كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الشعر في حال انحسار وضيق
كلمة مأزق ليست الكلمة المُثلى والأصحّ في توصيف حالة الشعر العربي الحديث اليوم، أظن أن الكلمة الأصح هي الانحسار، أو الضيق، أو التراجع. فالشعر عالميًّا هو في هذا الوضع المناسب، وأظنّ أن الشعر العربي يلحق بهذا الوضع الذي بدأ في الغرب، وهو يكمل مسيرته هكذا. بدأ الشعر يتراجع ويفقد قرّاءه من سبعينيات القرن العشرين، هذا بالقياس إلى الرواية التي لا تزال تجد قرّاءً. ولا ننسى أن التطورات التقنية (الإنترنت وسواه) لم تُفقد الرواية حضورها وقراءها، على رغم أننا لا نعرف الآن ماذا سيكون تأثير التقنية الحديثة في الرواية على المدى البعيد.
أظنّ أن مشكلة الشعر ليست فقط مشكلة عامة تلحق بكل الأنواع الأدبية، إنها مشكلة خاصة؛ إذ إن الشعر بدأ مُغنّيًا للعالم ومادحًا للحياة ومُحرّضًا عليها، أي أنه بدأ إيجابيًّا. وحين نقرأ الشعر القديم نجد أنه في الدرجة الأولى محرض على الحياة، ومادح للحب والجمال وللحياة عامة. أي أن الشعر بدأ إيجابيًّا، وهذه الإيجابية لم تبقَ للشعر في الأزمنة الحديثة؛ إذ إن الأدب والفن عامة استحالا سلبيّين بالتدريج. ويكفي أن ننظر إلى الرواية الحديثة منذ بلزاك إلى كونديرا لنجد أن الرواية فنّ سلبيّ، إنها رواية التهافت الاجتماعي والوجودي. لا نجد الرواية إيجابية إلا في القليل، والروايات الإيجابية أي الإنسانوية هي أقل الروايات انتشارا. والسلبية هنا نقدية وفيها تشاؤم.
حدث أن الشعر بإيجابيته وغنائه لم يعد مناسبًا لوقته. بدأ ينحدر إلى ما وصلت إليه الرواية. بدأ يصبح هو الآخر سلبيًّا وعدميًّا، أي أنه فقد وظيفته الأولى. ثم إن الشعر فنّ مكبوت، فنّ شبه صامت، فن مضمر، لا يظهر منه سوى رأسه، ويبقى جلّه مكتومًا. يحتاج الشعر من صانعه وقارئه إلى معاناة فعلية، إلى تركيز شديد يصل إلى حدّ الاختناق. كما يحتاج الشعر إلى قدرة كبيرة على التأويل لا يتمتّع بها كثير من القرّاء. العلامة بين الشعر وقارئه علامة صراع ولا بدّ أن يكون في القارئ شاعرٌ أو شبه شاعر؛ ليستطيع أن يتكيّف مع النص؛ لأن بين القارئ والشاعر تواطؤًا وشبه تعاقد على الطريقة والشكل، حيث إن هذا التعاقد إذا لم يوجد لا يمكن للقارئ أن يقبل الشعر.
الشعر الآن هو فنّ بين أشباه شعراء، وهذا لا يمنع أن الشعراء يتكاثرون؛ لأن الشعر يبقى حاجة. يكفي أن نفكّر بالغناء مثلًا لنفهم أن الشعر حاجة. دائمًا كان هناك شعراء قلّة أو قلّة من الشعراء القادرين على أن يجترحوا اللغة. وفي الكتابة لا يزال الوضع هكذا. لا أفقد الأمل في أن الأجيال الحالية والقادمة ستأتي بشعراء جيّدين.
الشعر بإيجابيته وغنائه لم يعد مناسبًا لوقته. بدأ ينحدر إلى ما وصلت إليه الرواية. بدأ يصبح هو الآخر سلبيًّا وعدميًّا؛ أي أنه فقد وظيفته الأولى. ثم إن الشعر فنّ مكبوت، فنّ شبه صامت، فن مضمر، لا يظهر منه سوى رأسه، ويبقى جلّه مكتومًا
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق