كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
«قامات أدبية» لوجدي الأهدل
تنويعات مدارية في ذاكرة المعنى
«قامات أدبية: تنويعات مدارية في ذاكرة المعنى»(دائرة الثقافة في الشارقة) كتاب نوعي بالنسبة للروائي اليمني وجدي الأهدل، ففي هذا الكتاب يبوح الأهدل بكثير من خبراته في فن التلقي والتأويل والقراءة الفاحصة. يمتلك وجدي الأهدل موهبة غير عادية فهو من ذلك النوع الذي يمكن أن نصفه -بجدارة- بالكاتب الواسع الاطلاع، وقد توافق هذا الكتاب مع أسلوبه في الكتابة، التي تخترق منصة المحلية وتندّ بإطلالة بهية على العالم الواسع.
استطاع صاحب «بلاد بلا سماء»، في هذا الكتاب، أن يقول لنا: إن الاهتمام بالتجارب الروائية للكتاب العالميين تشده لأنها تجارب ثرية ولم يرد أن يمر أمام هذه التجارب مرورًا عاديًّا، ولكنه رأى أن ينقل لذة القراءة إلى القراء من حوله، ولعل أهم ملاحظة يمكن للقارئ ملاحظتها أن الكتاب على الرغم من صغر حجمه -يقع في 95 صفحة- فإنه يقول الكثير. افتتح الأهدل كتابه بمقال «وصايا غونتر غراس»، متذكرًا حادثة نفيه من اليمن إثر صدور روايته «قوارب جبلية» التي أثارت جدلًا واسعًا، وهو ما جعله يغادر اليمن خشية على حياته، ولم يعد إليها سوى بعد أن تدخل الأديب الألماني غونتر غراس، وهذه حكاية أمست معروفة. لكن في لقاء جمع بين الروائيين في مدة لاحقة تقدم الأهدل لكي يشكر الروائي الكبير على عظيم صنيعه، إلا أن هذا الأديب أوصاه بألا ينعزل عن الاهتمام بقضايا الناس، وتمنى له أن ينشط في هذا الاتجاه الإنساني وقال له: «أنا حين كنت في مثل سنك، أي في الثلاثينيات أصبحت أديبًا مشهورًا، ولكنني شعرت بالضجر والملل من الشهرة، ولم تفدني من ناحية الكتابة، ولم تساعدني على مزيد من الإبداع، ولكني سخرت الشهرة لمساندة المضطهدين أينما وجدوا».
لقاء في فندق
تضمن الكتاب 14 مقالة إبداعية مثّلت في مجموعها نصًّا إضافيًّا للنصوص الإبداعية التي كتبها وحياة ثانية لها. إحدى المقالات تطرقت إلى لقاء في أحد الفنادق اليمنية مع الروائي «بول تردي»، الذي زار اليمن بعد أن كتب روايته الشهيرة «صيد السلمون في اليمن»(ترجمة عبدالوهاب المقالح)، بدت المقالة وكأنها أقرب ما تكون إلى قصة حوارية بين الزائر والمضيفين الذين يسرد المؤلف وقائع لقائهم بتردي. تساءل أحدهم ما إذا كان المقصود من رواية «صيد السلمون في اليمن» الإشارة إلى عدم قدرة العرب على تلقي الحضارة الأوربية، فأجاب بأنه لم يكن يقصد سوى نقد سياسة بلده التي تعمد إلى التدخل في شؤون البلدان الأخرى، وضرب مثلًا بالعراق.
إعادة الاعتبار لفن القصة
في مقال آخر يجعل الكاتب من لقائه بالمستعرب الروسي سوفروف مدخلًا لحديث طويل عن الحداثة وما بعدها. وفي أحد المقالات يعود إلى غونتر غراس، فيتطرق إلى رواية «في خطو السرطان» (ترجمة: كاميرون حوج)، فيقول عنها: «هناك ملاحظة جديرة بالانتباه وهي أن غونتر غراس يضع على غلاف عمله كلمة «قصة»؛ إذ لا يعتبرها رواية، وكما يلوح فإن غراس ربما أراد إعادة الاعتبار لفن القصة؛ فالجميع اليوم يلهث وراء موضة الرواية». هذا العمل يتحدث عن سفينة «غستلوف» التي صعد عليها أكثر من عشرة آلاف ألماني فروا من مداهمات الجيش الروسي الأحمر، إلا أن السفينة لاقت مصير باخرة التيتانيك الشهيرة. الجديد في العمل الروائي، كما يرى الأهدل، قدرة غراس على حقن الرواية بكمية مهولة من المعلومات، «يحرك السرد على وتيرة متناغمة مع بث المعلومات، فلا يكاد يصل القارئ إلى المعلومة إلا بعد أن يكون الروائي قد مهد لها».
مقال آخر حول ماركيز «رئيس دولة الأدب»، من خلال كتاب ألفه الإنجليزي جيرال مارتن بعنوان: «سيرة حياة غابريل غارسيا ماركيز»، وهي السيرة التي أنجزت خلال 17 عامًا، ويستعرض الكتاب، ضمن ما يستعرض، علاقة ماركيز بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو وبالروائي الشهير يوسا. الأهدل خص الروائي التركي باموق بمقال يفند الشكوك التي حامت حول فوزه بجائزة نوبل. وفي مقال آخر تطرق إلى جورج أورويل، من خلال كتاب «جورج أورويل متشردًا في باريس ولندن»، واصفًا إياه بأنه ارتقى إلى مصاف الكتاب الإنسانيين؛ لأنه كتب عن تجربة حقيقية ولامس حاجة الجياع والمفلسين في شوارع البرد.
البطل بثلاثة وجوه
رواية «حلم السلتي» لـماريو فارغاس يوسا –أيضًا- دخلت عوالم الكاتب وجدي الأهدل تحت عنوان «البطل بثلاثة وجوه»، فالرواية كتبت وقسمت حسب انتقالات البطل جورج كيسمنت بين الكونغو والأمازون وإيرلندا«وهي قصة حقيقية أهم ما رأى المؤلف فيها ظلال مركيز وركلة يوسا غير المرئية. تحت عنوان «الكاتب يجلد نفسه علنًا» تناول الأهدل رواية «يوميات عام سيئ» للجنوبيّ الإفريقيّ جون ماكسويل كوتزي، الذي ابتدع شكلًا جديدًا للكتابة معتمدًا على التجريب في الكتابة، فهو قسّم روايته إلى ثلاثة أقسام يجمعها خيط واحد، وهذه الأقسام السردية تجري على الصفحة في وقت. واعتبر الأهدل رواية «التغيير» للنوبلي الصيني «مويان» وثيقة مهمة جدًّا في تشريح سنوات حكم «ماو تسي تونغ» وانتقادها بشكل صريح.
يحسب للمؤلف أنه لا يطرح آراءه انطلاقًا من المجاملة والاستعراض القرائي، إنما ينطلق من وعي المنقب والباحث المجتهد؛ ففي معرض حديثه عن ساراماغو «الروائي الأكثر جدية في العالم يكتب رواية كوميدية»، أثنى على الروائي من أنه سمح لنفسه بإحياء فن الكتابة الكوميدية المهجورة، ولكنه رأى في جانب آخر أن الروائي لم يلتزم بشروط الرواية حين أظهر صوت المؤلف في المتن، ثم استدرك أنه ربما أراد من ذلك كسر الرتابة في الكتابة الروائية. رواية «سيرة الفيل» الكوميدية، تنطلق من حادثة وقعت لملك البرتغال الذي تورط في اقتناء فيل أهداه بعد ذلك لولي عهد النمسا.
المنشورات ذات الصلة
«جوامع الكمد» للشاعر عيد الحجيلي… عوالم شعرية بسيطة
يثير ديوان «جوامع الكمد» (الدار العربية ناشرون) للشاعر السعودي عيد الحجيلي مجموعة من الأسئلة القصيرة المتعلقة بالذات...
«حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس التخييل المرجعي للذاكرة
تأخذ رواية «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس -منشورات المتوسط- أذهاننا إلى زمن الحرب، إنها إحالة إلى الزمن، ولم...
السيد الجزايرلي في ديوانه الجديد بصير يتلمس عبر التصوف حنينه إلى الوطن
العلاقة بين التنبؤ والشعر قديمة ووطيدة منذ قصة وادي عبقر، والقول بأن لكل شاعر عفريتًا من الجن يلهمه أشعاره، مرورًا...
0 تعليق