كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الروائي المقدوني لوان ستاروفا: لا أكتب عن الألم
إنما عن البلاهة التي تخلقه
تُعَدّ تجربة لوان ستاروفا الشعرية والروائية معْبرًا ضروريًّا لقراءة مسارات الأدب المقدوني الحديث. في فضائها تلتقي آثارُ أصوله الألبانية وذكرى دولة كانت تسمى يوغوسلافيا وصوتُ بلد حديث من مفارقاته أنه ذُكر في الإنجيل.
ولد لوان ستاروفا سنة 1941م في ألبانيا. انتقل رفقة عائلته المسلمة إلى مقدونيا حيث يعيش منذ سنة 1945م. عمل سفيرًا ليوغوسلافيا لدى منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، ثم سفيرًا لمقدونيا في باريس بفرنسا. مارس تدريس الأدب الفرنسي بجامعة سكوبجي بمقدونيا، وعُرف بثلاثيته الروائية التي تدون لمأساة شعوب منطقة البلقان، وقد ترجمت إلى لغات عدة. وهي تضم «كتُب والدي»، و«زمن الماعز»، و«متحف الإلحاد». له أعمال سردية أخرى، من بينها: «حدود الربيع»، و«العصفور الأسطوري»، و«المفتاح البلقاني»، و«الأرض المجتثة». وإلى جانب حضوره على مستوى الكتابة الروائية، استطاع لوان ستاروفا أن ينسج لنفسه فضاءه الشعري الخاص.
صدرت الترجمة الفرنسية لمجموعته «قصائد قرطاج» بكندا بعد أن ظهرت باللغتين المقدونية والألبانية. وقد حفل الإصدار الأخير بمقدمة عميقة للشاعر العربي أدونيس.
ظلال الأيديولوجيا والتاريخ
● مقدونيا بلد جديد على الرغم من أن اسمها ورد في الإنجيل. كيف تتمثل هذه المفارقة؟
■ بالفعل. مقدونيا هو اسم بلد عريق يوجد منذ قرون. وقد ورثَ الشعب السلافي، الذي حل في هذا البلد، كثيرًا من علاماته الثقافية، وانطفأتْ أخرى مع توالي السنين. وتُمثل مقدونيا الآن الجزء العاشر من يوغوسلافيا السابقة، وقد ارتبط ظهورُها من جديد بالانفجار الذي عرفته المنطقة وبانهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الشيوعي. والحقيقة أنه إذا كانت يوغوسلافيا قد استطاعت أن تحقق تطورًا معينًا وأن تجمع حولها عددًا من الشعوب، فإن نظامها الشيوعي لم يكن يحمل حلولًا بعيدة المدى لمشكلات هذا التعدد. وقد ورثت مقدونيا جزءًا من هذا الماضي. إنها منطقة حافلة بسكونيتها الخاصة، التي تشكل أحيانًا، بشكل مفارق، منطقةَ قوة. وهي سكونية تكمن أهم علاماتها في استمرار ظلال الإمبراطورية العثمانية وظلال الأيديولوجيا والتاريخ. وذلك بشكل يجعل من مقدونيا أشبه بمتحف لمختلف الثقافات والحضارات واللغات والتجارب. حيث نجد مثلًا أن أغلب سكان مقدونيا ينحدرون من جذور سلافية، كما أن 30% منهم هم ألبانيون أو أتراك، ويشغل المسلمون 90% من هذه النسبة. وللأسف، عرفت المنطقة، بعد سنوات من التعايش، نزاعات مؤلمة بين المقدونيين والألبان، لم تلبث، لحسن الحظ، أن خمدت.
● يبدو أن ثقل التراكم التاريخي محدِّدٌ لجانب من الوضع الثقافي الراهن بمقدونيا. كيف تحدد أهم علامات هذا المشهد؟
■ أستطيع أن أميز بين مستويين يحددان خصوصيات المشهد الثقافي والإبداعي المقدوني. فمن جهة، ورثت مقدونيا ثروة حقيقية على مستوى أشكال التراث الشعبي والأدب، ومن جهة ثانية، لم تستطع بناء مؤسسات منتظمة، كما يقتضي ذلك منطقُ التطور. لقد كان الماضي حافلًا بالشروخ، وذلك بالرغم من مجهودات الأجيال التي كانت منكبة على محاولة تجاوزها، وعلى البحث عن منافذ جديدة وعن أفق للاستمرار على مستويات الفن والأدب والتاريخ. وهي مجهودات شكلت بالتأكيد مؤشرًا على حركية ثقافية معينة. وإضافة إلى ذلك، تركت مرحلة الشيوعية آثارها الخاصة، حيث إن سيادة مفاهيم الواقعية الاجتماعية في هذه اللحظة، كانت تحد من إمكانيات التواصل والإبداع، اعتبارًا لتمثله كممارسة خاضعة لقوانين الحزب الواحد. وهو الأمر الذي تَكرسَ أيضًا مع استمرار ظلال العزلة التي عاشتها المنطقة. لقد كان الأدباء، إذن، خُدامًا للنظام السائد، وذلك بشكل كان يُفقر الأبعاد الفنية والجمالية للأعمال الأدبية. غير أن ذلك لحسن الحظ، لم يدم طويلًا، حيث عرفت الستينيات، مثلًا، نوعًا من الانفتاح، تجلت علاماتُه في أعمال الترجمة وفي آثارها العميقة، حيث همت أعمال رامبو ومالارميه وبودلير وأدباء المرحلة الكبار. في حين لم يشمل هذا الوضع الدول الأخرى في المنطقة، حيث كانت تعتبر ترجمة نصوص الشعراء الفرنسيين، المتسمة حينها بنفحاتها الرمزية، تراجعًا عن الروح الثورية.
وتأسس الانفتاح الذي عرفته منطقتنا بعلامتين أساسيتين: ارتبطت العلامة الأولى بلجوء الشعراء إلى الفلكلور وإلى الثقافة الشعبية، بينما تمثلت العلامة الأخرى في حثهم عن هامش لتحقيق نوع من الاستمرار، حيث شكل مثلًا اكتشافُ غارسيا لوركا ماركيز محطة لها أكثر من دلالة ومؤشرًا على الانتماء إلى اللحظة الشعرية الأوربية القائمة حينها على البحث عن المجهول والغرائبي. وقد استمر هذا الاتجاه حتى الآن، ولكن على نحو مختلف بالطبع. وارتبط هذا التعايش بين العلامتين بالسيرورة التاريخية لتوزع الساكنة، حيث إن الأدباء المنحدرين من البادية ظلوا يحتفظون بمرجعيتهم الثقافية الشعبية. وذلك على الرغم من كل محاولات النظام الشيوعي التي كانت تستهدف تغيير هذا التوزع الذي كانت المناطق القروية تشغل، في إطاره، 70% من الساكنة إلى حدود السنوات الأولى لما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
التعدد اللغوي وجسور التلاقي
● ثمة علامة مركزية أخرى تحكم المشهد الثقافي والإبداعي المقدوني وأقصد بالضبط التعدد اللغوي. كيف تتدبر هذا التعدد؟
■ أفضل أن أجيبك انطلاقًا من تجربتي الشخصية. لقد ولدت بألبانيا وعشت ودرست بمقدونيا. ولذلك فأنا أكتب باللغتين الألبانية والمقدونية. وهو الوضع نفسه للألبانيين المقيمين في مقدونيا الذين يشكلون 30% من ساكني هذا البلد، وهو الأمر الذي لا ينطبق على المقدونيين. وتلك بالطبع صورة عن العلاقة الدائمة بين الأغلبية والأقليات، حيث تحجم الأولى عن تعلم لغة الثانية. وأرجو تجاوُز هذا الوضع على الرغم من الاختلاف البنيوي للغتين، من حيث إن الألبانية لا تنتمي إلى أية مجموعة لغوية، بخلاف المقدونية التي هي لغة سلافية.
على العموم، أعتقد أن هذا التعدد اللغوي يشكل، على الرغم من مشكلات التواصل التي يخلقها أحيانًا، عاملًا حافزًا لحركية ثقافية معينة، خصوصًا مع حضور نشاط الترجمة، التي احتفظت بوتيرتها حتى في لحظات أحداث الاصطدامات بين الألبانيين والمقدونيين.. أما أنا شخصيًّا، فلي معرفة عميقة باللغات السلافية الأخرى تمكنني من توظيف أسرارها الخفية داخل كتاباتي. وإذا كانت كل لغة تملك عتماتها الخاصة التي تستحيل ترجمتُها إلى لغة أخرى، فإنني أجد نفسي سعيدًا بامتلاكي هذه العتمات المضاعَفة، وهو الأمر الذي يتطلب مني جهدًا مستمرًّا ونفسًا طويلًا وحقيقيًّا.
● في نصوصك السردية يحضر الأب وغيره من أفراد العائلة كثيرًا. هل يشكل هذا الحضور تعويضًا عن غربتك المفترَضة؟
■ أنا أنتمي لعائلة ألبانية مسلمة هاجرت إلى مقدونيا. وبذلك كانت العائلة لي وطنًا دائمًا، أبحث عن جذوره باستمرار. إنها أشبه بقرطاج التي استطاعت أن تقاوم خطر المحو. العائلة إذن تشكل لي العنصرَ الأساس داخل مسار حياتي، حيث أنشغلُ بالبحث عن هامش للتلاقي بين جيليها من الأسلاف والأبناء، وهو الأمر الذي يحضر في كتاباتي السردية خصوصًا، وذلك مع كثير من الحذر من السقوط في كتابة بورتريه تقريري للعائلة يمكن أن يكون على حساب أدبية الكتابة. لقد عشت خمسين سنة، والآن أنا أعيش جزءًا آخر من حياتي، وهو جزء أعدّه هدية من الله، ولذلك قررتُ أن أكرس ما تبقى من حياتي للبحث عن جذور عائلتي من خلال الكتابة وللإنصات لأصوات والديَّ الراحلين الخفية، حيث تمنحني الكتابة بذلك متعة قضاء لحظات رائعة معهما.
● أنت ذو أصول ألبانية. كيف استطاعتْ كِتابتُك أن تَنسُجَ أفُقَها الخاصَّ داخل المشهد الإبداعي المقدوني؟
■ هذا سؤال مهم. قد أبدو حسب تأويل ما كشخص خان أهله لكي يبحث عن مكان له بين الآخرين. وبالطبع أنا لست كذلك، كما أن ثمة تسامحًا بين الشعبين، الألباني والمقدوني، يمنحني هامشًا حقيقيًّا للحياة، وإن كان ذلك ليس يسيرًا وبديهيًّا خصوصًا في لحظات التوتر والاصطدام بين الشعبين. وخلال لحظات الضعف تلك يُبحَث عادة عن المجرمين وعن الخونة أو يُخلَقون إن اقتضى الحال. وعلى العموم، لقد اخترت الإبداع وطنًا لي، كما أن اللغة ليست ملكًا لشعب معين، ولكنها ملك للحياة، ولذلك فإن جذور اللغات تلتقي في مكان ما. لنأخذ مثلًا كلمة «mother»، نجد المفردة نفسها في لغات أخرى: «أم» بالعربية، «mère» بالفرنسية، «mutter» بالألمانية، «madre» بالإسبانية. تملك اللغة إذن أدراجًا تقود نحو الأبدي والقار، كما أنها تحتفظ بنوع من التضامن بين تجلياتها، حيث إن امتلاك لغتين أو ثلاث لغات يمكن أن يمنح بعدًا شعريًّا للغة المستعملة. وبالطبع، يظل تحقيق ذلك رهين أشياء أخرى.
توظيف الأسطورة ومقاومة البلاهة
● توظف عددٌ من أعمالك الأسطورة بشكل واضح. هل يشكل ذلك نزوعًا نحو محو آثار الواقعية التي طبعت أعمال العهد الشيوعي؟
■ أرى الأسطورة حلقة تتجمع في إطارها التجارب الإنسانية. وأعتقد أن توظيف الأسطورة يقتضي نوعًا من الحذر بغية تجنب مكايدها؛ لأنها أشبه بمتاهة يسهل الدخول إليها بينما يبدو الخروج منها عسيرًا ومستحيلًا في بعض الأحيان. وفيما يخصني، أشتغل في أعمالي السردية على التضحية والأساطير المرتبطة بها. يحضر ذلك مثلًا في عملي الروائي «زمن الماعز»، سواء بشكل واعٍ أو لا شعوري. ويعود جانب من ذلك إلى الحضور الدال للأسطورة داخل المرجعية الثقافية القديمة لمنطقة البلقان، حيث انبثقت هناك الأساطير الإنسانية الكبرى، كأساطير سيزيف وبروميثيو وأوديب. وبالطبع كنت حريصًا في روايتي على الأخذ في الحسبان تحولات سياق الأسطورة، وتغير الأسطورة نفسها التي صارت بعضُ تجلياتها في الوقت الراهن أقربَ إلى الكذب، تمامًا كما هو الأمر بالنسبة إلى الأساطير المرتبطة بهتلر وبموسوليني وببقية طغاة العالم. ويبقى الأدب هو الطريق الأفضل للانتقال بالإنسان إلى الأسطورة والعودة به منها بعيدًا من مزالقها الخفية.
● في عملك السردي «زمن الماعز» تحضر أيضًا روح الدعابة. وهو ما يتضح مثلًا من خلال اختيارك حيوان الماعز كبطل للرواية. هل تلك طريقتك في تدجين الواقع؟
■ لقد كانت مرحلة النظام الستاليني مرحلة مأساوية، وتساوق ذلك مع مرحلة طفولتي. ولذلك ارتبطت صورةُ المقاومة داخل مخيلتي الصغيرة بحيوان الماعز، وهو حيوان ظل يعيش بجانب الإنسان منذ القدم. وضدًّا لذلك، اختارَ النظام القضاء هذا الحيوان بهدف تغيير طرق عيش البدو. كان يمكن أن أكتب عن تراجيديا الدول الشيوعية بطريقة تأريخية وكرونولوجية، غير أن هدفي لم يكن هو الكتابة عن الألم وإنما عن البلاهة التي تخلق هذا الألم، وعن هؤلاء الذين أقدموا على قتل حيوانات الماعز مدفوعين بجرعة كبيرة من الجنون. ولذلك كنتُ مقتنعًا بأن الكتابة عن هذا الحدث ستكون أكثر دلالة بتوظيف روح الدعابة التي تستمد قوتها من فكاهة الشعب البليغة ببساطتها.
● تميلُ مجموعتك الشعرية «قرطاج» نحو الغرائبي. هل يتعلق الأمر برغبتك في تحقيق نوع من التصالح بين واقعية أعمالك السردية وغرائبية كتابتك الشعرية؟
■ بين الواقعي والخيالي ثمة طريق وعر يصعب معه البحث عن الممر الصحيح، غير أن الحياة والتجربة يمكنهما أن تقودانا إليه. لقد كانت قرطاج توحي لي بقدرة الإنسان على المقاومة. عشتُ بقرطاج طيلة أربع سنوات سفيرًا ليوغوسلافيا لدى الفلسطينيين. وكان لي اتصال متواصل، بحكم وظيفتي وبحكم الصداقة أيضًا، مع ياسر عرفات وفاروق قدومي وأبي إياد. كما كان بيتي يقع على بضعة أمتار من مقر إقامة أبي جهاد، حيث تعرض لعملية الاغتيال الدنيئة.
لقد عشتُ إذن داخل هذا السياق الذي أتحدث عنه للمرة الأولى؛ لأن تفاصيله أقوى من الكلام (يطلب مني خلال هذه اللحظة لوان ستاورفا، متأثرًا، سيجارة مؤكدًا أنها الأولى بعد سنوات من الانقطاع عن التدخين). عشتُ إذن هذا الحلم، وكانت لي ثمة علاقة بين التاريخ العريق لقرطاج ومقاومتها العميقة ووجود الفلسطينيين بتونس الذين كانت تربطني بهم علاقة تعاون كبيرة؛ لكوني سفيرًا لدى دولتهم التي لم تكن موجودة. كانت قرطاج نداء عميقًا للمقاومة. وكان يمكنها أن تكون فلسطين أو بلدي. غير أنني احتفظتُ بقرطاج الخاصة بي، تلك التي يقترب مصيرها من مصير عائلتي الصغيرة التي كانت مطاردة بخطر الفناء دائمًا. وتعاطفًا مع كل ذلك، كان ديواني «قرطاج» شكلًا من الاحتفاء بكل هذه التفاصيل التي تلتقي تراجيديا حياتي الخاصة.
سفر حرّ
● يبدو سفرك الشخصي ببعده التراجيدي امتدادًا لسفر عائلتك.
■ بالفعل. إنه سفر تمتد ظلاله إلى الجذور الأولى، متجاوزًا بذلك الحدود التي تشكل بالفعل تعبيرًا عن تصور ضيق للإنسان ولحريته.
● لسفرك أيضًا جانب آخر. أقصد نجاح أعمالك التي حصلت على أكثر من جائزة دولية؟
■ لم أبحث عن ذلك. ربما كان يهمني الحصول على الجوائز في مرحلة الشباب، غير أنني لم أعد أعير اهتمامًا للموضوع مع تقدم السن. وأستطيع أن أقول الآن: إن احتفائي بجائزة ما كان أشبه بخدعة تغريني بالفرح، بينما كان الحزن يجتاح أبطال رواياتي، وأعني خصوصًا حيوانات الماعز. تستطيع الجوائز أن تبعد كاتبًا ما عن طريقه، وهو ما حدث لأغلب الحاصلين على جائزة نوبل.
● بخلاف هذا الاحتفاء يغيب اسمك عن العديد من الأنطولوجيات التي تقدم شعراء جيل السبعينيات المقدونيين.
■ أعُدّ نفسي شاعرًا عابرًا للأجيال. كما أن النقاد بمقدونيا يحجمون عن تصنيفي ضمن جيل معين، ويعود ذلك أساسًا لانتمائي الموزع بين وطنيين يجعل العاملُ السياسي الانتقالَ بينهما أمرًا عسيرًا. الأهم لي هو كتبي، أما الأنطولوجيات المخصصة للأجيال فهي تبقى أشبه بأدلة سياحية!
● أثرتَ أكثر من مرة علاقة السياسي بالشعري، وتبدو يائسًا من إمكانية وجود علاقة متكافئة بينهما.
■ ليس مطلَقًا. أنا أومن بالالتزام داخل العمل الأدبي. وهو التزام تجاه الإبداع وجماليته. وبالطبع، لا ينفي ذلك ضرورة الوعيَ السياسي للكاتب؛ لأنه يشتغل أساسًا على الكلمة، والكلمة خطيرة جدًّا؛ لأنها تستطيع أن تشعل حربًا ما.
● هل ما زالت الكتابة تملك هذه القوة داخل سياق العولمة الجديد؟
■ بالفعل، اللحظة الحالية هي لحظة تداول بامتياز، يستطيع في إطارها ما هو إلكتروني تقريبَ الناس وأيضًا خلق مسافات بينهم، لاستحالة تعويض الجنس البشري. وأعتقد أن العولمة، التي تتمظهر كبديل عن تراكم تجربة الإنسان، يمكن أن تدمره في لحظة واحدة؛ لأن منطق العولمة لا يؤمن بالاختلاف الإنساني. ثم ألا ترون أن العولمة هي أشبه بالمادية التي قامت عليها مرحلة الشيوعية، حيث كان لينين يدعو إلى وحدة عالمية قائمة على ما هو اقتصادي؟ العولمة تقوم على الفكرة نفسها، بالطبع مع احتفاظها باختلافاتها الخاصة. وأعتقد أن ما يشهده العالم الآن هو نتيجة هذه العولمة، حيث يعمل الأغنياء على خلق أيديولوجيتهم الخاصة القائمة على تدمير الآخر كوسيلة لاستمرارهم. إنهم يسعون إلى خلق صوت واحد يحكم العالم.
المنشورات ذات الصلة
المؤرّخ اللبناني مسعود ضاهر: مشروع الشرق الأوسط الجديد يحلّ محل نظيره سايكس بيكو القديم
الدكتور مسعود ضاهر أحد أبرز المؤرّخين العرب في لبنان والعالم العربي اليوم. هو صاحب مدرسة في الكتابة التاريخية تتميز...
بمناسبة صدور كتاب «رياض الشعراء في قصور الحمراء» خوسيه ميغيل بويرتا: نحن أمام مسؤولية إبراز التعايش مع الإرث الأندلسي بمفاهيم عصرية
بمناسبة صدور كتابه باللغة العربية «رياض الشعراء في قصور الحمراء» بالاشتراك مع الدكتور عبدالعزيز بن ناصر المانع،...
زياد الدريس: مركز عبدالله بن إدريس يهدف إلى تشجيع الابتكار وجائزة ابن إدريس أكثر من كونها شعرية أو أدبية
يتطرق الدكتور زياد بن عبدالله الدريس، أمين عام مركز عبدالله بن إدريس الثقافي، في هذا الحوار، إلى دور المركز في تنشيط...
0 تعليق