كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الحكومات العربية تحارب المثلية
رؤوف مسعد
لا يوجد في مصر قانون يجرم المثلية بأنواعها، لكن دولة مصر بهيئاتها النيابية والقضائية المختلفة تعاقب المثليين المصريين طبقًا لقانون رقم 68 لسنة 1951م، الذي يجرم جميع أشكال العمل في تجارة الجنس في البلاد. في عام 1959م أصبحت مصر رسميًّا عضوًا في الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر واستغلال دعارة الغير بموجب القرار الجمهوري رقم (844)، وصدر على هذا الأساس قانون جديد هو القانون رقم 10 لسنة 1961م، ولا يزال هذا القانون، بمواده الثمانية عشرة، القانون الرئيس لتجريم الجنس التجاري في كل من مصر وسوريا، وهو يختص بقضايا الآداب والفجور والدعارة، ويجرم التحريض والمساعدة والتسهيل والاستخدام والاستدراج والإغواء والإعلان وامتلاك أو إدارة أو تأجير منزل لغرض البغاء أو استغلال بغاء أنثى أو فجور ذكر أو اعتياد ممارسة الدعارة أو الفجور أو حتى الإعلان عن الدعارة والفجور والإخلال بالآداب العامة. وذلك وفقًا للمادة 178 من قانون العقوبات الواردة في الدليل القانوني لجرائم الاعتياد على ممارسة الدعارة أو الفجور أو التحريض أو الإعلان عنهما.
وقد نشرت مدونة «المنصة» منذ أيام خبرًا تحت عنوان: «التعليم تكلف المدارس بتحريض التلاميذ على نبذ المثليين»، جاء فيه: «حصلت المنصة على خطاب رسمي صادر عن وزارة التربية والتعليم، موجه إلى عموم المديريات التعليمية في المحافظات، يطالبها بضرورة التصدي لما أسمته بالسلوكيات الشاذة والمنحرفة، وتحديدًا الترويج للمثلية الجنسية. وقال مصدر قيادي بالوزارة للمنصة، وهو مسؤول بقطاع التعليم الابتدائي: إن المقصود من المثلية التي تطرق إليها الخطاب هو مواجهة الأفلام الكرتونية التي يتم بثها على منصة ديزني، بعد تلميحها إلى إمكانية أن تبث في المنطقة العربية أفلامًا تروج للمثلية الجنسية حسب تعبيره. ويأتي ذلك عقب موجة انتقادات واجهتها شركة ديزني، بعد إعلانها تقديم محتوى للأطفال يتضمن أنماطًا متنوعة من العلاقات بينها المثلية، لتعزيز مبادئ التنوع».
كاتب مصري مقيم في هولندا
القانون الدولي لا يلزم الدول بتغيير ثقافاتها
جمال بيومي
يبدو أن الممارسين لثقافة المثلية نجحوا في حشد عدد كبير من الأصوات المؤثرة في أي عملية انتخابية أو عمليات اتخاذ القرار، وقد شجعهم ذلك على الظهور في العلن والمطالبة بما يسمونه حقوقهم في حرية الممارسة الجنسية، وتشمل الزواج من الجنس نفسه، وأيضًا حقهم في تبني أطفال وتربيتهم على السلوك نفسه. وفي البداية دافع المجتمع المحافظ عن التقاليد والثقافات الأصلية. واستعانوا بالكنائس التي ازدادت الضغوط عليها فتراجع بعضها وسلم بالأمر الواقع، وقاوم الجيش الأميركي هذه الاتجاهات بداخله، ثم تراجع خطوة وتبنى مبدأ: don’t ask don’t tell، أي «لا تسأل ولا تبلغ»، وازدادت الضغوط فصارت مسألة حسابات انتخابية يصعب على أي حزب أو مرشح تجاهلها.
وقد بلغ الحشد من الاتساع حتى وصل للمؤسسات الدولية والإقليمية. وانتقل للعلن حتى في مؤتمر شارك فيه زعماء دول وقفوا في جلسة تصوير للزعماء، ثم جلسة تصوير لزوجاتهم، فإذا برجل يقف في وسط الزوجات لأنه «زوجة» أحد رؤساء الوزراء لدولة مرموقة. ورأينا وزيرًا في دولة عظمي ينشر صورة له وهو يقبل رجلًا آخر باعتباره «زوجه».
وعلى الرغم من الاتفاقيات الدولية الملزِمة للدول الموقعة عليها، فإنه يمكن لأي دولة أن توقع اتفاقًا معينًا وتتحفظ على جانب أو مواد محددة فيه. ومع ذلك فهناك أحيانًا تعبيرات قد يفهمها كل طرف بشكل مختلف. المثال الأشهر هو قرار 242 الخاص بانسحاب إسرائيل بعد 1967م. فقد صاغه اللورد كارادون بتعبير انسحاب من «أراضٍ احتلتها» ولأنه لم يستعمل أداة التعريف (ال)، فقد فسرت مصر القرار على أنه من كل الأراضي، وفسرته إسرائيل على أنه من بعض الأراضي.
وعندما كنا نتفاوض على اتفاق المشاركة مع الاتحاد الأوربي اعترضنا على تعميم تعبير «حقوق الإنسان» وصممنا أن نعرف ما حقوق الإنسان. فصُغناها «حقوق الإنسان التي جاءت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1946م». وأضفنا أيضًا «مع الأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية للشعوب».
الثقافة تنتصر
ومع ذلك حتى لو وقعت دولة -عربية أو غيرها- على اتفاق بحسن نية، وتبين لاحقًا أن في الاتفاق يضر بمصالحها، فصمام الأمان في تلك الحالة هو اتفاقية فيينا لتفسير المعاهدات، التي تقول: «لا يوجد في أي اتفاق ما يمنع أحد أطرافه من اتخاذ التدابير الضرورية لحماية أمنه الداخلي وحضارته وتقاليده… إلخ». من هنا نرى أنه لا يوجد ولن يكون هناك ما يلزم الدول العربية والإسلامية بقبول أي اتفاق أو قرار دولي فيه ما يخالف تقاليدها وثقافتها.
ومهما ازداد القبول الدولي لممارسات المثلية، فستظل لكل دولة سيادتها على أرضها، وبخاصة ما يتعلق بالأحوال الشخصية. وهناك حاليًّا اختلافات كبرى بين الثقافات. ففي حين تقبل الدول الإسلامية بتعدد الزوجات، فإن دول الغرب الأوربي والأميركي لا تعترف بالتعدد. ومع ذلك فلا تستطيع شيئًا حيال هذا التعدد في قارة إفريقيا مثلًا. بل إن النفاق بلغ بهم إلى غض الطرف عن رئيس دولة إفريقية كاثوليكي يعلن صراحة عن زوجاته الأكثر من عشر. ومع ذلك فعلينا أن نعد كل إمكانياتنا الدبلوماسية والسياسية لحشدها في مواجهة ما قد نتعرض له من هجوم على المستوى العالمي والتجمعات الإقليمية.
مساعد وزير خارجية مصر الأسبق
المثلية في فرنسا طوطم جديد يجتاح العالم
وليد خليفة
في أواخر مارس 2021م طالبت وزيرة المواطنة مارلين شيايا أئمة المساجد في فرنسا بالاعتراف بقانون زواج المثليين وإقراره في خطب الجمعة، وهو ما أثار موجة غضب في أوساط المسلمين، وخرج الإمام شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، ببيان غاضب، ولم تتحرك النخب الفرنسية. وأصبح قانون دعم وتشجيع المثلية الجنسية قانونًا ملزمًا على الجميع وفي كل المجالات، وأي خروج عن دعم هذه الفئة المجتمعية يعاقب عليه المرء. حصل ذلك مع لاعب فريق العاصمة، باريس سان جيرمان، السنغالي، إدريسا جايا، الذي عُوقِبَ بسبب رفضه ارتداء القميص الذي يحمل علم المثليين في المباراة المخصصة لدعمهم، وعلى الرغم من أن ملكية النادي للدولة القطرية، فإن العقوبة المجتمعية من الاتحاد الرياضي الفرنسي الذي قرر دعم هذه الفئة.
امتد الأمر إلى المدارس إذ ألغيت خانة الجنس من التصنيفات، ولقن الأطفال منذ السنوات الدراسية الأولى أن التصنيف حسب الجنس (ذكر وأنثى) أمر مستهجن وغير مقبول؛ لأن العائلة، التي هي أساس هذا التصنيف، من الممكن أن تتشكل من الجنس نفسه، وبالتالي تغيب مصطلحات (الزوج/ الزوجة، الأب/ الأم) ليحل محلها الشريك تمهيدًا لضمور العائلة بمعناها التاريخي، كما نبه المعترضون.
لعلها المرة الأولى في تاريخ البشرية تفرض أقلية جنسية، لها ميولها الخاصة، شروطها على مجتمعات بأكملها، وتصبح فريضة بقوة القانون، ففي صيف عام 2012م وفي أثناء احتدام النقاش حول ترسيم المثلية استُدعِيَ ممثلون عن الكنيسة الكاثوليكية والكنيس اليهودي للبرلمان الفرنسي لمناقشة ترسيم قانون المثلية، واستُثنِيَ ممثلو الأقلية المسلمة من الدعوة. اعترض على القانون الحاخام اليهودي ممثل الطائفة اليهودية التي هي أقل من 1%، كما اعترض الكاردينال الكاثوليكي الذي تمثل طائفته ما يقرب من 70%، من حيث إن المثلية تمثل خطرًا على الأسرة والطبيعة البشرية، ووقف إلى جانبهما رموز اليمين الفرنسي أمثال فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح الأقوى للانتخابات اللاحقة الذي أُزِيحَ من السباق الانتخابي، حيث أعلن فيون أنه سيعيد النظر في القانون إذا عاد اليمين إلى السلطة، وكذلك جان فرانسوا كوبيه الذي حسم الأمر، وأعلن أنه لن يلتزم بالقانون ولن يزوج المثليين في البلدية التي يرأسها، فيما غاب رأي ممثلي الأقلية المسلمة خلف غبار العمليات الإرهابية وصرخات الجهاديين الذين يعادون الدولة والمجتمع، ولم يتلفت أحد إلى رأي ممثلي المسلمين رغم تجاوزهم نسبة الـ8% من الفرنسيين.
في دروس التاريخ، تصبح الأقلية -أية أقلية بشرية- خطرًا على المجتمع حين تتحول إلى أيديولوجية ثأرية انتقامية، ويبدو من الوقائع التي تجري في فرنسا مع المثليين أنها بصدد الانتقام من المجتمع بسبب تاريخهم المؤلم مع هذه المجتمعات، فقد كانت العقوبات شديدة عليهم عبر التاريخ حتى وقت قريب، وهاهم يقلبون الآية بدءًا بالتمادي مع كل من لا يعلن دعمه وتأييده لهم، وانتهاء إلى إقرارهم في المناهج الدراسية وفرضهم على المجال العام والإعلام. ما كل هذا إلا ابتداء خطر يداهم هذه المجتمعات، خطر ينذر بصعوبة التحكم فيه مستقبلًا.
لم يعد خافيًا على أحد أن أحد أهم أسباب خسارة المرشح اليميني السابق فرانسوا فيون، للسباق الانتخابي في عام 2016م، رغم المؤشرات التي كانت تشير إلى تقدمه على جميع المرشحين، هو موقفه من قانون المثلية الذي مرره الحزب الاشتراكي. خسر فيون الحياة السياسية ولحق به كوبيه، أحد رموز اليمين وكان ذلك درسًا بليغًا لباقي رموز السياسة الفرنسية في خطورة الاقتراب من هذا الطوطم الجديد الذي يجتاح العالم انطلاقًا من عواصم الغرب.
شاعر ومدير مكتب الخليج للدراسات في مارسيليا بفرنسا
مجتمع الميم من النبذ إلى العلن
صبحي موسى
حضرت المثلية في صور مختلفة في مجالات التعبير، وتدرجت في الحضور من الهامشي والمتخفي إلى الصريح والمباشر، في كل من الرواية والسينما في العالم العربي. في الرواية عدد من علاقات الحب والهوى المثلي، بداية من رواية نجيب محفوظ “زقاق المدق” المكتوبة عام 1947م، والتي قدم فيها شخصية المثلي بشكل هامشي، حيث كان رجلًا متزوجًا في الحارة، لكنه يميل إلى المثيل، وهو النوع الذي يطلق عليه “المزدوج” أو “عابر الجنس“. وكذلك كتب جمال الغيطاني في “وقائع حارة الزعفراني” وسعد مكاوي في روايته الشهيرة “السائرون نيامًا” عن المثلية في عصور المماليك والعثمانيين، بينما كان علاء الأسواني أول من كتب عن شخصية المثلي في الواقع المصري الحديث في رواية “عمارة يعقوبيان“، وجاءت رواية محمد عبد النبي “غرفة العنكبوت” كسيرة لشخص مثلي. أما اللبنانية هدى بركات فقد رصدت في روايتها “حجر الضحك” التي تدور عن الحرب الأهلية اللبنانية صراع الشخصية الرئيسة خليل مع مثليته الجنسية، ورصدت الكاتبة صبا الحرز هذا الصراع في روايتها “الآخرون“، وتناولت سمر يزبك في روايتها “رائحة القرفة” الميل الأنثوي، السحاق، بين سيدة وخادمتها، وفي “برهان العسل” قدمت سلوى النعيمي سردية مثلية كبرى، ولعل المغربي محمد شكري هو أبرز من كتب عن المثلية الجنسية في عمله الصادم “الخبز الحافي“.
إضافة إلى ذلك، فقد حفلت المكتبة العربية بالعديد من الأعمال المهمة التي تخللتها شخصيات مثلية، من بينها “النبطي” ليوسف زيدان، و “حبات النفتالين ” لعالية ممدوح، “جنات وإبليس” لنوال السعداوي، “بنات حارتنا” لملاحة الخاني، “أنا هي أنتِ” لإلهام منصور، “ملامح” لزينب حفني، “لا نقاب للشمس” لرحاب ضاهر، “نساء يوسف” للينا كريديّة، “الحمامة بعباءتها السّوداء” لليلى عقيل، “مينا” لسحر مندور، “بيروت 75″ لغادة السّمّان، “شارع العطايف” لعبد الله بن بخيت. وكان رؤوف مسعد أشهر من كتب عن المثلية في روايته “بيضة النعام“. وفي روايته “إيثاكا” أخذ على عاتقه الدفاع عن المتهمين في قضية “كوين بوت“.
ومن الصعوبة تقديم إحصاء لمختلف الأعمال الروائية التي تعاملت مع المثلي، ورصدت جانبًا من مشكلاته ومعاناة أصحابه وطموحهم للاعتراف بحقوقهم.
وفي مجال السينما، تطور ظهور الشخصية المثلية من الحالة الهامشية إلى أن أصبحت إحدى القضايا المهمة التي تناقشها. فعادة ما كانت تظهر في السينما الكلاسيكية كشخصية نمطية هامشية ذات صيغة رمزية، كشخصية “شلبي” في فِلم “خلي بالك من زوزو” التي جسدها باقتدار المطرب الشعبي الكبير شفيق جلال، وشخصية “ترتر” التي جسدها الفنان فاروق فلوكس في فيلم “الراقصة والطبال“، وكان مساعد البطلة الراقصة/ نبيلة عبيد الذي ضربت به المثل في أن القانون يسمح لشخص مثله أنه ينشئ جمعية أهلية لرعاية الأيتام، لكنه لا يسمح لها بذلك، لأنها راقصة. لكن مع أفلام الواقعية الجديدة أخذت شخصية المثلي أدوارًا ومساحات أكبر، كما في فيلم “رسائل البحر” لداوود عبد السيد، حيث شخصية “كلارا” التي تمارس المثلية مع زبائنها، وفيلم “حين ميسرة” حيث تذهب بطلة الفِلم “ناهد” للعمل لدى سيدة ثرية جسدت شخصيتها الفنانة غادة عبد الرازق، لكنها تكتشف مثليتها ولا تتوافق معها. وفي فيلم “بدون رقابة” تظهر العديد من المشاهد التي توحي بالمثلية بين “شيري” (علا غانم) وشابة تجسد دورها الفنانة ريم هلال. وكان فيلم “عمارة يعقوبيان“، المأخوذ من رواية علاء الأسواني، أول عمل سينمائي عرض بشكل واضح لشخصية المثلي “رشيد حاتم” التي جسدها خالد الصاوي. ولا تخلو أفلام يوسف شاهين التي عنيت بسيرته الذاتية من التلميح إلى مثلية الشخصية الرئيسة “يحيى“. مما يعني أن ظهور المثلية بدأ بشكل هامشي وتطور حتى أصبح يمثل دور البطولة في بعض الأفلام، بل إن المثلية أصبحت أحد الموضوعات المهمة التي عنيت السينما بمناقشتها كما في فيلم “أصحاب ولا أعز“.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق