غِنائيات الرشيدة الراحلة… أمي
مِنْ كِتابِ ذكرياتِها… من دفاترها العتيقة والجديدة
١
يا أم أم الناسْ
هيَ أمنا
هيَ أم كل الناسِ،
كل الخالدينَ،
مِنَ الفِدائيينَ
والشهَداءِ،
أم الأنبِياءِ
وأم كل المؤمنينَ
بحقهم وتُرابِهِم
٢
يا أم الغابات
يا أم أيامٍ
وأنهارٍ،
مَزيجُ حِكايةٍ وخُرافةٍ،
تَمشي على ساقَين
مِنْ وَجَعٍ وموسيقا
ومِنْ ماءٍ ونارْ
٣
وأراكِ في «العَروب»(1)
في ليلِ المخيمِ
في المزارعِ والحُقولِ،
وفي المساجدِ والزوايا
في أناشيدِ الفدائيينَ
تحتَشِدينَ بالأطفالِ والصلَواتِ،
أمكِ ليقَةٌ، ومَليكةٌ لنسائها
وأبوك مِن شُهَداءِ أرض الرب،
يكرِزُ بالكِفاحِ وبالفَلاحِ،
بخِنجَرِ الفَلاحِ يكرِزُ.. كانْ
«العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.
٤
تَعْرِفُ ما تُريد
كحَديقةٍ
ألْوانُها صَماءُ
جبارةٌ بِضَعْفِها
ضَعيفةٌ بِحَزْمِها
تَعْرِفُ ما تُريدُهُ
تُريدُ ما تَعْرِفُهُ
بِلا سؤالٍ واضِحٍ
وضوحُها سؤالُها
٥
أمي الوَطَنْ
أمي التي
قدْ ودعَتْنا
أودَعتْ فينا
أماني الزعترِ البَري،
والخُبيزةِ العَطشَى
ونَخلًا في المخيم
ظل مأوانا الأمِينْ
هِيَ ودعتْ
بِجِراحِها، بنُواحِها
بِنُحولِ عَنقاءِ الحَياةِ،
ورُوحِ أم ساحِرةْ
هِيَ ودعتْ بغِنائها
أرضًا بعيدة
بوَداعةِ الطيرِ المُمزَّقِ
في شِباكِ العُمْرِ
يَهوي دونَ ريشْ
هيَ ودعتْ أسطورةً
حتى تَعيشَ بِغيرِها
في ألْفِ مَلْحَمَةٍ
بألْفِ عباءةٍ وحِكايةٍ،
لتَعيشَ في أحلامِنا،
ونَظَل في أحلامِ مَوطِنِها
ونَحلُم دونَما خَوفٍ،
ونَمْشي في الحِكايةِ نَفسِها،
منذُ البِداياتِ/ الرؤى،
حتى النهاياتِ الجَديدةِ للوَطَنْ
أم هي الوطَنُ الذي
نَمْشي فيَحْمِلنا إليهِ،
إلى نهايتِهِ، غِوايَتِهِ،
ونَحمِلُهُ إلى أحلامِهِ
أم بحُلمٍ لا نِهائي
تَعيشْ
ها أنت إذ
تتذكرينَ طُفولةً
مِن كل ألعاب البَناتِ،
أعرفُ أنكِ الأولى
على الألعاب والفتَياتِ،
يؤلمُني عذابُكِ
أنني ما زلتُ أحيا
والحَياة غدتْ عَذابا
٦
أم لَها الأحلامُ
قبلَ بِدايةِ التوراةِ
والإنجيلِ والقُرآنِ،
أحلامُ البِلادِ كِتابُها السري
تكتبُ كل يومٍ ما تيسرَ
مِن دفاترهِ العَتيقةِ،
في الكتابِ:
صُمودُ قَريتِها معَ الثوارِ،
فيه حِصارُها وسُقوطُها
وكِتابُها قُرآنُها السري؛
قُرآنُ الصباحِ، ولَيلُ قُرآنِ الجِراحْ
وكِتابُها بَيتٌ وحقلٌ
في رُبا «مَنْشِيّةٍ» و«عِراقِها»
أواه يا أماهُ
يا أمي
ويا أم المسيحِ،
ولَدْتِني لأكونَ فادي الناسِ،
لكنْ، كُلهُم غدَروا وخانوا
أرثيكِ
أمْ أرثي خُطايَ
على خُطاكِ
يا بنتَ قُرآنِ الحَياةِ
حَياتُكِ القُرآنُ
في دَمِيَ المُباحِ،
دَمي قِراءاتٌ لروحكْ
أبكيكِ شِعرًا
لا لأبكي
بل لأرسمَ
صورةَ التاريخ
في كفيكِ
في صلَواتِ قَلبكْ
في حقلِ روحكِ
أنتِ أيتُها الرشيدةُ،
كانت الصلَواتُ تبدأُ منكِ،
في الصلواتِ كنتُ
أرى بِلادًا في ثِيابكِ
في حُقول اللوز
تُزْهِرُ في شَبابِكِ،
في المَدى
عينايَ تنهَلُ
مِن مِياهِكْ
هامش :
(١) «العَروب»: المخيم الذي سكنتْهُ الوالدة على أثر اللجوء- النكبة 1949م.
0 تعليق