كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
ستيفن هيرتوغ: ارتباك السوق النفطي ينذر بصعوبات ستواجهها منطقة الخليج
أكد الباحث الاقتصادي والسياسي في جامعة أكسفورد الدكتور ستيفن هيرتوغ أن النفط في الخليج هو القصة الجميلة بالنسبة للمواطن في السعودية والخليج، من خلال توافر مجموعة من الخدمات: الصحية والتعليمية وغيرهما، إضافة إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد وانخفاض مستوى البطالة. جاء ذلك في ندوةٍ نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في مايو الماضي، وأدارها يزيد الراشد وسط حضورٍ من المهتمين والمهتمات بالأطروحات الاقتصادية والسياسية التي يقدمها المحاضر.
في بداية الندوة قام الدكتور هيرتوغ بسرد مجموعة من الإحصائيات الرقمية والمعلوماتية التي تبين ارتفاع نسبة مستوى التعليم والجوانب الخدمية الأخرى في السعودية انطلاقًا من نقطة زمنية معينة، أي منذ عام 1979 حتى عام 2010م؛ ليخلص من خلال قياس المتوسط الإحصائي إلى تسجيل نسبة تتجاوز 150% وهي التي في السابق كانت بالكاد تصل إلى 40%، مشيرًا أيضًا إلى أن نسبة الوفيات نتيجة سوء التغذية أو عدم توفير الخدمات الصحية وصلت إلى 0% في مستوياتها الرقمية، كما أن استيراد الأدوية والأدوات الصحية بكميات هائلة وبمبالغ ضخمة من الخارج يعد دليلًا على تقدم المملكة في الشرق الأوسط في الجانب الطبي.
الدكتور ستيفن هيرتوغ أكد خلال الندوة أهمية مقولة الراحل الملك فيصل إلى حاكم دبي حين قال: «خلف كل ثورة هناك فقر». وأوضح أن ذلك يعكس الوعي السياسي لدى المملكة خاصة، وحكام الخليج عامة. وعدّ هذا الارتفاع الخدماتي في الجوانب المتنوعة التي تقوم على خدمة المواطن الخليجي وتوفير حياة ذات رفاهية عالية، «قائمًا على ركيزتين أساسيتين إحداهما: وجود كميات نفطية هائلة، ومشاركة حقيقية في الإنفاق الحكومي من الشعب».
وأشار هيرتوغ إلى أن الاستقرار السياسي في الخليج أسهم بشكل فاعل في تكوين النمو في القطاع البنكي السعودي، «من ناحية توافر السيولة المالية، وتمتعه برأس مال جيد، ومستوى ربحي مقنع»، مستعرضًا بعض التقارير الدولية التي قامت بتصنيف القطاع المصرفي السعودي كرابع أفضل وأقوى نظام مصرفي في العالم، ووفقًا أيضًا لتصنيف وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني في أعوام قريبة. «وكان لهذه العوامل وغيرها، مثل محدودية انكشاف القطاع على الخارج سواء بالنسبة للإقراض أو الاقتراض، دور مهم في بقاء القطاع المصرفي السعودي معزولًا نسبيًّا عن تقلبات الأسواق المالية العالمية في السنوات الأخيرة».
وأوضح أن الإحصائيات تشير إلى أن النظام المصرفي في المملكة «يعدّ من أفضل الأنظمة المصرفية أداءً في منطقة الخليج العربي وعلى المستوى الدولي. فعلى الصعيد الدولي يحقق النظام المصرفي نسبًا مرتفعة من العائد على الأصول والعائد على حقوق الملكية، تزيد على مثيلاتها في الدول العربية والآسيوية والدول المتقدمة إضافة إلى أن القطاع المصرفي السعودي يعد الأكبر حجمًا من ناحية إجمالي القروض وإجمالي الودائع».
وتطرق هيرتوغ إلى الصعوبات التي ستواجهها منطقة الخليج مستقبلًا في ظل ارتباك السوق النفطي، وتسابق الدول المجاورة والمستوردة نحو البحث عن بديل للطاقة، لافتًا إلى أن هذا يتضح من خلال الرؤية التي جرى إعلانها قبل مدة وجيزة تحت شعار «2030» مشددًا على ضرورة تجاوز تلك الصعوبات المستقبلية «التي قد تعدّ مخيفة فعلًا، عبر التركيز على محاور عدة تشكل بعدًا مهمًّا في صناعة حلول واقعية وملموسة»، وذكر من هذه المحاور: العمل بين القطاع العام والخاص والتنسيق بينهما؛ «إذ يعد ذلك مساهمًا أساسيًّا وحقيقيًّا لخفض معدل الأزمات المتعلقة بسوق العمل والقوة الشرائية مستقبلًا، والحفاظ على مستوى البطالة الذي يعد منخفضًا نسبيًّا مقارنة بالدول المحيطة. إضافة إلى استمرار النشاط الاقتصادي، فالتطور في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص كمفهوم وممارسة هو نتاج للإدارة العامة الحديثة التي ظهرت أواخر القرن العشرين والضغوطات التي فرضتها العولمة».
وقال هيرتوغ: إن هذه الشراكة «تلعب دورًا كبيرًا في تطوير البنية التحتية للقطاع العام، والاستفادة من الخبرات المتنوعة. إلى جانب استقطاب جهات استشارية معتمدة وعالمية لتقديم نصائح فعالة وأكثر شمولية مما هو مطروح الآن»؛ إذ إن المتطلبات المستقبلية، كما يرى، ستكون في ازدياد «نظرًا للكثافة السكانية التي تشهدها منطقة الخليج حاليًا والمملكة تحديدًا، إضافة إلى أن تلك الكثافة السكانية تتركز في فئة عمرية معينة وهي فئة الشباب الباحثين عن العمل».
وأوضح الدكتور ستيفن هيرتوغ أن سوق العمل غير الحكومي حتى الآن «لم يقدم عروضًا مغرية وتحفيزية لجذب الأيدي العاملة الوطنية، فالقيمة المالية التي تقدم شهريًّا لتلك الأيدي الوطنية في متوسطها لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال شهريًّا، ولا تتجاوز الخمسة آلاف، مع الأخذ في الاعتبار عدم شفافية الجهات الخاصة في عرض الأرقام الحقيقية حتى الآن فيما يتعلق بالمرتبات». وهذا يشير، كما يقول هيرتوغ، إلى أن الضغط على الجانب الحكومي ما زال قائمًا «ما سيخلق أزمة مستقبلية في رفاهية المواطن وعدم قدرته على الاستفادة من الخدمات البنكية أو التأمينية المهمة».
يذكر أن ستيفن هيرتوغ يعد من أهم الباحثين الأكاديميين المتخصصين في منطقة الخليج وشمال إفريقيا ، وتتجاوز خبرته البحثية عشرين عامًا، نشر خلالها كثيرًا من البحوث واسعة الانتشار فيما يتعلق بالشرق الأوسط وتحركاته الاقتصادية، إضافة إلى اهتمامه بسوق العمل الخليجي ودور البيروقراطية في الحد منه.
المنشورات ذات الصلة
رحلة الكتابة والخط والبحث عن الجوهر
تتناول النسخة الثانية من معرض «رحلة الكتابة والخط» الذي يقام في مدينة الرياض وينتقل لاحقًا إلى المدينة المنورة، البُعد...
مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي: نسعى لكسر الحواجز بين الأدب والفرد وبين الأديب وجمهوره
أوضح مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والترجمة والنشر خالد الصامطي، فيما يخص آلية عمل الشركاء الأدبيين، أن الهيئة...
تركي الفيصل يستقبل المبعوث الخاص الصيني للقضية السورية
استقبل الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في مكتبه بالمركز في سبتمبر...
0 تعليق