كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
سفير خادم الحرمين أكد أهمية التعاون الثقافي بين البلدين
الشعر السعودي الجديد يمد الجسور مع قراء جدد وجغرافيات أخرى في المهرجان الدولي للشعر في تونس
لم يعد الشعراء السعوديون يفاجئون أحدًا بشعرياتهم المتفردة، ذات الخصوصيات المتنوعة، وفقًا لكل شاعر وجوّه الخاص، بل صار المتلقي العربي ينتظر من الشعر السعودي الجديد مزيدًا من الاختراق في بنى الشعر، حصة أكبر في خلخلة معمار القصيدة، وفتحها على أقاليم جديدة. صفق جمهور الشعر طويلًا، وبعضهم صفق واقفًا للشعراء السعوديين. هكذا كان حال الدورة الجديدة من مهرجان الشعر الدولي في سيدي بوسعيد، الذي اختار السعودية لتكون ضيف شرف دورته الجديدة التي أقيمت في يونيو الماضي. مثّل السعودية التي حلت ضيف شرف، كل من أحمد الملا، وصالح زمانان، وغسان الخنيزي، ومحمد الحرز، وروان طلال، وعبدالله ثابت، وهاشم الجحدلي، وزياد السالم، وإبراهيم الحسين، وبديعة كشغري، والدكتور سعيد السريحي، والناقد عبدالله السفر، والدكتور عادل خميس، والكاتب طارق خواجي. وكان لافتًا الجهود المبذولة من السفارة السعودية والملحقية الثقافية في تونس، لإنجاح هذه المشاركة كما يليق ببلد مثل السعودية وشعراء مثل الذين مثلوه في المناسبة.
وشكل المهرجان فضاءً ليلتقي فيه أيضًا شعراء العالم الوافدون من مختلف الأقطاب؛ إذ حمل بروشور المهرجان أسماء مهمة، مثل: الشاعر الأرجنتيني تيوكو كاستيلا، والبرازيلي ليوناردو طونوس، والكولومبي ستيفان شومي، وأيضًا أسماء كبرى من أوربا مثل: الشاعرة الإسبانية الكبيرة راكيل لانسيروس، والفرنسي فرانك سميث، والمالطي نوربرت بوجايا، والإيطالية مارثيا كاروزو. وعربيًّا الكويتي نشمي مهنا، والأردني زهير أبو شايب، ومن النقاد صبحي حديدي. الشعر التونسي كان ممثلًا بأسماء مهمة على غرار آدم فتحي، وصبري الرحموني، ومحمد العربي، وسامي الذيبي، وهدى الدغاري، ورضوان العجرودي، وجميل عمامي، وجمال الجلاصي، وسنية المدوري، كما شارك في تقديم الجلسات الدكتور جساس أنعم.
ولم يكن غريبًا أن تنفتح القرية الأندلسية التونسية «سيدي بوسعيد»، هذه المدينة التي يسيّجها جبل وبحر وصور ساحرة، على التجربة الشعرية السعودية. فأن يحتفى بالشعر السعودي في هذه القرية بكلّ رمزيّتها، فكأنّه لقاء الفكر الشعري المتجدّد الذي يأتي به شعراء سعوديّون مع سحر الطبيعة البكر في سيدي بوسعيد. والصورة في كليّتها تحمل أفقًا جديدًا واعدًا للتعاون بين البلدين. إذن، إنّه الشعر يأتينا من السعودية لتكسر الكلمة «خشب» الحدود بين البحار والسماوات وتصير الأوطان وطنًا واحدًا… حضور الشعر السعودي في تونس، مثّل مناسبة ليتعرف إلى قراء جدد وجغرافيات جديدة.
المهرجان الشعري الذي امتدّ لأربعة أيام وافتتحه السفير السعودي في تونس الدكتور عبدالعزيز بن علي الصقر، قدم شعرًا محكومًا بالحركية. تتدفق داخله وتتسلّل إلينا منه حيوات كثيرة. فداخل هذه الحركية الشعرية وهذا الحراك الثقافي، يؤسّس لعلاقات جديدة إبداعية بين السعودية وتونس أكّدها السفير السعودي في تونس في افتتاح المهرجان، لافتًا إلى أهمية التعاون بين البلدين على جميع الأصعدة، وبخاصة الشأن الثقافي. وأكد الدكتور الصقر استعداداته المتواصلة لدعم الحراك الثقافي بين تونس والسعودية، مشيرًا إلى أنه جزء مهم من المشروع الذي يشتغل عليه منذ حلوله بتونس قبل نحو سنتين.
هذا التواصل الأدبي والشعري بين البلدين أكّده أيضًا، الشاعر السعودي الكبير أحمد الملا، مدير مشروع «جسور الشعر» الذي ترجم في إطاره الشعر السعودي إلى اللغة الفرنسية، خلال كلمته في حفل الافتتاح.
احتفاء بأنطولوجيا الشعر
أن يدعو مهرجان الشعر في سيدي بوسعيد السعودية كضيف شرف، رغم أنّ ضيافة الشرف ليست من تقاليد المهرجان، فهذا يحمل أكثر من رمزيّة. أوّلًا للمجهودات المبذولة ثقافيًّا من داخل المملكة العربية السعودية من أجل التعريف بإرثها الإبداعي الفني والشعري والثقافي عامة، وهذا يتجلى في المشاريع المهمة التي يدعمها البلد، ومنها مبادرة ترجمة «أنطولوجيا الشعر» إلى اللغة الفرنسية، وما فتحته من آفاق لعدد كبير من أبرز الشعراء السعوديين، للتحليق بعيدًا بإنتاجاتهم. فتظلّ الترجمة جسورًا مهمة في التعريف بثقافات الدول. وقد كان المهرجان فرصة جديدة للاحتفاء بهذه التجربة وتثمينها. وقد عرضت الأنطولوجيا والدواوين الأربعة المترجمة إلى الفرنسية في «سوق الشعر» الذي نظم على هامش المهرجان، وقد لاقت الإصدارات اهتمامًا كبيرًا من القارئ التونسي، كشف عن تعطّش لهذه التجربة الشعرية، وفضول للاطلاع عليها وتفكيكها وفهم سياقات تطوّرها.
والتسويق للإنتاجات الشعرية السعودية في تونس أثار اهتمام الناشرين الحاضرين في الدورة. وهو ما يؤكد أهمية الترجمة والمبادرة بالترجمة في نسج حراك شعري سعودي فريد من نوعه داخل كلّ المنطقة العربية، ويقدم نموذجًا ناجحًا عن كيفية التسويق للشعر من خلال الترجمة لدول تتكلّم غير لغتنا العربية.
لقاءات شعرية
كان للأمسيات الشعرية عبقها الخاص بحضور شعراء السعودية، وبجمهور تفاعل كثيرًا مع التجربة. الجمهور التونسي الذي تعود التقاط بعض المعلومات والمعارف عن الثقافة السعودية، أتى ليتعرّف إلى خصوصية التجربة في مصافحة «قرب» أتاحها مهرجان سيدي بوسعيد وسمح بها الشعراء السعوديون الذين كانوا منفتحين على التحاور والتواصل والتفاعل مع الحاضرين، وخوض نقاشات بكلّ مرونة واستعداد لتقبّل نصوصهم كما يراها الجمهور. والاستمتاع كذلك بمختلف التأويلات للصور الشعرية وللبناء الرمزي لهذه الصور التي يقترحونها. فهذا التفاعل بين المبدع والجمهور مبادرة اتّصالية من قرب، تؤكد استعداد ذهنية واتصالية الشاعر السعودي للتواصل والانفتاح وكسر كل الحواجز وكسر كل قوالب التنميط والأفكار الجاهزة.
يقول إميل سيوران: «بالشعر كما بالموسيقا، نلامس شيئًا ما، جوهريًّا، وفي الشعر يستبعد الزمن، فإذا أنت خارج الصيرورة، الموسيقا والشعر غيبوبتان متساميتان». ونقول: إننا من خلال التجربة الشعرية السعودية، كنا خارج الصيرورة، خارج الزمن والمكان، داخل «غيبوبة» تفكّرية تؤسّس لحياة أكثر سموًّا بخطابات روحية تدسّها في مسامّ الجلد كلمات صادقة، حِيكَت من خلال صور شعريّة كانت خارج التوقعات، وما الشعر إلّا هذا الهدم المتواصل للمتوقع السائد من أجل بناء متوقّعنا الذي نراه أيضًا في عيون كل شاعر رفع رأسه في اتجاه سماء وبحر القرية الأندلسيّة سيدي بوسعيد، ليقول نفسه وحضارته ورسائل أتى بها من بلده، بلدنا المملكة العربية السعودية. فلنتفكّر معًا كيف يكون إنسان من دون شعر، من دون غزل الحواسّ، من دون تنهّدات الروح، من دون بنائنا؟
معز ماجد: اخترنا السعودية لتكون ضيف شرف مهرجان الشعر لتأثيرها عالميًّا وإقليميًّا
يرى الشاعر والمترجم التونسي معز ماجد أن الجزيرة العربية هي مهد حضارة شعرية، ومن الطبيعي أن تكون الحركة الشعرية فيها متجددة. ويوضح السبب في كون ترجمة الشعر محفوفة بالمخاطر، كما يتحدث عن المحذورات التي لا ينبغي لشاعر أن يقترفها في أثناء ترجمته للشعر. يتحدث أيضًا في حوار مع «الفيصل» عن التجديد الشكلي السطحي، والموضوعي العميق، في الشعر السعودي، وعن تجربته في ترجمة أنطولوجيا الشعر السعودي وعن مدى تقبل الوسط الفرنسي لهذه الترجمة. وبصفته مشرفًا على مهرجان سيدي بوسعيد للشعر في تونس يتطرق إلى استعدادات المهرجان وإلى ضيوفه من المملكة ومن حول العالم. كما يتحدث عن مشكلة الشعر الحقيقية اليوم في زمن الإعلام الجديد، وهل استفاد الشعر من التقنيات الحديثة والوصول السريع أم إنه في مأزق؟
الشاعر مترجمًا
● حدِّثْنا عن تجربتك في ترجمة طيف واسع من الشعر السعودي الجديد، ماذا كان انطباعك وأنت تترجِم؟ وإلامَ خلصت بعد أن أنجزت هذه الترجمة في ضوء الشعريات العربية والعالمية التي حدث أن طالعتها وواكبتها؟
■ لقد تعرفت إلى عدد من التجارب الشعرية الجديدة في السعودية من خلال مشاركتي كشاعر في عدد من المهرجانات الشعرية العالمية على غرار لوديف وسيت بفرنسا وبصفتي مشرفًا على مهرجان سيدي بوسعيد بتونس خاصة. ومنذ بداية معرفتي بهذه التجارب انبهرت بعمق وحداثة عدد من هذه النصوص التي تمتاز بنفس تقدمي مذهل. في الحقيقة هذا ليس بالغريب على الشعر السعودي فالجزيرة العربية هي مهد حضارة شعرية بامتياز، ومن الطبيعي أن تكون الحركة الشعرية فيها متجددة، مسائلة لذاتها ولهويتها، وراديكالية في بعض الأحيان شكلًا ومضمونًا. وفي أثناء تجربتي في ترجمة الشعر السعودي الحديث تأكد لي ذلك، وتعرفت بعمق أكثر على أصوات شعرية تحاكي الكونية، ويمكن اعتبارها في مقدمة ركب تجديد الحراك الشعري في عربيًّا وعالميًّا.
● هل من تحديات خاصة واجهتكم مترجمًا؟
■ ترجمة الشعر هي في حد ذاتها تحدٍّ ومحفوفة بالمخاطر. فخلافًا لكل تجارب الترجمة الأخرى، لا يكفي أن تكون متمكنًا من اللغتين وقادرًا على تفكيك معاني النص والوصول إلى روحه ومآربه. حتى تكون ترجمة الشعر ناجحة، فأنت مطالب بأن يكون النص في لغة الوصول قصيدة. وهذا يعني أن على المترجم أن يكون شاعرًا في لغة الوصول من جهة أولى، ويجب عليه أيضًا أن يتماهى مع روح القصيدة الأصلية وأن يتقبلها كأنها قصيدته هو حتى يتمكن من كتابتها من جديد باللغة الأخرى.
ولما ينجح في الوصول إلى هذه الحالة من تطابق الأرواح عليه أن يحذر من أن ينحاز لنفسه في الكتابة فيقع في فخ تحريف المعنى في بعض الحالات. فهو أخلاقيًّا ملزم بمعاني القصيدة الأصلية. كل الصعوبة تكمن في هذا التوازن بين أن يكون النصُّ نَصَّك إلى حد ما ولكنك في الوقت نفسه لست حرًّا في الذهاب به إلى ما قد تريده له.
التجديد الشكلي والموضوعي
● ما أبرز الخاصيات التي يمتاز بها الشعر السعودي؟
■ من الصعب أن نقيّم بصفة إجمالية خاصيات كل هذه التجارب؛ فهذه الأنطولوجيا شملت أكثر من أربعين شاعرًا من أجيال مختلفة. لكن يمكن القول: إنها تتسم كلها بالجرأة إذ إنها من ناحية تمردت على الأنماط الكلاسيكية في الشعر العربي، وذلك بانخراطها في سياق قصيدة النثر. ولكن الأهم من التجديد الشكلي، هنالك تجديد عميق في الموضوعات المتناولة وفي الطرح الجمالي للخطاب الشعري أصلًا. فقصائد هذه التجارب تخوض في تساؤلات فلسفية عميقة وتتجرد من زوايا النظر المألوفة للمواضيع، فتذهب بنا إلى طرح جمالي مخالف ومربك في بعض الحالات، وهذا يجعل الشعر السعودي المعاصر مواكبًا لأحدث التجارب والتساؤلات الشعرية في العالم.
● في شكل عام كيف تقيم هذه التجربة لك مع الشعر السعودي، وهل تفكر في خوضها ثانية؟
■ كانت تجربة ثرية تعلمت منها كثيرًا وأراها محطة مهمة وفارقة في مسيرتي شاعرًا ومترجمًا. لقد تقبلها الجمهور الفرنسي والنقاد بكثير من حب الاطلاع والاحترام. على سبيل المثال، علمت منذ أيام أن جامعة لوزان بسويسرا اقتنت عددًا من النسخ لمكتبتها وباحثيها، وهذا يدل على مدى الاهتمام بمثل هذه التجارب. وسأكون سعيدًا لو أتيحت لي فرصة توسيع هذه التجربة وخوضها على المدى الطويل لنحتها بصفة دائمة في مدونة الإنسانية.
محفل الشعر وضيوفه
● بصفتك مديرًا لمهرجان سيدي بوسعيد، هل هي المرة الأولى التي يكون فيها شعرُ بلدٍ معينٍ ضيفَ شرفٍ للمهرجان؟
■ فعلًا هي المرة الأولى التي نستضيف فيها شعر بلد معين ضيف شرف. في الحقيقة، سنوات الجائحة كانت فرصة لتقييم مسار المهرجان في الأعوام الفارطة، ولنحاول إيجاد نفس جديد لهذا المحفل ودعم انفتاحه على ثقافة التبادل والتعرف إلى التجارب الشعرية العالمية. وبما أن هذا المهرجان له طابع عالمي بامتياز؛ إذ إنه يستقبل سنويًّا عشرات الشعراء من العالم العربي وأوربا وأميركا اللاتينية وآسيا، فهذه فرصة لاستعماله كمنصة للتعريف بالتجارب الشعرية لدى الثقافات البعيدة منا. ولقد اخترنا أن تكون المملكة أول دولة تحظى بهذه الدعوة كضيف الشرف؛ وذلك نظرًا لوزنها وتأثيرها عالميًّا وإقليميًّا، وكذلك لأننا بفضل هذه الأنطولوجيا المترجمة للفرنسية، فإننا لدينا مدونة مترجمة ووازنة فكان من السهل على ضيوف المهرجان، غير الناطقين بالعربية، الاطلاع عليها والوصول إليها.
يحيى سبعي: المبدع السعودي يعيش اليوم عرس فنونه في جميع محافل الجمال
قال المشرف الثقافي في الملحقية الثقافية في تونس يحيى سبعي: إن قطاع الثقافة وأوجه الإبداع في السعودية تحظى اليوم بحراك شامل، «سواء من ناحية تغيير منهجية الإدارة والتواصل مع المبدع، أو من ناحية صور تقديم الإبداع السعودي داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما كان الرهان عليه حين عملت الملحقية الثقافية السعودية وفق تمثيلها لوزارة التعليم بالخارج، وبإشراف سفارة المملكة العربية السعودية في تونس، على قراءة المشهد الثقافي التونسي وتحديد الفعاليات التي تتوافق وتلك المنهجية في إدارة الشأن الثقافي وتحقيق متطلبات المشاركات السعودية محليًّا ودوليًّا».
وأوضح سبعي، على هامش مهرجان الشعر، أنه انطلاقًا من برنامج دعم المثقفين المعتمد ضمن إستراتيجية وزارة الثقافة، «سعت الملحقية الثقافية في عمل متكامل مع هيئة الأدب والنشر والترجمة، إلى اقتراح مشاركة الشعر السعودي في مهرجان سيدي بُوسعيد العالمي للشعر، في المدة 15-20 يونيو 2022م، وعلى نحو أوسع، وبخاصة أنه سبق ذلك إصدار أنطولوجيا للشعر السعودي تُرجِمَت بالتعاون بين إدارة هذا المهرجان ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، فضلًا عن جدارة تلك التجارب والأصوات الشعرية التي شارك بعضُها من قبلُ في فعاليات دولية، وشكّل معظمُها أفقًا خاصًّا للتجربة الشعرية في المملكة. ومن هذا المنطلق كان التوافق مع هيئة الأدب والنشر والترجمة على حجم المشاركة ومقترح أن تكون المملكة العربية السعودية (ضيف شرف) على المهرجان في دورته (الثامنة)، وهو ما لقي تأييدًا من سفارة المملكة ودفعت بالمقترح إلى أعلى المستويات بالمملكة، فبارك سمو وزير الثقافة ذلك، كما أيّدت وزارة التعليم المقترح، وصدرت الموافقة السامية على هذه المشاركة بوجهها الحديث والمتميّز».
ويُعَدُّ هذا المهرجان العالمي للشعر، بحسب يحيى سبعي، أحد التظاهرات الحيويّة «التي تنامت عبر سنواتها السبع الماضية، ولقيت قبولًا كبيرًا لتُصبح جسرًا جديدًا باسم تونس ومساهمة لافتة في المشهد الثقافي العالمي، وهو ما يُحقق للمثقف السعودي نافذة جديدة على أسئلة الشعر اليوم ومشاركة دوره في التقارب واقتحام كل المساحات المذللة أمامه من جانب المؤسسات أولًا، وإعلان انتهاء الفترة التي كان يتعذر فيها تغطية مثل هذه المشاركات لوقوف اشتراطات تحللت أسبابها وانتهت تمامًا».
ومضى سبعي قائلا لـ«الفيصل» من هنا نستطيع القول: إن المبدع السعودي اليوم يعيش عرس فنونه في جميع محافل الجمال، فبعد مرحلة النضوج التي وصل إليها المشهد الثقافي ككل خلال العقود الماضية، هو في هذه اللحظة الحاسمة مع رؤية المملكة 2030 يزيد من تطلعاته ومزاحمة المناشط الخارجية على مساحة أكبر وبأصوات جادّة وفاعلة تُضاهي النظراء من دول العالم التي لها السبق في مثل هذه التظاهرات اللافتة. ويأتي ذلك متوافقًا مع خصوصية مهرجان سيدي بُوسعيد الذي اعتمد الانفتاح على الساحات والمقاهي وصالونات الموسيقا والمسارح والمراكز، والتخلص من الاستضافات المحصورة والمغلقة في أماكن محددة ليخلق منصّات جديدة للجمهور أولًا واتصاله المباشر مع الشعراء من مختلف الثقافات، ثم تسجيل هذا التواصل للقصيدة وتكريس عالميتها في تمازج عربي وألسنة أجنبية تُلغي فوارقها الترجمة التي اتخذها منظمو المهرجان كموضوع للدورة «الشعر والترجمة»، وعبر قراءات متعددة حول الشعر والترجمة وما السؤال الراهن للشعر وكيف ستأتي الأجوبة التي من شأنها خلق مثاقفة نوعية قوامها جدّية المشاركات وإعلان النصوص بما فيها من تألق».
وأكد سبعي أن كلمة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية تونس الدكتور عبدالعزيز الصقر صبّت في المنحى المهم؛ مؤكدةً دور الشعر «في تقليص الحدود وتجاوز الجغرافيا وما يُمثله من ظلال كبيرة لِقِيمة الإنسان والسلام، وهو ما شكّله المهرجان من فضاء لـ«التحام التجارب الشعرية في زمن التقنية والفضاء المفتوح على الثقافات والأفكار وتقليص الأبعاد المختلفة».. مشيرًا، أي السفير، إلى أنّ الثقافة ركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030، فالإبداع رسالة كونية عالية بين الشعوب، والشعر جزءٌ أصيل من النسيج الثقافي على أرض المملكة والممتدّ عبر التاريخ. وإنّ مشاركة شعراء سعوديين أَثْرَوُا الساحةَ الثقافية العربية في هذا المهرجان، لَتُعَدُّ صورة للقيم المُثلى التي من شأنها التفاعل مع الآخر وتنويع الاختلاف والتعدد على أرض صلبة رايتها الشعر والقصيدة. وهو يُحققه التعاون المثمر مع مؤسسات المملكة، وفي مقدمتها وزارتا التعليم والثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة، وبإشراف تام وتنسيق على أعلى المستويات من جانب سفارة المملكة في جمهورية تونس».
أربع مجموعات شعرية من السعودية:
مسالك هروب متعددة من حصار واحد
محمد مظلوم – شاعر وناقد عراقي
في عقد الثمانينيات، وفي أثناء الفعاليات الثقافية التي كانت تقام في العراق، ولا سيما مهرجان المربد، تعرفنا إلى بضعة أصوات شعرية ونقدية من المملكة العربية السعودية غيَّرت الصورة النمطية المتشكلة في أذهاننا عمَّا وصل إليه الشعر في المعقل التاريخي للقصيدة العربية: المكان-المهد لأكبر تحوُّل ثقافي في تاريخ الأمة من الجاهلية إلى الرسالة، ومعجم بلدان الملاحم وقصص الحب. وجدنا لدى تلك الأسماء، وأبرزها: محمد جبر الحربي وعبدالله الصيخان ومحمد الثبيتي والناقد عبدالله نور، ما يبشر بِصِلة واضحة بين تراث الشعر العربي الكلاسيكي، وتحولات الحداثة في القصيدة العربية في العراق والشام.
اليوم، وبعد عقود من ذلك التحوُّل يأتي صدور مختارات من الشعر السعودي المترجم إلى الفرنسية، مُتمثلًا في أربع مجموعات للشعراء: غسان الخنيزي، وأحمد الملا، وصالح زمانان، ومحمد الحرز، ترجمها إلى الفرنسية معز ماجد ونشرت باللغتين، ضمن منشورات (أل دانتي) لتفتح أفقًا أوسع وتصبح القصيدة الحديثة في السعودية مرئية أكثر. وفي الوقت نفسه تظهر مدى أهمية أن ينشئ الشاعر الحديث زاويته ومكانه الشخصي البديل في أرض كانت ميدانًا لفحول الشعراء، من أشرافهم وصعاليكهم ولصوصهم وخلعائهم. بيد أن الصحراء شاسعة، وهي لم تعد صحراء في الواقع، بل مدنًا حضرية مكتظة.
والواقع أيضًا أن شعر هؤلاء العصبة أقرب لشعر الصعاليك المنشقين، لكن بلا عزلات في الصحراء، بل عبر علاقات جديدة، وإن بدت معقَّدة، بوقائع الحياة المعاصرة وأمكنتها، وبلغة محجبة أقرب إلى خطابات سرية هذه المرة، اتخذت حجابًا شفافًا من مجازات واستعارات البلاغة الحديثة بما تحمله من مواربة خطيرة لكتابة نصوص مختلفة نجحت في إيجاد مكانها وإن ظلَّ هامشيًّا على الخريطة القلقة على الرغم من أن العالم كله صار ضيقًا بالنسبة للأرواح الطليقة، وهو أقرب لحيزٍ لا يزال يتسم بالتهميش إن لم نقل بالعزلة والنبذ؛ لذلك عبَّر شعر هؤلاء عن تذمر وتمرد وهروب. تذمر مما آل إليه العالم المعاصر بتعقيداته. وتمرد بحيوية على إيقاع الأيام المملة، وهروب نحو أفق آخر مرتجى. هروب يسلك مسارات شتى؛ فكل شاعر من هذا المربَّع يختار ما يناسبه من مسار في ذلك الهروب، لذلك جاء شعرهم زاخرًا بـ«القلق» و«الفزع» و«مواسم غياب» في «غيوم تغيب في غيوم» وهو ما يجمع عناوين هذه المجموعات الأربع.
غسان الخنيزي: «غيومٌ في غيوم»
يمكن وصف قصائد الخنيزي بأنها قصائد إصغاء وتأمل ونظر نحو الأعالي، لكنه إصغاء ليس صافيًا تمامًا بل ملتبس بضجيج ورؤية يكتنفها العجز وتنقصها العزيمة حتى تتشكل ألفة صورية من خلال هذه الالتباسات. إنها تأملات بانورامية في الطبيعة، لكن هذا لا يعني أن شعره رعوي. بل هو شعر مدينة وبعضه مكتوب في أكثر المدن مدنيةً وتعد مراكز ثقافية وتجارية مكتظة: قصيدة: «غيماتٌ رُكاميّةٌ، فوق هيوستن». لكنه في وسط هذا الركام والاكتظاظ المزدوج يرنو نحو البعيد محاولًا محاورة الغيوم والرياح والكواكب والمجرات. «فلنستعِرْ كوكبًا آخرَ، حياةً أخرى هي كالحياةِ التي في الحكاية/ لكنّ الفضاءَ الخارجيَّ، مملكةٌ للكلامِ ليس إلَّا/ فنحنُ محمّلون بالتكهناتِ وبالشراكاتِ المزخرفةِ: أثقلُ من أنْ نطيرَ، وأقلُّ شجاعةً من فينيق».
إنها محاولة للانعتاق مما هو أرضي، وبهذا المعنى هي أقرب لشعر الرومانسية الجديدة في سعيها لأن يعود الإنسان إلى ملائكيته بعد أن أحالته رحلته العصيبة على الأرض إلى شيطان رجيم في جحيم أرضي من بناء الإنسان نفسه. فالرومانسية الجديدة تمثل عودة إلى البدائية من خلال استعارة تأملات إنسان الكهف وعلاقته بما حوله من عناصر الطبيعة، حيث يبدو كل شيء بكرًا، وينطوي على كثير من الأحاسيس الخفية التي تتيح برهةً من الحرية الفردية للشاعر المتأمل، وتمدُّه بمزيد من التأثيرات الشعورية العاطفية، بل تتحول هواجسه من ريبة وخوف، إلى تجارب جمالية وصافية بديلًا عن (العالم الغائم): «ضياعُ النظرةِ هو المنظرُ الطبيعي ضائعًا في الهدوءِ/ وفي انعدامِ الصوتِ الذي تكونُهُ: الريحُ والوردةُ/ والطائرُ/ الذين يألّفون المنظرَ الطبيعيَّ الغائم».
لا أدري لماذا استخدم غسان فعل الجماعة (يألفون) وليس (تألف) هل هي محاولة لعقلنة كائنات الطبيعة وعناصرها؟ لأنَّ الطبيعة نفسها قد تصبح عالمًا من الإشارات الروحية: خريطة أخرى للبحث عن أسرار الباطن في الظواهر. الطبيعة لغة صامتة لكنها مكتوبة بتوريات وبلاغات عدة. ومن المهم ملاحظة أن غسان الخنيزي ترجم أحد أهم أعمال الشاعر الأميركي جون أشبري «صورة ذاتية في مرآة محدّبة»، وشعر أشبري يتميز بالتدفق الحر واللعب اللغوي بالمفردة والجمل المركبة التي تتمدد على قصائد مكتوبة في كتل طويلة من النثر. ويعكس تأثر رسمه لـ(صورة الذات) بمدارس الفن، ولا سيما الرسم وسائر الفنون البصرية، فقد سعى إلى ملاءمة تقنياتها وتأثيراتها مع قصيدته ليجعل منها صورة تقريبية للذات الباطنة ومدونة تعكس ظهوره الشخصي في تلك الصورة. وعلى المنوال ذاته اعتمد الخنيزي في قصائده على تقنية السرد والوصف والبناء القائم على السطور المتصلة كما النثر العادي وليس التقطيع الإيقاعي؛ لذا فهي قصائد نثرية بلا إيقاع. أقول هذا لأن ثمة فرقًا مهمًّا بين (قصيدة النثر) والقصيدة المكتوبة خارج شعر التفعيلة. كما بدت قصائده أقرب إلى لوحات انطباعية ونوعًا من الشعر الوصفي يجمع بين البصري والشعوري: «هنا مخلوقاتُ الطينِ- بمائِها وترابِها/ وهنا مخلوقاتُ النارِ- بلهيبِها كثرٌ منها مأخوذٌ بنداءِ الجاذبيةِ أو الخفّةِ/ باقتراحات التأملِ أو الحبور» حتى إنه يعمد إلى رسم لوحة تشكيلية بالكلمات داخل القصيدة: «كان حريًّا أن أكونَ نورسًا ويكونَ ظهرُكِ غيمةً بيضاء».
وإذ يتخذ هروب الخنيزي من الزمن الفيزيائي الراهن إلى الزمن الشعوري شكلًا آخر في طيف لحلم بديع نحو التاريخ والأساطير والأبطال الأسطوريين والضحايا الرومانسيين وشهداء الفكرة، فإنه يلتقي النزوعَ المعروفَ لدى شعراء الرومانسية الجديدة في شغفهم بالماضي بوصفه المشهد الروحي المثالي كما في قصيدة: «حلم آشوري»: «في المهد، دائمًا، يأتي الآشوريون هازئين من نومتي، وأنا هازئٌ من بواباتهم ومن مواكبهم الجهيمة، دائمًا». وأحيانًا يتجلى في صيحة خلاص بكابوس كافكوي أو حلم (رجيم) كما يسميه في قصيدة «افتراق»: «صحبةَ كافكا أغادركم، مبرقشًا بأسمائكم وبالأسوار. في مَهدي اللدود رأيتُ الصين تعِجُّ بالعالمين/ مخرتُ عُباب الحلم الرجيم/ والناس كُثْرٌ».
أحمد الملا: «قلق الكثبان»
منذ عنوان ديوان أحمد الملا «قلق الكثبان» ومنذ أولى قصائده «باتجاه الحيرة» يتماهى القلق بالحيرة، كناية عن المحنة في عالم من التيه، ويصبح المكان جغرافيًّا شاسعًا لذلك التيه، سواء كان مهدًا أو قبرًا، وسواء كان في (الأحساء) أو (هيوستن) حيث تدور معظم القصائد: «في الأحساء، تَكلّمَتْ نخلةٌ مُثابِرَةٌ في أحلامِي،/ سِدرةٌ خَبّأتْني في كَهْرَمَانِها،/ وأغْوَتْني في الظهيرةِ فِلقَةُ رُمّان./ لمّا جِئتُ هيوستن رأيتُ بعينينِ جاحظتينِ/ إلى أينَ امْتدَّ جَهلي بالأمل».
قلق وحيرة معبر عنهما بسؤال: من أنا في هذا المكان؟ حتى لو كان مكانًا حميمًا في دفء البيت وحميمية الأسرة أو محافل الأصدقاء؛ لأن المكان هو الحدث، وهو صورة مركبة من علاقات وتفاعلات وتصادمات بشرية، وهذا ما يغير سمات أي مكان. فالوجود الشخصي في المكان هو حالة وجودية، بمعنى أن توجد في مكان ما وتجمعك أسباب للعلاقة مع ذلك المكان. حتى إنْ تجلّت تلك العلاقة في حالة من التصادم أو النفي، فإن الشاعر محكوم بأن يوثق ذلك في مدونة جمالية مستنفرًا كل قوى الخيال الشخصي: «حظّي قليلٌ مع الناس حين يعرفونني جيدًا،/ لي حديقةُ أفكارٍ مهجورة؛/ يتراقصُ فيها جِنٌّ وأبالسة».
وعلى عكس اتجاه الخنيزي، نحو الأعالي، يعمد الملا إلى الغوص والبحث في الداخل عن عالم بديل، ليس بديلًا للعالم بأسره بل بديلًا للعالم الشخصي. وإذ رصدنا مع الخنيزي حالة بحث تبصري كوكبي، فيمكننا أن نشخص لدى أحمد الملا حالة تنقيب منجمي في باطن الأشياء، فهو يلتقط بعينيه صورة فوتوغرافية للتمظهرات الصغيرة المبذولة: المعاني المطروحة على قارعة الطريق على رأي الجاحظ، ويغوص فيها ويقلب احتمالاتها ببصيرة عابرة وبصور مكثفة ولغة تنحو إلى الإيجاز والجمل القصيرة المحكمة عكس الخنيزي حيث التدفق والتداعي في العبارات الذي يقارب الانثيال: «وها نحن ناقصين،/ يتلفّت كلّ واحد منا/ ويشكّ أن قمرًا بعين جاحظة،/ يحدّق في وحدته». وفي هذا الجو من انتهاك الفردانية تصبح حياته الشخصية نفسها خصمًا بل عدوًّا لدودًا: «تلك حياتي يا لَكثرتها يومَ هجمتُ».
المشترك بين المجموعتين مأزق الشاعر، متذمرًا بلا حلول مرة وتواقًا لبدائل مرة أخرى. إنه آخر من بقي من البشر يتذكر حياته في الفردوس قبل أن يُنفَى إلى هذه الأرض، وإنه أكثر البشر إحساسًا بوطأة البلاء الذي يحياه، منذ أول هبوط قسري لأبيه آدم. وهو الأكثر استشعارًا ببلاء اللعنة، لهذا يتوق لعلاقة أخرى مع السماء لتجديد تلك الصلة، مرة بهجاء الأرض ومن عليها، ومرة في النفور من بشرها، ومرة في تدبيج مدائح لمناقب العالم الآخر.
يصبح العالم كله منفى، ليس منفى مكانيًّا بل هو ملكوتي كوني منذ الخليقة، أو على الأقل منذ لحظة الولادة، ومنذ أول خطى بشرية على الأرض-المنفى: «نُفينا إلى هذا الكوكب/ وتبعنا شيطانٌ رضينا به/ وأرضعناه/ حتى اختفى فينا». وتصبح رحلة البحث عن حياة بديلة سلسلة إضاعات وهدر للحياة الأصلية: «ما أبحثُ عنه:/ أضعتُهُ من يدي مبكّرًا/ وأنفقتُ حياتي أفتّش عنه».
في مجموعتي (الخنيزي) و(الملا) سيرة محجبة وليست صريحة، فنحن نقرأ عن رأي الشاعرين في الحياة والعالم. لكننا لا نكاد نعثر على حياتهما أو عالمهما اليومي البسيط. صحيح أننا قد نجد ملامح سيرة في إيحاءات عبر مشاعره تجاه الآخرين وعلاقته مع ظواهر الحياة وموقفه إزاء العالم، لكنها تكاد تندرج في حقل التحليل النفسي لشخصية الشاعر وهي ظاهرة عامة، بينما تنحسر التفاصيل التي تفصح عن هوية الشخص اليومية ذات البنى العميقة. لا بد من التفريق هنا بين الذاتي والشخصي وهما حقلان لهما دراستان مختلفتان. عادة ما يكون المرئي محايدًا وعامًّا في الشعر، ثم يأتي الشاعر ليجعل منه شخصيًّا.
وإذا كان الخنيزي اتجه نحو الفضاء والمساحات المفتوحة والبرية بلا مقدماتٍ، فإن شعر الملا يحاول أولًا أن يعبر عن الضيق من خلال تجسيد مشكلته مع المساحات المغلقة: الغرف الضيقة والجدران والشوارع المكتظة. لكنه في النهاية يلتقيه في البحث حين يستذكر أنَّ للشاعر حياة وذكريات في مكان آخر: «كنتُ البدويَّ/ في الصمّان،/ والذِئبَ الجريح في الربعِ الخالي،/ بيني وبين النجوم،/ نَسَبٌ ورِفقةُ حُدَاء».
صالح زمانان: «ميثولوجيا مختصرة للفَزَع»
الفزع أحد أقدم المشاعر التي عرفها الإنسان، ولا يزال قرينًا له على مر العصور. إنه الأسطورة الخفية للأبطال، تراجيديا النفوس المكابرة. لهذا فسَّره الفلاسفة الوجوديون بأنه حافزٌ أساسي لاستنفار حيوية الإنسان. وصالح زمانان يميل للتفلسف، وينهل من الفكر الوجودي في ديوانه «ميثولوجيا مُختصرة للفَزَع». ثمة نزعة من عدمية وجودية وتشاؤمية تعبر عن واقع المأزق البشري وتتعلق بالقلق والموت والعزلة، وهو ما أضفى على عبارته الشعرية وتراكيبه اللغوية نبرة صائتة وخطابًا موتورًا وبناءً إيقاعيًّا للجملة بحيث جعلها تأتي أحيانًا موزونة في قصيدة نثر: «وقبيلةٌ من دودة القزِّ ماتت وهي تصنعُ ما تبقى من ثيابي».
كما يهتم بالحبكة: الحفاظ على البناء المحكم والمتصل للنص، وهو ما يشي بملامح واضحة لقصة داخل الشعر. فقصيدته ذات نزعة قصصية، ممسرحة أحيانًا عبر فواصل الأسطر وتعدد الأصوات ومحاولة خلق دراما موجزة كما في قصيدة «فوق جسر ونهر»، لكن بقليل من التقطيع الصوري والكسر المتعمَّد لسياق الجملة. هذا الاهتمام بالبناء وإن على حساب خلق الصور الشعرية أتاح له ميزة عن سابقيه؛ إذ نلمح إشارات لسيرة وتجربة تظهر لدى زمانان، كما في قصيدة «ذنوب بوكوفسكي». بيد أن عموم شعره بانوراما للعواطف والمشاعر والأفكار عن القحط الروحي. فالوجود محنة والمياه عطشى، والزمن وحيد منذ الأزل، منذ ميلاده، والفجر يلدُ ظهيرة عجوزًا، وصور البطل تكشف عن فرد طريد أعزل تائه، ومصير أبطال القضايا الخاسرة في الشرق يتلخص بين المنافي والمعتقلات، والمخيمات، وفي أحسن الأحوال في الحانات والمقاهي الرثة وسط غياب للصلات في عالم مغلق روحيًّا على الرغم من السيل الجارف من مظاهر خارجية عن التواصل.
إزاء هذا الكم الهائل من الأهوال لا نستطيع التفكير في خياراتنا في الحياة، علينا فقط أن نعيشها، حسب كيركغارد؛ لذلك جاء شعر زمانان أكثر فداحة وخيبة أمل من هذا العالم من أقرانه. فشخصياته منعزلة وهرمة (عزلة الرجل الكهل) وهي تجسيد واستعارة لقناع فني، بهدف إحداث انطباع واضح لدى الآخرين عن (آخرين)، وهو في الوقت نفسه حجاب لإخفاء الطبيعة الحقيقية لـ(الفرد) نفسه عن الآخرين، ويمنح القصيدة تأثيرًا متقطعًا يصور مشاعر المتحدث. «العزلةُ/ أن تكونَ طفلًا/ والعالمُ حفلةٌ/ لكبارِ السنّ!».
فالعزلة إذن اغتراب فردي وسط حشد غريب، وهو في الوقت نفسه تعبير عن انشقاق يتمثل في (الإمبراطور العاري وصرخة الطفل). وإذ يقوم البناء الموضوعي لقصيدته على ثيمة الفزع من العالم والمحنة في ليل كافكا، حيث الفراغ والعدم والمسوخ والمشرَّدون، فإن البناء الأسلوبي لقصيدة زمانان القصيرة يعتمد على الكلمة التي تقوم مقام الجملة، ويزهد في التجريد، ويستبدل الصورة بالفكرة /الصرخة. وهو ما خلق أجواء غنائيةً تصبح فيها النبرةُ أسلوبًا ومزاجًا شخصيًّا تجاه الآخرين: «خذوا كلَّ هذه المُدن/ وافسحوا طريقَ الهلاك» أو: «لا تَرْبُطُوا حصاني في الإسطبلاتِ/ اترُكُوهُ يهربْ صَوْبَ السُّفُوحِ البعيدةِ/ تفترسه الذئابُ/ ويموتُ معي/ أمتطِيهِ ونقطعُ العدمَ».
هذا النزوع نحو أَنْسَنة الأشياء وفداحة مصيرها المشابه لمصير الإنسان المعاصر تتلاحق تمثيلاته في قصائد الديوان: فصفير القطارات الحزينة على المنتحرين أمام عرباتها يكاد يشبه صهيل الخيول المحتضرة مع فرسانها. والفزاعة التي تتحول إلى صليب، والثيران المقتولة في حلبات التسلية، وقطيع الجواميس المهاجرة صوب الينابيع، لكنها تواجه مصيرها وتهلك من الظمأ لتصبح عظامها دليلًا في طريق هجرة أخرى لقطيع أو حشد بشريٍّ. وهكذا هي مصاير جميع التائهين وهكذا هي رحلة الشاعر في الحكاية الملحمية المأساوية التي تنتهي بـ(انتصار العدم) فلا يملك الشاعر سوى أن يبوح بفيض من المشاعر العفوية، ويحلم بانتحار شاعري! أو يعبر عن رهبة طفولية بدائية تجاه الأشياء والعالم. «كلما سَمِعْتُ القِطاراتُ/ صَمَمْتُ آذاني/ صوتُها لا يُزعجُني/ لكنَّ أولئكَ الذين انتحروا أمامها/ ما زالوا يَصرخونَ!».
تكتمل بانوراما الفزع لدى صالح زمانان في شبح الحرب التي تبدو كابوسًا أبديًّا في حياة الإنسان، كابوسًا يتجدد ويتغول كلما بدا الإنسان مدنيًّا في الظاهر: «كلُّ الأزمان تمضي/ إلا زمن الحرب».
محمد الحرز: «نواة لمواسم الغياب»
شعر محمد الحرز أقرب من أقرانه لشعر السيرة والتفاصيل. وإذا كانت قصائد صالح زمانان قد أظهرت ملامح لسيرة جوّانية من خلال المشاعر والأفكار، بما يمكن وصفه بسيرة ذهنية روحية، فإن الحرز يضع يديه على كل ما هو ملموس وعينيه على كل ما هو محسوس محاولًا استكشاف ما هو خفي أو كامن خلفها، ليعبر به عن طيفيَّة ذكرياته وضبابية أيامه في مساحة محدودة وعالم محدد من أمكنة وشخصيات تتحدث مباشرة بلسان الشاعر غالبًا، وبالمواربة خلف الآخر عبر ضمير الغائب أحيانًا أخرى، يعبر عن تفاصيل في المنزل والعائلة وذكريات الطفولة والتغييرات التي تطرأ على الحياة. لتكشف قصائدهُ عن مأزق هوية مزدوج: شخصي-فردي، وآخر اجتماعي-جماعي:
«كان لي في الصغر اسمٌ،/ لاحقًا أبدَلَهُ والدي باسمي الحالي./ لم أدركْ سببَ التغيير،/ ولم أحاول معرفة ذلك، لا من أبي أو أمي». حتى حين يحاول تجاوز ذلك المأزق بمحاولة توسيع مساحة الزمن الشخصي للحكاية فإن حصيلة التوسع تتكثف داخل السلالة نفسها: الأب والابن، نزولًا للحفيد وبالعكس. وما إن تتسع مساحة الحكاية أكثر قليلًا مجسدة في صورة الجماعة، ثم أكثر في صورة البلاد، حتى تصبح بئرًا تحيل رمزيتها إلى بئر يوسف: «ولأن الماء الذي تفجّر من صخرة حياتك/ هو أيضًا لم يلتفت/ ثبّتْ قدميك على الأرض/ ولا تثر غبار الحيرة في وجهك».
قد لا يغيّر الشعر المكتوب عن الحياة الشخصية تلك الحياة فعلًا، لكنه يحتجّ على مكابداتها بتوصيفها، ويحتفل بذكرياتها أو يؤبِّنها، ويمدحها أو يهجوها، لكن الأمر يتطلب مزيدًا من الجرأة على الاعتراف وتحريض ما هو مكبوت ليكون مكتوبًا أو متدفقًا بحرية: «لستُ جريئًا بما يكفي/ لأفتحَ الحنفية عن آخرِها/ وأتركَ مياه غيابك/ تتدفق في حوضِ حياتي/ بالكامل».
بيد أن الشاعر ليس مقدم نشرة أخبار عن حياته اليومية أو الظاهرية، بل مهمته الغوص في أنفاق الباطن ومناجمه. قصائد الحرز على الرغم من حميميتها تنطوي على قدر من التشاؤم منذ العنوان فهو يزرع أو يخبئ «نواة لموسم الغياب». إضافة لما يحمله العنوان من مفارقة سوداء، ثمة مسحة تشاؤمية، لكنَّها أقل عدمية مما لدى صالح زمانان، فهو يبوح بها بشفافية أكثر، ونبرة أهدأ، بالنزوع إلى نوع من الغنائية الحداثية. أقول الحداثية لأن مفهوم الغنائية الكلاسيكية تغير، وصارت له سمات مختلفة في شعر الحداثة. فلم يعد الأمر يتعلق بشكل مقفَّى، بل بمستوى النبرة وطبيعة البناء القائم على تدخل الأصوات، ولا سيما ضمير المتكلم للتعبير عن التجربة الشخصية، أو التذمر من المكابدات في زمن صعب وعالم مشحون بالقسوة، حتى إنها تقترب أحيانًا من كونها انكفاءً نحو حوار داخلي، ولو كان الحيز ضيقًا وعالمه محدودًا، وتفاصيله اليومية شحيحة، فإنه يعمد إلى محايثة سيرته الشخصية بسيرة خارجية (قصيدة: سيرة ذاتية للطريق):
«في هذه الطريق التي أقطعها بين منزلي والعمل/ عشر سنوات انفرطت كاللآلئ من عقد أيامي».
القسم الثاني من المجموعة يتكون من 22 قصيدة قصيرة، أو بالأحرى (أقصر)، ذات أسطر ثلاثة أو أربعة، فيصبح تكثيف العبارة فيها أقرب للتقطير. تقطير عبر المفردة يشبه سقوط قطرات مطر في أول الغيث على سطح معدني بإيقاع متباعد. ثم تأتي المفارقة البلاغية لخلق التوتر فيتغير المعنى، عندما توضع الكلمات فيما يتعلق ببعضها الآخر. وإذ «لا أفكار إلا في الأشياء»، بحسب عبارة ويليام كارلوس ويليامز الأثيرة، فلا بد أن تأتي الكلمات بقدر الأفكار، لتصبح الفكرة صورة مرئية بأقلِّ عدد من الكمات. إنها بساطة لا ينقصها العمق، تحمل سخرية سوداء أو فكاهة صرفًا، أو دهشة أو صدمة، وتورية في المعاني. إنها استعارة لبيت القصيد في الشعر العربي: «تمهل أيها الحطاب/ لم أبصر في حياتي شجرة/ تركض خوفًا من الفأس!».
والواقع أن بنية المفارقة أساسية في الشعر عمومًا، لكنها شاعتْ مؤخرًا في القصائد القصارـ على نحو تأليفي قصدي. وعمومًا فإن نفَس الحرز نفَسٌ قصير شكليًّا لكنه ينفث أنفاسًا لاهبة ومكثفة تعكس الضيق النفسي والاحتقان الداخلي؛ بسبب أهوال العالم الخارجي للألفية الثالثة الصادمة.
أنطولوجيا «رمالٌ تركضُ بالوقت»
من شعرية الذاكرة إلى شعرية الترجمة
رشيد حجيرة – شاعر وناقد مغربي
على سبيل التقديم
أخذت، مع نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الذي يليه، شبكة الشعر السعودي المعاصر تتشكل وتتوسع، وفق نظام بنية بلورية مؤلف من خلايا شعرية صغيرة مُشكَّلة ومرتبة بطريقة قابلة للانفلاق. وقد اقترن هذا الإبدال الذي مس بناء القصيدة الجديدة بتجذير اختيار الحداثة عند شعراء سعوديين طلائعيين استطاعوا بوعي نظري وجرأة فنية أن يعيدوا النظر في مجموعة من المسلمات والتصورات والأشكال القبلية التي ظلت متحكمة في الذائقة الجمالية، ومترسخة في المتخيل العام؛ مما منح القصيدة السعودية الحديثة مكانة معتبرة، خولت لها تثبيت المكتسبات وتطوير الاقتراحات، بناءً على معرفة شعرية حديثة في زمن جديد.
من هذا المنظور، أصبح الشعر السعودي الجديد مختبرًا لرؤى تفعل في المتخيل العام، ومشتلًا لإنتاج أعمال وأعلام مهيأة بأسئلتها ورهاناتها للاندماج في الحركة الشعرية العالمية. ومن تجليات هذا الانخراط، الديناميكية غير المسبوقة التي يعرفها المشهد الشعري السعودي على الأصعدة كافة، ومشاركة ثلة من الشعراء السعوديين في مهرجانات شعرية دولية، وما واكبه من ظهور ترجمات فردية لدواوين من الشعر السعودي المعاصر إلى لغات أجنبية، هذا فضلًا عن إصدار أنطولوجيات شعرية دولية بلسانين، كما هو الشأن بالنسبة لــ«رمال تركض بالوقت»، الصادرة عن دار النشر آل دانتي، سنة 2021م، التي انتقى قصائدها بعناية لافتة الشاعر والناقد عبدالله السفر، وترجمها إلى لغة موليير، بحساسية فائقة، الشاعر والمترجم التونسي معز ماجد.
أنطولوجيا في ضيافة اللغة الفرنسية
ضمت أول أنطولوجيا دولية للشعر السعودي الجديد مترجمًا إلى اللغة الفرنسية، عينة من الشعراء الذين يساهمون كأفراد لا كجماعات، وكأصوات لا ككورالات، في صناعة مشهد الحداثة الشعرية في المملكة العربية السعودية. وهي ميزة تجعلنا لا نتردد في القول: إن هذا الديوان سيكون له، بلا ريب، دور في إعادة قراءة الشعر السعودي في سياقه المحلي والجهوي والعربي والدولي. وقد اعتمد عبدالله السفر الفهرست الأبجدي الحيادي في ترتيبه أسماء الشعراء المشاركين في الأنطولوجيا، ولم يلجأ إلى المعيار الزمني، ما دام الناظم الأكبر لحداثة القصيدة السعودية هو الحرية. وهو ما صرح به في تقديمه للعمل، فلنترك له الكلام:
«تظهر كل بضع سنوات أسماء جديدة تلتحم بأسماء سبقتها ولكن تجتمع معها على قصيدة جديدة لا تكف عن التطوّر متخفّفة من المعايير والنماذج ومن المسطرة النقدية، وبات عنوانها الحرية، يستوي في هذه تلك الأسماء التي تنتمي جيليًّا إلى التسعينيات أو إلى ما بعدها من جيل العشريّة الأولى والثانية». هكذا، وبضربة أبجدية، افتتحت الشاعرة أبرار سعيد -التي تريد أن تكون مركز هذا الدوار وغيابه العميق- الأنطولوجيا، ليختمه الشاعر ياسر العتيبي بقصيدة «أحيانًا تسقط متعبة».
وما بين ألف وياء تجاورت أصوات نخبة من الشواعر والشعراء. كلٌّ بــ«صوته الشخصي الذي يؤشر على خصوصية تجربة رغم الانتماء إلى الفضاء نفسه». وعبر خمسة وثمانين نصًّا شعريًّا أو يزيد، يسافر بنا هذا العمل في رحلة ماتعة عبر متخيلات سابحة لثلاثة وأربعين شاعرًا، لا يلتفتون قطُّ إلى الوراء ولا يتلكؤون في التقدم صوب حريتهم عبر مسالك فردية وغير مطروقة بحثًا عن كتابة شعرية جديدة في الرؤية والإنجاز على السواء، تجريبًا وتجديدًا في آن معًا، من أجل إبداع يقيم في المستقبل، حيث ريح القلق ترج شجرة الأنساب الشعرية، وماء المحو يطمس بلا هوادة مرجعياتها السالفة أو المتاخمة، كي يفتح دومًا ما تغلقه الدائرة. ذلك أن «الشعر لم ينطق بحقيقة محتجزة في الماضي البشري، بما هو زمن لحياة تكاد تتحول إلى مادة تستهوي أصحاب المتاحف». بل إنه إمكان تخييلي لغوي وإيقاعي نابع من مكابدات جمالية ووجودية صقلتها الدربة والتجربة معًا كي يصير نشيد الإنسانية الأول ومستودع أسرارها الأكبر.
من هذه الزاوية يمكن الدنو من أنطولوجيا «رمال تركض بالوقت»، بوصفها اقتراحًا جماليًّا مغايرًا ومغامرًا تتواشج عند تخوم نصوصها أسئلة الذات والآخر، وتتداخل عند مضايقها أجناس وأشكال شعرية، مما يؤشر على أن انفتاح القصيدة السعودية الجديدة على غيبها هو الانفتاح ذاته على سؤالها الحيوي الذي به يخط الشاعر إمضاءه الشخصي. فــ«في الشعر كان الناس، على الدوام، يحسون بكوْن ينشأ ولا ينتهي، متكلمًا بأسرار كل مرة يتسابقون نحوها فلا يصلون. تلك كانت طريقة الشعراء الأساسيين، في لغات وحضارات، وهم ينقلون الكلام البشري إلى مرتبة النشيد الأصفى، المتفرد واللامقارن. من نفَس إلى نفَس».
احتمالات القراءة
تختزن أنطولوجيا «رمال تركض بالوقت» أضلاعًا متعددة، وهي بهذه الخاصية تمنح القراءةَ زوايا نظر مختلفة. لكننا، في هذه الدراسة، سنسلط الضوء على محور الترجمة والحداثة بأضلاعه المُشكَّلة؛ لسببين بارزين: أولهما صدور العمل بلسانين عربي-فرنسي، وثانيهما الأثر الجلي للترجمة في حداثة منجزه النصي.
المجاورة بين اللسانين
كانت الترجمة، ولا تزال، جسرًا يصل بين حضارات الأمم، ورافدًا يغني الفكر ويجدد الأنساق لإنماء صرح الهويات بعيدًا من أوهام الأصل وأعطال الانسداد. فهي ليست عملًا غفلًا أو محايدًا يتوقف فعله وفائدته عند حد النقل من لغة مصدر إلى لغة هدف. بل اختيارًا حداثيًّا تؤطره رؤية إستراتيجية تنموية تتصل بالترجمة ورهاناتها والتحديث وآفاقه. وضمن هذا التصور الحضاري الشمولي، وفي صلبه يندرج مشروع الأنطولوجيا الدولية للشعر المعاصر السعودي.
وترجمة الشعر من القضايا الأكثر إثارة للجدال منذ القدم. وبين موقف رافض عدّها مهمة مستحيلة وآخر مؤيد قدَّر أنها صَنعة ممكنة، أنجز المترجم معز ماجد عمله من دون أن يلتفت إلى الجلبة. ولعل ما أهله للقيام بترجمة تُباري الأصل، شاعريته وتجاربه الشخصية السابقة في ترجمة دواوين شعراء تضمهم الأنطولوجيا؛ كفايات أهلته لنقل الكلام الشعري باللسان العربي إلى اللسان الفرنسي، موالفًا بين شكل القصيدة ومحتواها، وبين صورها وتراكيبها. وهو بهذا المجهود، أبطل قولة الجاحظ المشهورة حول استحالة ترجمة الشعر، وأنجز المُتعذّر محافظًا للقصيدة على مائها ورونقها، مانحًا إياها جسر عبور إلى لغة أجنبية تمتد سلطتها إلى ثقافات متنوعة.
وقد هيأ لنا إصدار الأنطولوجيا في طبعة مزدوجة عربية-فرنسية كقراء مفترضين، موجبًا لقراءة نصوص الأنطولوجيا الصادرة بلسانين بطريقة مغايرة، فنُلقي نظرة ذات اليمين وذات الشمال، لمعرفة الأصل وتفقد مآلاته. يقول أمبرتو إيكو في هذا السياق: «عندما أقرأ ترجمة شاعر أساسي لقصيدة شاعر أساسي آخر، فلأنني أعرف الأصل وأريد أن أعرف كيف آلت القصيدة عند الشاعر المترجِم». إن هذه النظرة المضاعفة، تتيح لنا إمكانية العبور ذهابًا وإيابًا بين ثقافتين متباينتين، فيما هي تسمح، أيضًا، بالإقامة في غيب لغتنا العربية وعبقريتها، والضيافة في رمزية اللغة الفرنسية وإيحاءاتها. و«على هذا النحو تبدو المنشورات مزدوجة اللغة، لا نشرًا للنص ولا نشرًا لترجمته، وإنما نشرًا لحركة انتقال لا تنتهي بين (أصل) ونسخ. فهي إذن لا تتوجه نحو قارئ لا يحسن اللغة الأصل، ولا نحو ذلك الذي يجهلها، وإنما نحو قارئ يفترض فيه لا أقول إتقان، وإنما على الأقل استعمال لغتين يكون مدعوًّا لأن يقرأ النص بينهما، قارئ لا ينشغل بمدى تطابق النسخة مع الأصل، وإنما قارئ مهموم بإذكاء حدة الاختلاف حتى بين ما بدا متطابقًا، قارئ غير مولع بخلق القرابة، وإنما بتكريس الغرابة، قارئ يبذل جهده لأن يولّد نصًّا ثالثًا بعقد قران بين النصين وبين اللغتين».
وبلا ريب، يمكن أن يحقق الإقدام على ترجمة مختارات من الشعر السعودي الجديد إلى اللغة الفرنسية، على الأقل، غايتين اثنتين؛ أما الأولى فتراهن على التعريف براهن الشعرية السعودية، بملكاتها وقوالبها، وبمتخيلاتها وجمالياتها. وفك العزلة عن قصائد شعرائها وتوسيع أفق تلقيها في مغارب جديدة؛ إنها تأشيرة عبور مفتوحة ليس إلى الثقافة الفرنسية فقط، بل إلى الثقافة الفرنكوفونية ككل. ولعلها فرصة سانحة لتشييد حوار بين الشعرية السعودية بعمقها العربي ونظيرتها الفرنسية بامتدادها الفرنكوفوني. أما الغاية الثانية فتتمثل في إخصاب تجربة شعراء الأنطولوجيا بقراءات قادمة من ضفاف أخرى، تخول لنصوصهم الخروج من ضيق المحلية ومعانقة رحابة الكونية، والانخراط بالتالي في تشكيل ديوان الشعر العالمي.
الترجمة وحداثة الخطاب الشعري للأنطولوجيا
تنتمي نصوص الأنطولوجيا الشعرية «رمال تركض بالوقت» إلى مناخ الحداثة؛ فقد جاءت حاملة لكثير من خصائصها. فبسبب حركية الترجمة، واطلاع الشاعر السعودي المعاصر وتفاعله مع ما يَعتمل في الغرب من تيارات ورؤى وتصورات، وما يموج فيه من أفكار ومذاهب ونظريات، تتصل بالشعر وعوالمه، تغيرت قوانين بناء القصيدة السعودية المعاصرة، ووقعت إبدالات جوهرية في بنياتها. فقد وجد الشعراء، الذين ضمتهم الأنطولوجيا، في تجارب شعرية تنتمي إلى سلالات مغايرة، ما يوافق سؤال زمنهم الشعري، ويتجاوب مع طموحاتهم، كلٌّ وفق تمثلاته، في كتابة قصيدة حديثة تنفصل عن مرجعية الشعرية العربية القديمة، وتنفصل في بنائها ومتخيلها عن سلطتها.
لهذا السبب، نعثر في التقديم المُركز الذي أعده عبدالله السفر، للتعريف بشعراء الأنطولوجيا وأعمالهم، على حركة نشيطة للترجمة الأدبية، باشرها ثلة من شعراء الأنطولوجيا، ذهابًا وإيابًا بين اللغة العربية واللغات العالمية، التي امتدت لتشمل أجناسًا أخرى غير جنس الشعر، حيث كانت حصة الرواية من الترجمة معتبرة.
وهذا المعطى إن كان يسمح للملاحظة العابرة أن تتفطن إلى الإغواء الذي يمارسه هذا الجنس الأدبي على الشاعر السعودي المعاصر، فإنه لا ينبغي أن يحجب عن العين الفاحصة ظاهرة انصهار المكونات السردية داخل بنية الخطاب الشعري للأنطولوجيا، وهو مشروع قراءة محتملة ومرجأة معًا، للبحث في طبيعة العلاقة بين الشعري والسردي وأشكال تحققه وتجلياته في متنها.
وفضلًا عن ترجمة أعمال روائية، ترجم أحمد العلي منتخبات من أعمال الشاعرة نعومي شهاب ناي تحت عنوان «صندوق الموسيقا»، و«أصوات الطبول البعيدة» وهي منتخبات لأشعار صوفية. كما ترجم الشاعر شريف بقنة إلى العربية: مختارات من الشعر الأميركي، وانتخب أيضًا من الشعر العالمي مئة قصيدة ونقلها إلى العربية، وعنونها بــ«بعد أن وُلدتُ حبسوني داخلي». إضافة لترجمته أشعار دريك والكُت الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1992م. وفي المنحى نفسه، ترجم عبدالله حمدان الناصر إلى العربية: «ملك الفجوات» وهي شذرات للشاعر «فيرناندو بيسوا» وهو واحد من أعظم الرموز الشعرية في البرتغال، والعالم بأسره.
إيقاع الذات بصيغة المشترك الجمعي
كانت الترجمات الشعرية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية منهلًا ثقافيًّا لشعراء الأنطولوجيا. وأدى اطلاعهم على نماذج منها، أوربية وغير أوربية، إلى حصول انعطافة حاسمة غيرت قواعد اللعبة النصية رأسًا على عقب. كما أسهم إتقانهم للغاتٍ عالمية في تحديث القصيدة السعودية المعاصرة، التي عملت على تطوير ملكاتها وتجديد قوالبها عبر ضخ روح جديدة في لغتها، التي إن حافظت على معجمها ونحوها وصرفها العربي فإنها أبدلت بنيتها. في هذا السياق نلحظ إيغال نصوص الأنطولوجيا في همومها الذاتية بوعي شعري حصيف، ينأى بها عن كورال الذاكرة وصوت الجماعة، فيما هو يحصنها من فجاجة الفرد، وفق حساسية مفرطة في قلقها، تصيخ السمع للذات بما هو إصغاء للجمعي وللتاريخي معًا، كما ينبهنا إلى ذلك هنري ميشونيك.
وبناء على هذه الرؤية تطفو على سطح المشترك النصي ثيمات الألم والتيه والقلق والموت واللعب والخسران، والحزن والسخرية… التي تُكثَّف دوالها بصورة مشعة تمنح القصيدة صفة الدمغة الذاتية، كما نقرأ مثلًا في رثاء شريف بقنة لابنه في قصيدة «رحلت ترتدي النهار»، أو في قصيدة غسان الخنيزي «ضياعُ النظرة في يومٍ غائم»، التي نقتطف من أجوائها هذه الأبيات للتدليل على ما ذهبنا إليه. يكتب:
«المشوارُ الذي يأخذُني كلَّ يومٍ/ لحظةَ ترين ضياعَ نظرتي، أكون هاربًا من غيابِهِم المزمن/ لأنهم يموتون كلّ لحظةِ تَذَكُّر/ فيلطّخُني وجعُهُم، وأنينُهُم،/ وضِيقُ نفَسِهِم، وغيبوبتُهُم».
الترجمة وهجرة الأجناس الشعرية
نصادف في الأنطولوجيا أشكالًا شعرية عدة وافدة من ديوان الشعر العالمي، الذي أفاد منه شعراؤها، ونهلوا من مرجعياته المتنوعة، فأبدعوا نصوصًا بملكة لسانية عربية وقوالب غربية. وهو إبدال في النظر إلى الجنس الشعري، انتقل به الشاعر السعودي الجديد من بنية «قصيدة التفعيلة» إلى بنيات «الكتابة الشعرية المفتوحة»، بعد أن تحول شعر أوربا وغير أوربا، بأعلامه وأعماله، وأشكاله ورؤاه، إلى محدد مركزي للنظر في بناء القصيدة السعودية المعاصرة كما لحداثتها، التي عثرت في نظيرتها الغربية على ما ينمي رغبتها في الانتماء إلى فكرة شعرية كونية.
وقد عملت الترجمة بطابعها الحيوي على تحقيق هذه الرغبة، عبر تأمين هجرة أجناس شعرية، استقبلها شعراء الأنطولوجيا في ثقافتهم ولغتهم وقصيدتهم، فصهروا ما استقوه ضمن إطار إنساني، يوازن بين الذات والآخر. في هذا السياق، نلحظ انخراطًا غير مشروط لشعراء الأنطولوجيا في كتابة قصيدة نثر مائزة، وانجذابًا إلى قصيدة الهايكو والنص-الشذرة.
قصيدة النثر
تُبدي أنطولوجيا «رمال تركض بالوقت» شغفًا كبيرًا بقصيدة النثر، بل لعلها رهانها الأكبر. حيث يبدو العمل كأنه كتاب جينوم شعري يؤرخ لسيرة هذا الجنس في المملكة، وهو يصاغ بأيادٍ كثيرة ويرفد بمتخيلات عدة تمتح من تجارب ورؤى متنوعة. وقد وُفِّق الشاعر والناقد عبدالله السفر إلى حد كبير في اختيار الشعراء وانتخاب نصوصهم، فجعل من قصيدة النثر الخيط الناظم بين الأجيال والتجارب في الأنطولوجيا.
فابتداء من الشاعرة فوزية أبو خالد- التي يُعَدّ ديوانها الأول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس»، الصادر عن دار العودة ببيروت، وللمكان رمزيته، في سبعينيات القرن المنصرم، وشمة دالة في مسار قصيدة النثر السعودية- ومرورًا بقامات شعرية سامقة من نظير أحمد كتوعة وأحمد الملا ومحمد الدميني وعلي العمري وإبراهيم الحسين وغيرهم، وانتهاء بعبدالله المحسن أصغر شاعر عمرًا ضمن القائمة، يبدو هذا الجنس الشعري كأنه يتجدد ويأخذ كامل زينته عند كل شاعر بشكل مدهش ومختلف؛ مما يدل على الزخم الذي عرفه ويشهده، بعدما أصبحت الشعرية السعودية الجديدة مختبرًا لتجاربه التي تبلغ ذروة نضجها في الأنطولوجيا مع نصوص كثيرة، من بينها: «الوغد»، و«الكنوز لا تُدفن في الهواء» لعلي العمري، و«أيامٌ لم يدّخرْها أحد» لمحمد الدميني، و«صدفة» لإبراهيم الحسين، التي ننتخب من أجوائها هذا المقطع المتفرد. ومما جاء فيه:
«صدفة أن نصحو، وصدفة أن نحلم، أن نعثر على أيدينا بعد النوم، وأن نتأكد من أن يدًا لم تمتد إليها، تسرقها، أو تخفيها.. الصدفة نُضْجُ السعي إليها، امتلاء الآخر بك، امتلاؤك بهذا الآخر، حدَّ عدم الاحتمال، حتى يصير حتمًا بلوغُ الصدفة، فالصدفة بلوغ إذن».
قصيدة الهايكو
يذهب العديد من الدارسين إلى أن مفهوم البيت الواحد في الشعرية العربية القديمة، يمكن أن يقابل قصيدة الهايكو في الشعرية اليابانية، فكلاهما يتواطآن على بلاغة الإيجاز والإيحاء. وعلى الرغم من كون شعر الهايكو ياباني المنشأ، فقد أصبح اليوم يكتب بمختلف لغات العالم. ولا يخرج المشهد الشعري السعودي المعاصر عن هذه القاعدة، فقد نظمت ندوات حول أصوله وسماته الفنية وامتداداته في الحقل الشعري السعودي. كما تصدى شعراء لترجمة منتخبات لأبرز شعراء الهايكو إلى اللغة العربية. في هذا السياق ترجم الشاعر حسن الصلهبي مختارات من هذا الجنس، وجمعها في ديوان «صوت الماء»، صدر عن مجلة الفيصل سنة 2016م. ومن بين شعراء الأنطولوجيا الذين أبدعوا في هذا الجنس نهجًا وتقنية، يمكن أن نمثل بالومضة الثالثة من قصيدة «ومضات» للشاعر محمد السعدي:
«العصافير التي في العينين/ خضراءُ/ وتشبه الحنين».
وبنموذج آخر للشاعرة هيفاء العيد، حيث تكتب: «ليست بريئة، ريح عبرت/ فتعرى على إثرها الشجر».
ويبدو أن الشاعرين معًا، من خلال هذين النموذجين، قد وُفقا إلى حد كبير في تمثل خصائص قصيدة الهايكو بوصفها قصيدة قصيرة مركزة مكونة من مقاطع صوتية معينة منتظمة في ثلاثة أبيات شعرية، وتتضمن كلمة موسمية موحية إلى أحد فصول السنة، تعكس إحساسًا مستلهمًا من الطبيعة وتناغم الشاعر معها.
القصيدة – الشذرة
تختلف الكتابة الشذرية عن بقية الأشكال الشعرية الأخرى، حيث يتأسس تشكيلها على الومضة بلغة متصدعة وبديعة، كأنها لطخة مائعة تنشأ مكتملة من دون شوائب، أو حاجة إلى تنقيح. والشذرة هي ثمرة تأمل عميق، كنهه إصغاءُ قلبٍ ويقظةُ حواسٍ بشكل لافت ومستديم لهسيس الكون. وآلتها لغة منفجرة من فرط تداعي صور شعرية كثيفة. وهي بمتخيلها الجامح وشاعريتها المتشظية تنأى بنفسها عن أن تكون حكمة أو موعظة.
وقد هاجر نمط الكتابة الشذرية إلى المتن الشعري السعودي عن طريق الترجمة التي جعلت الضيافة ممكنة بين شعراء عالميين تميزوا في هذا الأسلوب، من بينهم: مالكوم دو شازال وآلان بوسكيه وأنطونيو بورشيا وشعراء الحساسية الجديدة في السعودية، ومن بينهم الشاعر زياد السالم، الذي ننتخب الشذرة 19 من شذراته للتمثيل على ما ذهبنا إليه، حيث يكتب:
«إذا استقر اليقين فلا رؤية معه. اليقينُ أعمى».
على سبيل الختم
ينبغي التنويه، في ختام هذه القراءة العاشقة، بالدعم الذي حظيت به أنطولوجيا «رمال تركض بالوقت»، غير المسبوقة محليًّا وجهويًّا وإقليميًّا، من مركز «إثراء». فقد التفتت هذه المؤسسة، إلى أن تجديد الأدب السعودي عامة والشعري منه على وجه الخصوص، لا يمكن أن ينجز في دائرة منغلقة على ذاتها، بل يتحقق من خلال التفاعل مع التجارب الحضارية للأمم الأخرى، بواسطة الترجمة التي تنقلنا من بنية الاتصال إلى بنية الانفصال، كي نقف على المتشظي الذي نحدس أنه متماسك، وعلى الغريب الذي نخمن أنه مألوف، وحيث المقصد يتجاوز المطابقة إلى الاختلاف، والوحدة إلى التعدد في توافق مع الذاكرة المشتركة والإرث التاريخي الضارب في الجغرافية.
إن إيلاء العناية لترجمة أعمال نخبة من الشعراء المعاصرين إلى اللغة الفرنسية، فضلًا عن كونه أمرًا حيويًّا لإشعاع الذات وتحققها في الفضاء الإنساني، فهو استثمار في مكون من مكونات الرأسمال اللامادي للهوية الوطنية؛ لأن «علامة المملكة العربية السعودية» لا يمكن اختزالها فقط في مكون ديني أو اقتصادي أو سياسي، إلخ، بل يرفدها الأدب السعودي المترجَم أيضًا. وهذه الأنطولوجيا بصبغتها الفسيفسائية كفيلةٌ، في آن واحد، أن تقدم صورة ناصعة عن الوجدان السعودي ومتخيلاته في بهائه وتفرده إلى لغات أخرى، وبتجذير الانتماء الكوني لشعره المعاصر في ديوان الشعر العالمي بما هو نشيد الإنسانية.
المراجع:
– محمد بنيس، الحق في الشعر، دار توبقال للنشر، المغرب، 2007م.
– عبدالله السفر، الأنطولوجيا الدولية للشعر السعودي: رمال تركض بالوقت، دار النشر آل دانتي، فرنسا، 2021م.
– عبدالسلام بنعبد العالي، الفلسفة أداة للحوار، دار توبقال للنشر، البيضاء، 2011م.
– Abdullah Alsafar, Dans les galops du sable, Anthologie de poésie saoudienne contemporaine, Poèmes, Traduit de l’arabe par Moëz Majed, les presses du réel al Dante poésie,2021.
– Henri, Meschonnic, Critique du rythme, Verdier, Paris, 1982.
– Umberto, Eco, Dire presque la même chose, Expériences de traduction, Grasset, Tr. Française, Paris,2006.
المنشورات ذات الصلة
الدورة 14 من مهرجان المسرح الخليجي تتحول إلى عرس ثقافي
نجحت هيئة المسرح والفنون الأدائية إلى حد كبير، في تنظيم الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح الخليجي، التي أقيمت في...
0 تعليق