كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
اشرح لي الحب
اشرح لي الحب
قبعتك تهوي بهدوء، تُلقي السلام، تسبح في الريح،
رأسك المكشوف يترك أثره في الغيوم،
قلبك يهيم في مكان آخر
فمك يتجسد بلغات جديدة،
نبتة الزينة تملأ البلاد،
الصيف ينفخ زهرةَ النجمية بين الحين والآخر
ترفع وجهك المعمي بالرقائق،
تضحك وتبكي وتهلك بنفسك،
ماذا يجب أن يحدث لك أكثر من ذلك.
اشرح لي الحب
يدير الطاووس عجلته في دهشة جليلة،
الحمامة ترفع طوق الريش،
يفيض بالهديل، يتمدد الهواء
يصرخ العلجوم ويأخذ العسل البري البلد كله،
حتى في الحديقة
كل الأحواض الزراعية محاطة بغبار ذهبي.
اشرح لي الحب
السمكة محمرة، تجاوزت السرب
وتهوي من خلال الكهوف في قاع المرجان.
يرقص العقرب بخجل على موسيقا الرمال الفضية.
تشم الخنفساء الأكثر روعة من بعيد؛
لو كان لديًّ معناه فقط، شعرت أيضًا
بأن الأجنحة تلمع تحت دروعها،
وأخذت الطريق إلى شجيرة الفراولة البعيدة!
اشرح لي الحب
الماء يعرف كيف يتحدث،
تأخذ الموجةُ الموجةَ باليد،
في الكرم، تنتفخ حبات العنب وتقفز وتسقط
هكذا ببراءة، يخرج الحلزون من البيت.
كل حجر يعرف كيف يُليِّن الحجر الآخر!
اشرح لي الحب،
الشيء الذي لا أستطيع أن أشرحه:
هل عليَّ أن أقوم في الوقت القصير، الرهيب أن أتعامل فقط مع الأفكار وحدها
وألا أتعرف بنفسي على الحب وألا أفعل شيئًا للحب؟
هل يجب على أي شخص أن يفكر؟ ألا يفتقده أحد؟
أنت تقول: روح أخرى تعتمد عليه.. لا تشرح لي أي شيء. أرى السلمندر تمر بكل حريق.
لا مطر يطارده ولا شيء يؤلمه.
ماذا يجب أن أسمّي نفسي
كنت ذات مرة شجرة ومقيدة
ثم حلقت كطائر وأصبحت حرة.
كنتُ مقيدة في حفرة
حررني تصدع بيضة قذرة.
كيف أحمل نفسي؟ لقد نسيت،
من أين أتيت وأين أذهب
أنا مهووسة بأجسام عديدة
شوكة صلبة وغزال هارب.
أنا صديقة اليوم لفروع القيقب،
غدا سأخطئ في الجذع،
متى بدأ الشعور بالذنب
حيث سبحتُ بها
من بذرة إلى أخرى؟
لكن هناك بداية غناء أو نهاية تمنع هروبي،
أريد أن أهرب من سهم هذا الذنب
ستجدني في حبة الرمل أو في بطة برية.
ربما في يوم من الأيام يمكنني التعرف على نفسي
حمامةً أو حجَرًا يتدحرج
كلمةً مفقودةَ
ماذا يجب أن أسمي نفسي؟
دون أن يكون ذلك بلغة أخرى.
العالم واسع
العالم واسع
وكذلك الدروب من بلد إلى آخر
هناك أماكن كثيرة زرتها كلها
من كل الأبراج
رأيتُ كل المدن
رأيت كل البشر
الذين جاؤوا الذين مضوا
كانت حقول الشمس والثلج بعيدة
بين قضبان القطارات والطرق
بين الجبل والبحر
وكان فم العالم الواسع والمليء بالأصوات
قرب أذني.
كتبت في الليل أغنيات كثيرة
وشربت النبيذ من خمسة أكواب معًا
الرياح الأربعة تجفف شعري المبلل
في منازلهم المتبدلة
انتهت الرحلة
لكني لم أحصل على أي شيء
كل مكان أخذ قطعة من حبي
كل ضوء أحرق عيني
كل ظل مزق ثيابي.
انتهت الرحلة.
ما زلت مقيدة بالسلاسل إلى كل مسافة
لم ينقذني طائر عبر الحدود،
لا ماء يسحب إلى فمي،
ويدفع وجهي كي ينظر إلى أسفل
ونومي الذي لا يريد أن يتجول
أنا أعرف أن العالم صامت وقريب.
ستكون هناك شجرة خلف العالم
بأوراق من غيوم وتاج أزرق.
في لحائها شريط أحمر من أشعة الشمس
الريح تقطع قلوبنا
وتبرده بالندى.
ستكون هناك شجرة خلف العالم
وفاكهة في الأعلى
بقشرة من الذهب،
دعونا نلقي نظرة
عندما يتدحرج خريف الوقت
في يد الكون.
ولدت إنغبورغ باخمان في 25 يونيو سنة 1926م في مدينة كلاغنفورت النمساوية وتوفيت في روما يوم 17 أكتوبر 1973م متأثرة بالحروق البالغة بعد احتراق سريرها قبل ذلك التاريخ بثلاثة أسابيع.
بدأت حياتها الأدبية شاعرة، ولفتت الانتباه الى تجربتها منذ قصائدها الأولى. تجربة شعرية موغلة في الخصوصية وقدمت نصًّا شعريًّا مختلفًا الأمر الذي جعل المترجمين يتهافتون على ترجمة قصائدها ونصوصها إلى عدد من اللغات الأوربية كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية قبل أن تصدر مجموعتها الشعرية الأولى «الزمن المؤجل» 1953م التي حازت جائزة مجموعة 47 الأدبية (التي كانت قد ظهرت وحركت المشهد الشعري الراكد بعد الحرب العالمية الثانية) وشاركت باخمان بقوة فيها من خلال القراءات الشعرية والنقدية، وخصصت مجلة ديرشبيغل الألمانية العريقة صفحة الغلاف لها «شقراء هادئة في الحياة ومتمردة في الكتابة». لكن الأهم والأبرز في حياتها وشعرها كان ظهور الشاعر باول تسيلان الذي وجد فيها الشاعرة والمرأة التي كان يبحث عنها «ستزين الغريبة التي إلى جانبك كي تصبح الأجمل»، بينما كتبت باخمان عنه بعد انتحاره «أحببته أكثر من حياتي»، «الشخص الذي لم أعشق شخصًا كما عشقته، ولم أعش يومًا منذ عرفته دون الإحساس بتأثيره المطلق فيَّ».
تركت دراسة القانون واتجهت نحو الفلسفة واستضافتها جامعة فرانكفورت سنة 1959م كأول أستاذة زائرة وقدمت ست محاضرات حول الشعر تحت عنوان «أسئلة الشعر المعاصر».
إضافة إلى الشعر والنقد والدراسات الفلسفية كتبت النثر، والقصة القصيرة، ورواية واحدة. من أهم أعمالها: الزمن المؤجل (قصائد 1953م) استغاثة الدب الكبير (قصائد 1956م) الإله الطيب لمانهاتن (تمثيلية إذاعية 1958م) العام الثلاثون (مجموعة قصصية 1961م) مالينا (رواية 1971م).
المنشورات ذات الصلة
برايتون
... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر...
في طريق السفر تخاطبك النجوم
مغامرة صغيرًا كنتُ، صغيرًا جدًّا رميتُ صنارتي إلى البحر اجتمعت الأسماك معًا، رأيتُ البحر! * * * صنعتُ طائرة ورقية بسلك...
بين صحوي وسُكْرها
رغمًا ترددتُ.. لم أسكَرْ ولم أَصْحُ! في كأسكِ البرءُ أم في كأسكِ الجرحُ؟ قصّت جناحي بأفْق الحبّ أسئلةٌ ...
0 تعليق