المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

هل غادرت القاهرة موقعها المركزي في الثقافة العربية؟

بواسطة | يوليو 5, 2016 | تقارير

لعبت القاهرة دورًا محوريًّا في النهضة العربية منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، فكانت الحاضرة التي استوعبت طاقات الكثير من المبدعين العرب، فهاجر إليها المعنيون بالمسرح والصحافة والفنون والآداب، كما هاجر المؤرخون والمفكرون والسياسيون والمناضلون، لكن الأمر تغير مع النصف الثاني من القرن العشرين، فقد انتشرت الثورات العربية، وظهر العديد من المراكز الثقافية الأخرى بداية من الشام والعراق وبلدان الخليج حتى بلدان المغرب العربي، وتحوّلت القاهرة من مركز الجذب الأول إلى مركز تقليدي يحتفظ بعبق الماضي، لكنه لا يمتلك القدرة على منافسة المراكز الجديدة، فما الذي حدث؟ عدد من الكتاب المصريين والعرب يجيبون عن هذا السؤال في تقرير لـ«الفيصل»:

دكتور-عبد-المنعم-تليمة

عبدالمنعم تليمة

 يقول أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة الدكتور عبدالمنعم تليمة: إنه أصبح معلومًا لأي راصد في الثقافة العربية الراهنة أن العقود الأخيرة، «شهدت تراجعًا خطيرًا للوجود المصري في المجتمعات العربية، بينما الأجيال الثلاثة في النهضة المصرية الحديثة (هي جيل رفاعة الطهطاوي، وجيل أحمد لطفي السيد، وجيل طه حسين) قد ربونا على أيديهم وكتبهم على أن العروبة ثقافة، ومن هنا لم يكن هؤلاء الرواد يتشددون في فكرة العروبة بالمعنى القومي الفني السياسي المعروف».

وأضاف تليمة: «أما ما بعد جيلي أنا فإن السياسات الحكومية المصرية وما أثمرته من مجالس ومؤسسات ثقافية قد عزلت مصر عن هذا الأفق العظيم الذي نعمل على إحيائه تمامًا، وقد حققنا في هذا الأفق خطوات منذ ثورة يناير المجيدة، ولا صحة الآن لما يقال عن أن ثمة إرادات أخرى من دول عربية شقيقة للحلول محل مصر، فهذا غير صحيح ولا يرغب فيه أحد، ولا يملك أحد أن يماري في ذلك، فمصر الحديثة منذ محمد علي إلى يومنا هذا فيما عدا العقود الثلاث أو الأربع الأخيرة، كانت وما زالت الحاضنة الأولى للثقافة والمثقفين والمبدعين العرب جميعًا».

ناظم-ناصر

ناظم ناصر القرشي

الشاعر والناقد العراقي ناظم ناصر القرشي يرى أن مصر ليست أم الدنيا فحسب، «إنما أيضًا أم الثقافة … أثرت وتؤثر في الثقافة العربية والعالمية في كل أوان بدور نشرها العديدة ومكتباتها العامرة، وبمؤسساتها الثقافية وبصحفها ومجلاتها الأدبية وأدبائها ومثقفيها، كانت ولا زالت منارًا للثقافة العربية الرصينة والإبداع والخلق والابتكار»

وأضاف القرشي قائلًا: «كناقد عراقي قدمت لي القاهرة الكثير فقد طبعت دار «كتاب» وعلى نفقتها كتابي «العين الثالثة» وهو مقالات في الشعر العربي المعاصر، وأيضًا نشرت لي مجلات مصرية العديد من مقالاتي النقدية. وأذكر بالخصوص مجلة «أدب ونقد» ومجلة «شعر» المصرية التي ستنشر لي ملفًّا عن التجارب الشعرية الجديدة في العراق، كما كتبت عن العديد من الشعراء المصريين، سواء من جيل الرواد أو أجيال تالية عليه».

التغير في دور مصر القيادي

جابر-عصفور

جابر عصفور

من جانبه قال وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور: «إن المجلس الأعلى للثقافة أسهم إسهامًا كبيرًا في عودة المثقفين العرب إلى مصر، ولم يكن هناك مؤتمر يقام إلا ويحضره كبار المثقفين العرب، سواء في الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة أو غير ذلك، وهكذا ظلت الصلة بين النقاد والمثقفين العرب حميمية ومستمرة، والفترة التي حدث بها ارتباك في هذه العلاقة هي التي أعقبت انتهاء حكم مبارك، فضلًا عن أن البلدان العربية صارت لديها مؤتمراتها التي تستضيف فيها المصريين، سواء في دبي أو الكويت أو المغرب أو تونس أو غيرها، والآن قد عادت الأمور إلى الاستقرار في مصر».

ويلفت عصفور إلى أن الدور القيادي لمصر قد تغير، «فقديمًا كان ثمة دول مركزية وأخرى دول أطراف، لكن الصورة اختلفت الآن، فهناك تعددية واضحة، بمعنى أن الحضور الثقافي لعاصمة كبيروت أصبح مساويًا للحضور الثقافي لعاصمة كالقاهرة، والرواية التي لم تكن تكتبها سوى المراكز الثقافية التقليدية صارت تكتبها كل المراكز، حتى إن السعودية التي طالما كنا نصفها بأنها ذات ثقافة محافظة بها الآن العديد من الكاتبات المعروفات، ولا نستطيع أن ننكر أن حركة الثقافة العربية والتواصل بين المثقفين مستمرة على الرغم من وجود متغيرات أخرى في التعددية التي ساوت بين المركز والأطراف».

أسباب وراء تراجع القاهرة

أوضح الشاعر الدكتور أحمد قران الزهراني، الذي عاش في القاهرة أعوامًا لاستكمال دراسة الدكتوراه، أن للقاهرة حضورها الثقافي والفني الذي لا يشبهه حضور في الوطن العربي، «فهي حفية بزائريها والمقيمين فيها؛ إذ قدمت للثقافة الفن العربي وأسماء خالدة ما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر». وقال: «أتحدث هنا عن القاهرة التي كانت مفتوحة لكل الأطياف الثقافية العربية من دون تمييز أو انحياز، ولعلنا نتذكر القامات الفنية والثقافية التي انطلقت من القاهرة، هجرة من بلدانها، ولعلني أذكر هنا من مثقفي السعودية عبدالله القصيمي وحمزة شحاتة، وهما قامتان ثقافيتان كبيرتان لجآ إلى القاهرة وأقاما فيها وأنتجا أهم أعمالهما الثقافية، وكثير من فناني ومثقفي الوطن العربي».

أحمد قران الزهراني

أحمد قران الزهراني

ويذكر الزهراني أن القاهرة بعد أن كانت حميمية مع زوارها، تحتفي بهم، وتقدمهم للجمهور، وتقيم لهم الأمسيات والدراسات، «تراجعت عن هذا الدور. بعد أن كانت عاصمة الثقافة والفن العربي أصبحت مثلها مثل أي مدينة عربية أخرى؛ إذ تخلت عن دورها، وتراجعت عن تأثيرها». وعدّد أحمد قران أسبابًا وراء هذا التراجع، من أهمها: الانفتاح الثقافي والإعلامي الذي وجده الفنان والمثقف، وأصبح يستغني عن الوصاية من خلال استقلاليته. والسبب الأهم أن القاهرة فقدت بريقها الثقافي، أو بالأحرى لم تعد تهتم بالمثقفين العرب بالشكل الذي يجعلها تستردّ مكانتها، هي تستضيف مثقفين وتقيم ندوات وأمسيات لكن هذه الفعاليات مثلها مثل الفعاليات الثقافية في أي مدينة عربية هامشية، ربما التغيرات السياسية، وبالتالي التغيرات الثقافية في المؤسسة الثقافية كان لها دور سلبي على الثقافة المصرية، وبالتالي على مكانة القاهرة الثقافية».

دور في حركة البعث

الدكتور-صلاح-فضل

صلاح فضل

وأكد الناقد الدكتور صلاح فضل أن القاهرة «لعبت كما هو معروف دورًا أساسيًّا في حركة البعث والإحياء العربية، وقادت تيارات النهضة العلمية والفكرية والأدبية، حيث احتضنت كل المواهب والإمكانات العربية المتفردة».

وقال صلاح فضل: إن ذلك «لا يبرر على الإطلاق ادعاء البعض الآن أنها تنازلت عن هذا الدور؛ لأن هذه الأدوار لا تحتكر، ولا تصاب بالعقم، بل تتعدد وتتوالد وتنتشر لتصنع آفاقًا جديدة للنمو الحضاري. والقاهرة من أكثر العواصم استعدادًا للعب هذا الدور الحضاري… وقد تكون هناك عواصم أغنى من القاهرة لكن ثراءها لا يصنع لها ثقل القاهرة وبهاءها، ومن ثم فدور القاهرة الثقافي والحضاري ما زال قائمًا، ويتشكل في كل مرحلة بأشكال مختلفة».

ورفض الشاعر المصري شعبان يوسف القول بأن القاهرة لم تعد منطقة جذب ثقافي للكتّاب والمبدعين والمثقفين العرب، وقال: «إنه بحكم وجوده في مجال العمل الثقافي منذ سنوات طويلة يعلم تمامًا مدى التقدير الذي يكنّه البعض للأنشطة الثقافية في مصر، وبخاصة فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب… ولا يمرّ أسبوع من دون أن تكون هناك فعالية لكاتب أو مبدع عربي، وبخاصة أن دور نشر مثل دار العين أو دار ميريت أو دار شرقيات لا تخلو قوائم النشر فيها من كتّاب ومبدعين عرب من كافة البلدان… تقديرًا للثقل الثقافي الذي تشغله وما زالت تشغله مصر في العالم العربي، وهذا بحكم التاريخ الطويل والعميق للحركة الثقافية، وكذلك التعدد الهائل لمراكز الإنتاج والتنشيط الثقافيين في مصر».

ويقول الشاعر والناقد اليمني هاني الصلوي (صاحب دار أروقة للنشر بالقاهرة): «بلا شك ما زال للقـاهرة دور فعال من كل النواحي، وقد عادت إليها بعض المركزية – بشدة – بعد الربيع العربي وبعد اشتعال الحروب في الأماكن التي مثلت مع القاهرة مراكـز إشعاع ثقافي وتنويري. وهي تمارس دورًا ثقافيًّا يختلف عما تمارسه عواصم ومراكـز أخرى من حيث كونها مدينة غير جامدة أو إستاتيكية، كما أنها متسعة وضاجة ومضيافة، وقبل ذلك قابلة لمختلف الفئات والشرائح؛ ما يضيف أهمية على ما تقدمه، ولذلك ما زال الناس يتجهون نحوها، ويقصدون تنوعها واختلافها».

ونبه الصلوي إلى كون الحديث عن دور مركزي وآخر غير مركزي «تغير عما كانت عليه مناقشة هذه الأبعاد فيما يتعلق بالثقافة، تحديدًا مع هجرة الجميع إلى الفضاء الرقمي والشبكي. وربما قدّم هذا أيضًا ميزات كثيرة للتعريف بما خفي عن القاهرة ذات الأفق الجميل والفعاليات اللانهائية» .

لعبت القاهرة دورًا محوريًّا في النهضة العربية منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، فكانت الحاضرة التي استوعبت طاقات الكثير من المبدعين العرب، فهاجر إليها المعنيون بالمسرح والصحافة والفنون والآداب، كما هاجر المؤرخون والمفكرون والسياسيون والمناضلون، لكن الأمر تغير مع النصف الثاني من القرن العشرين، فقد انتشرت الثورات العربية، وظهر العديد من المراكز الثقافية الأخرى بداية من الشام والعراق وبلدان الخليج حتى بلدان المغرب العربي، وتحوّلت القاهرة من مركز الجذب الأول إلى مركز تقليدي يحتفظ بعبق الماضي، لكنه لا يمتلك القدرة على منافسة المراكز الجديدة، فما الذي حدث؟ عدد من الكتاب المصريين والعرب يجيبون عن هذا السؤال في تقرير لـ«الفيصل»:

يقول أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة الدكتور عبدالمنعم تليمة: إنه أصبح معلومًا لأي راصد في الثقافة العربية الراهنة أن العقود الأخيرة، «شهدت تراجعًا خطيرًا للوجود المصري في المجتمعات العربية، بينما الأجيال الثلاثة في النهضة المصرية الحديثة (هي جيل رفاعة الطهطاوي، وجيل أحمد لطفي السيد، وجيل طه حسين) قد ربونا على أيديهم وكتبهم على أن العروبة ثقافة، ومن هنا لم يكن هؤلاء الرواد يتشددون في فكرة العروبة بالمعنى القومي الفني السياسي المعروف».

وأضاف تليمة: «أما ما بعد جيلي أنا فإن السياسات الحكومية المصرية وما أثمرته من مجالس ومؤسسات ثقافية قد عزلت مصر عن هذا الأفق العظيم الذي نعمل على إحيائه تمامًا، وقد حققنا في هذا الأفق خطوات منذ ثورة يناير المجيدة، ولا صحة الآن لما يقال عن أن ثمة إرادات أخرى من دول عربية شقيقة للحلول محل مصر، فهذا غير صحيح ولا يرغب فيه أحد، ولا يملك أحد أن يماري في ذلك، فمصر الحديثة منذ محمد علي إلى يومنا هذا فيما عدا العقود الثلاث أو الأربع الأخيرة، كانت وما زالت الحاضنة الأولى للثقافة والمثقفين والمبدعين العرب جميعًا».

الشاعر والناقد العراقي ناظم ناصر القرشي يرى أن مصر ليست أم الدنيا فحسب، «إنما أيضًا أم الثقافة … أثرت وتؤثر في الثقافة العربية والعالمية في كل أوان بدور نشرها العديدة ومكتباتها العامرة، وبمؤسساتها الثقافية وبصحفها ومجلاتها الأدبية وأدبائها ومثقفيها، كانت ولا زالت منارًا للثقافة العربية الرصينة والإبداع والخلق والابتكار» .

وأضاف القرشي قائلًا: «كناقد عراقي قدمت لي القاهرة الكثير فقد طبعت دار «كتاب» وعلى نفقتها كتابي «العين الثالثة» وهو مقالات في الشعر العربي المعاصر، وأيضًا نشرت لي مجلات مصرية العديد من مقالاتي النقدية. وأذكر بالخصوص مجلة «أدب ونقد» ومجلة «شعر» المصرية التي ستنشر لي ملفًّا عن التجارب الشعرية الجديدة في العراق، كما كتبت عن العديد من الشعراء المصريين، سواء من جيل الرواد أو أجيال تالية عليه».

التغير في دور مصر القيادي

من جانبه قال وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور: «إن المجلس الأعلى للثقافة أسهم إسهامًا كبيرًا في عودة المثقفين العرب إلى مصر، ولم يكن هناك مؤتمر يقام إلا ويحضره كبار المثقفين العرب، سواء في الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة أو غير ذلك، وهكذا ظلت الصلة بين النقاد والمثقفين العرب حميمية ومستمرة، والفترة التي حدث بها ارتباك في هذه العلاقة هي التي أعقبت انتهاء حكم مبارك، فضلًا عن أن البلدان العربية صارت لديها مؤتمراتها التي تستضيف فيها المصريين، سواء في دبي أو الكويت أو المغرب أو تونس أو غيرها، والآن قد عادت الأمور إلى الاستقرار في مصر».

ويلفت عصفور إلى أن الدور القيادي لمصر قد تغير، «فقديمًا كان ثمة دول مركزية وأخرى دول أطراف، لكن الصورة اختلفت الآن، فهناك تعددية واضحة، بمعنى أن الحضور الثقافي لعاصمة كبيروت أصبح مساويًا للحضور الثقافي لعاصمة كالقاهرة، والرواية التي لم تكن تكتبها سوى المراكز الثقافية التقليدية صارت تكتبها كل المراكز، حتى إن السعودية التي طالما كنا نصفها بأنها ذات ثقافة محافظة بها الآن العديد من الكاتبات المعروفات، ولا نستطيع أن ننكر أن حركة الثقافة العربية والتواصل بين المثقفين مستمرة على الرغم من وجود متغيرات أخرى في التعددية التي ساوت بين المركز والأطراف».

أسباب وراء تراجع القاهرة

هاني الصلوي

هاني الصلوي

أوضح الشاعر الدكتور أحمد قران الزهراني، الذي عاش في القاهرة أعوامًا لاستكمال دراسة الدكتوراه، أن للقاهرة حضورها الثقافي والفني الذي لا يشبهه حضور في الوطن العربي، «فهي حفية بزائريها والمقيمين فيها؛ إذ قدمت للثقافة الفن العربي وأسماء خالدة ما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر». وقال: «أتحدث هنا عن القاهرة التي كانت مفتوحة لكل الأطياف الثقافية العربية من دون تمييز أو انحياز، ولعلنا نتذكر القامات الفنية والثقافية التي انطلقت من القاهرة، هجرة من بلدانها، ولعلني أذكر هنا من مثقفي السعودية عبدالله القصيمي وحمزة شحاتة، وهما قامتان ثقافيتان كبيرتان لجآ إلى القاهرة وأقاما فيها وأنتجا أهم أعمالهما الثقافية، وكثير من فناني ومثقفي الوطن العربي».

ويذكر الزهراني أن القاهرة بعد أن كانت حميمية مع زوارها، تحتفي بهم، وتقدمهم للجمهور، وتقيم لهم الأمسيات والدراسات، «تراجعت عن هذا الدور. بعد أن كانت عاصمة الثقافة والفن العربي أصبحت مثلها مثل أي مدينة عربية أخرى؛ إذ تخلت عن دورها، وتراجعت عن تأثيرها». وعدّد أحمد قران أسبابًا وراء هذا التراجع، من أهمها: الانفتاح الثقافي والإعلامي الذي وجده الفنان والمثقف، وأصبح يستغني عن الوصاية من خلال استقلاليته. والسبب الأهم أن القاهرة فقدت بريقها الثقافي، أو بالأحرى لم تعد تهتم بالمثقفين العرب بالشكل الذي يجعلها تستردّ مكانتها، هي تستضيف مثقفين وتقيم ندوات وأمسيات لكن هذه الفعاليات مثلها مثل الفعاليات الثقافية في أي مدينة عربية هامشية، ربما التغيرات السياسية، وبالتالي التغيرات الثقافية في المؤسسة الثقافية كان لها دور سلبي على الثقافة المصرية، وبالتالي على مكانة القاهرة الثقافية».

دور في حركة البعث

وأكد الناقد الدكتور صلاح فضل أن القاهرة «لعبت كما هو معروف دورًا أساسيًّا في حركة البعث والإحياء العربية، وقادت تيارات النهضة العلمية والفكرية والأدبية، حيث احتضنت كل المواهب والإمكانات العربية المتفردة».

وقال صلاح فضل: إن ذلك «لا يبرر على الإطلاق ادعاء البعض الآن أنها تنازلت عن هذا الدور؛ لأن هذه الأدوار لا تحتكر، ولا تصاب بالعقم، بل تتعدد وتتوالد وتنتشر لتصنع آفاقًا جديدة للنمو الحضاري. والقاهرة من أكثر العواصم استعدادًا للعب هذا الدور الحضاري… وقد تكون هناك عواصم أغنى من القاهرة لكن ثراءها لا يصنع لها ثقل القاهرة وبهاءها، ومن ثم فدور القاهرة الثقافي والحضاري ما زال قائمًا، ويتشكل في كل مرحلة بأشكال مختلفة».

شعبان-يوسف

شعبان يوسف

ورفض الشاعر المصري شعبان يوسف القول بأن القاهرة لم تعد منطقة جذب ثقافي للكتّاب والمبدعين والمثقفين العرب، وقال: «إنه بحكم وجوده في مجال العمل الثقافي منذ سنوات طويلة يعلم تمامًا مدى التقدير الذي يكنّه البعض للأنشطة الثقافية في مصر، وبخاصة فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب… ولا يمرّ أسبوع من دون أن تكون هناك فعالية لكاتب أو مبدع عربي، وبخاصة أن دور نشر مثل دار العين أو دار ميريت أو دار شرقيات لا تخلو قوائم النشر فيها من كتّاب ومبدعين عرب من كافة البلدان… تقديرًا للثقل الثقافي الذي تشغله وما زالت تشغله مصر في العالم العربي، وهذا بحكم التاريخ الطويل والعميق للحركة الثقافية، وكذلك التعدد الهائل لمراكز الإنتاج والتنشيط الثقافيين في مصر».

ويقول الشاعر والناقد اليمني هاني الصلوي (صاحب دار أروقة للنشر بالقاهرة): «بلا شك ما زال للقـاهرة دور فعال من كل النواحي، وقد عادت إليها بعض المركزية – بشدة – بعد الربيع العربي وبعد اشتعال الحروب في الأماكن التي مثلت مع القاهرة مراكـز إشعاع ثقافي وتنويري. وهي تمارس دورًا ثقافيًّا يختلف عما تمارسه عواصم ومراكـز أخرى من حيث كونها مدينة غير جامدة أو إستاتيكية، كما أنها متسعة وضاجة ومضيافة، وقبل ذلك قابلة لمختلف الفئات والشرائح؛ ما يضيف أهمية على ما تقدمه، ولذلك ما زال الناس يتجهون نحوها، ويقصدون تنوعها واختلافها».

ونبه الصلوي إلى كون الحديث عن دور مركزي وآخر غير مركزي «تغير عما كانت عليه مناقشة هذه الأبعاد فيما يتعلق بالثقافة، تحديدًا مع هجرة الجميع إلى الفضاء الرقمي والشبكي. وربما قدّم هذا أيضًا ميزات كثيرة للتعريف بما خفي عن القاهرة ذات الأفق الجميل والفعاليات اللانهائية» .

مصر لم تعد قِبلة الكتاب

سعيد الكفراوي

سعيد الكفراوي

أكد القاص سعيد الكفراوي أن مصر «لم تعد قِبلة الكتاب الكبار الآن في ظل ما تلاقيه من منافسة سياسية واقتصادية وإعلامية كبرى، مدعومة برأسمالية لا قبل لها بها في الوقت الراهن». وقال: «إن القاهرة وارتباطها بالكتاب العرب أمر متغير وفقًا للمتغيرات السياسية، فالقاهرة الليبرالية بكل زخمها وأرستقراطيتها وانفتاحها على العالم الحر بعد مشروع محمد علي لم تكن ساحة لازدهار الثقافة العربية فقط ولكن كان ازدهارها يشارك في تكوين الوعي العالمي، عبر مشروع الخديو إسماعيل، بانفتاحها على التجديد والحداثة. كانت القاهرة في حقبة إسماعيل حتى منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ملاذًا لكل المثقفين المضطهدين والباحثين عن الحرية».

ويشير الكفراوي إلى أنه بقيام ثورة يوليو «استبدل الزعيم نفسه بالأمة، واستثمر كل بقايا الحقبة الليبرالية في المسرح والفكر في التأسيس لسلطة ثورة يوليو حتى جاءت هزيمة 1967م، وكانت منطقة الشام قد أصبحت مركزًا للثقافة العربية إلى جانب العراق كمركز ثقافي، وكان كلاهما يساعد بحضوره الفاعل القاهرة في دورها الثقافي في حقبة الستينيات… لكن بعد النكسة، وسيادة زمن المصادرات، وملاحقة الكتاب، وظهور ما عُرف بالطيور المهاجرة في زمن السادات؛ رحل الكتّاب العرب والمصريون إلى بلاد النفط، لتظهر مراكز ثقافية متباينة ومتعددة، فهناك المغرب كمركز ثقافي إلى جانب القاهرة كمركز تقليدي ورئيسي، وإلى جانب مركز قوي قادر على منح الجوائز وتنظيم الرحلات، وهو مركز الخليج بحكم ما يمتلك من فائض قيمة مالية، في حين انحصرت مراكز تقليدية قديمة كالعراق ودمشق؛ بسبب الفوضى العارمة في السياسة الإقليمية، لتختفي شيئًا فشيئًا الأسئلة الكبرى من المشاريع الثقافية الكبرى في العالم العربي، وتتوقف عند حدود أنشطة مظهرية؛ كافتتاح معرض، أو إقامة ندوة، أو اللهاث خلف جائزة».

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *