كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
الحضارة، إسلامية أم عربية، نحو تفكيك وإعادة بناء مستمر
من الجمع نحو التفرد الثقافي
«الحضارة الإسلامية»! هل الوسم مصطلح أنتجه المسلمون؟ أم إنه كما «الفن الإسلامي» من منتجات المستشرقين لوصف جماعة (مختلفة) ثقافيًّا عن الغرب الذين كتبوا تاريخ العالم الحديث؟ هل ضعفت الفردية الثقافية مقابل الاندماج الجمعي ضمن منظومة «إسلامية» أو «عربية»؟ ألا يصح أن نكون «نحن» وهذا «النحن» ذوي وصف شامل من دون تماهي الفردية مقابل الجماعة؟
تؤرقني تلك الأسئلة وأنا أدرس المنتج الثقافي المحلي، وبخاصة المادي منه أو الملموس، وكيف لعقود طويلة استسلمنا لكتابات الآخرين ووصفهم لثقافتنا ضمن مظلة أكبر، فقط لأنهم غير واعين أو متعمقين بفهم تفاصيل واختلاف وتنوع ثقافتنا المحلية!
في المقابل، هل نسعى نحن لهذا الانتماء كي نشترك في حصد مآثر تاريخه؟ بل نتعدى الجمع العربي للإسلامي ضمانًا لنطاق أوسع من النجاحات والامتيازات لحضارة تنتمي إليها؟ وهل السبب نظرة دونية أو تضعيف لقيمة ثقافتنا المحلية؟ أم عدم استيعاب لمضامينها الغنية؟
هنا نقلب أصابع الاتهام لنا؛ لأننا غفلنا عن توثيق تاريخنا، وتتبع تفاصيله وتوثيقه ونشره والاعتزاز به، نحن من يتحمل هذا الدور الذي نميز فيه أنفسنا من دون تنصل من أي انتماء لمظلة ثقافية أوسع عربية أو إسلامية.
وهنا يمكن القول: إن انتماءنا لتاريخ سابق له حضوره العالمي لا يعيب، بل العكس جزء نفخر به من ثقافتنا الواسعة، لكننا في مرحلة إعادة استكشاف جديدة، خصوصًا بعد هذه التحولات الإستراتيجية في رؤية الدولة وقياداتها التي وضعت الثقافة ضمن الأولويات كأحد المقومات الاقتصادية والوطنية وتعزيز الهوية، يبدو أننا فعلًا بدأنا بفهم أنفسنا كأمة، ماهية ثقافتنا، البحث في مضامينها، حصر عناصرها -أو ما تبقى منها على أقل تقدير- توثيق تفاصيلها بجميع الأبعاد والأطر، ودراستها والبحث فيها والنشر والإتاحة لأبنائنا وللباحثين وللعالم.
ثقافتنا المحلية شديدة التنوع، ثرية الألوان، إسلامية الدين، عربية الحرف، لكنها محلية، عسيرية، جازانية، نجرانية، حساوية، قصيمية، حجازية، شمالية، حائلية، نجدية… إلخ. المرحلة القادمة مرحلة انغماس في الذات والهوية الخاصة والمتنوعة والعمل على نشرها بهذه الصيغة، من دون تملص من انتماء أوسع يقربنا من أمم نشترك معها في مضامين عدة.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب
لا شك في أن «النخب» بما يتوافر لها من قدرات ذاتية مدعومة بالتميز الفكري والثراء المعرفي، وبما تملك من أدوات التأثير...
جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو
كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في...
اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل
في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند...
0 تعليق