كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
في حفلة تكريم الفائزين
خالد الفيصل: جائزة الملك فيصل شقت طريقها بين جوائز العالم وتبوأت مكانة مرموقة
برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كرّم أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر، الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية دورة عام 2022م. وفي حفلة الجائزة ألقى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل كلمة، قال فيها: «قامت مؤسسة الملك فيصل الخيرية بإنشاء هذه الجائزة، التي تمثل القيم التي آمن بها الملك فيصل، رحمه الله؛ إذ كان محبًّا للعلم، مكرمًا للعلماء، عارفًا لهم فضلهم في تقدُّم الأمم والشعوب. وكانت قناعته الراسخة أن نهضة شعبه وأمته لن تكون إلا على أساس من العلم الملتزم بقيم الإسلام وتعاليمه، وتأتي غايات الجائزة ومقاصدها بهذا المنظور الإنساني الشامل؛ لأنها تصدر من أرض الرسالة السماوية الخاتمة، ومَهْوَى أفئدة المسلمين في جميع أصقاع العالم، ومن دولة أُسِّست على نهج هذه الرسالة، واحتكمت إليها، وهذا ما يُكسب الجائزة منزلتها العظيمة بين الجوائز».
وأكد الفيصل أن جائزة الملك فيصل «شقت طريقها بين جوائز العالم وتبوأت مكانة مرموقة. ولعل أكثر ما تفخر به هذه الجائزة هو اعتراف الجميع بحيادها، وعدم التأثر بالمشاعر الشخصية، أو تأثير التيارات السياسية والفكرية من جميع أنحاء العالم».
عقب ذلك أعلن أمين عام الجائزة الدكتور عبدالعزيز السبيل، أسماء الفائزين، وهم سبع شخصيات من العلماء في مجالاتهم، وممن أثروا المعرفة الإنسانية، بفكرهم وبحوثهم في مجالات خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم، وتضمن الحفل عرضًا لفِلْم تسجيلي قصير عن سيرة كل فائز.
وكانت جائزة خدمة الإسلام هذا العام مناصفة بين الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا، علي حسن مويني، وذلك لقيادته الحكيمة لبلاده، وتأسيس الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، واهتمامه بالمسلمين والرفع من مستواهم التعليمي والاجتماعي، والعمل على بث روح التسامح الديني في المجتمع، وتقديمه أنموذجًا ناجحًا في توجيه بلاده نحو الإصلاح، وتسلم الجائزة نيابة عنه، ابنه الدكتور عبدالله مويني، وبين الأستاذ الدكتور حسن محمود الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية، إذ مُنِحَ الجائزة لخدمته العلوم الإسلامية تدريسًا وتأليفًا وتحقيقًا، وإسهامه في تأسيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، إلى جانب جهوده المميزة في خدمة اللغة العربية. وفي كلمته ذكر الشافعي أنه وهب قيمة جائزته لوقف البحوث والدراسات الإسلامية في القاهرة، وأنه نذر ثواب ذلك للملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله.
أما جائزة اللغة العربية والأدب، التي كان موضوعها: دراسات الأدب العربي باللغة الإنجليزية، فكانت مناصفة أيضًا بين البروفيسورة سوزان ستيتكيفيتش، الأستاذة في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك لامتلاكها مشروعًا نقديًّا علميًّا تمثل في بحوثها حول القصيدة العربية في عصورها المتعاقبة، وتميزها في قراءة النص الشعري في سياق نظري محكم، ومحاولة تجديد المنظور النقدي للقصيدة العربية الكلاسيكية.
الفائز الثاني في فرع اللغة العربية والأدب البروفيسور محسن جاسم الموسوي، الأستاذ في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأميركية، ومُنِحَ الجائزة لجهوده في دراسة النثر العربي القديم والحديث، وتميز دراساته بمعرفة واسعة بالنظريات النقدية، وانفتاحه على النص الإبداعي العربي والعالمي؛ إذ أضحى منظوره النقدي جسرًا متينًا بين الثقافتين العربية والغربية، وفي كلمته ذكر الموسوي أن «جائزة الملك فيصل هي احتفاءٌ كبيرٌ بالثقافة العربية، وبثقافتنا داخل الثقافات العالمية في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا».
أما جائزة الطب، التي كان موضوعها: تقنيات تعديل الجينات، فقد فاز بها البروفيسور ديفيد روشيان لو، الأستاذ في جامعة هارفارد؛ وذلك لإسهاماته الفاعلة في تطوير ميكانيكية التعديل الجيني التي مثّلت ثورةً علمية كبيرة، حيث يعدّ تطويره لتقنيات التعديل القاعدي والتحرير الأوليّ إنجازًا متميزًا في تطوير هذه التقنيات لتصبح أكثر دقةً وتطويعًا في التطبيقات الطبية. والبروفيسور لو أوضح في كلمته أن اختيار لجنة الجائزة للتصحيح الجيني محورًا لفرع الطب ضمن جائزة الملك فيصل لعام 2022م «تذكير قوي بأن عصر تصحيح الأنظمة الجينية البشرية قد انطلق فعليًّا، وأن الإنسانية قد اتخذت الخطوات الأولى باتجاه تحرير أنفسنا وأطفالنا من قيد الاختلالات التي تشوب حمضنا النووي».
أما جائزة العلوم، التي كان موضوعها: الرياضيات، فقد فاز بها البروفيسور مارتن هايرر، الأستاذ في إمبريال كولدج بلندن، وذلك لتميز أعماله في استحداث طرقٍ مبتكرة في تحليل المعادلات التفاضلية العشوائية، والوصول إلى منظورٍ جديد في مجال الأنظمة العشوائية اللامتناهية، وشارك هايرر في الفوز بهذا الفرع؛ البروفيسور نادر المصمودي، الأستاذ في جامعة نيويورك، وذلك لجهوده المتميزة في تحليل المعادلات غير الخطية التفاضلية والجزئية، وإسهاماته البارزة في النظريات الرياضية لديناميكيات الموائع. البروفيسور المصمودي قال في كلمته: «إن الأبحاث التي من أجلها أكرمتموني بهذه الجائزة تتعلق بحالات الاستقرار في حركة السوائل، أنا الآن بصدد إيجاد تطبيقات لها في دراسة حركة المرور والحشود الكبيرة، فقد تيسر لي بفضل الله أن أؤدي مناسك العمرة مرات عديدة في السنوات الماضية، وكنت دائمًا أحاول فهم حركة الحشود حول الكعبة وعند رجم الجمرات، فمعادلات المرور والحشود شبيهة جدًّا بمعادلات السوائل».
هذا وقد حُجِبَت جائزة الدراسات الإسلامية في هذه الدورة، وكان موضوعها: تراث الأندلس الإسلامي.
موضوعات الدورة الجديدة
أعلنت أمانة الجائزة موضوعات جائزة الملك فيصل العالمية لعام ٢٠٢٣م وهي: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، وموضوعها عن العمارة الإسلامية. واللغة العربية والأدب، وموضوعها: السرد العربي القديم والنظريات الحديثة. أما الطب فموضوعه: الأوبئة وتطوير اللقاحات. والعلوم، سيكون موضوع الجائزة: الكيمياء.
يذكر أن جائزة الملك فيصل العالمية تحظى بمكانة مرموقة بين كبريات جوائز العالم، وقد نالها منذ انطلاقها، 282 فائزًا من 44 جنسية. والفائز بالجائزة يمنح في كل فرع من فروع الجائزة الخمسة، مبلغًا قدره 750 ألف ريال سعودي (نحو مئتي ألف دولار) وميدالية ذهبية عيار 24 قيراطًا تزن 200 جرام، إضافة إلى براءة مكتوبة بالخط العربي بتوقيع رئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل، تحمل اسم الفائز وملخصًا حول مسوّغات فوزه بالجائزة.
سوزان ستيتكيفيتش: نحن المتخصصون في الأدب العربي القديم بأميركا نعمل منعزلين ومهمشين
البروفيسورة سوزان ستيتكيفيتش رئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة جورج تاون، المحررة التنفيذية لدراسات الأدب العربي ودراسات بريل في سلسلة دراسات الآداب في الشرق الأوسط، الحاصلة على درجة الدكتوراة من جامعة شيكاغو عام 1981م، عُرِفَت بأعمالها المميزة عن الشعر العربي الكلاسيكي منذ حقبة ما قبل الإسلام، ولها عدد من المؤلفات في الأدب العربي القديم منها: كتاب «أبي تمام وشاعرية العصر العباسي»، وكتاب «القصيدة والسلطة».
وفي حديث لـ«الفيصل» قالت ستيتكيفيتش في مناسبة فوزها بجائزة الملك فيصل: «لعل الفوز بجائزة الملك فيصل العالمية أصدق تعبير لزملائي في العالم العربي عن تقديرهم لأعمالي الأدبية والنقدية في الشعر العربي القديم، واعترافهم بإخلاصي لدراسات اللغة العربية وثقافتها وأدبها». وعن انطباعاتها حول هذه الجائزة، لفتت إلى أن الانطباع الأول هو في المفاجأة، موضحة «نحن المتخصصون في الأدب العربي القديم في الولايات المتحدة، وبصفة خاصة في مجال الشعر، نعمل منعزلين عن التيارات الأكاديمية العامة، ومهمشين إلى حدٍّ ما»، وأكدت: «هذا ليس في بلدنا نحن فحسب، بل أيضًا في البلدان العربية ذاتها؛ لذلك أسعدني، الحصول على هذه الجائزة المرموقة».
منطلق لفهم الشعر العربي
البروفيسورة ستيتكيفيتش التي قدمت نموذجًا فريدًا للباحثة المجتهدة التي سعت لاستكشاف الشعر العربي منذ العصر العباسي، حيث شكلت دراستها عن أبي تمام منطلقًا مهمًّا لفهم الشعر العربي في تلك الحقبة الزمنية، تقول عن مشروعاتها التي تشتغل عليها حاليًّا: «أحاول الانتهاء من كتابي في شعر أبي العلاء المعري، بعنوان «نوح الحمام ونعيق الغراب عن سقط الزند واللزوميات»، كما أنني مشغولة بمشروع يخص التطورات في المدائح النبوية فيما بين القرنين الخامس والتاسع الهجريين، وهذا المشروع متمم لكتابي الصادر في عام ٢٠١٠م عن قصائد البردة لكل من كعب بن زهير والبوصيري وأحمد شوقي. وفي دراستي الحالية أهتم بجذور النسيب النبوي في حجازيات الشريف الرضي، والغزل الصوفي عند ابن الفارض، وإبداع القصيدة البديعية لدى صفي الدين الحلي، وجماليات فن تخميس البردة لشمس الدين الفيومي». وعن أحوال دراسات الأدب العربي في الدوائر الأكاديمية الغربية، قالت: «في دراسات الأدب العربي أرى الظاهرة نفسها التي في الدراسات الأدبية عامة تحصل، وهي التوسّع أو الانتشار إلى المجال الأوسع من الدراسات الثقافية، بما في ذلك إثبات روابط متينة بين الأدب والفنون الجميلة والدراسات الإنسانية من جهة، وبين الأدب والعلوم الاجتماعية من جهة أخرى. وذلك، في تقديري، سيفتح آفاقًا جديدة للكشف عن أبعاد أخرى من الأعمال الأدبية العربية، ولتعميق دور ومكانة الأدب العربي في كل من الدراسات الإنسانية والاجتماعية في الغرب وفي العالم».
جيل من الباحثين والطلاب
وبسؤالها عن سبب ازدياد الدراسات والأبحاث حول الأدب العربي والإسلامي في أميركا قالت ستيتكيفتش: «في الولايات المتحدة برز جيل من الأساتذة والباحثين والطلاب، كثير منهم من أصول عربية أو إسلامية، يرون في الحضارة العربية والإسلامية جزءًا لا يتجزأ من التراث البشري المشترك، وركنًا من الأركان التي سنبني عليها مستقبلًا إنسانيًّا هو لا محالة مشترك». ستيتكيفيتش أكدت أن «الحصول على جائزة الملك فيصل يعدّ مسؤولية عظيمة»، وتابعت: «إنني أتخذ بعين الجدّية كون مؤسسة الملك فيصل مؤسسة خيرية في أصلها، ولقد تشرفت بالفوز بجائزة الملك فيصل العالمية، فمن الجهة المعنوية فهي لا تعتبر اعترافًا بإنجازاتي في مجال الأدب العربي القديم فحسب، بل إنها جائزة تشجعني وتحثّني على القيام بمزيد من الدراسات الجديدة، وتدفعني للاضطلاع بدوري في تشجيع الجيل القادم من الطلاب والباحثين على مواصلة بحوثهم في الأدب العربي، أما من الناحية المادية فسوف أستثمر الفرصة للتبرّع للمؤسسات الخيرية من أجل إنقاذ اللاجئين والنازحين». وعبّرت ستيتكيفيتش عن أمنيتها بمواصلة مشوارها ومسيرتها مع الشعر العربي القديم، وقالت: «أتمنى أن أستمر في تدريس الشعر العربي، وفي تنظيم أنشطة علمية للطلبة والباحثين، لتطوير دور الشعر العربي في الدراسات الإنسانية العالمية».
عبد العزيز السبيل: اللجان العليا للاختيار والحكم صاحبة القرار في حجب أي جائزة
أثار حجب جائزة الدراسات الإسلامية، التي كان موضوعها «تراث الأندلس الإسلامي»، تساؤلات عدة بين المهتمين، كيف لموضوع لمثل هذا لا يوجد فيه باحثون بارزون يستحقون نيل الجائزة؟ الأمين العام لجائزة الملك فيصل الدكتور عبدالعزيز السبيل، أوضح قائلًا: «نحن في أمانة الجائزة لا يسعدنا حجب أي من جوائز الملك فيصل، لكن الواقع أنه لا علاقة لأمانة الجائزة بقرار الحجب أو المنح، فهناك لجان عليا للاختيار والحكم، مكونة عادةً من عشرة علماء من مختلف أقطار العالم، وهم من المختصين في موضوعات حقول الجائزة، وهم يتدارسون الموضوع من جوانبه كافة ويدرسون الترشيحات التي وصلت ويطلعون على تقارير الحكام ويتناقشون فيما بينهم، وبعد ذلك يصدرون قرارهم حول من يستحق منحه الجائزة، سواء كان بالانفراد أو بالاشتراك، أو ربما يتخذون القرار بحجب الجائزة كما حصل في جائزة الدراسات الإسلامية لهذا العام».
وأضاف السبيل: «نحن عادةً في أمانة الجائزة ولجان اختيار الموضوعات لا نقوم باختيار أي من الموضوعات إلا بعد التأكد إلى حدٍّ كبير من وجود شخصيات معرفية تستحق الفوز بالجائزة، والملاحظ أن جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية تحديدًا هي الأكثر نصيبًا في الحجب، وهذا مرده لعدة عوامل، منها: رؤية لجنة الاختيار بالدرجة الأولى، وأحيانًا أنه لا يتم ترشيح كل الأسماء المتوقعة، وهذا جانب لا نحكمه لأننا في أمانة الجائزة لا نرشح الفائزين وإنما تأتينا الترشيحات من المراكز العلمية والمؤسسات البحثية والجامعات على مختلف مرجعياتها»، لافتًا إلى أن «هناك جهودًا كبيرة بُذِلَت من الباحثين فيما يتصل بـ«تراث الأندلس الإسلامي»، لكن أمانة الجائزة تحترم رأي لجنة الاختيار وتأخذ به، ونأمل في المستقبل ألا يكون هناك حجب لأيٍّ من الجوائز». وقال: إن اللجان «تضطر إلى الحجب للحفاظ على المستوى العلمي الرفيع الذي تتسم به جائزة الملك فيصل، فهم في بعض الأحيان يرون أن بعض الأعمال المقدمة جليلة، ولكن للجنة الاختيار وجهة نظر مختلفة في تلك الأعمال، التي قد لا ترقى للمستوى التقديري الموقر لجائزة الملك فيصل».
المنشورات ذات الصلة
جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة
احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية...
عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!
لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن...
حاز جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام… محمد السماك رجل الحوار والعيش المشترك
قبل أسابيع حصل الأستاذ محمد السماك على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام. وقد قابلته لأول مرةٍ فيما أذكر عام 1980م في...
0 تعليق