمة...
ألمانيا الشرقية: ماذا كسبت وماذا خسرت بعد ثلث قرن من الوحدة؟
تقترن نهاية جمهورية ألمانيا الشرقية في أذهان الأوربيين بصورة حشد من الناس الذين يهدمون جدار برلين بابتهاج، وتُعَدّ...
0 تعليق