كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...
المقالات الأخيرة
«جودة الحياة» مفهوم تأمَّلَه الفلاسفة..
وخُطَطُ التنمية جعلتْ منه غايةً لها
«جودة الحياة» لم تعد مجرد هدف أو شعار ترفعه بعض بلدان المنطقة، سعيًا إلى حياة أفضل لمواطنيها، إنما تحولت إلى هاجس يومي نشهد صورًا لها في عدد من الأنشطة التي تُنَظَّمُ بين آنٍ وآخر، أو أن هذه الأنشطة في تعددها وتنوعها واختلافها هي تَجَلٍّ لجودة الحياة، التي يعيشها الناس بِنِسَبٍ مختلفة في هذا البلد أو ذلك. لكن «جودة الحياة»، كمفهوم طُرِحَ ولا يزال يُطْرَحُ في دوائر المثقفين والمفكرين والفلاسفة، بُغية استيعابه مفهوميًّا، فعبارة «جودة الحياة»، دائمًا ما تثير الجدل، وَفْقَ ما يقوله الباحث الأميركي بروس جينينغز الذي يرى أن رواد الفكر الغربي، بداية من أفلاطون وأرسطو، ومرورًا بجيرمي بنثام، وإيمانويل كانط، وجون ستيوارت ميل، وكارل ماركس، وفريدريك نيتشه، وجون ديوي، قدموا أفضل ما لديهم في سبيل حياة إنسانية أفضل، وهكذا فعل كبار الكُتَّاب المسرحيين والشعراء والروائيين في العالم، «ومع ذلك لم يحُز أي إسهام مما سبق على الإجماع أو القبول العالمي».
إذن، نحن أمام مصطلح أو مفهوم يختلف حول تعريفه الفلاسفة. الفلسفة، بحسب الناقد أحمد بوقري، كثيرًا ما كانت تشير إليه بمفاهيم مجردة من جذورها الواقعية: كالبهجة أو السعادة، أو كاللذة والرضى والمتعة. من ناحية، تحتاج المؤسسات إلى قياس معيار جودة الحياة، وتأثيره في حياة المجتمعات الحديثة، لأهمية هذا المعيار، كما يقول الدكتور علي بن تميم، في قياس نجاعة خطط التنمية ومدى تأثيرها في تطوير الخطط المستقبلية، «فمؤشرات التنمية لا تتجلى في ارتفاع مستوى الدخل وحده، بل في الارتقاء بجودة الحياة بمختلف جوانبها، وهي لا تقاس بالمؤشر الاقتصادي المرتكز على التنمية الاقتصادية فحسب، بل بحضور مختلف أنواع التنمية الثقافية والاجتماعية والبيئية».
ولا يوجد شك، في رأي الدكتور علي محمد فخرو، في أن ثروات حقبة البترول والغاز قد قادت إلى تمتُّع المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي بعدد من عناصر جودة الحياة، «لكن الأوضاع التي يواجهها الخليج العربي حاليًّا، يجب أن تقنعنا بضرورة إجراء تغييرات كبرى في مجتمعات دول مجلس التعاون، إن أردنا حقًّا الوصول إلى تحقُّق كل مكونات جودة الحياة لشعوبنا وأفرادنا في المستقبل».
إلى ذلك، أوضح خالد البكر المدير التنفيذي لقطاع دعم التنفيذ والمكلف لقطاع التسويق والتواصل في برنامج جودة الحياة، أحد برامج رؤية السعودية 2030، أن البرنامج نجح في تحسين جودة حياة الفرد والأسرة في السعودية، وتهيئة البيئة المناسبة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، والأنماط الأخرى التي يمكن أن تسهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة.
«الفيصل» تكرس ملف هذا العدد لجودة الحياة وأثرها في الفرد والمجتمع، ويحاول المشاركون، وهم باحثون وأكاديميون ومثقفون، مساءلة هذا المفهوم، ومحاولة التعرف إلى درجات تحققه في المجتمع، واقتراح كيفيةٍ لأنْ يتحقق من خلالها في وجوهه المختلفة، وليس اقتصاديًّا فحسب.
المنشورات ذات الصلة
صناعة النخب في الوطن العربي
صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...
الإبل في الثقافات: شراكة في الحضارة قفْ بالمطايا، وشمِّرْ من أزمَّتها باللهِ بالوجدِ بالتبريحِ يا حادي
آفاق السنام الواحد عهود منصور حجازي - ناقدة سينمائية منذ فجر التاريخ، كان إدراك الإنسان لتقاسمه الأرض مع كائنات أخرى،...
تجليات الفن في العمارة… رحلة بصرية عبر الزمن
العمارة والفنون البصرية علاقة تكافلية مدهشة علاء حليفي - كاتب ومعماري مغربي منذ فجر الحضارة حتى يومنا الحالي، لطالما...
0 تعليق