المقالات الأخيرة

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

جاك دريدا قارئًا أنطونان أرتو

كان الفلاسفة في الماضي يتكلمون عن اللوغوس والكينونة والأيس والليس والجوهر والظواهرية والكائن الأسمى... ولكن الفلسفة في القرن العشرين نزلت إلى أرض البشر وزنقاتهم وزواريبهم، وراحت تتدخّل في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامها بالأنطولوجيا والماورائيات والتاريخانية...

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

اليوتوبيا ونهاية العالم… القرن العشرون صحبة برتراند راسل

في 26 أكتوبر 1931م، كتب الفيزيائي والرياضي إدموند ت. ويتاكر، الأستاذ في جامعة إدنبرة، لابنه انطباعاته عن كتاب برتراند راسل الأخير «النظرة العلمية». نقتبس منها ما يلي: «يبدو الآن أنه بدأ يخشى من «المنظمة العلمية للإنسانية» (نوع من الدولة البلشفية بقيادة جي جي [طومسون]...

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم

يلاحظ المهتم بالأدب الروسي أن معظم الكتّاب الروس الكبار خاضوا في ميدان الكتابة للأطفال، بدءًا من شيخ كتّاب روسيا ليف تولستوي، الذي أغنى مكتبة الأطفال وقدم كتبًا لمختلف الأعمار، هي عبارة عن حكايات شعبية وقصص علمت الحب، واللطف، والشجاعة والعدالة. نذكر منها «الدببة...

الأدب والفلسفة

الأدب والفلسفة

هناك طريقتان للتعامل مع مشكل علاقة الفلسفة بالأدب: الطريقة الأولى، طبيعية تمامًا، وتتمثل في البحث عن الدروس الأخلاقية التي يقدمها الأدب من خلال الشعر والرواية مثلًا، وذلك ما قام به أندريه ستانغوينيك في كتابه «La Morale des Lettres» (أخلاق الحروف)، وأيضًا مارثا...

برايتون

برايتون

... يصل القطار إلى «برايتون»، يعلن ذلك قائد القطار، يشاهد اللوحات الجانبية على رصيف المحطة تحمل اسم «برايتون»، خدر لذيذ يعبر رأسه، تخلبه أشتات يوم قديم، يمسك بمعصم ابنه ويسيران إلى خارج المحطة، ينحدر بهما طريق يمتد من محطة القطار ويصب في شاطئ البحر، يقف أمام البحر...

كتاب سعوديون يتأملون الحياة في شروط أفضل

خالد البكر: «قابلية العيش» و«نمط الحياة» مفهومان نعمل على تمكينهما

بواسطة | مايو 1, 2021 | الملف

أوضح خالد البكر المدير التنفيذي لقطاع دعم التنفيذ، والمكلف لقطاع التسويق والتواصل في برنامج جودة الحياة، أحد برامج رؤية السعودية 2030، أن مركز برنامج جودة الحياة ذو شخصية اعتبارية مستقلة، أقره مجلس الوزراء، ويعمل وفق محورين أساسيين؛ الأول: تمكين برنامج جودة الحياة. والمحور الثاني يرتبط بإطاره التنظيمي الذي يهدف بصورة عامة إلى أن يكون المركز مرجعًا لجودة الحياة في السعودية، من خلال تشجيع وحَفْز إنشاء المعاهد والمراكز التدريبية، ورعاية المواهب والكفاءات المتخصصة في مجالات جودة الحياة.

ويلفت البكر إلى أن برنامج جودة الحياة أسندت إليه أربعة أهداف إستراتيجية عند إطلاقه، وأضيفت إليها أهداف أخرى «تندرج في إطارها مبادرات عدة، يعمل البرنامج على التأكد من تحقيق غاياتها مع الجهات التنفيذية على اختلافها، ومن هذه الجهات وزارة الرياضة، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة للترفيه، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، ووزارة الداخلية، ووزارة التعليم، ووزارة الإسكان، إضافة إلى جهات تنفيذية أخرى سيُعلن عنها مع الأهداف الجديدة ومبادراتها قريبًا».

وأشار إلى أن تمكين برنامج جودة الحياة لأداء مهامه يرتكز إلى محورين: «الأول التأكد من تنفيذ المبادرات في وقتها، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والمحور الثاني تذليل العقبات والتحديات التي تواجه الجهات التنفيذية في إطار عملها».

وذكر البكر أنه عند وضع برنامج الجودة «درس المكلفون به ستة مؤشرات عالمية تُعنى بجودة الحياة، ووُسِّعتْ نماذجها التعريفية لتتناسب مع حاجات السعودية، والمؤشرات موجودة في وثيقة البرنامج التي نُشِرتْ في مايو 2018م، وستُنشَر نسخة مُحدَّثة عنها قريبًا. وبناءً على الدراسات التي لُخصت في وثيقة البرنامج حُدِّدَ مفهومان مرتبطان بشكل مباشر بجودة الحياة وخصوصيتها الاجتماعية، الأول هو «قابلية العيش»، وهي المعايير الحضرية الأساسية للمعيشة… أما المفهوم الثاني فيخص «نمط الحياة» وهو مجموعة من خيارات وأساليب الاستمتاع بالحياة».

وعما تحقق للبرنامج من أهداف فيما يخص جودة حياة، قال البكر: «البرنامج نجح في تحسين جودة حياة الفرد والأسرة في السعودية، وتهيئة البيئة المناسبة لدعم واستحداث خيارات جديدة تُعزّز مشاركة المواطن والمقيم والزائر في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، والأنماط الأخرى التي يمكن أن تسهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة». وأضاف أن البرنامج حقق الكثير فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل في قطاعات جودة الحياة، «ومن ذلك ابتعاث سعوديين وسعوديات لدراسة مجالات مرتبطة بقطاعات الترفيه والثقافة، وتدشين وبناء الأكاديميات مثل أكاديمية مهد الرياضية، وأكاديميات للفنون… والبرنامج مقبل على تطوير كبير، فالمعرفة ازدادت بحاجات البلاد فيما يتعلق بجودة الحياة».

خيارات جديدة تعزز المشاركة

عبدالرحمن الحبيبكاتب سعودي

برنامج جودة الحياة هو أحد البرامج التنفيذية التي وضعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030. هذا البرنامج مَعْنيّ بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، عبر تحسين البنية التحتية بالارتقاء بالمعيشة السكنية والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية والطبيعية.. واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية التي تساهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة، كما سيسهم تحقيق أهداف البرنامج في توليد العديد من الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وفي تعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية.

تشهد المملكة تقدمًا واضحًا في جودة الحياة على المستوى الإقليمي والعالمي، وفقًا للمعايير المختلفة في نوعية الحياة مثل القوة الشرائية، والسلامة، والرعاية الصحية، والحد من التلوث، والانفتاح الاقتصادي والثقافي. ففي الآونة الأخيرة قطعت المملكة أشواطًا متقدمة وقفزات مشهودة في مجالات الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والصحية والأعمال التطوعية ونظافة البيئة.. ونرى ما يحدث في إنشاء أو تطوير معارض الفنون ومراكز الترفيه والسينما والمسارح والمتاحف. كذلك المراكز الرياضية الصحية والمتنزهات والحدائق العامة، وأنسنة المدن والحياء السكنية.. كلها تصب في تحسين جودة الحياة الاجتماعية للمجموعات، والنفسية والذهنية للفرد، وصحة البيئة التي لها دور في صحة الإنسان وتلافي الملوثات.

وإذا كانت صحة البيئة تعني العناية الصحية غير المباشرة للناس، فإن جودة الحياة تبدأ مباشرة بالصحة والغذاء وجودتهما، وخير مثال هو التفوق المذهل للسعودية في إجراءات مواجهة وباء كورونا سواء كانت إجراءات صحية أو تموينية غذائية أو تمويلية مالية.. فعلى سبيل المثال ما رأيناه من توفير الغذاء والدواء وجميع المواد الأساسية والثانوية بكل يسر وسهولة، في كل مناحي المملكة، في ذروة أزمة وباء كورونا، في وقت كنا نرى دولًا عظمى تخلو رفوف أسواقها من المنتجات الغذائية منذ الصباح الباكر. هذا التفوق السعودي تظهره أيضًا الإجراءات الأخيرة في التطعيم باللقاح المضاد لكورونا، التي تميزت بتنظيم مريح وسلاسة في الإجراءات، من التسجيل، ثم حجز موعد، إلى الوصول للموقع مع بشاشة من المستقبلين وتوفير الاحتياجات حتى المشروبات، وفي النهاية الحصول على وردة بيضاء من المودعين لك بالدعاء والتمني بالتوفيق، بينما رأينا كيف تعاملت دول كبرى من متاعب توفير اللقاح، ومن ارتباك في التنظيم والترتيب لتطعيم مواطنيها.

إذا انتقلنا من جودة الصحة إلى جودة الغذاء، وتماشيًا مع برنامج جودة الحياة، فقد نفذت وزارة البيئة والمياه والزراعة مشروعات جبارة، من أهمها إطلاق مشروع الممارسات الزراعية الجيدة التي تضمن سلامة المنتج للمستهلكين، وسلامة الإجراءات للعاملين، وعدم استنزاف الموارد الطبيعية وبخاصة المياه، أو الإفراط في استخدام المواد الكيماوية؛ أي زراعة مستديمة لمنتج سليم وبيئة نظيفة.. هذا المشروع الضخم يُعَدّ نقلة نوعية كبرى في القطاع الزراعي، ورافدًا لبرنامج جودة الحياة؛ لأنه يعني غذاءً صحيًّا، وزراعة مستديمة، وبيئة نظيفة.

جودة الحياة بين الأخلاق والسياسة

شايع الوقيانكاتب سعودي

من أجل تحقيق رؤية ٢٠٣٠ طُرِحَ برنامج «جودة الحياة»، الذي يهدف بشكل أساسي إلى تحسين نمط حياة الأفراد والأسر والمجتمع كله. وينطوي البرنامج على مشروعات عدة ذات طابع ثقافي وفني وترفيهي ورياضي. «جودة الحياة» شغلت الناس قديمًا، وتصدى الفلاسفة لها كغيرهم. وكان الفلاسفة منذ القدم مشغولين بسؤال: كيف نعيش حياة جيدة؟ وكان هذا السؤال في البداية ينتمي لفلسفة الأخلاق. أي يركّز على الفرد بصرف النظر عن محيطه الاجتماعي. وهكذا يرى سقراط أن غاية الحياة الجيدة هي تحقيق السعادة، وهذا يتم عبر الفضيلة. ويوافقه أرسطو، ويرى أن الحياة الجيدة هي الحياة الفاضلة، أي اتباع فضائل العدل والكرم والشجاعة والإحسان والتواضع وغير ذلك. ومع الفلاسفة اللاحقين صارت الحياة الجيدة مرادفة لِلّذة كما عند الإبيقوريين، سواء اللذة الحسية أو العقلية، أو مرادفة للصبر والزهد والاستسلام للقدر كما عند الرواقيين.

إلا أن فلاسفة العصور الحديثة أخذوا يفكرون في المجتمع والدولة بوصفهما الإطارين اللذين يسمحان بحياة جيدة. وهكذا دخلت معايير جديدة مواكبة للتطور العلمي والصناعي والتقني الحديث. وصار موضوع جودة الحياة مرتبطًا بالنشاط السياسي وليس الأخلاقي كما كان الأمر قديمًا. من أهم معايير جودة الحياة استتباب الأمن، وارتفاع المستوى الاقتصادي أو الرفاه، وتحسن الأوضاع الصحية والتعليمية، وسيادة الوعي النقدي، وحرية التعبير والاعتقاد. والأمن هو العامل المركزي، فبدونه ينهار النسق الاجتماعي وبقية الأنساق الفرعية المنطوية تحته كالتعليم، والصحة، والرياضة، والترفيه.

ولا جرم أن ينصب اهتمام حكومتنا على الأمن بكل معانيه. فهناك الأمن العام الذي يحرس المجتمع من الإرهاب والفساد، وهناك الأمن الفكري الذي يتمحور حول فحص الأفكار الرائجة التي قد لا تخلو من أفكار خطيرة وضارة بالفرد والمجتمع. والأمن الأسري وضرورة حماية الأسر وأفرادها من العنف المنزلي. استتباب الأمن يفتح المجال لما يأتي بعده في الأولوية، كالرفاه الاقتصادي والترفيه والرياضة والثقافة ونحوها. وقد حققت المملكة خطوات عظيمة في هذه الأطر، ولا تزال الجهود فاعلة. وكلنا أمل في أننا معًا، حكومة وشعبًا، سنصل ببلادنا إلى ذُرى الجوزاء، واعتلاء المراتب الرفيعة بين الأمم والشعوب.

مؤشرات قياس جودة الحياة

جعفر الشايبكاتب سعودي

هناك اهتمام عالمي متصاعد حول بلورة وتطبيق مفاهيم جودة الحياة بوصفها أساسًا للتنمية المستديمة، وخصوصًا ما يتعلق ببعد المشاركة المجتمعية في مختلف جوانب التنمية؛ لكونها الضامن الإنساني لها، فإغفال البعد الإنساني يفرغ الحياة وجودتها من العنصر الأساس فيها. فالصحة ضمن هذا السياق على سبيل المثال لم يعد ينظر إليها في غياب الأمراض فقط؛ بل في الاكتمال البدني والذهني والاجتماعي، أي من خلال تشكل عناصر مركبة ومتكاملة تشكل أبعادًا مختلفة لدور الإنسان فيها.

استخدم مصطلح جودة الحياة بداية للتعبير عن كفاية المسكن والعمل والصحة والبيئة، وشمل ذلك بُعْدين رئيسيْنِ هما: البعد الذاتي، ويتضمن الرفاهية الشخصية العامة والرضا عن الحياة والسعادة الشخصية، والبعد الموضوعي ويعني تلبية الاحتياجات الأساسية والاجتماعية، كأوضاع العمل، ومستوى الدخل، والمكانة الاجتماعية والاقتصادية، ويتميز بمجموعة من المؤشرات القابلة للملاحظة والقياس المباشر. وتُعَرِّف منظمة الصحة العالمية جودة الحياة بأنها «إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة وأنساق القيم التي يعيش فيها، ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع: أهدافه، وتوقعاته، وقيمه، واهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، وحالته النفسية، ومستوى استقلاليته، وعلاقاته الاجتماعية، واعتقاداته الشخصية، وعلاقته بالبيئة عامة، وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا المعنى تشير إلى تقييمات الفرد الذاتية لظروف حياته». (WHOQOL Group 1995).

يلعب الإنسان (الفرد والجماعة) دورًا محوريًّا في قياس جودة الحياة، إذ تركز جميع المؤشرات التي ترصد ذلك كونها تتعلق بالنواحي الأكثر أهمية في حياة الفرد، ومن ثم قياس مستوى الرضا عنها من حيث إن الحياة بالنسبة للإنسان هي ما يدركه من محيطه، وبالتالي فهي تعبير ذاتي عن جودة ما يدرك من الحياة. وهناك مجموعة مؤشرات عالمية معروفة لقياس جودة الحياة من أبرزها:

أولًا– التصنيف العالمي لقابلية العيش: وهو مؤشر سنوي يصنف المدن في 140 دولة حسب جودة الحياة الحضرية فيها بناء عوامل، من بينها الاستقرار والرعاية الصحية والثقافة والبيئة والتعليم والرياضة والبنية التحتية.

ثانيًا– مسح ميرسر (Mercer) لجودة الحياة الذي يصنف 231 مدينة بناءً على النقل، والبيئات السياسية والاجتماعية والثقافية، والخدمات العامة، والصحة، والبيئة وغيرها من العوامل.

ثالثًا– قائمة مجلة مونوكل (Monocle) لنمط الحياة، وهي قائمة سنوية تصنف 25 من أفضل المدن للمعيشة في العالم.

رابعًا– مؤشر السعادة العالمي ويصنف 155 دولة وفقًا لمستويات السعادة فيها، وذلك بناءً على حالة الفساد، وحرية الاختيار، ومتوسط العمر المتوقع، وإجمالي الناتج المحلي للفرد، والدعم الاجتماعي.

خامسًا– مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لجودة الحياة، وهو مؤشر يقارن جودة الحياة بين البلدان بناءً على 11 جانبًا أساسيًّا: الأمن، والصحة، والدخل، والوظائف، والتوازن بين الحياة والعمل، والتعليم، ومستوى الرضا، والسكن، والبيئة، والمجتمع، والمشاركة المدنية.

سادسًا- مؤشر ARRPلجودة المعيشة، وهي مبادرة متميزة من معهد السياسات العامة لقياس جودة الحياة في المجتمعات الأميركية، بناءً على النقل والصحة والاقتصاد والتعليم والإسكان والأحياء السكنية والبيئة والمشاركة المجتمعية والتساوي في الفرص. ولعرض سريع لمجمل المؤشرات نرى أن البعد الذاتي يشمل الاتجاه النفسي؛ كالاتصال العالمي، وبيئة الثقافة، والاستجمام، والأمان، والرضا، والسعادة والحريات، كما يشمل في الاتجاه الفلسفي التساوي في الفرص، والدعم الاجتماعي والعطاء، والاستقرار والدعم النفسي. ويندرج في مجال البعد الموضوعي الاتجاه السياسي؛ كالبيئة السياسية والأمن، والاتجاه الاجتماعي كالبيئة الاجتماعية والسكن، والجودة المعمارية والتصميم الحضري، والبنية التحتية، والتعليم. أما في الاتجاه الاقتصادي فيشمل البيئة الاقتصادية والسلع الاستهلاكية وفرص العمل، والاتجاه الطبي يشتمل على الصحة، والخدمات الطبية، والرياضات، والبيئة الطبيعية، ومكافحة التلوث.

من هنا نرى أن مؤشرات جودة الحياة تشمل مختلف العناصر التي تتشكل منها حياة الفرد، ولا يمكن اختزالها في جوانب محددة، وذلك من أجل أن تتكامل أبعاد جودة الحياة؛ كي يحقق الإنسان مستوى متقدمًا من جودة حياته، وأرى أنه من المهم الاستناد إلى مؤشرات القياس هذه، ووضعها كمعايير لنجاح أي مشروع في تحسين جودة الحياة.

الإحساس بالهوية والانتماء

أميرة كشغريكاتبة سعودية

يشير مفهوم «جودة الحياة» إلى مستوى الرضا فيما يتعلق بالجوانب الأكثر أهمية في حياة الفرد. ومن أجل الوصول لتعريف موضوعي قابل للقياس لهذا المفهوم لا بد من استعراض المؤشرات العالمية المتبعة في قياس جودة الحياة. تشمل هذه المؤشرات مستويين من المعايير هما: المؤشرات الكمية (المادية)، والمؤشرات النوعية (غير المادية).

تتضمن المؤشرات الكمية عناصر قابلة للقياس مثل مستوى الرعاية الصحية، وجودة التعليم، وجودة البيئة، والبنية التحتية، والخدمات العامة كالنقل والمواصلات، والاستقرار الاقتصادي وفرص العمل والأجور، والرياضة وسهولة ممارستها داخل المنزل وخارجه، والترفيه والترويح الذي يقاس بوفرة المرافق المتاحة للمجتمع كالمتنزهات والملاعب والحدائق العامة المتوافرة للأحياء السكنية، وأخيرًا البيئة الثقافية الفاعلة، مثل: توافر المسارح، ودور السينما، والمتاحف، والمكتبات العامة، والمهرجانات الثقافية. أما المؤشرات النوعية فتتضمن عناصر غير مادية، مثل مستوى السعادة لدى الأفراد، والأمن والأمان على المستوييْنِ الفردي والمجتمعي، ومحاربة الفساد، والتساوي في الفرص، والمشاركة المدنية، والدعم الاجتماعي للفرد من جانب مؤسسات الدولة، وأخيرًا لا آخرًا، حرية الاختيار والتعبير.

هذه المؤشرات متوافقة، في معظمها، مع «وثيقة برنامج جودة الحياة 2020» التي اطلعت عليها عبر موقع الرؤية 2030. أهم ما ورد في الوثيقة هما مفهوم «قابلية العيش» ومفهوم «نمط الحياة» مصحوبة بخطة التنفيذ. وحسب ما ورد في الوثيقة فإن «تطوير نمط حياة الفرد» يتطلب وضع منظومة تدعم وتسهم في توفير خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطنين في الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية. كما أن قابلية العيش يعني تحسين جودة الحياة، ووضع مجموعة واسعة من الأهداف والطموحات التي حددتها رؤية 2030 في المجالات الخاصة بالبنى التحتية والإسكان، وبرامج الرعاية الصحية، والفرص التعليمية والأمن والبيئة الاجتماعية المناسبة.

وأعترف أنني لا أمتلك الإحصاءات اللازمة كي أحدد مستوى التقدم الذي أحرزناه على المستوى الكمي الذي ورد في الوثيقة. ولكن ما أستطيع تأكيده هو التقدم الذي لمسته في مسار مستوى جودة الحياة الكمي الذي انعكس إيجابًا على الأفراد والمجتمع من خلال برنامج التحول الوطني في وزارة الثقافة التي أنشأت إحدى عشرة هيئة عامة خلال السنوات الأخيرة، مثل هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة التراث، وهيئة المتاحف، وهيئة الترفيه، وهيئة الرياضة، وغيرها. وقد أسهمت هذه الهيئات في خلق فرص وظيفية جيدة للمواطنين، وبخاصة الشباب منهم، وانعكس إيجابًا على حياة الأفراد النفسية والاقتصادية، فالعمل ليس فقط من أجل الحصول على الراتب وتحسين مستوى الدخل، بل أيضًا من أجل منح الأفراد الإحساس بالهوية والانتماء وفرص لتكوين علاقات مع الآخرين والشعور بالرضا والامتلاء.

إن من يمتلك القدرة على تقويم مؤشرات موقعنا وتقدمنا في ميزان جودة الحياة هم علماء الاجتماع ومراكز البحث والإحصاء، التي نسعى ونتطلع لأنْ تكون جزءًا مواكبًا لبرنامج جودة الحياة وبرنامج التحول الوطني لتحقيق الرؤية 2030 الذي يهدف إلى جعل المملكة أفضل وجهة للعيش للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وعلى الرغم مما نلمسه من تقدم ملحوظ في مستوى جودة الحياة الذي أحرزناه على مستوى الأفراد والمجتمع وهو ما انعكس إيجابًا على جودة الحياة الثقافية والنفسية والوظيفية، فإننا نطمح للمزيد، وبخاصة على مستوى المؤشرات النوعية الداعمة للمؤشرات الكمية.


‮«‬نور‭ ‬الرياض‮»‬‭ ‬احتفال‭ ‬بالأضواء‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة في‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية

يسلط معنى شعار معرض «نور الرياض» لعام 2021 «تحت سماء واحدة»، الضوء على الفكرة التي تدفع البشر للتجمع حول الضوء، وإمعان النظر في نار المخيم والتحديق في النجوم. وتشتمل النسخة الأولى من الاحتفال، الذي يقام في شهر مارس من كل عام، على أكثر من 60 عملًا فنيًّا عامًّا نُظِّمَت في جميع أنحاء مدينة الرياض. ويستعرض المعرض فنون الضوء منذ ستينيات القرن الماضي؛ كما يشتمل برنامجه على فعاليات متنوعة من الجلسات الحوارية والورش العملية والأنشطة العائلية وعروض الأفلام وحفلات الموسيقا. وعلى هامش الحدث تنظم لقاءات لمناقشة أعمال الفنانين المشاركين، مثل عمل الفنان الهولندي دان روزيغارد «الطبيعة المتوهجة»، وهو تجربة تفاعلية غامضة تتعمق في الجوانب الفريدة للكائنات الحية الدقيقة، التي يبلغ عمرها ٧٠٠ مليون سنة والتي تضاء عند اللمس.

بمثل هذا المعرض وفعاليات أخرى تجتهد الرياض لأن تصير إحدى أفضل مدن العالم من ناحية جودة الحياة، كما تفتح أبوابها لاستقبال الأعمال، وترحب بالزوار من شتى أنحاء العالم. ويهدف احتفال «نور الرياض» إلى تجسيد روح الإبداع من خلال استقطابه الفنانين والمبدعين في مجال فنون الضوء والموسيقا من المملكة ومن مختلف أنحاء العالم؛ إذ يشارك في الاحتفال ثنائي التوزيع الموسيقي: أمين عقيل، وحمزة علي، إلى جانب عازفة الكمان والمنسقة والمنتجة الموسيقية «كيان» بوصلات فنية موسيقية، تُعرَض حصريًّا على المنصات الإلكترونية الرسمية لاحتفال «نور الرياض».

والمعرض هو باكورة برامج مشروع «رياض آرت»، أحد مشروعات الرياض الأربعة الكبرى، التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 19 مارس 2019م بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، بهدف تحويل مدينة الرياض إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة. وكان «نور الرياض» قد انطلق بمشاركة أبرز الفنانين السعوديين والعالميين، ومنهم: أحمد ماطر، ولولوة الحمود، وأيمن زيداني، وراشد الشعشعي، ومها ملّوح، ودانيال بورين، وكارستن هولر، وإيليا وإميليا كاباكوف، ويايوي كوسوما، ودان فلافين.

كادر

المنشورات ذات الصلة

صناعة النخب في الوطن العربي

صناعة النخب في الوطن العربي

صورة النخب وجدل الأدوار محمد شوقي الزين - باحث جزائري مثل المنطوق الأوربي (elite)، تنطوي مفردة «النخبة» في اللسان...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *