كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الحملة الإعلامية على السعودية في الصحافة الغربية؛ هل هي ممنهجة؟
حين نتحدث عن الهجوم الغربي ضد المملكة، بصفته حملة ممنهجة أو غير ممنهجة، يجب أن نتأكد من كونها «حملة» فعليًّا. الهجوم لا يمكن تعريفه فحسب كهجوم غربي إعلامي عام. هناك الإعلام الأميركي والبريطاني والفرنسي وبقية الإعلام الأوربي، اتفقت أم اختلفت الأسباب وراء ذلك. فإذا شئنا تقسيم الهجوم عامة، فالمسألة قديمة وربما غير ممنهجة كما يمكن أن نراها اليوم. وهو يحدث بشكل روتيني مع كل زيارات الرؤساء الغرب الرسمية للمملكة، الأميركيين والأوربيين والبريطانيين، ومن تلك الزيارات زيارة الأمير تشارلز الأخيرة للمملكة، وزيارات أوباما، أو حتى أولاند. والقضايا هي نفسها متكررة ومعروفة؛ مثل: قضايا الحقوقيين المثارة، وقضايا معتقلين في أمور تتصل بالرأي والدين والحريات، وبالطبع ملف حقوق المرأة وغير ذلك، حتى إنه حين ظهرت سيدة سعودية تتحدث في مجلس الأمن حول إسرائيل، انبرى بعض الغرب ومن بينهم إسرائيليون، في السخرية بإظهار صور إسرائيليات يقدن مقاتلات F16 والتعليق أسفل الصور: «تقود الإسرائيليات F16 أكثر مما تقود السعوديات سيارة».
على سبيل المثال، كانت ردة فعل الصحافة الغربية وبخاصة البريطانية تجاه قضية البريطاني المُسنّ في جدة الذي حُكم عليه بـ 350 جلدة محل اهتمام. وعلى الرغم من أن القضية «قانونية» مثل أي قانون في بريطانيا يجب احترامه من الجميع، فإن المسألة كانت متداخلة مع حكم الجلد نفسه لتطبيقه في حق رجل مسن، إذن المسألة هي أن بعض الأحكام المبنية على الشريعة الإسلامية توصف –من وجهة نظر بعض الغربيين- بأنها أحكام قمعية وقروسطية تهدر حقوق الإنسان، وبخاصة مع تواتر الأخبار والتغطيات حول قصصنا المحلية التي لطالما كانت مادة خصبة للصحافة العالمية طوال العام، وغالبًا ما يكون سببها شخصيات متشددة من الداخل تحارب أي نزعة انفتاح أو حقوق للمرأة في المملكة. هناك صورة نمطية حول المملكة؛ بسبب ملفات بسيطة يمكن وصفها بالتافهة؛ لأنها تستهلك من سمعة المملكة الكثير بلا طائل.
في العامين الأخيرين، غطّت الصحافة البريطانية قضايانا المثيرة باهتمام شديد، المسألة ليست الأخبار والتقارير المتعلقة بحدث؛ إذ لم توفر الصحافة البريطانية مقاطع فيديو أشبه بالتعليمية، وبعناوين تلقت تفاعلًا جماهيريًّا مثل: لقد عرفنا خمسة أشياء عن السعودية هذا الأسبوع: المرأة السعودية، وولي أمرها… إلخ. بطبيعة الحال لا يمكن أن نختلف في أن دول الغرب متقدمة من حيث الحريات وحقوق الإنسان. والصحافة منابر حرة مشاكسة وينبغي في عامة الأحوال ألّا نتابع ذلك بحساسية مفرطة، لكن الأوضاع السياسية الراهنة وتداعياتها بطبيعة الحال مختلفة جدًّا.
شفافية تصل إلى حد الفضائح
وعادة ما تتناول الصحف قضايا الدول عامة بشفافية تصل إلى حد الفضائح وكشف الأوراق، مثل عنصرية في أميركا، وفضائح سياسية في بريطانيا وويكيليكس ووثائق بنما وغيرها، فالصحافة الغربية حرة، لكن ذلك لا يؤثر سلبيًّا في صورة أميركا أو بريطانيا كدولتين عظميين. لكن التناول المتهكم والممنهج يصنع صورة عامة من الصعوبة التخلص منها، كما أن لها بطبيعة الحال أبعادًا سياسية. ووسائل الإعلام تتبنى الهجوم الخاص على المملكة مؤخرًا لنفس الأسباب المتكررة مع تحديث أسباب جديدة، منها حرب اليمن، دون أدنى اعتبار للأهمية الجيوسياسية للمملكة، وباقي ملفات الشرق الأوسط الساخنة، وبالطبع موضوع النفط الشائك، والعلاقات الأميركية، وصفقات الأسلحة، وليس موضوع ربط السعودية بإرهاب 11 سبتمبر من خلال قضية الـ28 ورقة من التقرير، سوى مناورة سياسية إعلامية أيضًا. وبالتالي فهذا النوع من الهجوم يأتي إما من صحافة مدفوعة ومأجورة من قبل سياسات لها أهداف وتمارس ضغطًا معينًا لأسباب ما، أو دول لها مصالح في استمرار الهجوم على المملكة كإيران، أو لأسباب حقوقية من قبل المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان… إلخ.
بالإمكان تحديد الصحف الأكثر هجومًا على المملكة من خلال متابعة التغطيات الخبرية وغير الخبرية. واللافت ليس الهجوم الإعلامي فحسب، بل تأثيره أيضًا في السياسات، مثال على ذلك حينما ألغت بريطانيا عقدًا لتدريب موظفي مصلحة السجون السعودية بعد هجوم إعلامي، ربما كان منظمًا. كذلك وكجزء من هجوم الصحافة البريطانية، نشرت الإندبندنت والغارديان مقالات هجومية مختلفة واصفة السعودية بعدوّ حقيقي للغرب، وبأن سياسة العداء مع إيران لا تخدم المجتمع الدولي، منتقدة سياسة إدارة كاميرون في بيع الأسلحة للسعودية. وذلك على الرغم من وجود بعض المقالات القليلة الداعمة للعلاقات مع المملكة، كمقال نشر في ديلي تليغراف ذات التوجه السياسي المحافظ على سبيل المثال.
والهجوم الواسع الذي يشنه أغلب الإعلام الأميركي ضد المملكة مؤخرًا، يدفع أحيانًا إلى التساؤل عما إذا كان البيت الأبيض يقف خلف ذلك، لا سيما من جهات إعلامية مقربة من البيت الأبيض. مثال على ذلك نيويورك تايمز، التي تمارس هجومها بشكل مستمر وواضح، فقد دبجت افتتاحية متبوعة بسلسلة مقالات لكتاب من بينهم إيرانيون إبان إعدام نمر النمر. لذا فالهجوم المنظم والمخصص في تغطيات على CNN الأميركية وBBC البريطانية وRT الروسية في موضوع إعدام نمر النمر من بين الإرهابيين ليس اعتراضًا على مسألة حقوقية وإنسانية كما يُزعم، إنما هو استثمار في القضية سياسيًّا، وذلك في تجاهل متعمّد لثبوت تورط إيران في دعم مجموعة من التنظيمات الإرهابية. وكذلك الأمر في صحيفة واشنطن بوست، ومن بين ذلك ما كتبه نائب رئيس التحرير نفسه.
الجدير بالذكر أن التنسيق بين فريق إدارة أوباما واللوبي الإيراني ومناهضي الحرب على العراق حشد الإعلام لحث الكونغرس على القبول بالاتفاقية النووية مع إيران، لدرجة استعراض صارخ لتحسين صورة إيران من قبل الإعلام الأميركي قبل توقيع الاتفاقية وإبانها. وقد يكون هذا الهجوم جزءًا من ثمن الاتفاق النووي مع إيران. وهذا يشير إلى حجم هجوم مؤسسات العلاقات العامة المتعاونة مع الصحف وكتابها ضد السعودية، والذي بدا واضحًا بالتزامن مع هجوم الإيرانيين على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران.
ولم يكن نشر صحيفة نيويورك تايمز مقالًا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يهاجم فيه المملكة سوى جزء من بين كم من المقالات التي تلمع إيران على حساب السعودية، وقد حدث ونشر على إثرها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نفس الصحيفة ردًّا على الهجوم. وليست المقالات فحسب، فبمتابعة بسيطة نرى حجم التعليقات التفاعلية أسفل المقالات والتي تمتلئ بشكل لافت بردود ضد المملكة، وتبقى في الصدارة بين الردود بفلترة على موقع الصحيفة كآراء مرشحة. وبعد أحداث باريس الإرهابية نشرت صحيفة لوموند مقالًا يدعو الغرب لقطع علاقاته مع السعودية، بوصفها «أهم أسباب انتشار التطرف الإسلامي». ولا يعمل الإعلام بطبيعة الحال بمعزل عن مراكز الأبحاث، يتصدرهم في ذلك ولي نصر وتريتا بارسي وباربرا سلافين ولورا روزن وغيرهم. وقد نشرت فايننشال تايمز مقالًا للكاتب اليهودي جدعون راشمان، وهو المعلق في الشؤون الخارجية، اعترف فيه صراحة بتصاعد الهجوم الإعلامي والسياسي الغربي ضد المملكة. في المقابل هناك أصوات مؤيدة لمواقف الرياض تجاه إيران خصوصًا من اليمين الأميركي المعارض لأوباما، وقد كتبوا في وسائل عدة مثل: لي سميث في ويكلي ستاندرد وفيليب سميث في فورين بوليسي.
أميركا وسياسة المملكة النفطية
أمام كل السياسات الخارجية والداخلية المذكورة، لا ننسى عاملًا مهمًّا وحيويًّا في الهجوم، وهو سياسة السعودية الاقتصادية في النفط، وتأثير ذلك سلبيًّا في استثمار النفط الصخري الأميركي ونفط القطران الكندي. كما أن تأثر اقتصاد المملكة يؤثر بطبيعة الحال في حجم استثماراتها في أميركا؛ الأمر الذي أخرج كثيرًا من التقارير التي تروّج انهيار السعودية واقتصادها، وقد سخر البريطاني أليستر سلون في مقال على موقع ميدل إيست مونيتور من خبر في برنامج News Night على BBC، حذر فيه محرر البرنامج للشؤون الدبلوماسية والدفاع مارك أوربان من أن اقتصاد السعودية بات على وشك الانهيار قبل نهاية العام؛ إذ أشار في إحدى شرائح العرض التي قدمها إلى أن احتياطي السعودية النقدي قد تراجع إلى 650 مليار دولار أميركي؛ «أتعرفون كم هو احتياطي المملكة المتحدة؟ إنه عشر ذلك المبلغ، وما هي نسبة الاقتراض إلى الناتج المحلي الإجمالي؟ إنها 90%. أما بالنسبة للسعودية، فذلك الرقم يحوم حول نسبة 2%، وهي أقل نسبة اقتراض بالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم.. آل سعود أكثر شعبية بكثير مما يصوره الإعلام الغربي، وهذا ليس دفاعًا ولا كذبًا».
في المحصلة، إنها دعوة إلى مراجعة جادة لإستراتيجيتنا الإعلامية، والعمل على خلق توازن لدى الرأي العام الغربي، بوساطة «صقور» لها كاريزما وثقة وقدرة على الاتصال. قائمة الاتهامات في هذا الهجوم ليست قصيرة، وهي في المحصلة تنميط للسياسة السعودية والأسرة الحاكمة والشعب؛ من اتهام بنشر التطرف وتمويله ونشر الطائفية. ويمكن لكائن من كان أن يهاجم السعودية من دون سؤال عن موقف الكاتب السياسي، بل الأمر أشبه بصناعة كراهية ممنهجة عمياء. الجبهة الإعلامية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية. ويبقى جانب من المسألة يتجاوز توضيح وجهات نظرنا للغرب إلى تغيير بعض الجوانب التي تختص بالسياسات الداخلية؛ كالانفتاح، وملف حقوق المرأة على سبيل المثال، وذلك قبل جهود العلاقات العامة، فالعلاقات العامة تقابلها سياسات وحملات علاقات عامة شديدة الهجوم. ونعوّل كثيرًا على الرؤية الحكيمة التي تسير في سبيل إحداث التغيير المأمول، وتعمل على خلق صورة عالمية أفضل؛ وهي إجمالًا مهمة أشبه بمن يمشي في حقل ألغام.
المنشورات ذات الصلة
البحث عن ريبورتاج شخصي ريتشارد كابوشنسكي: عملي ليس مهنة، إنه مهمة وأكثر من مجرد صحافة
ريتشارد كابوشنسكي صحفي بولندي، صُوِّتَ له كأعظم صحفي في القرن العشرين بعد حياة مهنية لا مثيل لها. حوَّل البرقيات...
الإنترنت الديني: عرض بيبليوغرافي لمؤلفات وكتب تتناول سوسيولوجيا الإنترنت والدين
أصبحت المجتمعات الإنسانية تعيش ما نسميه بـ«عصر المعلومات السائلة» نتيجة لتدفق المعلومات وتضاعفها، نظرًا للتطور التقني...
الشائعة وتزييف الحقائق في مواقع التواصل الاجتماعي.. قتل رمزي للآخر
تحتل الشائعة في مواقع التواصل الاجتماعي سلطة الخبر الموثوق، وبذلك تؤثر في شريحة واسعة من الجمهور من خلال عملية التلقي...
0 تعليق