قررت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب حجب الجائزة هذا العام 2025م، وموضوعها: «الدراسات التي تناولت الهوية في الأدب العربي»؛ نظرًا لعدم وفاء الأعمال العلمية المرشحة بمتطلبات الجائزة. أما جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، فسيُعلَن عن الفائز في نهاية...
المقالات الأخيرة
ساشا ڤالتس
تعيد ابتكار الحياة على هامش الجائحة
بينما مر عام 2020م بكثير من الصعوبات والتحديات التي فرضتها جائحة كوفيد 19، كان الوسط المسرحي هو الأكثر معاناة من بين كل الأوساط الثقافية الأخرى. فمن ناحية كان يتعين غلق المسارح في البلدان كافة، وهو ما عاق المسيرة الطبيعية لفنون الأداء في العالم، ومن ناحية أخرى فَقَدَ معظم الفنانين المستقلين مصدر رزقهم، وانهارت مشروعاتهم القائمة على الفرجة الحية. ولما كانت ألمانيا من الدول التي طبقت أشد أشكال الحظر، فقد كان لزامًا علينا أن نفحص المحاولات القليلة التي تحدَّتِ القيود وابتكرت أشكالًا فرجوية جديدة تمكنت فيها الفرجة الحية من الوجود، ولو بقدر ضئيل.
تجربة ساشا ڤالتس واحدة من تلك التجارب النادرة، فقد بذلت مصممة الرقص الأشهر في ألمانيا مجهودًا إبداعيًّا كبيرًا؛ كي تتمكن من إعادة صياغة أحد أعمالها المسرحية الراقصة، لتقدمه بشكل يسمح بحضور الجمهور في المدة الصيفية الاستثنائية، التي سُمح فيها لبعض فضاءات برلين المفتوحة بالعمل لمدة قصيرة. «طقس الربيع»، ذلك العمل الموسيقي المذهل لستراڤينسكي، الذي ألفه عام 1913م، وصار أرضية ونقطة انطلاق لعدد من الأعمال الراقصة حول العالم، كان هو نفسه «طقس الربيع» الذي صممته وأخرجته ساشا ڤالتس مطورة عرضها السابق إلى نسخة جديدة تستجيب لحال وقواعد كورونا.
ففي الفضاء المفتوح والمتعدد لـ«راديال سيستيم» في برلين قسمت ساشا جمهورها المحدود إلى ثلاثة أقسام، وصنعت لكل قسم منهم مسارًا مختلفًا لمتابعة ثلاثة مشاهد مختلفة. يعني ذلك تسهيل حضور المتفرجين بالتوازي في ثلاثة أماكن/ مشاهد مختلفة على مدار ثلاث مراحل للعرض، كما يعني أن العملية الحسابية لتوزيع المتفرجين وتعيين مساراتهم قد صارت امتدادًا إلزاميًّا لعملية تصميم العرض، أي أن المصممة/ المخرجة صارت تصمم كذلك حركة المتفرجين ومساراتهم بجانب تصميمها للعرض ورقصاته. ولعل هذا البُعد يدعونا لنرى في المتفرج -وفق قيود الجائحة- عنصرًا فرجويًّا جديدًا، فنحن بوصفنا متفرجين هنا لا نراقب العرض فحسب، بل نراقب أيضًا أقراننا من المتفرجين وهم يتوزعون ويسيرون في مسارات مشابهة لنا أو مختلفة عنا، أي أننا كلنا نصبح متفرجين ومؤدين بشكل ما، نصبح كلنا مكشوفين في الحيز الفرجوي لكورونا.
هذا التقسيم والتصميم المبتكر يعني أيضًا أنه لم يعد هناك فضاء مسرحي واحد، بل حدث تفتيت للفضاء ربما يكون موازيًا ومماثلًا للتفتيت الذي حدث في الفضاء الاجتماعي؛ بسبب العزل وإغلاق المجال العمومي للمجتمعات. كما يعني كذلك أن كل مجموعة متفرجين تعيش تجربة الفرجة بشكل مختلف عن المجموعتين الأخريين، بينما تشاهد المجموعات الثلاث مشهدًا واحدًا مشتركًا في بداية العرض.
وعلى الرغم من أن كل متفرج يملك في الأصل إدراكًا مختلفًا ومستقلًّا عن قرينه، فلا أحد يشاهد العرض نفسه الذي يشاهده الآخر، فإن تجربة ساشا وضعت ذلك الاختلاف في البؤرة أكثر، فكأنه أحد مظاهر العرض وموضوعاته. يتأكد ذلك من خلال المشهد الأول -وهو المشهد المفترض أن تراه كل مجموعات المتفرجين- الذي يقوم على توزيع الراقصين في كل أنحاء الفضاء المفتوح. في هذا المشهد نراقب التشظي الكامل لحال العرض وحال الفرجة، فمن ناحية يسير كل متفرج على هواه ليشاهد ما تختاره عيناه، وبالإيقاع الذي تقره ذائقته. قد يتوقف المتفرج هنا ويسرع هناك، قد يسير متباطئًا عند المرور من راقص إلى آخر، وقد يتجاهل مشهدًا منفردًا دون أن يعي. كل فرد يسير في مداره وحيدًا ومن دون أية رقابة أو سلطة من صناع العرض. بينما يؤدي كل راقص وراقصة في الحال نفسها: حال الوحدة والعزلة والتناثر. ربما يكون المؤدون والمتفرجون إذن مرايا لبعضهم الآخر. وربما يكون هذا النسق المبتكر من الفرجة هو من إنجازات الجائحة التي جعلتنا نستكشف هشاشتنا ووحدتنا في مرايا عرض مسرحي راقص في لحظة استثنائية.
التصنيفات التي نحيا داخلها
لا يمكن ألا يلحظ المتفرج هنا العلامات التي صنعها العرض كي يسهل التعرف إلى أقسام المتفرجين ومساراتهم. فمثلما صممت ساشا حركة المتفرجين، صممت أيضًا نظامًا لتوزيعهم والتعرف إليهم، ولم يكن هذا النظام سوى إعادة إنتاج لمفهوم التقسيم والخَتم. فقد تعين على كل منا أن يضع ورقة ملونة لاصقة على ملابسه بلون يحدد المجموعة التي ينتمي إليها ومسارها. ربما يكون مؤلمًا لبعض المتفرجين أن يتعرضوا لتلك الخبرة التي قد تثير ذكريات قديمة متعلقة بالفصل والوصم، وعلى الرغم من أن العرض هنا لا يتعرض لذلك، فإن الذاكرة الانفعالية قد تأتي بذكريات بعيدة لمجرد الإحساس بفعل وضع العلامة. ومن تلك اللحظة يظل كل منا ينظر إلى علامات المحيطين، ويتعرف إلى مجموعته من علامات المتفرجين. تحل العلامة المصنوعة محل الاتصال الإنساني الحر، وتذكرنا بأنظمة الفصل الاجتماعي وبالتصنيفات التي نحيا داخلها من دون أية مساءلة أو نقد.
في ذلك المشهد الأول تظل هناك فرصة للتوحد بين المتفرج المنفرد الهائم على وجهه، والراقص المنفرد المسجون في حركته المتكررة. يا ترى من منا السجين الحقيقي؟ سجين الفرجة والانقسام والصمت، أم سجين الحركة المتكررة المحددة سلفًا والمفضوحة إجبارًا؟ بالنسبة لي وجدتني أميل بشدة نحو التوحد مع راقصة بعينها، وجدت وسط كل ذلك التشظي والانعزال والمسارات المحددة سلفًا فرصة للحميمية. كان بإمكاني وسط كل ذلك النسق الإلزامي أن أمكث أمام صورة واحدة إن راق لي ذلك، كان بإمكاني أن أقترب كيفما أشاء من تلك الراقصة، وكان بإمكاني أن أرقص إن أردت.
فجأة اكتشفت وسط كل احتمالات السجن والعزل، إمكانية للاتصال الإنساني العميق، إمكانية للحرية. أجل كانت هناك حرية لكني لم ألحظها للوهلة الأولى، لحظتها فقط عندما فقدت الأمل فيها. هنا وجدتني أتشبث بتلك القدرة النادرة على التحديق في عين مؤدية؛ لأنه لا يفصل بيننا سوى سنتيمترات. هنا أدركت أنها أيضًا تراني، أنني موجودة، وأنني جزء من العرض. ربما يُتاح لنا استكشافات كهذه في لحظات غير متوقعة، لكنها تظل دومًا استكشافات ذاتية لا يعرف عنها الآخرون شيئًا، ولا يمنع ذلك كونها استكشافات تدوم طويلًا وتؤثر فينا فيما بعد.
في المشهد الثاني للمجموعة التي أنتمي إليها فزت بفرصة الدخول إلى قاعة مسرحية! كان هذا إحساسًا غير متوقع بالمرة، اقشعر بدني بينما أجلس على الدكة الخشبية داخل الفضاء المربع المغلق. بعد شهور عدة أجد نفسي في قاعة مسرحية! يا إلهي يا له من إحساس! وهنا كان موقع مشهد رائع بمصاحبة موسيقا ستراڤينسكي المعجزة. شاهدت فريقًا كاملًا من الراقصين يؤدي تصميمات ساشا نحو نصف ساعة. وكان جزء كبير من التصميمات يقوم على الحركات الجماعية الموحدة.
بدا المشهد كأنه رجوع إلى الوراء في الزمن. وكأن مشهد البداية في الهواء الطلق هو واقعنا الحاضر، بينما هذا المشهد الجماعي الراقص هو ماضينا الذي نشاهده الآن بنوستالچيا حارقة. أدركت عبقرية ساشا توًّا: نحن نجلس -بعد تعقيدات مريرة- معًا. نحن نجلس متباعدين ومكممين في قاعة مسرحية. نحن نجلس أمام راقصين حاضرين فيزيقيًّا أمامنا. نحن نجلس ونشعر معًا ونشاهد المشهد نفسه معًا ونبكي معًا ونصفق معًا. كل المواجدة والتوحد والحال الإنسانية الجمعية ما زالت حية، ونحن ما زلنا كائنات حساسة تشعر ببعضها الآخر، وترسل طاقة عبر الهواء، وتتنفس بالوتيرة نفسها، حتى لو من خلف الكمامات. إنها الحياة.
هويات في كيان واحد
بدا الراقصون في رقصتهم الجماعية الموحدة -في معظم الأحيان- كأنهم نحن في الماضي، نحن الذين نشعر بحنين إلى الماضي، إلى أنفسنا كما تعودنا أن نكون. كنا نجلس ونشاهد أنفسنا في الماضي، ونشاهد في أنفسنا تلك أمل الاستعادة. كنا نجلس ونشاهد الماضي والحاضر والمستقبل المأمول في لحظة واحدة. هذا هو المسرح إذن، القدرة الفائقة على جمع كل تلك الأزمنة في لحظة، على نسج كل تلك الهويات في كيان واحد حاضر وفاعل وحساس. إنه كيان الفرجة أيضًا الذي يسقط إدراكه على العرض ويصنعه وفق تجربته الشخصية.
في المشهد الثالث تسنى لمجموعتنا الخروج لمشاهدة ثلاثة مشاهد في مشهد واحد، حيث سمح موقعنا من الفضاء المفتوح بالنظر لثلاث مجموعات من الراقصين على خلفية موسيقا «بوليرو» (لموريس راڤيل)، كل منهم في موقع مختلف لكنه داخل مجال الرؤية نفسه. هذه المرة الفرجة مختلفة أيضًا: نحن بالخارج وأحرار في الحركة، لكننا لسنا منفردين، ولا نشاهد راقصين منفردين ومعزولين، فالراقصون كانوا هم أيضًا في مجموعات. وكأن كل التصميمات الخاصة بالتقسيم والجمع والانفراد في هذا العرض تمثل كل تشكيلاتنا الاجتماعية على مدار الحياة. في مسارات وتصميمات ساشا ڤالتس يمر المتفرج بدورات حياتنا وتقسيماتنا الاجتماعية كلها. إنها أيضًا دورات الطقوس، وديناميكيات الفرد والجماعة، والسجن، والعزل، والتجمع والحياة. وعندما نودع العرض وفضاءه ونعود إلى الشارع، نشعر كأننا زرنا الحياة بأكملها لتونا، ثم عدنا إلى الواقع الذي يمثل لحظة ثابتة من مسار زمني وتاريخي طويل، لكننا استطعنا دمجه وتجاوزه بقوة خلال العرض.
كل ذلك يبدو كما لو كان قد تم في لحظة استثنائية من عمر الزمن، ومن عمر قيود كورونا في ألمانيا. وبالاستثنائية نفسها، تسافر ساشا مع فرقتها إلى إيطاليا في سياق يُحظر فيه السفر لمعظم دول العالم، لكنه كان مسموحًا في تلك اللحظة الاستثنائية الفريدة التي اقتنصتها ساشا وقفزت من برلين إلى روما. تقول ساشا عن رحلتها: «سيكون علينا أن نعيد صياغة العرض وتصميماته هناك، سيتغير حتمًا عما شاهدتِه في برلين. ففي روما سنقدم العرض في فضاء مفتوح وشاسع، وهو ما يؤهلنا لتجميع التصميمات التي فتتناها مسبقًا. وكأننا مررنا من التجميع إلى التفتيت؛ بسبب ظروف كورونا وقواعد العرض في ألمانيا، ثم استعدنا مفهوم التجميع في روما. وبفضل تلك المساحة الشاسعة والمفتوحة، ومع الاحتفاظ بالمباعدة، سنستطيع تقديم مشاهدنا الجماعية كما كان مخططًا لها فيما قبل كورونا. وسأقوم بتصميم نسخة جديدة من المشهد الجماعي الأخير لـ«بوليرو»، وأتمنى أن يسعفني الوقت».
التكيف مع الظروف المتغيرة
ربما علينا أن نعير انتباهًا إلى المجهود المضني الذي يقوم به فنانو المسرح والرقص للتكيف مع الظروف المتغيرة وأثرها في عملهم الفني. ولعل مصممة الرقص الأشهر في ألمانيا لا تعاني بشكل كبير الظروفَ الماليةَ السيئة لقلة فرص العمل أو انقطاعها، لكن يظل لزامًا عليها أن تعيد تصميم أعمالها بشكل مستمر وفي ظروف شديدة التوتر. ويمكننا عدّ هذه الممارسات المستجدة في إعادة تصميم الأعمال وتكييفها لقواعد كورونا بمنزلة تحديات إبداعية إلزامية، إذا ما أردنا الاستمرار في العمل وفي التفاعل مع الواقع الراهن، لكنها لا تنتمي بحال من الأحوال إلى ما تدربنا عليه وما خبرناه على مدار مسارنا المهني.
«ربما تدفعنا ظروف الجائحة إلى رؤية ما لم نكن نراه من قبل، أو ذلك الذي كنا نتجاهله»، تقول ساشا، وتضيف «فقد أظهرت الجائحة على السطح كثيرًا من مظاهر التمييز، والظلم الاجتماعي والاقتصادي؛ لذلك ففي المشهد الأول أحاول أن أدعو المتفرجين إلى الطواف حول الفضاء والمبنى داخله، فخلال هذا الطواف يقابلون راقصين منفردين، ويتمكنون من السير بحرية والتفاعل، لكنهم قبل ذلك كله يستطيعون رؤية زوايا من الفضاء كانت مخفية عنهم، تمامًا مثل الجوانب المخفية اجتماعيًّا. هناك الحائط الخلفي للمبنى، وتلك المساحة الضيقة التي تُخَزَّن فيها القمامة والنفايات، إنها تشبه العالم الخلفي والخفي لمجتمعاتنا، وفي العرض نزوره حرفيًّا ومجازيًّا كما لو كنا نعكس المنظور الذي اعتدنا عليه».
تضم فرقة ساشا ڤالتس تنوعًا هائلًا في الراقصين والراقصات، فهي نموذج للطاقم الفني الذي يجمع كمًّا هائلًا من الجنسيات والأعراق والألوان والأعمار، ومن هنا تهتم الفرقة بشكل خاص بقضايا العدالة ومناهضة التمييز والعنصرية، وهو ما يبرز خلال العرض لكن بشكل غير مباشر، فهي لا تتعرض لهذه القضايا مباشرة في عروضها، إلا أن مجرد رؤية اجتماع كل هذه الهويات المتنوعة يُعد في حد ذاته خطابًا نقديًّا للمجتمع الألماني والغربي عامة، في وقت زادت فيه حدة التمييز والظلم والعنصرية.
وقبل بداية العرض، نسمع صولو للترومبيت ألّفه فريدريش هاز عام 2014م إثر مقتل فريدريك غارنر، وكذلك خطبة طويلة مسجلة لكارولين أكا وهي تشرح ظروف القتل وتقدم استنتاجاتها وفقًا لنص كتابها المعنون «ضد الكراهية»، وكلها عناصر مساعدة تجعل المتفرجين يفكرون في اتجاه نقد التمييز والعدائية، حتى لو كانت تلك العناصر سابقة على العرض نفسه.
تلامس أجساد الراقصين
ومن التحديات التي واجهتها ساشا استحالة اللمس؛ إذ تقول في هذا الخصوص: «من أصعب التحديات لنا كان تقبل استحالة اللمس بين الراقصين. فوفقًا لقواعد كورونا يحظر على الراقصين التلامس، بينما في تصميماتي الراقصة أستخدمُ كثيرًا التلامس بين أجساد الراقصين، وهو جزء أساسي من لغتي الفنية، بحيث لو حذفنا ذلك العنصر يتعين علينا إعادة صياغة اللغة الحركية بأكملها. وعلى الرغم من أن ذلك قد أشعرني كما لو كنت أتقهقر في عملي، فإنني كنت سعيدة بالتجربة في مجملها. كما استطاع الراقصون والراقصات أن يعتمدوا على خبراتهم السابقة في الرقص معًا، حيث استدعوها في ذاكراتهم الحسية والجسدية وهو ما سهل عليهم المهمة».
وتمضي قائلة فيما يشبه الإضاءة للعمل: «لكي أنهي العرض بإحساس من التفاؤل والإشراق قررتُ أن أستخدم موسيقا «بوليرو» التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب، فهي تكاد تكون موسيقا أيقونية، وهي أنسب شيء يمكن أن يتلو موسيقا «طقس الربيع» لستراڤينسكي، كما أنني لم أود أن أستخدم موسيقا حديثة أو معاصرة. يفصل بين موسيقا ستراڤينسكي وراڤيل خمسة عشر عامًا، فالأولى -طقس الربيع- كُتبت عام 1913م، بينما كُتبت الثانية عام 1928م، وبينهما الحرب. وعلى المستوى الموسيقي يمكن أن نلحظ توافقًا بين المقطوعتين، وهو توافق تسمح به «بوليرو» بموسيقاها الأساسية غير المتخمة».
قد يندهش بعض القراء من أن جزءًا من بروڤات العرض قد تمت في الحدائق العامة، فبسبب ظروف الإغلاق لم يكن فضاء العرض متاحًا دومًا للتدريب، ومن هنا اختارت ساشا أن تتدرب مع راقصيها في الهواء الطلق. وكان اختيار الحدائق العامة اختيارًا يمثل الرغبة في الانخراط مع الناس العادية، مثل الأطفال وأمهاتهم، «تسهم هذه الخبرة في تغذية التدريب والبروڤات، كاسرة الحاجز الاعتيادي بين الفنان والشارع، وكذلك كاسرة الفقاعة التي عادة ما يحيا داخلها الراقصون في مسارحهم أو قاعات التدريب المغلقة عليهم. بدا ذلك كأنه شكل من أشكال استعادة الحياة، وكأن ظروف كورونا قد ساعدتنا -أو دفعتنا- لاسترجاع علاقتنا بالفضاء العمومي وبالطبيعة».
في فرقة ساشا ڤالتس هناك مساحة للمساواة والمشاركة والتنوع، هناك مساحة للإنصات وللتخلي عن الوصم سواء كان وصم اللون أو العرق أو العمر. هناك راقصون في فرقتها في أواخر الخمسينيات من عمرهم، إنهم يثبتون أن التقدم في العمر -إذا صاحَبَه اهتمام بصحة الجسد وعدم استغلاله واستنزافه- لا يحول دون التقدم في الرقص والإبداع، وأن الخبرة تعني النضوج والقدرة الاستثنائية على التعبير المنفتح عن الهشاشة والتجربة. في فرقتها يعمل الجميع معًا على إنتاج الحياة وعلى الاحتفاء بها.
المنشورات ذات الصلة
الكاتبة السعودية ملحة عبدالله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن
حين تقرر عمل لقاء مع من يطلق عليها سيدة المسرح السعودي الكاتبة والناقدة الدكتورة ملحة عبدالله، التي كرمها مهرجان...
المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز
وُلدت في عائلة من الفنانين المسرحيين. عندما كنت فتى يافعًا، كان أصدقاء والديّ يقولون لي دائمًا: إن المسرح هو بالتأكيد...
«آخر البحر» مسرحية جديدة فاضل الجعايبي يواصل مساءلة المجتمع وكشف الخفايا النفسية
تواصل مسرحية «آخر البحر» للمخرج التونسي فاضل الجعايبي سلسلة عروضها في قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة، وتواصل إثارة...
0 تعليق