كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
سينما الزومبي
هناك كثير من التفسيرات لمصطلح (الزومبي)، فهو قد يعني الكسالى، وقد يعنى الموتى الأحياء، كما يعني الجثث المتحركة بوسائل سحرية، وهناك أيضًا أقوال كثيرة حول أصوله الثقافية أو جذوره اللغوية، ولكن القاسم المشترك بين كل التعريفات والأقوال أنها تفضي إلى حقيقة مفادها أن (الزومبي) هو الشخص المجرد من الوعي والإرادة الذي يُحرّكة ويُوجّهه ويَستخدمه آخرون، وقد اكتسب هذا المصطلح، والشخصيات التي ينتجها مفهوم المصطلح؛ شعبية وشهرة واسعة في مختلف دول العالم، خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين، وتعدّ ظاهرة الزومبي من ظواهر القرن العشرين، ولكنها انتشرت بصورة أكبر في القرن الحادي والعشرين، وقد بات من الواضح أن الزومبي قد تجاوز حدود النوع الفني، ولم يعد مقصورًا على السينما وحدها، فأصبح رمزًا ثقافيًّا واسع الانتشار في الفن والأدب والموسيقا والألعاب ومعطيات الثقافة الشعبية، وأصبح كما قال دولوز وغوتاري (1972م)، «الأسطورة الحديثة الوحيدة
هي أسطورة الزومبي».
يبدو أن الزومبي هو دلالة متغيرة بتأويلات لا تنتهي، فهو يمثل العديد من قصص نهاية العالم من دون تغيير في طبيعته الأساسية: معيشة الاستهلاك، والفقر، والجوع، والتدهور البيئي. ولم يعد الزومبي مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح أساسًا للتفكير النقدي والفحص الذاتي الثقافي، وقد حظي هذا الموضوع باهتمام كثير من الإصدارات الأكاديمية.
الظاهرة الثقافية للزومبي تقدم لنا أمثلة ورموزًا متقاطعة لروح إنسانية حديثة، والرموز هنا تمثل أزمة في النظرة إلى العالم لم يسبق لها مثيل في الحضارة الغربية الحديثة، وهو ما يعكس حال التعب والإعياء والعزلة الذي خلفته الحرب الباردة، وتهديدات النهاية لهذا العالم النووي.
الزومبي، وفقًا لجميع الروايات تقريبًا، هم صورة مشوهة خيالية وانعكاس ذاتيّ للإنسانية الحديثة، حيث تبدأ معظم التفسيرات لظاهرة الزومبي بهذه الفرضية، وبطريقة محورية، تقول: إن «الزومبي هم نحن»، وإن الزومبي يمثلوننا، ولكن بشكل أكثر تحديدًا، يمثلون خراب كل ما له معنى في داخلنا.
وفي ظل الآراء التي تؤكد أن مفهوم «الزومبي» الآن أصبح جزءًا من الثقافة، وأنه تحول بسبب انتشاره عبر الأعمال السينمائية إلى علامة من علامات المرحلة الراهنة، نتساءل: إلى أي درجة يمكن ملاحظة تأثيره في الفنون الأخرى كالأدب (شعر، قصة، رواية، قصص الأطفال)، وفي الفن (مسرح، دراما، موسيقا، غناء، فيديو، ترفيه)، وكذلك في التشكيل (رسم، تصوير، نحت، إبداع رقمي).
وللإجابة عن بعض هذه الأسئلة، وغيرها من الإشارات الثقافية المتصلة بقضية الزومبي، فقد خصصنا ملف هذا العدد من مجلة «الفيصل» لمناقشة القضية، وتناول أبعادها، ومدى تأثيرها في مجالات الحياة المختلفة من خلال آراء المشاركين من الباحثين والمختصين.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب
لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير...
جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو
كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في...
اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل
في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند...
0 تعليق